تجـلية المحـنة
في حقيقة الفتنة
كـتبه : أحد طلبة العلم
وفقه الله
في حقيقة الفتنة
كـتبه : أحد طلبة العلم
وفقه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون) (آل عمران : 102).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (النساء : 1).
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) ( الأحزاب : 71)
أما بعد: فإن الله تعالى قد فرض علينا الدفاع عن دينه ومنهاجه بكل ما أوتينا من قوة سواء كان ذلك باليد أو باللسان أو بالقلب على مستوى مراتب الإنكار الثلاث, ولا يحل لمسلم أن يتنكل عن هذا الواجب ويرفع يده عن نصرة الدين والحق وأهله , و أوجب الرب سبحانه علينا أن نأخذ على يد الظالم الغاشم بحسب الحال والمصلحة, كما هو متقرر في قواعد الدين التي تقررت عند سلفنا عليهم رحمة الله تعالى.
ثم إنه ظهر في الآونة الأخيرة - من بعض من ينتسب للسلفية- أفعال مستنكرة ليست من دعوتنا السلفية, فالسلفية من فعله وطريقته بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام, فكتبت هذا التعقب بياناً لما قرره علماء الأمة حفظهم الله تعالى كأمثال الشيخ الوالد محمد بن عبد الوهاب الوصابي وبقية علماء اليمن في بيانهم الأول والأخير , وكذا ما قرره علماء الحجاز كأمثال الشيخ المجاهد ربيع بن هادي المدخلي , والشيخ الوالد عبيد الجابري وبقية علماء الدعوة السلفية في المعمورة .
فرأيت أن أظهر ما علمته من أمر هذه الفتنة العمياء الصماء, مع لفت النظر أني لم أنفرد بما أنا ذاكره إن شاء الله تعالى, بل إن ما في هذه الرسالة قد علمه الآلاف من إخواننا علماء وطلاب علم, بل علم به بعض عوام أهل السنة وبعض المبتدعة, وإلى الله تعالى المشتكى.
قد يقول قائل ولما عميت فلم تسم لنا نفسك؟!! فأقول لنفس السبب الذي قاله شعبة حيث أخرج مسلم في المقدمة ذلك فقال: حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي قال كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط فكتب إلي لا تكتب عنه شيئاً ومزق كتابي..اهـ
ثم إن هذه الفتنة التي كان حطبها أناس - نعوذ بالله أن نكون منهم- أشعلوا فتيلها؛ فأججوا نارها, وكانوا شر قائم فيها, وأسوأ ساعٍ وأخبث مستشرف, والله يعصمنا من الوقوع في نارها, التي لن تهدأ ولن تخمد نارها حتى تأخذ نصيبها كما هي سنة الله تعالى الكونية, قال الله تعالى( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ )
و إنني في هذا المقام أذكر تعقبات على بعض ما قيل في أمر هذه الفتنة العمياء الصماء, وهذه التعقبات أجعلها على النحو الآتي فأقول وبالله التوفيق:
التعقب الأول: المفهوم الخاطئ للنصح وضابطه الشرعي
لقد ظهر جلياً من تعامل الشيخ يحي بن علي الحجوري وفقه الله أن ما يقرره هو من أمر النصح لابد أن يقبل؛ لأنه لا يقرر إلا الحق, حيث سمعته غير مرة في الدرس العام يقول: "ونحن بحمد الله تعالى لا نقول إلا الحق, وما تكلمت إلا بالحق" وكان يكثر من التمثل بقول الشاعر:
ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي
والنصح أغلى ما يباع ويوهب
والكلام عن هذا التعقب من وجهين:
الوجه الأول : بيان أنه ليس كل من قال عندي نصيحة كان زعمه صحيحاً أو صواباً, وأوضح هذا الأمر بصورتين اثنتين:
الصورة الأولى: ليس كل من زعم النصح كان محباً الخير للمنصوح له, فإنه قد يدعي النصح من هو مبغض في حقيقة الأمر للمنصوح له, بل قد يكون مريداً الشر بالمنصوح له, وهذه الصورة في حقيقة الأمر ليست من النصيحة في شيء؛ لأن النصيحة: هي إرادة الخير للمنصوح له, والدعاء إلى ما فيه الصلاح والنهي عما فيه الفساد .اهـ
وقد أخبر الله تعالى لنا كيف انتحل إبليس شخصية الناصح, وليس ذلك وحسب, بل أكد حرصه على الخير – على حد زعمه - لآدم بأن أقسم بالله تعالى على أنه من الناصحين قال الله : (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) فإبليس لن يكون يوماً من الدهر من الناصحين , ولكنه لبس ثوب الناصح إغراء ؛ ليصل إلى مطلوبه ومرامه, ونحن ننزه الشيخ يحي أن يكون كذلك, ولكني ذكرت هذه الصورة بياناً لأنواع المدعين للنصح, و ( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) تأمل هذا تنتفع غاية النفع والله أعلم.
الصورة الثانية: أن يكون زاعم النصح مريداً الخير للمنصوح له, ولكنه لم يصب الحق فيه, وإنما جانبه وأخطأه, إما بجهل وإما بوهم وخطأ , وأمثل للقارئ اللبيب بما أخرجه الشيخان, واللفظ للبخاري عن ابن عمر رضي الله عنههما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ » تأمل أخي في الله, فهذا الصحابي الجليل كان مريداً الخير لمن نصح له بلا شك, ولكن انظر أخي اللبيب هل كان رضي الله عنه مصيباً في وعظه لأخيه؟ بل اجتهد في ذلك فلم يصب حتى علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن وعظه لم يكن في مقامه المناسب, وعلمه أن الحياء خير, فتأمل هذا جيداً تنتفع والله تعالى أعلم.
وهذه الصورة تتحقق في حالات ثلاث:
الأولى : أن يكون زاعم النصح على جهل مركب, ومثال ذلك توجيهات المبتدع لغيره, فهو يأمر بترك السنة وأخذ البدعة؛ لكونه يعتقد أن الحق في البدعة لا في السنة , وانظر إلى ما أخبر عنه الله لنا في القرآن عن فرعون وقومه, حيث قال الله تعالى: ( وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ* وهذه الحالة من أعسر الحالات؛ لذلك ترى أن رجوع المبتدع قليل نادر؛ لاعتقاده أن الحق فيما عقد عليه قلبه.
الثانية: أن يكون زاعم النصح على جهل بسيط, ولكنه إن علم الحق والصواب اعتقده وعمل به, وأَمْثَلُ ما وقفت عليه قصة ضماد رضي الله عنه فقد أخرج مسلم« عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ فَقَالَ لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ قَالَ فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ قَالَ فَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ قَالَ فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ قَالَ فَبَايَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى قَوْمِكَ قَالَ وَعَلَى قَوْمِي قَالَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً فَقَالَ رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ .» فتأمل في صنيع هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه كيف جاء يريد الخير للنبي صلى الله عليه وسلم, ولكنه كان جاهلاً بحقيقة ما يراه حقاً, حتى علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن نصحه هذا لم يكن حقاً, فعلم آنذاك أن توجيهه للنبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح, فتأمل هذا تنتفع والله تعالى أعلم.
الثالثة: أن يكون زاعم النصح على وهم وخطأ, وهذه يكون علاجها أيضاً عسيراً؛ لأن الزاعم مستدل على حد نظره, غير أن استدلاله الذي استدل به ليس بصحيح, والأمر في هذا نسبي, فقد يدعي رجل أنه ناصح, وأن ما قرره هو الحق و الصواب, بينما يرى المنصوح له أن ما قرره الأول ليس صواباً, وأن هذا الزاعم للنصح قد وهم في زعمه, وهذا كما تقدم أمر نسبي, فالأول يرى نفسه قد أصاب والآخر يرى خلاف صاحبه, فعلى المحاور ألا يشعر خصمه بالدونية وبأنه على الخطأ الذي لا صواب معه ولا إمكان صدور أي صواب عنه و القاعدة العامة هي أن على المحاور أن يهيئ ذهنه لتلقي الصواب من أي جهة عملاً بقول الإمام الشافعي رحمه الله: " قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب " ، وما روي عنه أنه ما حاور إنساناً قط إلا وتمنى أن يأتي الحق على لسانه .
خلاصة هذا الوجه: أن ما وقع من الشيخ يحي الحجوري- وفقه الله- من نقده الشيخ
عبد الرحمن العدني قد جانب الصواب, كما قال الشيخ عبد العزيز البرعي: "إن هذه القضية لا تخلو من إحدى اثنتين: إما فهم خاطئ أو نقل سيئ " وصدق وفقه الله, وهذا المحك هو مربط الفرس ومحل النزاع, تأمل هذا والله الموفق.
الوجه الثاني: الفهم الغريب لمفهوم النصح.
سبق أن ذكرنا أن النصح: هو إرادة الخير للمنصوح له, وإذا كان كذلك, فالنصح سواء كان صواباً أو خطأ, فلا يخلو الحكم فيه من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون هذا النصح متوقفاً على أمر يترتب عليه إخراج من دائرة السنة والحكم بالبدعة والحزبية, وعلى إثره يحل؛ لأجله الهجر فوق ثلاث, و التحذير و استباحه العرض, وذلك بحسب المصلحة.
ويؤيد هذا ما قرره الإمام الشاطبي-رحمه الله - حيث قال: وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة , لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً , وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية ؛ لأن الكليات [تضم ] من الجزئيات غير قليل , وشأنها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب.
ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة ,كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضاً , وأما الجزئي فبخلاف ذلك، بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة، وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين، حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون .
ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب، ولا هدم الدين بخلاف الكليات ...اهـ
قلت: ويتلخص مما سبق بسطه أن الرجل يخرج من دائرة أهل السنة إلى دائرة البدعة؛ إذا ما خالف أصلاً من أصول أهل السنة, لاسيما أصول الإيمان, أو أكثر وأغرق في المخالفة في مسائل الشريعة ولو في العبادات, كما هو شأن الصوفية.
وأضف إلى ذلك أن يتحزب في دين الله, فيغلو أو يفرط في الدين , وذلك كشأن السرورية و الحدادية والقطبية والإخوان المسلمين وغيرهم.
فمخالفة هؤلاء للسنة ربما ترجع أصل متقارب هو مبدأ الخروج على الحاكم والتكفير لهم والولاء و البراء إلى غير ذلك والله أعلم.
وهذا قد نص عليه أئمتنا المعاصرون كالعلامة الألباني والعلامة ابن باز وشيخنا مقبل الوادعي وكذا الشيخ ربيع بن هادي المدخلي وغيرهم من علمائنا والله أعلم.
