أهلاً وسهلاً و مرحباً بزوار المدونة السلفية القحطانية :: و نسأل الله أن ينفعنا و إياكم بما يُنشر في هذه المدونة من العلم النافع المستمد من الكتاب و السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في أسفل هذه الصورة تجدون جديد المدونة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في أسفل هذه الصورة تجدون جديد المدونة
صفحة الإعلانات الدعوية : سنوافيكم بما يستجد - بإذن الله -

الخميس، 7 أبريل 2011

(همة السلف في طلب العلم) محاضرة مفرغة لفضيلة الشيخ الفقيه عبد الرحمن بن مرعي العدني - رحمه الله -



همة السلف في طلب العلم


محاضرةٌ مُفُرَّغة لشيخنا الفاضل
أبي عبد الله
عبد الرحمن بن مرعي العدني

  - رحمه الله -


إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمد عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون} سورة: آل عمران - الآية : 102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَارِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُ مْرَقِيبًا } سورة : النساء - الآية : 1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة: الأحزاب - الآية : 70 - 71.
أما بعد ، فان أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، أيها الإخوة في الله ، أولاً نحمد الله عز وجل الذي يسر لنا زيارة إخواننا حفظهم الله من المشايخ والطلاب وعموم الإخوة في هذا المركز المبارك ، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وسائر إخواننا ممن تزاور فيه وتواصل من أجله وتحابب فيه سبحانه وتعالى ، فهذه من النعم العظيمة والجليلة التي يمنّ الله عز وجل بها على أهل الإسلام وعلى أهل السنة أنهم لا يتواصلون ولا يتزاورون إلا في الله ومن أجل الله عز وجل ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول كما في النسائي وأبي يعلى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " إن من عباد الله عباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، قالوا صفهم لنا يا رسول الله لعلنا نحبهم ، قال: هم قوم تحابوا من غير أرحام ولا أنساب ، وجوههم من نور على منابر من نور لا يخافون يوم يخاف الناس ولا يحزنون يوم يحزن الناس " ، ثم تلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول الله عز وجل : {أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتّقُونَ} سورة : يونس – الآية : 62 , 63 .
ثم أيضاً نشكرُ فضيلة الشيخ أبا نصر محمد الإمام حفظه الله تعالى وبارك فيه وفي علمه وفي جهوده وأهله وولده ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياه وسائر إخواننا من أنصار الحق ودعاة الهدى ، نشكره على محبته لزيارة إخوانه وتلاميذه ، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيه عنا خير الجزاء.
أيها الإخوة في الله ، في هذه اللحظات نذكر أنفسنا وإخواننا بعظيم نعمة الله عز وجل علينا ، أن هدانا إلي دينه وان وفقنا إلى سنة رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهذه من اجّل النعم التي ينعم الله عز وجل بها على عباده المسلمين أن يهديهم إلى دينه وان يجعلهم من أتباع رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، يحجب الله عز وجل هذه النعمة عن كثير من الناس وعن ملايين من البشر فلم يوفقهم إليها ولم يهديهم سُبلها ثم يصطفيك ويجتبيك حتى تكون من عباد الله الصالحين ، والله عز وجل يذكرنا في كتابه الكريم بهذا الخير وبهذا الفضل فيقول :{وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة : الأنفال - الآية : 26 ، قال قتادة رحمه الله تعالى : كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا وأعراه جلودا وأبينه ضلالة ، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات منهم ردى في النار حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس.
علينا أن نحمد الله عز وجل على ذلك ، لم يكن لهذه الأمة قيمة ولا وزن عند أمم أهل الأرض ، فلما أراد الله عز وجل أن يُعلي كلمتها وان يرفع رؤوسها أرسل إليهم رسول الهدى محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،{لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ} سورة : آل عمران - الآية : 164 .
