أهلاً وسهلاً و مرحباً بزوار المدونة السلفية القحطانية :: و نسأل الله أن ينفعنا و إياكم بما يُنشر في هذه المدونة من العلم النافع المستمد من الكتاب و السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في أسفل هذه الصورة تجدون جديد المدونة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في أسفل هذه الصورة تجدون جديد المدونة
صفحة الإعلانات الدعوية : سنوافيكم بما يستجد - بإذن الله -

الأحد، 1 مايو 2016

تفريغ شرح : (كتاب الصيام) من عمدة الفقه لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه عبيد الجابري


شرح كتاب الصوم من : " عمدة الفقه "
للإمام ابن قدامة المقدسي - رحمه الله
-

شرح الشيخ العلامة عبيد الجابري - حفظه الله -

تفريغ الدرس الأول

قام به الأخ عبد الهادي السعيدي


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله، نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد:

يقول العلامة الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد المقدسي رحمه الله تعالى، المعروف بابن قدامة في كتابه: " عمدة الفقه" :

كتاب الصيام،
قال : يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم،

الحمد لله، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد: فقد عُني أئمة المسلمين من محدثين و فقهاء بجميع العبادات من فرائض و مستحبات، و المقصود: تعريف المسلمين بأحكام هذه العبادات، و تعليمهم إياها وفق الكتاب و السنة، و مما علم به هؤلاء الأئمة: الصيام، صيام رمضان خاصة و الصيام عامة، و ذلكم أن صيام رمضان هو رابع أركان الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و الحج"، ومما يذكره أهل العلم و الإمامة و الفقه في الدين ضمن أحكام الصيام: معنى الصيام الشرعي و شروطه و ما يتبع ذلك من أحكام، و سوف نتابعها إن شاء الله مع الإمام ابن قدامة، و قد ذكر ها هنا جملة من شروطه: شروط الصيام، و المقصود بالصيام الشرعي: هو الإمساك بنية من طلوع الفجر الثاني عن الطعام و الشراب و سائر شهوات البطن و الفجر إلى غروب الشمس تقربا إلى الله تعالى، و بهذا يعلم أن ما يفعل السياسيون احتجاج على ما يلقونه من الصيام ليلا و نهارا عدة أيام ليس هو الصيام الشرعي و لا يسمى صياما إلا من حيث اللغة، لأن ذلكم ليس فيه قربة إلى الله سبحانه، ثم هو مخالف سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و الشروط التي ذكرها الشيخ هنا هي أربعة: أولا: البلوغ، و الثاني: العقل، و الثالث: القدرة على الصيام، و الرابع:-أحد الطلاب منبها للشيخ: الإسلام أول شرط، الشيخ: نحن نتكلم عن المسلمين، يعني غير المسلمين ليس لنا معهم كلام،-
فإذا قال قائل: علمونا شروط الصيام، هي هذه البلوغ و العقل و القدرة على الصيام، و سوف تأتي شروط أخرى إن شاء الله تعالى، لكن هذه ثلاثة، نعم.

قال رحمه الله : و يؤمر به الصبي إذا أطاق،

الصبي: اسم جنس؟، يشمل الذكر و الأنثى، يشمل الأولاد و البنات، وهو "من دون البلوغ"، فإذا بلغ الصبي سمي رجلا، إذا كان من الذكور، و إن كان من الإناث سميت امرأة، و هنا ال في أمر الصبي الصيام، لأن الصبي الغالب أنه لا يطيق الصيام، و لهذا قال المصنف رحمه الله: إذا أطاق، يعني: إذا قدر عليه، و هذا الأمر المقصود به التعويد و التمرين حتى إذا بلغ سن التكليف يكون قد ألف الصيام و تعود عليه،

قال رحمه الله : و يجب في أحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان، و رؤية هلال رمضان، و وجود غيم أو قتر ليلية الثلاثين يحول دونه.