الحالة الثانية: أن يكون النصح في أمر لا يستلزم الإخراج من السنة , و إنما يعتبر في نظر الناقد كذلك كما سبق الإشارة إليه آنفاً, من كلام الشاطبي -رحمه الله- بقوله: "وأما الجزئي فبخلاف ذلك، بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة" وفي هذه الحالة لا يحل لأجلها الهجر المطلق والتحذير المطلق و لا استباحة العرض المطلقة, وقيدتُ ذلك بقولي "المطلق" احترازاً من اعتراض البعض بهجر الثلاثة منهم كعب بن مالك رضي الله عنهم فهجرهم كان هجراً مقيداً للتأديب والله تعالى أعلم.
فالذي قد يحصل بين الإخوة السلفيين فهو من هذا القبيل, الذي لا ينبغي أن يوسع بابه ولا دائرته كما صنع ويصنع بعض من تزبب قبل أن يتحصرم, فيهجر إخوانه؛ لأمور تدل أنه طفل سفيه, لم يعرف الدعوة السلفية على أصولها والله تعالى أعلم وأحكم.
وما يقع من الخصومات لا يخلو من إحدى اثنتين:
الأولى: أن تقع الخصومة؛ فيغلو فيها أحد الأطراف المتنازعة فتؤول هذه الخصومة إلى حصول مخالفات في العقيدة والمنهج, وهذا ما حصل بين الحجوري و البكري في فتنة سابقة, حيث أن الخصومة كانت في بادئ الأمر ليست على دين, حتى غلى فيها البكري, فنفى السلفية عن السلفيين, وزعم أنه لا سلفي في اليمن إلا سلفيته؛ فسلك سبيلاً أوصله إلى طريق الغلو في الدين؛ فقلاه الناس, وهو في هذه الآونة قد رجع بحمد الله عما كان يقرره والله أعلم.
الثانية: أن تقع الخصومة, فيغلو فيها أحد الأطراف المتنازعة, فتؤول إلى المفاصلة, لكن على وجه الباطل والتقوّل, وبتعبير أوضح أن يتوهم الناقد وجود أخطاء تستدعى الحكم بالبدعة والحزبية عند من ينتقده, فيسعى جاهداً للبرهنة على زعمه وقوله, ولو لم يكن هذا دليلاً في نفسه, بل قد يستدل ويروم تقييد خصمه بحبال متينة كحبال العنكبوت!! ويراها براهين وحقائق لا تنكر !!
ولذلك سأضع سؤالاً من الأهمية بمكان وهو: هل الفتنة هي الوقيعة في الشيخ يحي أم هي محاولة إخراج الشيخ عبد الرحمن وبعض الإخوة من السلفية, وأي الأمرين حصل ابتداء ؟!!
سأذكر الإجابة لاحقاً إن شاء الله تعالى, ثم اعلم أن كل نقد حصل من شخص ما لشخص ما, مبني على اعتقاد الناقد حصول المخالفة التي تؤول إلى الحكم بالخروج عن السنة والانحراف عن الطريق الأمثل في نظر المنتقِد, وهذا يحصل على مراتب الإدراك الأربع : العلم ؛ والظن؛ والوهم ؛ والجهل, وأضرب لكل واحدة مثالاً:
المثال الأول: نقد أهل السنة السلفيين ما عليه أهل الرفض و الزندقة, فهذا النقد بني على يقين, فلا نشك لحظة زمان أنهم على الباطل, لأن هذا النقد مبني على الحجج القاطعة الدامغة.
المثال الثاني والثالث: نقد بعض أهل العلم بعضهم البعض في المسائل الفقهية, والأمر في هذا نسبي, كما نقرر أن السجود على الركبتين خطأ ووهم, والصواب السجود على اليدين, مع أن ما نقرره يحتمل احتمالاً ضعيفاً أن يكون هو الوهم, وعلى هذا ينزل قول الإمام الشافعي- رحمه الله- : " قولي صواب يحتمل الخطأ, وقول غيري خطأ يحتمل الصواب " فهذا مثال للظن والوهم, فتأمل هذا فإنه إن شاء الله تعالى نافع جداً والله تعالى أعلم.
وقد وجد من أهل العلم من كان يبالغ في نقد من خالفه في هذه المسائل كما كان يحصل من الإمام ابن حزم رحمه الله حيث ربما قال: قال من لا يخاف الله كذا وكذا , فالمسألة المبنية على خلاف سائغ لا ينبغي أن يكون الأمر فيه الشدة والغلظة, وقد عيب على ابن حزم سلاطة لسانه في أهل العلم حتى ذكر ابن خلكان قول ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين، وإنما قال ذلك؛ لأن ابن حزم كان كثير الوقوع في الأئمة المتقدمين والمتأخرين، لم يكد يسلم منه أحد ..والله تعالى أعلم.
المثال الرابع: نقد أهل الرفض و الزندقة ما عليه أهل السنة, فإنهم ينقدون أهل السنة بباطلهم, وهم في هذا على جهل مركب, ومن هذا الباب نقد بعض عوام المسلمين ما عليه طلبة العلم والله تعالى أعلم.
وخلاصة هذا الوجه: أن الحجوري يعتقد أن نصحه لم يكن خطأ, وأدل شيء على ذلك قوله: ما خذلني ربي في قضية قمت بها أبداً, ويغضب إذا ما قال له أحد: أنت لم تصب في حكمك على الشيخ عبد الرحمن , ويغضب إذا لم يقبل منه قوله, وهو بهذا الاعتقاد يخرج من السنة من ليس بخارج منها أصلاً, فسبيله هذا ليس من سبيل أهل السنة, أليس هو من أصول الخوارج, الذين يخرجون من الدين من ليس بخارج منه ويكفرون أهل الإسلام, والله تعالى أعلم.
التعقب الثاني: مفهوم المخالفة والبدعة عند الحجوري
وفي هذا التعقب أبين أن الحجوري لم يضبط هذا الأصل, وأدلل على صحة زعمي هذا بفتاواه في هذا الباب في دروسه العامة والأسئلة التي كانت ترفع إليه من بعض السائلين, حيث سئل ذات مرة عن بعض المخالفات التي تحصل عند العوام في الأعراس , فإذا به يقول هذا محدث!!
فعجبت من فتواه تلك وغيرها؛ لأن البدعة يقصد بها التقرب على الله تعالى, فأين قصد التقرب إلى الله تعالى في هذا المخالفة, وعلى هذا فإني أجعل هذا التعقب في بيان وجه الخطأ في مفهوم البدعة عند الشيخ وفقه الله حيث تكلم في قضية التسجيل التي جعل يصفه بالمحدث وأنه لم يكن معهوداً في دعوة شيخنا- رحمه الله- وهذا يدل على أنه لم يضبط البدعة بالضابط المعروف عند أهل السنة, حيث أن أهل السنة يضبطون البدعة بضابط حسن, ومن ذلك ما قرره الإمام الشاطبي حيث قال: "هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " والكلام عن التسجيل يدلنا أن الشيخ الحجوري وفقه الله لم يفرق بين المخالفة التي تكون من البدع, و المخالفة التي تكون معصية لا تصل إلى حد البدعة و لا تقاربها؛ لأنها لم يقصد بها التقرب إلى الله تعالى, هذا على التسليم جدلاً أن في التسجيل مخالفة شرعية, وأنها بدعة منكرة , وقد صرح به, وعليه نوجه السؤال: هل التسجيل قصد به التقرب إلى الله تعالى؛ لأن المخالفة لا تخلو من إحدى حالين اثنين:
أحدهما: أن تكون هذه المخالفة بدعة محدثة بمعنى الكلمة, وضابط هذه الخصلة أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى.
ثانيها: أن تكون هذه المخالفة معصية من المعاصي لا يقصد صاحبها التقرب إلى الله تعالى, فالتسجيل إما أن يكون مراداً به التعبد أو أريد به مجرد المعاملة ولا ثالث لهما , فإذا تقرر لديك أنه لا يصح وصفه بأنه من العبادات لعدم قصد التقرب, فتقرر أنه من المعاملات.
إذاً فالتسجيل: إما أن يكون في الشرعيات, والمخالفة فيها يمكن أن يقال فيها بدعة ويطلق عليها بـ« الشبهات», وإما أن يكون في العادات والمخالفة فيها تسمى معصية ويطلق عليها
بـ« الشهوات» و لدينا قاعدة أن «الأصل في العبادات التوقف و المنع والأصل في العادات الإباحة والجواز »".
فالتسجيل مجرد معاملة من المعاملات لا يجوز تحريمها إلا بدليل شرعي صحيح صريح كما هو متقرر في مظانه, فإن أبيتم إلا أنه من البدع قلنا لكم فما وجه القربة فيه؟!, و إنما هو وسيلة من الوسائل المباحة؛ لأن المعاملات لا تخلو من صورتين:
الصورة الأولى: أن ينص الدليل الشرعي على المنع منها, كما هو حال بعض المعاملات في البيوع كالربا والغش والزواج بنية الطلاق ونحو ذلك.
الصورة الثانية: أن لا ينص الدليل الشرعي على المنع منها, فهذه الصورة من المعاملات لا يحرم منها شيء البتة.
وإن أبيتم إلا أنها بدعة محدثة, قلنا قد أخطأتم في هذا الحكم, والدليل على زعمي هذا أمران:
أحدهما: عدم وجود الدليل على دخول هذه الوسيلة في أبواب التعبد, وأنى لكم ذلكم!
وزعمتم أنه دعوة للتكتيل الحزبي, فهل لا قلتم إن صراخكم وإنكاركم هو الذي سبب الفرقة والتعصب لكم؟!!.
ثانيهما: كونكم قد سلكتم طريق الغلو والتشدد, فحرمتم ما لم يحرمه الله تعالى, وتوهمتم أنه دعوة إلى الولاء و البراء الضيق, ولكن كما قيل رمتني بدائها وانسلت " والله تعالى أعلم.
وأما قوله: إن التسجيل لم يكن معهوداً في دعوتنا!!
أقول: إن تقريره أن التسجيل لم يكن معهوداً في دعوتنا عليه مأخذان:
المأخذ الأول: إن شيخنا مقبلاً عليه رحمة الله تعالى الذي كان له بالغ الأثر في الدعوة السلفية في اليمن, بل إن الغالب على السلفيين في هذه البلاد حرسها الله تعالى يعتبرون حسنة من حسنات الشيخ رحمه الله, ولكنه ما كان يدعو إلى تقليده, بل كان يدعو إلى الإتباع وينهى عن التقليد, حتى كان يقول لا يقلدني إلا غبي أو عصبي, وعلّمنا أن ندور مع الدليل حيث دار فجزاه الله عنا خيراً.