ضلال مبين : ضلال الشركيات والخرافات والبدع والمحدثات ، فأنقذهم الله عز وجل بنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، جمعهم به بعد الفرقة وأعزهم به بعد الذلة وأغناهم به بعد العيلة وهداهم به بعد الضلالة والكفر والغواية ، فهذه نعمة عظيمة انعم الله عز وجل بها علينا ، لم تمضي إلا أيام قلائل وسنوات يسيرة وإذا بهذه الأمة تُفتح لها البلاد المشارق والمغارب ، كانت خير أمة وأعز أمة وأكرم أمة بعد أن كانوا رعاة للإبل والبقر والغنم والشاة ، ما هي إلا مدة يسيرة فصاروا كما سمعتم ، ما هو السبب ؟ إنه هذا الدين ، هذا الدين العظيم ، دين الفضائل والحسنات والخيرات ، هذا الدين الذي لمّا تمسك به سلفنا الصالح أعزهم الله عز وجل ورفع ذكرهم وشرّفَهم ، وهكذا هذه الأمة إن هي رجعت إلى دينها وتمسكت بكتاب ربها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتحقق فيهم ما وعدهم به ربهم عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالله عز وجل أخبر في كتابه الكريم أن المستقبل لهذا الدين وأن العاقبة لعباد الله المتقين كما قال ربنا عز وجل
{هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} سورة : التوبة - الآية : 33 ، وهكذا يقول ربنا سبحانه : {وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذِي ارْتَضَىَ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة : النور - الآية : 55 ، ويقول الله : {وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ} سورة: الحج - الآية : 40 ، ويقول سبحانه: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تَنصُرُواْ اللّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} سورة : محمد - الآية : 7.
وهكذا الوعود في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، في مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا" , إذا هذا الدين سيصل إلى كل مكان ، ويصل إلى كل بيت كما في حديث تميم الداري عند أحمد عن النبي عليه الصلاة والسلام " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت نذر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز به الله الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر " ، ما يترك الله عز وجل بيتاً سواء كان من طين أو من حجر أو من خشب أو من نذر إلا وأدخل الله عز وجل فيه هذا الدين ، لكن كما هو معلوم أن هذه الوعود لن تتحقق إلا إذا عادت هذه الأمة إلى دينها رعاة ورعية شعوباً وأُسراً وأفراداً ، فالله عز وجل لا يهب هذا النصر إلا لمن يستحقه ، والذين يستحقونه هم من استقاموا على دينه واستقاموا على شرعه واعتصموا بكتابه وبسنة رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جميع شئون حياتهم ، في العقيدة وفي العبادة وفي المعاملة وفي الآداب وفي الأخلاق وفي السلوك وفي المنهاج وفي الدعوة وفي التربية ، فهؤلاء هم المرشحون وهؤلاء هم المؤهلون لنيل نصر الله عز وجل لهم ، وهذا كما هو معلوم أيضا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا وجد في هذه الأمة القدر الكافي من العلماء الربانيين ، العلماء الراسخين أهل البصيرة والورع والزهد والتجربة ، أهل التمييز بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار ، فإذا وجد هؤلاء العلماء الذين يربون الأمة على الكتاب والسنة ويعيدون الأمة إلى هذا الدين العظيم ويحملون الأمة على التمسك بسنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُرجى بعد ذلك أن يتحقق فيهم نصر الله عز وجل الذي وعدهم في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهذا كما هو معلوم أيضا يتطلب من الأمة التفاتاً وحرصاً وتفانياً وبدلاً وتضحية في سبيل تحصيل هذا العلم النافع ، وبث هذا العلم النافع في مجتمعات المسلمين ، يملئون به فراغ الناس وأذهان الناس ، تميز به الأمة بين الهدى والضلال ويفرقون به بين الشرك والتوحيد والسنة والبدعة والنافع والضار والغي والرشاد والغث والسمين ، فلا بد أن يوجد هذا القدر من العلماء وهذا لا يمكن كما سمعتم إلا بالتفاني والبذل والتضحية والإقبال الكلي من كثير من أبناء هذه الأمة على هذا العلم النافع ميراث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وكما هو معلوم أن دين الله عز وجل وصل إلينا غظاً طرياً ، كأننا نجالس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد توفيق الله وإعانته وفضله أن هيئ الله عز وجل الأسباب بوجود هذه الجهود العظيمة التي بذلها سلفنا الصالح ، سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من أئمة الهدى ومصابيح الدُجى بذلوا وضحوا ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي الله تعالى عنهم كانوا في أشد الحرص على تحصيل هذا العلم النافع مع ما كانوا فيه من شدة وفقر وحاجة ، كان الواحد منهم إذا شُغل يحاول أن يجعل من يناوبه في الوصول إلي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما حصل من عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مع جاره الأنصاري ، ينزل عمر يوماً فيرجع إلى الأنصاري ويخبره بما سمع ، وينزل الأنصاري يوماً فيرجع إلى عمر فيخبره بما سمع من الوحي والحكمة والسنة ، وهكذا مثالٌ واحد أو واحد من أمثلة كثيرة ، ما حصل من راوية الإسلام وحافظ الصحابة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نقل لهذه الأمة عدداً ضخماً ومجموعة كبيرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أغاضت هذه المجموعة الكبيرة أعداء الإسلام من الزنادقة والملاحدة والمستشرقين وأذنابهم فجعلوا يطعنون في صدقه ويشككون في هذه المرويات ويقولون لماذا ينفرد بهذا العدد الكبير دون سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولم يدرِ هؤلاء أن هذه الثروة الضخمة التي نقلها أبو هريرة رضي الله عنه لهذه الأمة إنما كان بعد توفيق الله ثمرة لجهد وجد واجتهاد وبذل وتضحية وصبر على الجوع وصبر على الألم من أبي هريرة ثم استطاع أن ينقل بفضل الله هذه المجموعة الكبيرة إلى هذه الأمة ، في الصحيح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ وَيَقُولُونَ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا.
{إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَىَ مِن بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التّوّابُ الرّحِيمُ} سورة : البقرة - الآية : 159, 160 ، جد واجتهاد وحرص وبذل وتضحية من أبي هريرة رضي الله عنه ، الحرص إخواني في الله على العلم يوصل إلى النتائج المرجوة والعظيمة ، في الصحيح أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ قَالَ ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ قَالَ فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ" ، الحرص الذي نحتاج إليه معشر طلاب العلم أن تكون عندنا رغبة وأن يوجد عندنا الحرص على تحصيل العلم النافع والمداومة والاستمرار تأتي النتائج ، أبو هريرة رضي الله عنه لم يكن فقط عنده الملازمة للنبي عليه الصلاة والسلام ، الملازمة قد تكون من عشرات وقد تكون من مئات ، لكن إذا وجدت الملازمة والاستمرار مع الحرص بإذن الله يحّصل طالب العلم خيراً كثيرا ، وأبو هريرة اجتمع عنده الأمران الملازمة والاستمرار مع الحرص شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالحرص على العلم ، في البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ " ، وهكذا كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي الله تعالى عنهم ، جد واجتهاد وبذل وتضحية ، هذا ترجُمان القرآن وحبر من أحبار الأمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يدعو له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ " ، وبأن يزيده الله علما وحكمة ولم يتكل رضي الله عنهما على هذه الدعوة النبوية ويجلس في بيته بل جد واجتهد وسهر حتى صار من كبار علماء الإسلام ، موسوعة في الفقه وفي التفسير وفي العقيدة وفي اللغة وفي الأنساب ، وفي أيام العرب وغير ذلك ، من أين حصل هذا العلم الواسع ، تحققت فيه الدعوة النبوية ، استجاب الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لكن أيضاً ابن عباس أعانه الله عز وجل على الإقبال على العلم وعلى الحرص على العلم وعلى استثمار الأوقات والاستفادة من اللحظات وهو في زمن من طلب العلم في زمن أكابر الصحابة ، أبو بكر موجود خير هذه الأمة بعد نبيها وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود واُبي ومعاذ وهؤلاء السادة العلماء الأكابر ، ولم يثنه ذلك عن العلم كما قد يحصل من بعضنا ينظر إلى الأكابر من العلماء وأن الله نفع بهم الأمة والبلاد والعباد فيحتقر نفسه وحق له أن يحتقر نفسه لكن احتقار في غير موضعه ، يحتقر نفسه ثم يحمله هذا الاحتقار على ترك التحصيل ويقول الحمد لله ، الله يحفظ علينا هذه الأمة بهؤلاء العلماء وهؤلاء الصادقين وهؤلاء الصالحين ، يا أخي العلماء اليوم أحياء وغداً أموات ولابد أن يوجد في الأمة من يخلف هؤلاء العلماء في علومهم ، إذا كان أهل الدنيا يحرصون أن يوجدوا من يخلف كوادرهم وكفاءاتهم في جميع المجالات سواء كان في العسكرة أو في الطيران أو في الطب أو في الهندسة حتى على مستوى السحر كما تعرفون في حديث الصحيح في قصة الغلام مع الساحر والملك ، فكيف بعلم الشريعة إذا لم يوجد الاهتمام من الأمة فانه يضيع وينتهي ولا تبقى هذه السلسلة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ابن عباس في حديث مشهور عندكم جميعا لم يتوان ولم يتكل وإنما نظر نظرة بعيدة إلى المستقبل ، روى الدارمي وأحمد في الفضائل وابنُ سعد وغيرهم من حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار : «هلم يا فلان ، فلنطلب العلم ، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء» ، قال : عجبا لك يا ابن عباس ، ترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم ؟ قال : «فتركت ذاك وأقبلت أطلب ، إن كان الحديث ليبلغني عن الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فآتيه فأجلس ببابه فتسفي الريح على وجهي فيخرج إلي فيقول : يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك ؟ ما حاجتك ؟» فأقول : «حديث بلغني ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيقول : «ألا أرسلت إلي ؟» فأقول : «أنا أحق أن آتيك» ، قال : فبقي ذلك الرجل حتى أن الناس اجتمعوا علي ، فقال : «هذا الفتى كان أعقل مني» لماذا لان هؤلاء السادة وهؤلاء الأكابر من الصحابة ماتوا {إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ} سورة: الزمر - الآية : 30.