ظاهر كلام المصنف كما سمعتم أنه لا بد من ثلاثة أمور يجب بها صيام رمضان، أحدها رؤية الهلال، و الثاني: إكمال شهر شعبان ثلاثين، و الثالث: وجود أو قتر، فيفهم من كلامه هذا أنه إذا وجد غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان صام الناس من الغد، و هذا ليس بصحيح ليس بصواب، فقد قضت النصوص الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى اله عليه و سلم أنه يجب صيام رمضان في واحد من شيئين: أحدهما: البينة، و البينة برؤية الهلال، هلال رمضان من العدل، قالوا: و لو كان الشاهد امرأة إذا كانت ثقة عدلة مأمونة، تقبل شهادتها، و الآخر إكمال شهر شعبان ثلاثين، سواء كان الجوّ صحوا أو كان قترا، بغبار أو غيم، هذان هما اللذان يجب بهما على المسلمين صوم رمضان،
و بهذا يتحصل الشرط الرابع من شروط وجوب صوم رمضان، مضى: البلوغ و العقل و القدرة، و هذا الشرط: دخول الشهر، و بمَ يدخل الشهر؟ نقول: بواحد من أمرين، إما رؤية الهلال، و إما إكمال شعبان ثلاثين يوما، فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له " قالوا: يعني فضيقوا عليه، و قالوا في الحديث الآخر: " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "، نعم.

بالنسبة لصيام يوم الشك

صيام يوم الشك محرم، قال صلى الله عليه و سلم: " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين.. " الحديث، و قال عمار بن ياسر رضي الله عنهما: " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم "، و يوم الشك هو المقدر في الثلاثين من شعبان.

قال رحمه الله : و إذا رأى الهلال وحده صام، و إن كان عدلا صام الناس بقوله.

الذي يرى الهلال من المسلمين له حالتان: إحداهما: أن يكون عدلا، قالوا: فهذا يجب عليه الصيام، الثانية: أن يقبل المسلمون قوله، فيصومون بشهادته، و الخلاصة أن البالغ إذا رأى هلال رمضان سواء قبل الناس قوله أم لم يقبلوه، لأنه ينطبق عليه قوله صلى الله عليه و سلم: " إذا رأيتموه فصوموا "، وقد رآه هو، إذن الوجوب تعين عليه في حقه، و المسلمون له إمام يأمرهم و ينفذ فيهم قوله يجب عليه أن يقبل شهادة هذا العدل و يحمل الناس على الصيام، و من أخبر فقد أدى ما عليه.

قال رحمه الله : و لا يفطر إلا بشهادة عدلين، و لا يفطر إذا رآه وحده.

ها هنا مسألتان : إحداهما في فطر العامة، بمَ يفطرون؟ قال: بشهادة عدلين، و السرّ في ذلك: أن الفطر خروج من العبادة،
قد يقول قائل : لماذا فرقتم؟ فقبلتم شهادة واحد في الصيام، و لم تقبلوا إلا شهادة عدلين في الفطر؟
فالجواب : أن الصيام دخول في العبادة، و افطر خروج منها، و الفطر أشدّ، و لهذا قالوا لا بد من عدلين، لكن ...كثير من أهل العلم أنه يسوغ الفطر بشهادة واحد عدل، و هذا أظنه كان ... الخطاب رحمه الله فإنه أخبره رجل بأنه رأى هلال شوال فأعلم في الناس فأفطروا في جمع من الصحابة،
المسألة الثانية: إذا لم يقبل المسلمون قوله، إذا كان الواحد، نحن عرفنا أن الواحد لا يقبل قوله بناء على رأي الجمهور، لا يقبل قوله في الفطر، فهل يفطر هذا؟ الصواب أنه يفطر، لأنه رأى هلال شوال، لكن هل يفطر علنا أو سرّا؟ إذا كان يخشى الضرر عليه بأن يتعرض للعقاب من الحاكم فإنه يفطر سرّا، و الله أعلم.

قال رحمه الله : و إذا صاموا شهادة اثنين ثلاثين يوما أفطروا، و إن كان بغيم أو بقول واحد لم يفطروا إلا أن يروه أو يكملوا العدة.