وأستطيع أن أجزم بأن شيخنا لو كان حياً واطلع على قضية التسجيل التي أنكرتموها لأقرها ورحب بها ودعا إليها, وهذا يذكرني بقول الأئمة إذا صح الحديث فهو مذهبي ولذا كان الإمام البيهقي رحمه الله يقرر المسألة ويقول وهو مذهب الشافعي بناء على تقريره لقاعدة دورانه مع الأدلة مطلقاً, وإن لم ينص الإمام عليها, وها أنا ذا أقول لو كان شيخنا حياً لقال بجواز هذه المسألة جزماً؛ لأن شيخنا لا يحرم ما لم يحرمه الله ورسوله والله تعالى أعلم.
المأخذ الثاني: لقد لحوظ أن الشيخ الحجوري وفقه الله يعتبر ما لم يقرره الشيخ رحمه الله ليس من السلفية, و ما لم يكن معهوداً في دعوة الشيخ رحمه الله تعالى ليس من دعوة السلفيين, بل تعدى هذا إلى الطعن في دعوة علماء السلفية في بلاد الحرمين حرسها الله تعالى بل هو عندهم من التمييع للدعوة, ولو كان من المسائل الاجتهادية بين العلماء, لكن هذا الحال يذكرني بتعصب أتباع المذاهب الذين بلغ تعصبهم الذميم مبلغاً فوق الوصف, ومن ذلك قول عبد الله بن محمد الأنصاري وهو ينشد على المنبر في يوم بمجلسه بهراة ":
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت
فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
وإنني في هذا المقام أضطر أن أوجه السؤال: إذا فعل التسجيل في عهد شيخنا رحمه الله هل سيكون له الصبغة الشرعية والجواز؟!! أم سيكون الجواب غير ما نتوقعه؟!
ثم ماذا لو علم القارئ اللبيب أن قضية التسجيل قد حدثت في دماج بمرأى ومسمع من كل أحد في دماج وغيرها في بعض أراضي أهل البلاد حفظهم الله تعالى وهذا بنظر الشيخ الفاضل عبد الوهاب الشميري ولا ينفي هذا أحد, غير أن الفرق بين القضيتين أن الأولى كانت في الفيوش والأخرى في دماج فيا قوم ما لكم كيف تحكمون؟!!
خلاصة هذا التنبيه: من الملاحظ أن إجلال الحجوري للشيخ رحمه الله تعالى قد أفضى به إلى تقليده وإن نفى الحجوري هذا الزعم فعليه أدلة من كلامه ومن ذلك قوله عن التسجيل لم يكن معهوداً في دعوتنا في أيام حياة شيخنا الوادعي!!
وقد تقرر من فعله أنه ربما قرر إطلاق الحزبية على كل من خالفه ولم يرض فعله ولو كان من جلة المشايخ والعلماء وما كلامه في البيانات الصادرة من العلماء في اليمن وفي غيرها عن القارئ اللبيب ببعيد والله المستعان.
ومن هذه الخلاصة يتبين لنا أن الشيخ الحجوري وفقه الله جاهل بالدعوة السلفية التي عليها أهل العلم في عصرنا كأمثال الشيخ ربيع بن هادي والشيخ عبيد الجابري وغيرهما من مشايخ الدعوة في العالم الإسلامي حرسه الله من كل سوء ومكروه , وقد لوحظ عليه أنه ربما قرر شيئاً في درسه العام ارتجالاً ثم يروم البحث عن الدليل لما قرره وهذا أمر خطير؛ لأنه بهذا قد شابه المبتدعة الذين يعتقدون ثم يستدلون, وأهل السنة يستدلون ثم يعتقدون, فتكون قواعدهم تبعاً للكتاب والسنة, وأهل البدع بخلاف ذلك؛ يقعِّدون القواعد ثم ينظرون في الكتاب والسنة؛ فلذلك تجد لهم من التحريف للنصوص وتأويلها على غير مراد الله ورسوله ما يعجب منه المسلم الحق, وهذا هو شأن من يعتقد ثم يستدل يقع منه الزلل والتحريف؛ لأن النصوص لا تستقيم مع قواعده ", وهذا يعود في نظري إلى سببين مهمين:
السبب الأول: أن الشيخ الحجوري وفقه الله لم يبنِ علمه على قواعد العلماء, بل إن علمه لا يخلو من حفظ معلومات متكاثرة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الإِنْسَانِ أُصُولٌ كُلِّيَّةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا الْجُزْئِيَّاتُ لِيَتَكَلَّمَ بِعِلْمِ وَعَدْلٍ ثُمَّ يَعْرِفُ الْجُزْئِيَّاتِ كَيْفَ وَقَعَتْ وَإِلا فَيَبْقَى فِي كَذِبٍ وَجَهْلٍ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَجَهْلٍ وَظُلْمٍ فِي الْكُلِّيَّاتِ فَيَتَوَلَّدُ فَسَادٌ عَظِيمٌ ".اهـ
السبب الثاني: أنه لا يحضِّر الدرس, ولا يبحث المسألة قبل تقريرها, وهذا سبَّب له الجهل بما هو قادم عليه من المسائل العلمية, فإنه يأتي إلى الدرس مباشرة فيقرأ في التفسير مثلاً فيقرر ويحرر في مسائل ليس له بها خُبْراً فنراه قبل المصير إلى نهاية الأقوال يرجح بينها وربما قرر و رجح قولاً ليس عليه دليل ولا سبقه إليه أحد من أهل السنة, وهذه حقيقة مرّة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وما أدري هل يظن من نفسه الوصل إلى درجة الرسوخ في العلم بحيث أن علمه يسعفه عند النظر في المسائل وعند الحاجة, والذي يظهر أنه لم يصل إلى هذه الدرجة وبالتأكيد, وقد يقول قائل ولمَ قبلت أن تجلس في درسه وهو عندك بهذه المنزلة الرديئة في العلم ؟!!
والجواب: قد كان السلف رحمهم الله يرحلون في طلب العلم المسافات الشاقة و الطويلة ثم إنهم يمتحنون مشايخهم ليعلموا مدى غور علمهم, كما كان الإمام ابن معين رحمه الله تعالى حيث نقل الإمام المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في «تنكيله» قال: وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخاً فسمع منه مجلساً ، أو ورد بغدادَ شيخٌ فسمع منه مجلساً فرأى تلك الأحاديث مستقيمة ثم سئل عن الشيخ وثَّقه اهـ
وجاء أن الإمام شعبة بن الحجاج قال سمعت من طلحة بن مصرف حديثاً واحداً, و كنت كلما مررت به سألته عنه ، فقيل له : لم يا أبا بسطام؟ قال: أردت أن أنظر إلى حفظه ، فإن غير فيه شيئاً تركته اهـ
ومن تصفح سيرهم علم صدق ما أقول, ولذلك أقول بكل صراحة إن الشيخ يحي لم يكن من أهل العلم الذين ضبطوا قواعدهم, وسأنبئك بشيء من قواعده التي قعدها مما يثبت عدم ضبطه لقواعد العلم والله تعالى أعلم.
وقد علم أهمية تحضير الدرس لما في ذلك من ضبط الفائدة ومن جعل يقرر المسائل ارتجالاً, فإنه قد يقرر ما يحب أنه لم يقله في دهره ويتمنى أنه لم يتكلم به أبداً وليس أدل على ذلك من قوله « بُلْ عليه» حتى رام الشريط فحذف منه ما قد طار في الآفاق, تلك الكلمة النابية في حق المشايخ الفضلاء حفظهم الله وربنا يقول ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) فالرجل إذا جعل يقرر ما لم يحط به خبراً, وقع فيما يعود عليه بالضرر, ومن تكلم فيما لا يحسنه أتى بالعجائب ".
التعقب الثالث: أنهم جعلوا الفتنة هي الطعن في الشيخ يحي الحجوري!! والسؤال هل الفتنة ابتدأت بطعن الحجوري في العدني أم ابتدأت بالطعن في الحجوري فحصل ما أطلقوا عليه القلقلة والبلبلة في المركز, ولهم على ما مزاعمهم في ذلك أدلة أنزلوها في غير منزلها, وقبل ذكرها أفيد القارئ بفائدة في شروط الاستدلال, فإن الاستدلال لا يكون صحيحاً معتبراً حتى يجمع شروطاً ثلاثة:
الشرط الأول: أن يكون الدليل الذي يستدل به صحيح الاعتبار.
الشرط الثاني: أن يكون سالماً من الاعتراض بحيث لا يكون منسوخاً مثلاً.
الشرط الثالث: أن يكون مطابقاً للمحل المستدل به عليه.
وقد استدل القوم بأمور لا يصح الاستدلال بها, وقد جعلت ما استدلوا به على مأخذين:
المأخذ الأول: استدلوا على حزبية الشيخ عبد الرحمن العدني وبعض إخواننا من طلبة العلم بقاعدة معروفة عند أهل العلم وهي ما قاله الإِمام أَبو حاتم الحنظلي الرازي رحمه الله تعالى : «عَلامةُ أَهلِ البدَعِ الوَقيعةُ في أَهلِ الأَثَر » وصدق, لكن بعض من ضعف فهمه لنصوص السلف رحمهم الله يفهم تلك النصوص بأوهام خاصة, فربما عمم ما ليس عاماً أو خصص ما ليس خاصاً أو أطلق ما ليس مطلقاً أو قيد ما ليس مقيداً.
ومن هذا الباب هذه القاعدة, فإنها لا بد أن تقيد بقيد مهم, وذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه لابد أن تكون الوقيعة في الأثريين مبناها النيل من الدين والسنة, لا أن يكون مبناها على أمور شخصية من أمور الدنيا, فإن احتمل أن الخصومة بسبب شيء من أمور الدنيا أو حظ النفس من حسد ونحوه, فلا يقال إن هذا طعن في الدين, فهذا الإمام محمد بن يحي الذهلي شيخ البخاري يتكلم في البخاري حتى كاد أهل زمانه يصدقون في البخاري تلك المقالات, و لله الأمر من قبل ومن بعد, وقد حذَّر الذهلي من البخاري أيما تحذير حتى قال: وَمَنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ .اهـ
فالقيد الذي لابد منه هو أن من تكلم في أهل السنة, لابد أن يكون كلامه عائداً إلى السنة والعقيدة التي يحملونها لا إلى ذوات الأشخاص, فالبغض والكلام في شخص ما, قد يكون لأمر دنيوي أو لأمر نزغ الشيطان, كما هو معروف و متقرر عند كل من كان صاحب إنصاف, والله تعالى أعلم.