الموت لابد أن يأتي على كل نفس مهما تعمّر الإنسان وبلغ لابد أن يموت ، هذا الاجتهاد في ابن عباس في نفسه مع تلامذته ، وهكذا الذي تعلمناه من علمائنا ومشايخنا ، يجتهدون في أنفسهم ويحرصون على تنشيط تلامذتهم ، وهكذا أهل السنة تجدهم في كل مكان على هذا المستوى من النصح لأنفسهم ولإخوانهم وتلامذتهم.
عكرمة رضي الله تعالى عنه من كبار التابعين يقول كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل ، أي : القيد يعلمني القرآن والفرائض ، تصوروا ابن عباس رضي الله عنهما ذلكم الرفيق الرحيم يضع الكبل في رجل عكرمة يعلمه القرآن والفرائض ، فانتفع عكرمة بهذا الحرص من شيخه ابن عباس فصار علماً من أعلام الأمة في زمنه في زمن التابعين ، وهكذا سائر علمائنا من التابعين ومن جاء بعدهم عرفوا قدر العلم فأنفقوا الأعمار النفيسة والأموال الطائلة وقضوا اللحظات في طاعة الله وفي تحصيل هذا العلم النافع ، جهود عظيمة وبذل وتضحية من سلفنا الصالح ، ما كانوا يعرفون حياة الكسل والبحث عن الفرص للتهرب من العلم ، بل كانت أوقاتهم في الليل والنهار معمورة في تحصيل هذا العلم النافع.
ابن أبي حاتم رحمه الله يقول : كنت اقرأ على أبي وهو يقرأ وهو يكتب وهو يمشي وهو يركب وهو في بيت الخلاء.
ابن أبي حاتم شيخ الإسلام ولد شيخ الإسلام ، ابن أبي حاتم من كبار حفاظ الإسلام وأبوه أيضاً من كبار حفاظ الإسلام ، قال كنت : (اقرأ على أبي وهو يقرأ وهو يكتب وهو يمشي وهو يركب وهو في بيت الخلاء) ، المجد ابن تيمية صاحب المنتقى كان إذا دخل الحمام يعطي لولده كتاباً يقول اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك ، اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك وهو في بيت الخلاء ، ونحن عندنا بيت الخلاء بيت ماذا ؟ بيت الأفكار من أراد أن يعمل مشروعاً إذا دخل الحمام لابد أن يستحضر هذا المشروع وماذا سيعمل وما هو الذي يحتاج إليه في ذلك اليوم وما هو الذي مضى ، وهؤلاء يظنون بالوقت أن يذهب سُدى وهم في بيت الخلاء ، إذا دخل الحمام أعطى ولده كتاباً وقال اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك ، الخطيب البغدادي كان ما يمشي في طريق إلا وفي يده جزء يطالعه ، النووي أيضاً ، الإمام ثعلب أحد أئمة النحو والأدب كان إذا دعاه رجل إلى وليمة يشترط على صاحب الوليمة أن يجعل له فراغًا لوضع كتاب ليقرا فيه ، أنا سأحضر لكن أعطني مجالاً ، لعل بيوتهم كانت ضيقة فيحصل فيها ازدحام ، يقول أنا اشترط أن أضع كتابًا بين يدي أقرأ فيه ، وكان سبب موته أنه خرج يوم الجمعة بعد العصر من المسجد وكان في يده كتاب يقرأ فيه فجاءت فرس فصدمته فسقط في هوة فاُخرج وهو يتأوه ويصيح فمات اليوم الثاني ، ما كانوا يضيعون أوقاتهم ، جد واجتهاد في الصباح والمساء.