هذه العبارة فيها شيء من الغموض، و لكن نردها إلى ما سلف، وهو أن المسلمين يصومون برؤية الهلال و يفطرون برؤيته، و هذا هو النص عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله : و إذا اشتبهت الأمور على الأسير، تحرى و صام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه، و إن وافق قبله لم يجزئه.

الأسير : هو الذي يحبسه الكفار، يحبسه الكفار، ....، سواء كان بحرب مواجهة مع المسلمين، أو يخطفه الكفار يعني كان في بلادهم فيحبسونه، يقال: أسير، فهو: أسير الحرب،
و هذا الأسير ذكر المصنف له حالتين: ذكر أنه يتحقق أو يقدر له حقه إذا كان لا يقدر معرفة الشهور عن طريق التاريخ، لأن الأسير أحيانا يحبس و يحجز عنه كل شيء و تشتبه عليه الأشهر، و أحيانا عنده ما يتعرف به على الأشهر، فيكون عنده ساعة شهرية فيها أسماء الأشهر أو عنده تقويم من بلد مسلم، هذا يعمل برؤية الهلال أو يقضي شعبان ثلاثين يوما، لكن إذا اشتبهت عليه الأشهر و لم يجد دليلا يدل شهره و خروجه، فماذا يصنع؟ يتحرى و يزيد في التحري شيئين، أحدهما أن يقع صيامه في الشهر أو بعده، فيجزأ لأنه في الأول أصاب و في الثاني أخطأ، و الثاني أن يقع قبله، هذا لا يجزئه، فإذا صام الأسير يتحفظ أربعة أشياء أو خمسة،
إحداها: أن يصيب الشهر كله، يصيب صيامه صيام المسلمين اليوم الأول من رمضان،
ثانيا: أن يقع بعض صيامه في رمضان و بعضه بعده،
الثالثة: أن يقع صيامه بعد رمضان، فصيامه في هذه الحالات الثلاث مجزأ، لأنه في الحالة الأولى: أداء و في الثانية: بعضه أداء و بعضه قضاء، و في الثالثة: قضاء،
الرابعة: أن يقع صيامه بعضه قبل رمضان أثناء رمضان، بعضه وقع قبل و بعضه أثناءه، ففي هذه الحال: ما وقع في رمضان أجزأ، و ما وقع قبله: صامه قضاءً، و لا يضيعه الله تلك الأيام،
الحال الخامسة: أن يقع صيامه كله قبل رمضان، في شعبان في رجب، كله قبل رمضان، و في هذه الحالة الخامسة يقضي كلها.

باب أحكام المفطرين في رمضان
ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام:
أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء، وإن صاما أجزأهما.


إذن هنا يتحصل من هذه الجملة، يتحصل منها شيئان، الأول: انضمام شرطين على ما سبق، فنقول: الشرط الخامس: السلامة من الأمراض التي يتضرر بها الصائم، و الشرط السادس: الإقامة، لقوله تعالى:" فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " فيتحصل عندنا من خلال قراءتنا كم شرطا؟ ستة، البلوغ و العقل و القدرة على الصيام و دخول الشهر و السلامة من الأمراض المضرة به و الإقامة، ستة أمور، إذا استجمعها المسلم وجب عليه صيام رمضان أداءً.
الشيء الثاني: إذا صام المريض و المسافر، هل يجزئهما صومهما؟ الصواب أنه يجزأ، و هذا هو قول الجمهور، لقوله تعالى: " وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ " رخص الله لهم الفطر، و إن صاما أجزأهما، قال صلى الله عليه و سلم: " عليكم برخص الله التي رخص الله، فإن الله يحب أن تأتى رخصه كما يحب أن تأتى عزائمه "، فالمريض و المسافر الأفضل لهما الفطر، هذا هو الراجح، و يجوز لهما الصيام، فقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم في السفر، و منهم الصائم و منهم المفطر و لم يعب أحد الفريقين على الآخر، و المريض كذلك، و قال بعض أهل العلم: الفطر أفضل على المشقة و الصيام أفضل إذا لم تكن مشقة، و الصواب هو القول الأول -إن شاء الله تعالى- للحديث المتقدم: "عليكم برخص الله التي رخص الله، فإن الله يحب أن تأتى رخصه كما يحب أن تأتى عزائمه "، و المسافر الصواب أن المسافة غير محددة، لكن ما يعد عرفا الانتقال من بلد إلى بلد سفر فهو سفر، ..... و الضرب في الأرض سواء كانت المسافة طويلة أم قصيرة، فلم يحدد مقدار السفر لا مسافة و لا زمنا، هذا هو الراجح، نعم.