الوجه الثاني: أنه لا يعتبر كل من تكلم في السني من المبتدعة؛ لأنه قد وجد أن تكلم السني في السني بناء على فهم خاطئ أو نقل سيئ أو تقول باطل أو بسبب زعارة في الخلق, وقد حصل الكلام من بعض الصحابة في بعضهم عن نوع من الاجتهاد وظن, كما حدث ذلك من عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب رضي الله عنه - وحاطب مهاجر بدري- قال: دعني أضرب عنق هذا المنافق فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مجتهداً متأولاً, وقد قال صلى الله عليه وسلم :(آية النفاق بغض الأنصار), وقال لعلي لا يبغضك إلا منافق.
فمن أبغض الأنصار؛ لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لأنه وجد الحرج في نفسه مما قد قضى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام من إظهار الإيمان بأيديهم ومن عادى علياً لمثل ذلك فهو أيضاً كافر وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك .اهـ
فهذه الكلمات قد حصلت من الصحابة في بعضهم غيرة على الدين عن اجتهاد, وقد يحصل الكلام بينهم بناء على أمر من أمور الدنيا كما في قصة اختصام الزبير بن العوام مع الأنصاري رضي الله تعالى عنهم جميعاً في أمر السقي , وأنت خبير بما قد يصدر من الإنسان وقت الغضب والخصومة والله تعالى أعلم.
وقد يحصل الكلام من شخص في غيره بغير ما حجة, فهذا أبوشامة فإنه بالغ في ذم الوزير جلال الدين الأزجي الحنبلي, والحط عليه بأمور لم يقم عليها حجة ً
وهذا إمام الحرمين يحط على الفوراني، حتى قال في باب الأذان:هذا الرجل غير موثوق بنقله.
وقد نقم الأئمة على إمام الحرمين ثوران نفسه على الفوراني، وما صوبوا صورة حطه عليه؛ لأن الفوراني من أساطين أئمة المذهب
الوجه الثالث: يلزم على قاعدتكم هذه أن تقبلوا كل كلام خرج من عالم في أي شخص كبر أم صغر وهذا ما تأباه الأدلة أكد هذا الأمر العلامة الناقد الشيخ عبد الرحمن المعلمي-رحمه الله- حيث قال: ليس نقد الرواة بالأمر الهين، فإن الناقد لا بد أن يكون واسع الإطلاع على الأخبار المروية، عارفاً بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية، خبيراً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم ، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب والموقعة في الخطأ والغلط، ويكون مع ذلك متيقظاً مرهف الفهم دقيق الفطنة مالكاً لنفسه، لا يستميله الهوى ولا يستفزه الغضب ولا يستخفه بادر ظن حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر ثم يحسن التطبيق في حكمه فلا يجاوز ولا يقصر، وهذه المرتبة بعيدة المرام لا يبلغها إلا الأفذاذ، وقد كان من أكابر المحدثين وأجلتهم من يتكلم في الرواة فلا يعول عليه ولا يلتفت إليه .
قال الإمام علي بن المديني: - وهو من أئمة هذا الشأن- أبو نعيم وعفان صدوقان لا أقبل كلامهما في الرجال، هؤلاء لا يدعون أحداً إلا وقعوا فيه».
ثم يرى هذا المسكين أن أئمة الجرح والتعديل لا يعرفون منهج أهل السنة والجماعة وأنهم غير مؤهلين لاستقراء أدلة الكتاب والسنة، فأي افتراء عليهم يفوق هذا, أترى أيها المسكين مثل الشيخ عبيد الجابري والشيخ ربيع المدخلي والشيخ محمد بن هادي والشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي وأمثالهم غير مؤهلين للحكم على أهل البدع, فأي تطاول وإسقاط لعباقرة الأمة وأفذاذها وأئمتها؟!!
فإذا اختلف عالمان من علماء الجرح والتعديل أو غيرهم في أمر ديني فالحكم في القضية لله لا للهوى وأهله الذين يأخذون بقول المخطئ ويردون قول المصيب.
والواجب فيما اختلف فيه من أمر الدين الرد إلى الله والرسول ، قال تعالى :( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ً) فينظر في قول المتنازعين في ضوء الشريعة وقواعدها المستمدة منها لا المفتعلة ,فمن وافق قوله شريعة الله وجب الأخذ بقوله, ومن خالفها رد قوله مع احترامه واعتقاد أنه مخطئ, هذا إن كان أهلاً للنظر والاجتهاد، ولا يقف المسلم المتبع موقف أهل الأهواء فيقول قد اختلف العلماء فلا يلزمني قول فلان وفلان ويذهب يتلاعب بعقول الناس فإن مثل هذا القول يجرئ الناس على رد الحق وإسقاط أهله, وصاحب الحجة يجب الأخذ بقوله إتباعاً لشرع الله وحجته لا لشخص ذلك الرجل وسواد عينيه .
ثم بناءً على قاعدتكم في باب التبديع يلزمك تبديع الإمام البخاري؛ لأن الإمام محمد بن يحيى الذهلي وأصحابه قد بدعوا الإمام البخاري وآذوه, ولكن العلماء وعلى رأسهم مسلم إلى يومنا هذا, خالفوا الإمام محمد بن يحيى فهل تبدعهم؛ لأنهم لم يتبعوا الذهلي ، وتقول لماذا خالفوه؟!! فأقول: لأنه ليس معه ولا مع أصحابه حجة !.
والإمام أحمد نفسه خالف الناس في شريك بن عبد الله النخعي وأبي نعيم؛ لأنه لم تقدم له الحجة على تبديعهما ولو قدموها له لقبلها والتزمها كما عهدنا ذلك منه ومن أمثاله رحمهم الله جميعاً.
إذاً فمدار القبول والرد هو الحجة وعدمها لا الهوى كما قررت أنت في دروسك العامة وجلساتك الخاصة والله تعالى حسيبك.
فالكلام المجرد و العري عن البراهين لا يعتبر به عند التحقيق قال العلامة المعلمي: في «مقدمة الجرح والتعديل»" وقد كان من أكابر المحدثين وأجلهم من يتكلم في الرواة فلا يعول عليه ولا يلتفت إليه"
المأخذ الثاني: استدل الشيخ الحجوري وفقه الله على صحة نقده لمن خالفه, باعتبار نفسه الدين والسنة وأن من طعن في الحجوري طعن على الدين والسنة وربط نفسه ربطاً لا ينفك بدماج حرسها الله من كل مكروه, و بنى على ذلك أن من طعن في الحجوري صار حزبياً مقيتاً.
وهنا سؤال يطرح نفسه لزاماً وهو: هل حصل الكلام في الحجوري اتفاقاً وابتداءً أم أنه حصل بوجه من المقابلة, لما حصل الظلم منه على إخوانه من طلبة العلم و بالأخص الشيخ عبد الرحمن العدني و مؤخراً الشيخ الوالد محمد بن عبد الوهاب الوصابي حفظه الله الذي وصفه الحجوري بصفات نابية وقبيحة و الله حسيبه في تلك الطعون وفي أهل العلم؟!!!
والجواب: إما نقول: إن الكلام والطعن والقدح بدأ من الشيخ عبد الرحمن العدني والأخوة من طلبة العلم, ثم تكلم الحجوري فيهم – وهذا ما يأباه الواقع – وإما أن يكون الكلام حصل اتفاقاً من الحجوري في إخوانه, ثم لما لم يُقبل كلامُه؛ تكلم هو في كل من لم يرض قوله وهذا ما يؤكده الواقع, حيث أن الجميع فوجئ بكلام الحجوري في العدني حتى تعجب كل من سمع الكلام, بمن فيهم من هو من المتعصبين للحجوري الآن, فإن زعمتم أن الطعن كان منذ فترة سابقة من الشيخ عبد الرحمن و من الإخوة طلبة العلم, قلنا لكم: لمَ سكتم على هذه المطاعن كل هذه الفترة؟!! ولمَ لم تذكروها للمشايخ في بدء الأمر؟ إنما كان كل لومكم على مسألة التسجيل في تلك الأراضي, وإذا كان الأمر بهذه الوتيرة فمن الذي طعن الأخوّة الإسلامية؟ ومن الذي أسقط المحبة؟!!
والكلام الذي حصل من بعض الأخوة, لا يخلو من صورتين:
الصورة الأولى: كان بسبب موقف الحجوري ومعاملته للمسائل التي ينقدها, فإن في طريقته حدة ظاهره وعدم رحمة, وهذا يذكرني بما مر بي في ترجمة شذيله -عزيزي بن عبد الملك- فقد كان في أخلاقه حدة والله تعالى أعلم.
الصورة الثانية: كان بسبب موقفه في معاملة المخطئين -إن حصل منهم الخطأ- فقد وقع في ذلك ظلم وعدم إنصاف, وسأدلل على صدق مقالي بحادثين إحداهما في الفتنة وأخرى من قبل ذلك بفترة لا أذكر قدرها الآن.
الحادثة الأولى: وهي تتعلق بطريقة الشيخ يحي وفقه الله في إنكاره على من خالفه في قضية قصر الصلاة وإن كنت أدين بأنها من الخطأ, وأوافق الشيخ, كما يوافقه على ذلك الشيخ عبد الرحمن, ولكنه لما تكلم في المسألة فسق الذين يقصرون الصلاة في دماج!! والمسألة خلافية معروفة, ولم يكتف بالزجر العام والتنفير من هذه المسألة, بل صار ينادي من عُرف عنه أنه يقصر الصلاة, فقال مرة أين فلان فقام الأخ, فقال له أترك مذهبك في المسألة ,وكان هذا أمام ما يقارب من أربعة آلاف طالب في الدرس العام فقال الأخ يا شيخ!! قال: أترك وإلا فأنت مطرود.
فكان هذا فيه الإحراج الشديد للأخ, وإن كان مخطأ, أعجز أن يرسل إليه ويجلس معه ويلزمه إن شاء بما يريد, أما أمام الناس فهذا أمر ربما لا تتحمله النفوس.
قل لي: أيها القارئ هب لو كنت في مكانه كيف يكون حالك؟! وهو يقول لك أترك ما تدين الله به بهذه الصورة الغليظة, وقد قال الله تعالى لنبيهصلى الله عليه وسلم : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر) والله المستعان.
الحادثة الثانية: لما تكلم عن بعض الإخوة واتُهم الأخ عبد الرحمن الفرنسي بتنفير الأخوة الفرنسيين من دماج, وحُكِم على الإخوة بأنهم من المجرمين, ورئيس هؤلاء المجرمين الشيخ عبد الرحمن, فدعا إلى البراءة من الشيخ عبد الرحمن من عند الكرسي فقام الأخ عبد الرحمن الفرنسي يريد تبرئة نفسه من الأمور التي نسبها إليه بعض المتعصبة للحجوري؛ فصاح به الحجوري أقول لك تبرئ من عبد الرحمن وفتنته!!.