ابن أبي حاتم رحمه الله يقول كنا في مصر سبعة أشهر لم نذق مرقه ، كان نهارنا نطوف على مجالس الشيوخ وفي الليل للمقابلة و النسف ، قال فجئنا إلى شيخ فيقل له عليل مريض ، قال فرجعنا فوجدنا في طريقنا سمكة تُباع فاشتريناها ، قال فكنا ثلاثة فوصلنا إلى البيت وحضر وقت أحد المجالس فذهبنا ، قال فبقينا ثلاثة أيام لم نستطع أن ندفع هذه السمكة إلى من يشويها ثم أكلناها بعد ثلاثة أيام نيئة ، ثم أكلناها بعد ثلاثة أيام نيئة ، ثم ماذا قال ؟ ، قال لا يُستطاع العلم براحة الجسد ، وما أراد أن يمدح نفسه بهذا إنما أراد أن يشحذ الهمم ، وإلا خواتيمهم تدل على صدقهم وإخلاصهم ، ماتوا على السنة وعلى الخير ونفع الله بعلومهم البلاد والعباد ، البخاري رحمه الله يقول أحدهم كنت أنظر إليه في الليلة الواحدة يقوم ما بين الخمسة عشر مرة إلي العشرين مرة يوقد السراج فيكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفىء السراج ويرجع ، في الليلة ما بين الخمسة عشر مرة إلى العشرين مرة وهو يستحضر الفائدة يوقد السراج يكتبها يطفىء السراج يرجع بعد لحظات استحضر فائدة أخرى يكتبها ، أحدهم يقول جاورت المنذري اثنتي عشرة سنة بيتي فوق بيته ، قال فما استيقظت في وقت من الليل إلا وضوء السراج يعني مولع وهو يشتغل بالعلم ، جد واجتهاد حتى وصلوا إلى هذا المستوى العظيم في العلم النافع والثروة العظيمة التي خلفوها لهذه الأمة ، ابن أبي داوود أحد بحور العلم يقول دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مد ، مُداً من البقلّة وهو الفول باللهجة العراقية ، قال فجعلت آكل من البقلّة واكتب عن أبي سعيد الأشد ، فما انتهى البقلّة حتى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل ، ثلاثين مد من البقلّة وهو يكتب أمامه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل ، يبخلون بالأوقات التي هي بالنسبة للإنسان ضرورية ولا مفر منها ، أوقات قضاء الحاجة وأوقات الطعام ، بعضهم كان يقلل من وجبات الطعام وبعضهم من شدة حرصه على الوقت يختار الطعام الذي أكله يأخذ عليه أقل وقتاً ويترك الطعام الذي يأخذ عليه الوقت الأكثر ، يقول الفراهيدي أحد العلماء الذين هو مُنشئ علم العروب ، يقول أثقل الساعات علي ساعة آكل فيها ، وهكذا كان النووي رحمه الله لا يأكل في اليوم إلا أكلة واحدة عند السحر ولا يشرب إلا شربة واحدة ويجتنب أنواع من الفواكه لأنها قال ترطب جسمي فتحملني على كثرة النوم ، بعضهم يقلل من الطعام في تناوله حتى لا يحتاج إلى كثرة الشرب فيحتاج إلى كثرة الدخول إلى الحمام فيضيع عليه شيء من الوقت ، ابن عقيل الحنبلي يقول يعني في معنى كلام له ، وإني لأختار سف الكعك وتحسيه بالماء على أكل الخبز لما بينهما من تفاوت النوع ، كان يحبذ أن يأخذ الكعك ويفته فيصير مثل الدقيق ويبتلعه ابتلاعاً مع الماء ويترك أكل الخبز للفرق الذي بين الأكلتين ، وهذا ليست مبالغة مثل ابن عقيل استطاع بهذا الحرص أن يؤلف كتاباً اسمه الفنون في ثمان مئة مجلد ، يقول الذهبي لا يعرف في الإسلام أضخم من هذا الكتاب في ثمان مئة مجلد ، جمع فيه العقيدة والفقه واللغة والأصول والتفسير والأشعار والمواعظ ونتائج الأفكار وغير ذلك ، فالإسراع في الأكل والإسراع في المشي والإسراع في الكتابة مما كان معروفاً عند علمائنا ، يقول السيوطي رحمه الله حدثنا شيخنا الكناني عن أبيه صاحب الخطابة ، أسرع أخ العلم في ثلاثٍ الأكل والمشي والكتابة ، جد واجتهاد في جميع أوقاتهم ، يزهدون عن الطعام والشراب بسبب أُنسهم وانشغالهم في تحصيل هذا العلم النافع ، ابن سحنون الفقيه المالكي كانت له مولاة له يعني أَمَة يقال لها أم مُدان ، فشُغل في ليلة من الليالي بتأليف كتاب حتى طال عليها وأعدت العشاء ، فقالت يا سيدي العشاء جاهز ، فقال أنا مشغولٌ عنك ، فأرادت أن تنام وقد سهر كثيراً ، فجعلت تلقمه الآكل تلقيماً وهو لا يشعر ، فلما أذن المؤذن لصلاة الفجر ، قال معذرة يا أم مُدان شُغلنا عنك الليلة هاتي الطعام ، قالت والله قد ألقمته لك يا سيدي ، قال والله ما شعرت ، وهو يؤلف وهي تلقمه خرجت وراحت إلى فراشها ونامت ، معذرة شُغلنا عنك الليلة يا أم مُدان ، قال هاتي العشاء ، قالت لقد ألقمته لك يا سيدي ، قال والله ما شعرت.
الإمام مسلم صاحب الصحيح رحمه الله ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمته عن أحمد ابن سلمة زميله صاحبه ، قال عُقد للإمام مسلم مجلس للمذاكرة تعرفون كبار الحفاظ إذا صاروا مشهورين وأعلاماً تعُقد لهم مجالس ، الحفاظ من أهل الحديث يذاكرون هذا الذي صار إماماً ، فذُكر له حديث فلم يعرفه ، يعني مثلاً يذكرون له الإسناد فيأتي بالمتن ، قال يقولون له حديث الحبة السوداء ، فيقول حدثني به فلان عن فلان عن كذا ، فذُكر له حديث فلم يعرفه وهو إمام الدنيا في زمنه فرجع الي البيت وتعرفون من كان كذلك يأتيه شيء من الكئآبة ، هذا الحديث من محفوظاتي فكيف ما استحضرته ؟ ، فرجع إلى البيت فجعل يفتش في كتبه عن هذا الحديث ، وأُهديت له سلة تمر في تلك الليلة فجعل يأكل من التمر ويبحث عن الحديث حتى فنيا التمر ثم وجد الحديث سلة كاملة ، قال غيرة فكان ذلك سبب موته ، يعني سلة كاملة من التمر يأكلها في ليلة ، قال غير أحمد ابن سلمة فكان ذلك سبب موته ، ما شعر هو يأكل التمر ويبحث عن الحديث حتى أتى على السلة كلها فمات من أثر ذلك رحمه الله تعالى ، حتى في الأنفاس الأخيرة يجدون يجتهدون في تحصيل العلم النافع ، الإمام ابن جرير الطبري تُذكر له فائدة وهو على فراش الموت فيدعو بالمحبرة والصحيفة ، فيُقال له يا إمام في هذا الوقت ، فيقول لا ينبغي لطالب العلم أن يدع اقتباس العلم حتى الممات ، ابن مالك صاحب الألفية من شدة حرصه على العلم أنه في يوم موته حفظ سبعة أبيات في يعني شواهد للنحو لقنه إياها ابنه ، يقول ابن القيم أيضاً حدثنا شيخُنا ابن تيمية أنه أُصيب بمرض فقال له الطبيب إن مطالعتك وقراءتك تزيد في مرضك ، قال لا أستطيع ، طلب منه أن يهدأ ويأخذ إجازة أياماً ، قال لا أستطيع ، حرص نحن نُسلي أنفسنا بهذه الحكايات القصص لعل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا ، ابن جرير رحمه الله تعالى يقول لتلامذته أتنشطون لكتابة التفسير ، قالوا كم يكون قدره ، قال ثلاثون ألف ورقة ، قالوا هذا مما تفنى الأعمار دون إتمامه ، فاختصره في ثلاثة آلاف ورقة وجعل يمليه في سبع سنين وهذا هو التفسير الموجود بين أظهرنا تفسير ابن جرير الطبري ، أتنشطون لكتابة تفسير قالوا كم يكون قدره ، قال ثلاثون ألف ورقة ، قالوا هذا مما تفنى الأعمار دون إتمامه ، فاختصره في ثلاثة آلاف ورقة وأملاه في كم ، في سبع سنين ، قال لهم مرة أتنشطون في كتابة التاريخ من لدن آدم إلى وقتنا ، قالوا كم يكون قدره ، قال ثلاثون ألف ورقة ، فقالوا المقولة السابقة ، قال الله المستعان ماتت الهمم ، فاختصره في نحو ما اختصر به التفسير.
فالذي ينقصنا إخواني في الله هي الهمة العالية والحرص على الوقت ، ولو أن الإنسان ولو لم يرزق من الذكاء ما يرزقه غيره لكن جد واجتهد واستمر فإنه إن شاء الله تعالى يصل إلى حصيلة ، ما ينفع أن تجري جري الغزلان ثم تنقطع ، كم كان معنا من الزملاء ومن ممن كان لنا قدوة في طلب العلم ، ذكاء عظيم وجد واجتهاد ليس له نظير ، إذا قمت في الليل رأيته على الشموع يقرأ ويحفظ وهكذا من الذكاء ما تحتقر نفسك عنده ، لكنهم لم يوفقوا في الاستمرار في طلب العلم ، وبعضهم قد يكونون أقل في الذكاء ويعني من إخوانه أولئك بدرجات لكنهم استمروا وفتح الله عز وجل عليهم ، كنت أعرف شخصاً من إخواننا وزملائنا في الطلب ، أعرفه كان ضعيف الحفظ ، يأخذ الحفظ ويدور عندنا بدماج في دار الحديث في المسجد يدور يرفع صوته يحاول أن يحفظ ويزعج إخوانه وقد ينظر إليه بعضهم ويقول هذا إلى متى سيضل على هذا ، دارت الأيام وإذا به يشار إليه بالبنان صار علماً وشيخاً ومستفيداً ، فالإنسان لا ييأس من نفسه بل يجد ويجتهد ويستمر في تحصيل العلم النافع ، تقريباً كثير من الإخوة على مستوى متوسط في الذكاء ، وبعضهم من عنده النبوغ وبعضهم دون ذلك فعلى الإنسان أن يجد ويجتهد ، هذا الذي ينقص طالب العلم.