وكان الموقف عصيباً جداً, أما أنا فبكيت من شدة الوقعة على الأخ وهو من الغرباء الذين أوصى الشيخ رحمه الله بالرفق بهم, ولكن إلى الله المشتكى أين الرحمة التي يدعيها بإخوانه طلاب العلم لاسيما الغرباء الذين فروا من فتن الكفر والفسق في بلادهم الكافرة, بل صار يدلس بل للأسف يكذب في أخباره, و أثبتُ هذا بما حكاه الحجوري عن أحد الأخوة الفرنسيين أنه قال له أنت قليل الأدب, فقال الحجوري أنا قليل الأدب؟! فقال الأخ الفرنسي: لا أنا لم أقل أنت قليل الأدب, بل قلت أنت سيئ الأدب!!
أنظر أيها القارئ متى حكاها الحجوري وكيف حكاها, وهل بيَّن من القائل وما الدافع لهذا القول؟؟!!
لقد فهم جميع ممن سمع هذا الكلام أن الكلام خرج أولاً ممن تعصب للشيخ عبد الرحمن -على حد زعمهم- و خرج ثانياً في هذه الأيام, وخرج ثالثاً في أمر هذه الفتنة العمياء, وكان هذا الصنيع من الحجوري فيه تلبيس وتعمية لمن سمع ولم يعلم متى ولا كيف ولا ممن صدر الكلام, ولكن أيها القارئ اللبيب اعلم أن الكلام الذي حصل من ذلك الفرنسي أولاً خرج في أيام الفتنة التي كانت بين الحجوري والبكري وهذا كان قبل ست سنوات من كتابة هذا المقال يعني أنه قبل حصول هذه الفتنة بدهر طويل وليس في هذه الأيام فتأمل أيها القارئ كيف حرَّك الحجوري مشاعر المشايخ كالشيخ محمد الإمام حيث غضب لمثل هذا الكلام السمج الذي يدل على قلة الأدب عند هذا الطالب ممن طعن في الحجوري إن صح التعبير والله من وراء القصد.
قد يقول قائل بل قد وجد من قال وثبت عنه بعض الطعن في الحجوري !!
فأقول قد وقع, ولكنه من باب قوله سبحانه (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)
ألم يحصل من الحجوري كثير ظلم لإخوانه؟!! فعلى ما يكون صبرهم أيضربون كل ليلة بأسواط لسانه الطويل ثم لا يجيبون ولو بكلمة آه آه, ولو بكلمة «كفى الظلم», ثم زن ما قالوه فيه - إن صح ذلك- بما قاله هو عنهم ما لكم كيف تحكمون؟!! أم أن أعراضهم له حل, وعرضه عليهم حرام, ولقد تعجبت من قول بعض الناس لما تكلم الشيخ عبيد الجابري حفظه الله في الحجوري قال: لو أن الشيخ أرسل إليه سراً!!
فقلت: عجباً والله, أينال من جمع ليس باليسير و لا يقال له لو أرسلت إليهم سراً, ثم يقال في غيرهم ما لم يحدث في أحد أين الإنصاف يا دعاة الدين؟!!
فالشيخ الحجوري وفقه الله لا يحسن معاملة الأمور و لا سياستها سياسة شرعية, بل قد ظهر هذا في فتنة أبي الحسن المصري حيث أنه أظهر لطلابه أن المشايخ والعلماء سواء علماء اليمن أو علماء المملكة كالشيخ ربيع وغيره من العلماء حفظهم الله جميعاً لم يعلموا بفتنة أبي الحسن وأنها قد انطلت عليهم حتى أبانها الحجوري, وما علم أن المشايخ كانوا يرفقون بالرجل يرجون عودته إلى السنة, بل ما درى أن الشيخ ربيعاً كان يناصح الرجل منذ سنة ست عشرة ولكن الله المستعان.
وقد عرف الحجوري بالتسرع في إطلاق الأحكام على الناس والكلام في الأعراض وأدلل على ذلك بمثالين من الواقع:
المثال الأول: لما قام أحد الأخوة الجزائريين وقال: - في الدرس العام- إن الشيخ محمد ابن علي فركوس حفظه الله تعالى يتكلم فيك- يعني الحجوري- ويطعن على دماج ويحذر منها؛ فعمي الحجوري من هذا المقول؛ فانهال على الشيخ فركوس سباً و ثلباً من هذا فركوس الذي لا يعرف نفسه! والله لألطمه لطمة لا يقوم بعدها !! وقال قولاً بليغاً في الفحش, وكان الأولى به أن لا ينطق بشيء من هذا الكلام قبل أن يتأكد من ثبوت هذا الخبر.
فاتصل بعض الأخوة الطيبين بالشيخ فركوس وسأله عن صحة ما نسبه إليه ذلك الطالب الذي لم يمض عليه في طلب العلم إلا نحواً من ثمانية أشهر في ذلك الحين.
فكان جواب الشيخ فركوس أنه لم يحصل منه هذا الزعم البتة بل هو ممن يحث على الدراسة في مركز دماج, ولم يكتف الشيخ فركوس بهذا فقط بل أصدر بياناً أفاد فيه تكذيب هذا الخبر وحثَّ الحجوري أن يتثبت من صحة الأخبار التي تنمى إليه خاصة في مثل هذه الأمور التي تؤثر على علاقات العلماء بعضهم البعض, وكلام الشيخ فركوس نشره على الشبكة موجود في موقعه على الإنترنت, فتوقعنا أن الحجوري سيرسل اعتذاراً للشيخ أو حتى يعنف ذلك الطالب الكذاب أو يذكر ذلك في الدرس العام مثل ما ذكره في الدرس العام, فانظر كيف يتعامل الحجوري مع ما ينقل إليه من الأمور, وكيف يقرر القدح ثم لا يؤوب و لا يتراجع عنه البتة فإلى الله المشتكى.
المثال الثاني: رفع للشيخ يحي الحجوري وفقه الله تعالى أن الأخ هاني بن بريك حفظه الله تعالى قد تلقى أموالاً باسم مركز لحج من جمعية إحياء التراث وأنه سلمها للشيخ عبد الرحمن العدني, فانظر ما كان موقف الحجوري من هذا الكذب المفضوح الذي كان في إسناده السامدي أو علي بن ناصر العدني, فالعلة من أحدهما والأقرب أنها من السامدي؛ لأن علي بن ناصر قد كتب تكذيباً للخبر وزعم أن هاني بن بريك هو الذي اخترع هذا الكذب ونسبه إلى علي بن ناصر.
وعلى العموم, كان الواجب على الحجوري بعد تيقنه من الكذب في ذلك الخبر, أن يراجع الكلام الذي قاله في تلك الليلة, ولكنه سل لسانه الطويل على الأخ هاني وعلى الشيخ عبد الرحمن وغيره من الأخوة الأفاضل, وللأسف الشديد لم يراجع كلامه وينقضه ولو بكلمه واحدة –كعادته- وهذا ظاهر عليه من التعجل في القدح والحكم بلا تروي و لا إنصاف والله تعالى يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
فكان الواجب أن يبين للناس أن الأخبار التي اعتمد عليها كذب, وقد عرَّف أهل العلم الكذب:بالإِخْبَار عَنْ الشَّيْء عَلَى خِلاف مَا هُوَ ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا والله تعالى أعلم.
التعقب الرابع: عدم تفريقه بين خبر الثقة وخبر الخصومات
وأعني بهذا التعقب أن الحجوري يقبل خبر من وثقه هو مطلقاً, وقد يكون عند غيره متهماً, فهذا الشافعي على جلالته ربما قال حدثني الثقة ثم لم يقبل منه أئمة الشأن وإن قيل إن المقصود به فلان أو فلان, فالشيخ الحجوري وفقه الله يقبل أخبار بعض الناس ممن عرف بالكذب خاصة وأننا في خصومة, ودليلي على هذا الزعم بحادثتين:
أحدهما: خبر السامدي في القضية التي سبق طرقها آنفاً والله المستعان.
الحادثة الثانية: التي تدل على تهوره وسرعة حكمه على من خالفه, وهي ما حصل لأخينا محمد الخدشي وفقه الله حيث أن أخاً عدنياً مضى عليه في طلب العلم مدة يسيرة جاء إلى الشيخ الحجوري وقال له إن محمداً الخدشي وصفه بأنه الرادار الخاص بالشيخ يحي – يريد صفة الجاسوسية- فاستدعى الحجوري محمداً الخدشي وقال له أأنت قلت كذا وكذا يا محمد؟؟!
فقال الأخ محمد: هذا الكلام كذب عليَّ يا شيخ, والله ما قلت هذا.
أتدري أيها القارئ ما كان جواب الشيخ يحي بن الحجوري لطالب له في طلب العلم إلى الآن نحواً من سبعة عشر سنة إن لم تكن أكثر, قد عرفناه منذ القديم في طلب العلم عند شيخنا رحمه الله تعالى؟!!!
قال يا محمد !! لعلك غضبتَ لم تدر ما قلتَ!! فقال الأخ محمد: يا شيخ أقول لك: والله ما قلت هذا الكلام, فكرر الحجوري كلماته: لعلك غضبت فقلت!!!
قلتُ: إنا لله وإنا إليه راجعون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, كيف يسوى بين طالب قد عرف بالعلم والتقوى وبين طالب..., الله أعلم أصدق أم توهَّم فإلى الله المشتكى.
ثم أين هو من قول النبي : « مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ » ثم لا أدري أوصل محمد الخدشي إلى درجة أنه لا يعقل الحال الذي كان فيه, أم أن الشيخ وفقه الله يريد أن يطبق على أخينا محمد مسألة طلاق السكران المطبق, عجباً والله و أيما عجب!!! ولكن رحم الله الإمام الشافعي القائل: "ورأيت الغفلة قد تدخل على أكثرهم فيقبل عن من يرد مثله وخيراً منه, ويدخل عليه فيقبل عن من يعرف ضعفه إذا وافق قولاً يقوله, ويرد حديث الثقة إذا خالف قولاً يقوله " والله تعالى أعلم وأحكم.
فظاهر من صنيع الحجوري أنه لا يفرق بين نبأ الثقة في الأخبار وبين نبأ الخصومة , وكتب أهل العلم قد امتلأت بعقد أبواب يسمونها الأقضية والأحكام, ثم يذكرون من تقبل شهادته ومن لا تقبل ومن ترد شهادته, ومن تلزمه البينة و ما يلزم المدعي وما على المدعى عليه وأنت خبير أنه قد لا يقبل القاضي شهادة إنسان لكونه قريباً أو عدواً, و هذا ليس من باب رد الشهادة من أجل الفسق, وعدم الوثوق فالرجل قد يكون إماماً معروفاً بالتقوى والورع ولكن في باب القضاء الأمر آخر فلا يقال هذا تقي لا يكذب فاحكموا له تأمل هذا تنتفع والله المستعان.
وما نُقِل من الأخبار في هذه الفتنة العمياء لا يخلو من إحدى صورتين:
الأولى: ما نقل على وجه الكذب الصريح والافتراء المحض, وليس أدل على ذلك من الأحداث التي سقتها للقارئ اللبيب.
الثانية: النقل الخاطئ أو السيئ وهذا كثير يطول ذكرها, ولكني اذكر على سبيل المثال حادثة واحدة من عشرات الحوادث, وهي ما نقله الأخ خليل التعزي , حيث أنه قدم زائراً إلى عدن وألقى كلمة في يوم الخميس في مسجد الصحابة وهو المسجد الذي يصلي فيه شيخنا عبد الرحمن, فقدم الأخ ياسين العدني زائراً الشيخ عبد الرحمن ومودعاً إياه فتكلما برهة من الزمان ثم انطلق ياسين لشأنه في الترتيب من أجل السفر إلى دماج حرسها الله, وكان الأخ إمام المسجد قد تكلم مع الأخ خليل عن خطبة الجمعة, غير أنه نسي أن يستأذن من الشيخ عبد الرحمن ويخبره بهذا الأمر فجاء يوم الجمعة وصعد الشيخ عبد الرحمن المنبر وخطب الجمعة وهو لا يعلم بما اتُفق عليه, فظن خليل ظناً سيئاً وهو أن ياسين والشيخ عبد الرحمن حين تكلما كانا قد تكلما بخصوص تهميش خليل بدليل أن ياسين لم يجلس لسماع الكلمة في يوم الخميس وكذا حصل هذا من الشيخ عبد الرحمن وفهم خليل أنهما قد تآمرا عليه وجلس خليل يأكل أصابعه في الخطبة وقد نفخ الشيطان في قلبه ناراً لم تسكن حتى أخبر شيخه بهذه المؤامرة فانظر أيها القارئ اللبيب إلى الفهم السيئ والنقل الخاطئ وإلى الله المشتكى.
التعقب الخامس: مخالفته لوصية الشيخ رحمه الله تعالى
قبل بيان المخالفة أذكر للقارئ اللبيب وصية الشيخ رحمه الله بنصها لكي تظهر المخالفة جلية قال شيخنا رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه, وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ويقول سبحانه وتعالى:
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)
ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِم ْ) ويقول سبحانه وتعالى:( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) وروى الترمذي في جامعه بسند صحيح عن أبي عزة يسار عن النبي : «إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة»، هذا الحديث كثيرًا ما أقرؤه على إخواننا في رحلاتنا, فإنا لا نستغرب أن يغدر بنا الأعداء فإن دعوةً واجهت الباطل متوقع أن يغدر بها أصحاب الباطل، ولعله قد قدر الله أن أموت على فراشي وكنت أرغب أن يختم لي بالشهادة مع الدعوة, الحمد لله على ما قدر الله على أنه قد قال غير واحد من العلماء: إن الرد على أهل البدع بمنزلة الجهاد في سبيل الله بل أفضل من الجهاد في سبيل الله، ولكن أسأل لله أن يرزقني الإخلاص فيما بقي من العمر.
وبعد هذا: فأوصي أقربائي جميعًا بالصبر والاحتساب، وليعلموا أن الله لن يضيعهم وعليهم بما علم النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تقول: «اللهم أبدلني زوجًا خيرًا من أبي سلمة الحديث
كما أني أوصي الأقرباء حفظهم الله ووفقهم لكل خير بأخينا الشيخ أحمد الوصابي خيرًا ,وألاَّ يصدقوا فيه، وأوصيهم بالشيخ الفاضل يحيى بن علي الحجوري خيرًا, وألا يرضوا بنزوله عن الكرسي فهو ناصح أمين، وكذا بسائر الطلاب الحراس الأفاضل، وبقية الطلاب الغرباء؛ فهم صابرون على أمور شديدة يعلمها الله من أجل طلب العلم فأحسنوا إليهم فإن الله سبحانه وتعالى يقول:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) والغريب يتألم من أي كلمة لاسيما وبعضهم أتى من بلده متنعمًا فأرفقوا بهم حفظكم الله, وإياكم أن تختلفوا دعوا الأمر في مسألة الطرد لأحمد الوصابي والشيخ يحيى والحراس, وأوصي قبيلتي وادعة أعزهم الله بطاعته أن يحافظوا على دار الحديث فإنه يعتبر عزًا لهم، وقد قاموا بنصرة الدعوة في بدء أمرها فجزاهم الله خيرًا , وأوصي إخواني في الله أهل السنة بالإقبال على العلم النافع والصدق مع الله والإخلاص.
وإذا نزلت بهم نازلة اجتمع لها أولو الحل والعقد: كالشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ أبي الحسن المأربي والشيخ محمد الإمام، والشيخ عبد العزيز البرعي، الشيخ عبد الله بن عثمان، والشيخ يحيى الحجوري والشيخ عبد الرحمن العدني، وأنصحهم أن يستشيروا في قضاياهم الشيخ الفاضل الواعظ الحكيم الشيخ محمد الصوملي فإني كنت أستشيره ويشير علي بالرشد, وأطلب من جميع من ذُكر ومن سائر أهل السنة المسامحة خصوصًا طلبة العلم بدماج فإني ربما آثرت بعض المجتهدين ولكن لا عن هوًى , واعلموا حفظكم الله أني خرجت إلى اليمن لا أملك شيئًا فعلى هذا فالسيارات ومكائن الآبار لمصلحة طلبة العلم تحت نظر الشيخ أحمد الوصابي والشيخ يحيى الحجوري، والأخوة الحراس ينفذ أمرهم إن لم يختلفوا , هذا وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة وأن يعيذنا وإياكم من فتنة المحيا والممات، إنه على كل شيء قدير.
مقبل بن هادي الوادعي
شهد على ذلك:
عبد الله بن صالح بن أحمد الوادعي.
صالح بن قايد الوادعي.
أبوحاتم عبد الله بن علي الفاضلي.اهـ
وبعد هذا فإننا نستفيد من هذه الوصية الهامة أن الحجوري وفقه الله كان أول من بدَّل ما أوصى به الشيخ عليه رحمة الله وإليك أيها القارئ اللبيب بيان هذه المخالفة:
أولاً: خالف شيخه رحمه الله في محاولة الانفراد بإدارة الدعوة في دار الحديث بدماج ومن الملاحظ أن الشيخ رحمه الله لم يكل الأمر للحجوري منفرداً بل قرن بينه وبين الشيخ أحمد الوصابي تارة وبينه وبين الشيخ أحمد الوصابي والحراس تارة أخرى وخاصة فيما تعلق بمسألة الطرد.
ثانياً: خالف شيخه في إقصاء من ولاَّهم الشيخ عليه رحمة الله أمر الحراسة بقوله: «وكذا بسائر الطلاب الحراس الأفاضل» وإن من الملاحظ أن القائمين بأمر الحراسة اليوم في دماج بعض الشباب الأحداث وبعضهم لم تنبت لحيته بعد, وأُقصي منها أمثال الشيخ تركي الوادعي والشيخ أحمد عربص الذي كان الحارس الشخصي للشيخ رحمه الله وغيرهم من أهل البلاد الذين شابت لحاهم في خدمة الدعوة منذ زمن شيخنا رحمه الله, وهم الذين أعطوا الحجوري مواثيقهم في نصرته والذود عنه , ولكنه لم يعرف لهم إلا التنكر و الإقصاء والإبعاد والله حسيبه.
ثالثاً: غلظته على الإخوة الغرباء لاسيما الأعاجم, والذين أوصى الشيخ بهم خيراً, بقوله: رحمه الله «وبقية الطلاب الغرباء؛ فهم صابرون على أمور شديدة يعلمها الله من أجل طلب العلم فأحسنوا إليهم فإن الله سبحانه وتعالى يقول:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) والغريب يتألم من أي كلمة لاسيما وبعضهم أتى من بلده متنعمًا فأرفقوا بهم حفظكم الله» فأين الرفق الذي أمر به الشيخ رحمه الله, بل أين الرفق الذي أمر الله تعالى به وأنت تحفظ القرآن العظيم وتتلوه في ليلك ونهارك, أم أنك وفقك الله قد حرمت الرفق كما هو ظاهر, أما اليوم فعندك «قم وتبرأ من عبد الرحمن العدني وإلا فعلت بك وفعلت !!» وليس ما يجري في دماج من الإهانة والتوبيخ لكل من خالفه في حكمه الجائر, إلا من أعظم الأدلة على مجانبته للوصية التي يستدل بها, وأما قوله: إن الشيخ أوصى به, فنقول: نعم أوصى بك خيراً, ولكنه لم يبح لك أن تظلم إخوانك وترميهم بالعظائم من الكبائر, فهم عندك فساق ومنافقون ولصوص وخونة ومجرمون وعصابة ومفتونون, والله المستعان عما تصفون.
رابعاً: خالف شيخه رحمه الله في فعله ما نهاه عنه من الاختلاف حيث قال الشيخ: رحمه الله «وإياكم أن تختلفوا» بل إن النهي عن الاختلاف والمنازعة امتلأ به الكتاب والسنة, وهذا ليس بخفي على كل ذي لب سليم قال الله تعالى: ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) فالاختلاف أصله مذموم, لاسيما وأن من تكلم فيهم الحجوري لم يحصل منهم التبديل والتغيير كما يزعم هو, بل إن الواقع يؤكد أن الذي غير وبدَّل هو الحجوري نفسه وليس الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا الشيخ عبد الرحمن ولا من تكلم فيهم, ولكن كما قيل رمتني بدائها وانسلت!! وإنني في هذا المكتوب سأبين بالأدلة أن التغيير حصل من الحجوري وليس ممن نقدهم هو والله المستعان.
خامساً: أنه خالف الشيخ بالانفراد بالبث في النوازل, وأما الشيخ رحمه الله فقد نص على الاجتماع بقوله: «وإذا نزلت بهم نازلة اجتمع لها أولو الحل والعقد: كالشيخ محمد بن عبد الوهاب...الخ » وأنت خبير بما تعني كلمة اجتمع لها أولوا الحل والعقد, فلو انفرد بعضهم بالحكم فلا يقبل منه, إلا لو برهن على زعمه بالبراهين الدامغة لا ببراهين قوية بقوة خيوط العنكبوت, وقد انفرد الحجوري بالطعن في علامة اليمن بعد شيخنا رحمه الله وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي الذي يعد الشيخ الثاني لجميع مشايخ السنة في اليمن, فقد تلمذ عليه جميع المشايخ بمن فيهم الولد العاق!! بل استعد أن يتكلم في أي شخص خالفه ولو كان من الجبال الشامخة, كما قال ذلك لي ولغيري«اجعلهم يردون علي أنا» قالها لي في مجلس بيني وبينه وحضور بعض طلاب العلم حول قاعدته في عدم تقسيم المبتدعة إلى دعاة وغير دعاة.