الإمام البخاري إمام الدنيا ، دوخ الحفاظ من عظيم الحفظ الذي هو فيه ومن كثرة المعلومات والفوائد ، قالوا يعني لسان حالهم يقول هذا ما وهو طبيعي ، أكيد حصّل شيء أكله أو دواء شربه حتى وصل إلى هذا المستوى ، فأشاعوا بين طلاب العلم أنه شرب دواءً ، فقال له أحد تلامذته في وقت الفراغ والهدوء يا إمام... ثم قال لا أعلم شيء من ذلك إلا نهمة الطالب ومداومة النظر ، لا أعلم شيء من ذلك إلا نهمة الطالب ومداومة النظر ، النهمة الجد والاجتهاد والاستمرار ، بالاستمرار تأتي النتائج ، فاحرص يا طالب العلم على أن تستمر ، العلم واسع والعمر قصير ، العلم إذا أعطيته كلك ما أعطاك إلا بعضه ، فكيف إذا أعطينا هذا العلم فضول أوقاتنا ، نطلب العلم ثلاثة أشهر ونذهب إلي الدنيا تسعة أشهر ، هل تظن بعد ذلك تبقى الثمرة والفائدة ، أو نطلب العلم ثلاث ساعات في اليوم أو خمس وبقية أوقاتنا في اللهو واللعب والمرح والترفيه حتى لا يحصل للإنسان كئآبة ولا ضيق ، ترفه عن نفسك خمس ساعات في اليوم وأنت طالب علم الأمة منتظرة لأمثالك ممن ينفع الله عز وجل بهم البلاد والعباد ، فلابد علينا أن نحرص على أوقاتنا وأن لا يعتذر الواحد منا بشدة الحال والفقر والمستوى المعيشي المتدني الذي يعيشه كثير من الناس ، لا نظن إخواني في الله أن هذا المستوى الذي بلغه سلفنا الصالح كان بسبب الثراء والغنى والنعمة التي يعيشون فيها كثرة الأموال والدراهم والدنانير ، بل كان كثيرٌ منهم من هو فقير ومن هو محتاج ، صبروا فجاءت النتائج ، الإمام أحمد رحمه الله إمام الدنيا في زمنه من فقره وحرصه على العلم كان يؤجر نفسه للجمالين ، يعني يريد أن ينتقل من العراق إلى المدينة أو من المدينة إلى اليمن كيف يفعل عنده كتب ، يجعل نفسه أجيراً عند أهل القوافل ، يقول أنا أخدمكم لكن احملوني واحملوا كتبي معكم ، من العراق مثلاً إلي المدينة ، فانظر إلي إمام الدنيا يجعل نفسه أجيراً يخدم أصحاب هذه القافلة والله اعلم إيش نوع الخدمة هذه ، يخدمهم مقابل أن يحملوه وكتبه إلى المحل الذي يريد وهو إمام الدنيا في زمنه ، البخاري رحمه الله يقول خرجت إلى آدم ابن أبي إياس وهو من كبار مشايخه لأسمع منه الحديث ، قال فتخلفت نفقتي وكانوا أهل عفة ، قال فجعلت آكل الحشيش ثلاثة أيام ولا يشعر أحداً بي ، قال فتخلفت نفقتي فجعلت آكل الحشيش ثلاثة أيام ولا يشعر أحداً بي ، إمام الدنيا لو قال يا عباد الله لطارت الدنانير إليه لو شعر به بعض الناس لطّيروا إليه الدنانير والدراهم ، كانوا يجلون العلماء لكنه كان عزيزاً ، قال فجاءني في اليوم الثالث رجل لا أعرفه فدفع إلي صرة دنانير وقال لي أنفقها على نفسك ، قطعوا الفيافي ووجدوا المشاق والمتاعب في سبيل تحصيل هذا العلم النافع ، ابن الجوزي يخبر عن نفسه أنه كان يأتي إلى نهر عيسى بكِسر الخبز الناشف فيبلها في النهر ويأكلها لأنه لا يستطيع أن يأكلها وهي يابسة ، ابن أبي حاتم قصة عجيبة حصلت له ، قال خرجنا من مدينة من عند داوود الجعفري ، قال فركبنا البحر قال وكانت الريح في وجوهنا فبقينا في البحر ثلاثة أشهر حتى نفذ ما عندنا من زاد وماء ، انظروا يا