أقول: إن الناظر في هذه القضية يعلم يقيناً أن أهل العلم في اليمن وفي الحجاز لم يوافقوا الحجوري في قدحه في العدني وقد ذكرني هذا أيضاً بما حدث من إمام الحرمين حيث قال
الذهبي: وكان إمام الحرمين يحط على الفوراني، حتى قال في باب الأذان:هذا الرجل غير موثوق بنقله.
وقد نقم الأئمة على إمام الحرمين ثوران نفسه على الفوراني، وما صوبوا صورة حطه عليه، لأن الفوراني من أساطين أئمة المذهب ...اهـ
تنبيه هام: قد يقول قائل إن وصية الشيخ رحمه الله قد دخل فيها المأربي قطع الله شره!!
والجواب: لقد أوردتُ الوصية بنفس الطريقة التي كتبها شيخنا رحمه الله مع ذكر السهم وما أدراك ما السهم؟!! فإن له شأناً يعرفه أهل الحذق واللب السليم, ولذلك اهتم الشيخ في أمر النازلة, بالاجتماع لها ولا ينفرد أحدهم بالبث فيها ومن العجيب أن الحجوري ادعى وحكَمَ والمعروف أن الحكم هو لأهل الحل والعقد مجتمعين لا إليه على انفراده تأمل هذا تنتفع والله تعالى أعلم.
سادساً: لم يعمل بنصح الشيخ في استشارة الشيخ محمد الصوملي لو لمرة واحدة حيث قال الشيخ رحمه الله «وأنصحهم أن يستشيروا في قضاياهم الشيخ الفاضل الواعظ الحكيم الشيخ محمد الصوملي فإني كنت أستشيره ويشير علي بالرشد» إذا كان الشيخ العلامة الوادعي على رجاحة عقله ورسوخه في السلفية يستشير الصوملي حفظه الله فمن يكون الحجوري حين يعرض عن استشارة أهل العلم, و يعمد إلى استشارة الأحداث من طلاب العلم والسفهاء منهم ككمال بن ثابت العدني ومن شابهه, ومن المؤكد أن الشيخ يحي وفقه الله لم يعرض قضية واحدة على أحد من أهل العلم, بل ذهب يصرخ فيهم لا تقحموا أنفسكم في القضية أتريد أن تجعل من نفسك علينا ابن باز!! وذهب يستكثر بمن سفه عقله وقل علمه فإلى الله المشتكى.
التعقب السادس: ظن أنه قد وصل إلى درجه الرسوخ العلمي.
من الملاحظ أنه وفقه الله يعامل الأمور بقناعة أنه أصبح من الراسخين في العلم وكذا اعتقد فيه من تعصب له وليس أدل على ذلك من الأشعار التي تقال في مدحه في الليل والنهار ووصفه بصفات ليست حتى في ابن تيمية بل ليست في الصحابة رضي الله عنهم , بل أصبح عندهم هو إمام الثقلين فهل كان ابن باز إمام الثقلين أو كان الألباني كذلك يا قوم على رسلكم لا يجمح بكم الفرس فإن السقوط من عليه مهلك!!
وهذا يذكرني بما قاله الإمام الشاطبي رحمه الله: - في معرض كلامه عن أسباب الاختلاف- حيث قال: [إن] كل خلاف على الوصف المذكور وقع بعد ذلك فله أسباب ثلاثة قد تجتمع وقد تفترق:
أحدها: أن يعتقد الإنسان في نفسه أو يُعْتقدَ فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد في الدين - ولم يبلغ تلك الدرجة - فيعمل على ذلك، ويعد رأيه رأياً وخلافه خلافاً، ولكن تارة يكون ذلك في جزئي وفرع من الفروع؛ وتارة يكون في كلي وأصل من أُصول الدين - كان من الأُصول الاعتقادية أو من الأُصول العملية - فتراه آخذاً ببعض جزئيات الشريعة في هدم كلياتها، حتى يصير منها ما ظهر له بادي رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا رسوخ في فهم مقاصدها، وهذا هو المبتدع ، وعليه نَبّه الحديث الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقبض اللّه العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساءَ جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» ...اهـ
قلت: قد لوحظ عليه جلياً أنه لا يرجع إلى من هو أعلم منه؛ لكونه يظن أنه أعلم علماء اليمن كما صرح به بعض من تعصب له, وذُكر ذلك بحضرته في الأشعار وغيرها ولم ينكر عليهم هذا الأمر بل سكت على ذلك إقراراً, أليس قد وصفوك بإمام الثقلين, ولا أعلم أن عالماً من علماء السنة منذ القدم قد وصف بهذا اللقب خلا بعض المبتدعة كالنسفي الحنفي الماتريدي والله أعلم.
ولست أعلم لماذا يغضب إذا ما قيل: إن الشيخ عبد الرحمن أفقه من الشيخ يحي!! فأين هو من قول الشافعي للإمام أحمد: أنتم أعلم بالرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فأعلموني به أي شيء يكون: كوفياً أو بصرياً أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً ..ا.هـ
ويؤيد هذا أنه يدندن بقواعد وضوابط غريبة وخطيرة وذلك في دروسه ومجالسه الخاصة والعامة وقد وجد من هذه القواعد ما ينفرد بتأصيله ولا يكون له فيها أي سلف صالح بل ربما يقرر مسألة أو قاعدة تدل على عدم فهمه لكلام أهل العلم, وإنني في هذا المقام سأذكر للقارئ اللبيب قاعدة رام هدمها, وهي من أجل قواعد السلف رحمهم الله وأبين بعدها والخطأ فيها وقد كنت تنبهت لبعض هذه المسائل على إثر جمعي لبحث أسميته «أسباب الخطأ في التقعيد» عجل الله تمامه.
حيث قال مقعداً: «الفرق بين المبتدع الداعية وغير الداعية تفريق باطل »
وليس هذا المقام مقام الرد على قاعدته المذكورة, ولكني أعرض للقارئ اللبيب ضابط المبتدع عند الحجوري كما سبق في موقفه من ضابط البدعة, وهو ضابط غريب ليس يمت لدعوة أهل السنة بأي صلة البتة حيث أن المبتدع عنده "كل من تكلم فيه هو أو طعن فيه" سواء كان هذا الطعن بمحض الظن أو مبنياً على الوهم والخيال أو الكذب والتعمية وتقليب الحقائق.
والمعروف أن المبتدع من يتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه الله تعالى وهو الضابط الذي ذكره الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: قال: "هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ", وقد ظهر جلياً أن الحجوري وفقه الله عدم ضبطه لهذا الأصل, وليس أدل على ذلك ما سبق من إنكاره التسجيل, ومن المعروف أن القواعد يجب أن تكون مبنية على الأدلة الشرعية, مدعمة بفهم السلف الصالح رحمهم الله وبفهم أهل العلم المحققين من أهل السنة كأمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم و أضرابهما وقد فهم الحجوري وفقه الله كلام المتقدمين من السلف الصالح كأمثال ابن سيرين فهماً غير صحيح ونسب إليه القول بعدم الفرق مطلقاً, وزعم أن القول الصواب الذي لا ينبغي اعتقاد خلافه هو عدم الفرق بين المبتدعة فكلهم عنده دعاة, فمن تكلم بلسانه فهو داعية ومن لم يتكلم بلسانه فهو داعية بفعله و حكى قول عبد الرزاق الصنعاني: لما سئل عمن أخذت هذا المذهب ؟ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعى، فرأيته فاضلاً حسن الهدى، فأخذت هذا عنه .اهـ
بل خطب جمعة في تقرير هذه القاعدة المزعومة, والله المستعان.
فيلزم من قاعدته في عدم التفريق أن السلف قد أخطئوا حين أخذوا عن بعض المبتدعة الغير دعاة, ومن تصفح سير و تراجم أهل العلم يعلم علم اليقين أن فتوى عدم الأخذ من المبتدعة مطلقاً فيها إضاعة للعلم إذا لم يوجد العلم عند أهل السنة , ألم يقل سفيان الثوري: خذوا عن ثور واتقوا قرنيه ...اهـ
ولعل الله ييسر بنقد خاص لهذه القاعدة في موضع آخر والله المستعان.
التعقب السابع: غلوه في الجرح وجرحه من ليس مجروحاً
قد ظهر هذا بجلاء من تعامل الحجوري وفقه الله مع من خالفه رميه إياهم بألفاظ ثقيلة نابية لا تصدر من رجل في مقامه خاصة في إخوان له على السلفية لم يخرجوا عنها قدر أنملة, فيرمي بالكلمة ما يلقي لها بالاً فتهوي به أبعد ما يكون عن قلوب من كان يحبه قبل كلامه الثقيل, فمجالسه لا تخلوا من السب الثلب لغير مبتدعة, ووصفه لإخوانه بصفات هم منها أبرياء أطهار بل وصفه لأهل العلم و أجلة المشايخ بنحو من ذلك والله تعالى حسيبه, وإني ذاكر للقارئ اللبيب بعضاً من شتائمه للعلماء والمشايخ سواء من علماء اليمن الميمون أو علماء المملكة حفظ الله الجميع.
1) قال: في الشيخ عبد العزيز آل الشيخ لا يميز بين السلفيين والحزبيين !
2) قال:في الشيخ عبيد الجابري سني مخذِّل.
3) قال: إن الشيخ ربيعاً يحرش بين المشايخ ثم يدخل للصلح بينهم وشبهه ببعض الظلمة ممن يفعل ذلك مع مشايخ القبائل حتى يهلك الطرفان ويخلو له الجو.
4) قال: في حق شيخه الوصابي « بُلْْ عليه».
5) قال: إن الشيخ محمد الوصابي يحرش بيني وبين المشايخ في المملكة بل صار من الساعين في الفتن.
6) إن الشيخ وصي الله عباس تراثي.
7) قال: من هذا فركوس والله لألطمه لطمة ما يقوم بعدها.
8) قال في الشيخ عبد العزيز البرعي بأنه لا يصلح للفتوى وهذه الكلمة قد طارت في الدرس العام.
وغير ذلك كثير يطول ذكره ولن أعلق على هذا الكلام السمج فهو واضح وجلي لكل ذي لب سليم فإلى الله المشتكى, مع العلم أن جميع من ذكرهم هنا هم من أعلام أهل السنة في زماننا حفظهم الله تعالى.
التعقب الثامن: غلو طلابه فيه شعراً ونثراً.
قد لوحظ هذا أن بعض طلاب العلم في دماج غلو فيه وأنزلوه في منازل لم يصل إليها جلة السلف الصالح فضلاً عن من هو أنزل درجة منهم, فتكلموا شعراً ونثراً في مدحه وهو لا يزيد إلا أن يقول: جزاك الله خيراً وعفا عني وعنك والله, والله نحن دون ذلك ونحن طلبة علم نسأل الله أن يعفو عنا ويتجاوز عنا, ثم يأذن بنشرها و ربما هز رأسه إقراراً لما يسمعه, - هذا إن تكلم- و كان الواجب أن ينكر على الشاعر بل يستوقفه وينهاه عن مثل هذا الكلام, وإلى القارئ بعض هذه الأبيات الشعرية والتعليق في بطن الشاعر.
قال سعيد دعاس اليافعي: هداه الله
إذا شمرت في إيضاح حق == فإن الله نصرتكم يشاء
فانظر كيف جعل هذا الشاعر الأحمق مشيئة الله تعالى تابعة لمشيئة شيخه, وأنت خبير أن المشيئة الإلهية لا تكون إلا كونية, و القضاء الكوني لابد من وقوعه حتماً لا يتخلف البتة, فهل عقل هذا الشاعر أن هذا الكلام يجره إلى عواقب وخيمة, فليته يفقه ما يقول!! قد يقول قائل إن الشاعر يريد الإرادة الشرعية فأقول: هذا قول من يهرف بما لا يعرف, وكم من أهل العلم من تكلم بالحق ولم يحصل لهم نصر في حينها, لأن الشرط إذا وقع وتحقق وقع المشروط يا أيها العربي, ولو كان كما تقول لما كان الشر موجوداً لأن الله يشاء انهزامه على حد زعمك, أليس هذا القول منك فيه لفحة من القدر الذي كان القوم, و الإرادة الشرعية تختلف عن المشيئة؛ لأن الإرادة تكون شرعية وتكون قدرية كونية؛ فإذا كانت الإرادة قدرية كونية؛ فهي بمعنى المشيئة, فيجب أن نفرق بين معنيي الإرادة ".
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل« بل قل ما شاء الله وحده » فمشيئة الله تعالى ليست تابعة لمشيئة أحد من خلقه, بل إن من اعتقادنا الحق: أن جميع المشيئات تابعة لمشيئة الله تعالى, ولكن الشعراء يقولون ما لو اعتقدوه لكان الأمر عظيماً وخطيراً والله المستعان.
التعقب التاسع: إنكار الحجوري قضية شراء الأراضي في منطقة الفيوش/ لحج.
والكلام عن هذا التعقب أجعله على مأخذين:
المأخذ الأول: اعلم أن المعاملات الأصل فيها الحل لا الحرمة كما سبق تقريره فلا تحرم معاملة إلا بدليل شرعي صحيح صريح, فعلى ما استند الحجوري وفقه الله؟!!.
والجواب: بأنه استند إلى أمور ذكرها, تعتبر غاية في القوة, كقوة حبال العنكبوت كقوله هذه الطريقة فيها تغرير وبيع مجهول ونحو ذلك, وهذا يفيدنا أنه لم يفقه البيوع, اقبلوها مني وإن كانت ثقيلة, فليس لها إلا معنيين أحدهما ما ذكرت, والثاني أنه حرم ما لم يحرمه الله مع علمه وهذا ننزهه عنه لأن فيه معنى خطيراً, فظهر أنه لم يدر الفقه إحساناً بالظن فيه, والله تعالى أعلم.
المأخذ الثاني: لو أنصف لكان الأولى أن ينكر المعاملات في دماج- حرسها الله تعالى- فإنه خبير أن كثيراً من المعاملات قائمة على شروط من البيع والشراء في دماج ما أنزل الله بها من سلطان, والنبي صلى الله عليه وسلم قال : « مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ », فقد قامت البيوع في دماج على شروط باطلة, على مرأى ومسمع من الجميع وأذكر للقارئ اللبيب بعض الصور التي تبين خطر هذا التعامل والله المستعان:
الصورة الأولى: اشترط أهل البلاد وفقهم الله تعالى وأعانهم على طاعته حال شراء الأراضي أن الطالب لو أراد أن يبيع الأرض التي اشتراها منهم فإنهم يلزمونه بأن يعطيهم من المال بنسبة قد تصل إلى نحو من(20% ) فهل يجوز لإنسان أن يبيع سلعة ما لشخص ما ثم يشترط عليه ما يحد من تملكه لتلك الأرض, تأمل هذا فإنه خطير.
الصورة الثانية: إذا أراد أن يؤجر البيت, فلا بد أن يمنح صاحب الأرض من ذلك المال النصيب الوافر يصل إلى نسبة (50% ) وهذا كالأول.
الصورة الثالثة: إذا حصل لأحد منهم ظرف من مرض أو نحوه, فأراد أخوه من النسب أن يسكن في بيت أخيه؛ ليطلب العلم, فإنه يلزمه بدفع إيجار, هذا فضلاً أن يكون بين هذا الأخ وأخيه أخوة الدين, لكن لا بأس لو كان هذا الذي سيسكن في البيت أباً أو أماً لذلك الطالب فحينئذٍ لا عليه أن لا يدفع الإيجار؛ لأن الولد من كسب أبيه!!
الصورة الرابعة: أما إذا غاب الطالب لظرف خارج إرادته عن بيته مدة تزيد على السنتين, فما أدراك ما يحل بالبيت الذي بناه صاحبه من حر ماله وحلاله؟!!
الجواب: إن البيت يذهب في مهب وأدراج الرياح والله المستعان.
كيف يجيزون لأنفسهم أن يأخذوا أموال الناس بالباطل, وأعرف ثلاث بيوت قد أخذت وصار الوصي عليها أهل البلاد والله تعالى شهيد على ما أقول.
الصورة الخامسة: ماذا لو فكر ذلك الطالب أن يأذن لبعض إخوانه من طلبة العلم أن يبني فوق سطح بيته, هنا يأتي رأي صاحب البلاد بالرفض فيسقط الطلب؛ لأنه القاطع الواصل أو الموافقة لو رقَّ قلبه للحالة الماسة والله تعالى أعلم.
وإنني في هذا المقام أقول أي المعاملات أحق بالنقد والكلام وبيان ما فيها من الباطل والزور أما حصل في دماج أم ما هو حاصل في الفيوش ( مركز لحج ) ؟!! نبئوني بعلم إن كنتم صادقين.
قد يقول قائل: هذه المعاملات لا ينطبق عليها أنها بيع ولكنها تعتبر من معاملات الإيجار!!
قلت: هذا قول من لا يعرف الفقه ولا درى من ذلك شيئاً, فإن الإيجار لا بد له من شرط وهو أن يكون محدداً بمدة قابلة للتجديد وإن امتدت مدة طويلة وهذا غير موجود في أي معاملة مما وفقت عليه , إلا إن كنتم تجوزون بيع العين المؤجرة !!
وقد كنتُ شديد التحري في نقل هذه القضايا فأنصح القارئ اللبيب أن يراجع الفروق بين البيع والإجارة فإنه سيعلم صدق زعمي والله تعالى أعلم.
الخاتمة
فلابد أن يتجرد طالب العلم عن التعلق بالأشخاص, فالشيخ مقبل رحمه الله لم يكن يلزم طلابه بتقليده, أما اليوم فتعال من هاهنا تبرئ من عبد الرحمن ومن فتنته وإلا فعلت بك وفعلت!!
وفي ختام مقالي أوجه نصيحة لنفسي أولاً ثم لإخواني ثانياً أن يتقوا الله تعالى وأن يتزودوا من الوسائل التي تخولهم أن يميزوا بين السنة والبدعة و التشدد والتنطع في ذلك , وأجمل هذه النصيحة في خمسة أمور:
الأمر الأول : أن لا ينفرد الواحد برأيه الخاص في أمور النوازل, بل يجعل الأمر شورى مع إخوانه؛ لأن الخطأ من الواحد أقرب منه من الاثنين, ومن لازم الجماعة كان أبعد من الزلل بإذن الله تعالى, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:« يد الله مع الجماعة »,قد يقول قائل العبرة بالحق, قلنا نعم إن الحق له ضياء يراه به أهل العلم لا واحد دون الآخرين كما يصنع الممسوس الذي يرى ما لا يراه غيره, والحزبية ليست مساً يحس به الممسوس فقط, بل هي حكم شرعي لا يمكن أن يخفى على الجميع ثم يظهر لواحد هذا مع العلم أنه طرح ما ينقده على المشايخ فلم يوافقوه على واحدة من صرخاته, وما يظن فيه أنه من الحزبية المقيتة, تأمل هذا تنتفع.
الأمر الثاني: الحرص على التثبت عند سماع الأخبار, وقد أمر الله تعالى بهذا كما في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
الأمر الثالث: ملازمة التجرد من حظ النفوس والانتصار لها, وهذا عزيز لكنه لابد منه لأن الأمر دين وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لنفسه إنما كان يغضب إذا انتهكت محارم الله تعالى
الأمر الرابع: ملازمة اللين في الدعوة إلى الله تعالى, لاسيما بين أوساطنا معاشر أهل السنة؛ فإنا قليل, وقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يخفض جناحه للمؤمنين فقال الله تعالى : ( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) وقال : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وقال ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )
الأمر الخامس: التحلل من المظالم, سواء من رماهم بالحزبية أو الخيانة أو الفسق أو النفاق أو التعصب المذموم وغير ذلك, فاليوم دنيا وغداً تجتمع الخصوم فـ«مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ » فعلى الشيخ يحي بن علي الحجوري وفقه الله أن يتحلل من المظالم كلها التي حصلت منه بسبب سوء ظنه بإخوانه أهل السنة و لا يكون كما كان من الخوارج الذين يفهمون النصوص الشرعية بأفهام سقيمة فكفروا المسلمين بمجرد ظنون وأوهام والله من وراء القصد.
وهذا آخر ما يسر الله كتابته في أمر هذه الفتنة العمياء الصماء أطفأ الله نارها وأخمد لظاها ووفق اللاجِّين فيها إلى التوبة إلى الله تعالى ورأب الصدع إماتة المبتدعة في غيضهم إن ربي سميع الدعاء, وصلى الله تعالى على مصطفاه وآله الرحماء الأباة.
منقول من منتديات الوحيين السلفية