إخوان الآن الإخوة الذين يعرفون الجغرافيا مسافة يسيرة ما بين ساحل المدينة إلى الساحل المقابل له ، ساحل السودان أو مصر مسافة قصيرة ، لكن على تلك السفن القديمة خرجوا وإذا بالريح في وجوههم ضلوا ثلاثة أشهر في البحر حتى نفذ ما عندهم ، قال ثم رمت بنا السفينة إلى ساحل ، قال وكنا ثلاثة أنا وشيخٌ نيسابوري وأبو زهير المرورودي ، قال فجلسنا يعني في البر ثلاثة أيام ما نذوق طعاماً ولا شراباً ، قال كنا نصلي حيث أُلقينا ، يأتي آخر الليل يصلون ، قال فلما كان في اليوم الثالث مشينا فإذا بالشيخ النيسابوري يسقط مغشياً عليه فنذهب نحركه وإذا هو لا يتحرك من شدة الجوع والظمأ ، قال فمشينا فرسخاً فسقطت مغشياً علي ، قال ومشى ثالثُنا فرأى سفينة قد قُربت إلى الساحل فأشار إليهم بثوبه فجاءوا مسرعين فقال الحقوا رفيقين لي ، قال ما شعرت إلا بشخص يحركني ويرش على وجهي الماء ففتحت عيني فسقاني الماء قليلاً فقليلاً ، قلت أدركوا شيخاً أو رفيقاً لنا فذهب جماعة إلى هذا الشيخ النيسابوري ، قال فأحسنوا إلينا وزودونا من الكعك والسويق ثم مشينا وكتبوا لنا كتاباً إلى والي راية مدينة في أرض مصر ، قال فمشينا حتى انتهى ما عندنا ، فرُفعت لنا سلحفاة كالصخرة ، قال فأخذنا حجر فرمينا على ظهرها فخرج لنا مثل صفار البيض فتحسيناه حتى سكن عنا الجوع حتى وصلنا إلي مدينة راية إلى آخر القصة ، جد واجتهاد إخواني في لله وتحمل للمشاق والمتاعب ، وهكذا ينبغي علينا إخواني في لله أن نتفانى في حدود استطاعتنا في تحصيل هذا العلم النافع وفي جمعه لا سيما في هذه الأيام التي أكرمنا الله عز وجل بوسائل تحصيل العلم ، هذه الكتب المطبوعة التي كثير منها ما كان يمتلكها كبار العلماء والحفاظ ، ما كانوا يمتلكونها اليوم مع توفر الطباعة سواء طلاب العلم يقتنون هذه الكتب ، واليوم في هذا العصر في السنوات الأخيرة أكرمنا الله معشر أهل اليمن بهذه الدعوة المباركة وبهذه المراكز النافعة الخيرة التي ليس لها نظير في الدنيا تفتح أبوابها لاستقبال الراغبين في العلم من غير قيد ولا شرط اللهم المحبة للسنة والحرص على الآداب الطيبة ، لا يطلبون منا شهادات ولا مؤهلات هذه نعمة حُرمها كثير من الناس ، حُرمها كثير من الناس ، انظروا إلى هذه البلاد اليمنية كانت تصدر الشغالين كما كان يقول شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله تعالى إلى أسقاع الدنيا ، تصّدير رجالها يخرجون وما يكاد أحد يدخل إلى اليمن ، إيش يريد من اليمن المعيشة عندهم أحسن والمناخ أفضل والدنيا أوسع ، وإذا بنا في هذه السنوات الأخيرة يتوافد إلينا طلاب العلم من هنا وهناك حرصاً على هذا العلم ، فعلينا أن نغتنم هذه الفرصة معشر أهل اليمن ، وأن نستفيد من هذا الذي يسره الله عز وجل لنا ، والحمد الله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

تمت بحمد لله وفضله

قام بتفريغ المادة
أخوكم في الله مُحب السلف
أبو عبد الله السرتاوي الليبي
غفر اللهُ لهُ ولوالديهِ وللمُسلمين

منقول من موقع علماء الدعوة السلفية في اليمن


جميع الحقوق محفوظة لـ © المدونة السلفية القحطانية