المشترط بالنسبة للمسافر ألا يكون سفره سفر معصية

هذا قال به بعض أهل العلم، قالوا: أن يكون سفرا مباحا، و هذه الحقيقة ... زجرا له، و بعض أهل العلم قال: لا يشترط ذلك، و الذي يظهر عندي -و الله أعلم-: أن العاصي إذا علمنا حاله قبل أن يسافر للمعصية يعني عافانا الله و إياكم في الدنيا و الآخرة، شخص عرفنا أنه سيسافر إلى أمريكا أو إلى أوربا أو البلاد العربية التي يشيع فيها الفجور من أجل أن يفسق هناك، فنحن ... و نقول: لا تسافر، و إذا قال: هل يرخص لي الفطر، يقال: لا يرخص لك، ....، و أما إن سافر و قضى ما يريد من فجوره و معصيته ثم عاد، و قال: أنا أخطأت، نقول: لا تعيد،

و هل يشترط ألا ينوي بسفره
الذي يظهر لي أنه عندنا قاعدة عامة، التَّحَيُّل على ... هذا محرم، فهو إذا أراد في شهر رمضان ما يقتضي سفره مسافر.

أحسن الله إليكم، قال رحمه الله: الثاني: الحائض و النفساء تفطران وتقضيان، وإن صامتا لم يجزئهما.
النفساء أمرها معلوم، فأهل البلد و أهل الحيّ كلٌّ يعلمون حالها، و لكن الحائضُ هي التي يخفى أمرها إلا على من هو منها بمكان، لأنه مما جبل عليه النساءَ الحياءُ، فهي لا تحب أن يطلع أحد على حالها، فبعضهن تتسحر و لا تطعم إلا مع أهلها في الفطور، تتحفظ من ذلك، لا سيما إن كان البيت فيه أطفال، و الأطفال لا يراعون و لا سيما إذا كان الرجال.. تخشى أنهم يرونها، حتى محرمها تتحرز منه، فمتُسك كما يمسك الناس، و تأكل مع الناس و تشرب معهم، فهذه يقال لها: أنت أمسكت لماذا؟ هل كنت متحرزة أم .. الصوم؟ فإن قالت: متحرزة، الوضع محرج بالنسبة إلي، فأنا لا أجد يعني مشقة، أنا أتسحر مع الناس و آكل معهم...، فنقول: لا بأس، لكن إذا وجدت مشقة و إجهادا من أثر الحيض فأفطري، يخشى عليك من صيامك هذا، الحال الثانية: أن تقول أنا أصوم..، نقول: لا، لا يجزئك أبداً.
و ليعلم أن الحائض لها أحوال أربع: الحال الأولى: أن تراه قبل الفجر، الحال الثانية: أن تراه نهاراً، يعني قد أمسكت، و لو بقي غروب الشمس بوقت يسير، الحال الثالثة: أن ترى الطهر أثناء النهار، فهي في هذه الأحوال الثلاث ت...، و في الحال الثالثة خاصة لو أتاها زوجه، لو قدن عليها زوجها من السفر مفطرا و دعاها إلى حاجته وجب عليها الإجابة، و هي مفطرة، و هنا سؤال: هذه التي رأت الطهر نهارا و زوجها مسافر، هو إذا كان مقيما ...، لمن نقول: إذا رأت الطهر نهارا، نحن عرفنا أنها مفطرة، و أنه لو قدم عليها زوجها من السفر و دعاها إلى حاجته أجابته، لكن هنا سؤال: هل لها أن تصوم تطوعا؟ نقول: نعم، لها أن تصوم تطوعاً، لماذا؟ لأن صوم التطوع لا يشترط فيه تبيية النية، تبيية النية في الفرض، وجوب تبيية النية في الصوم في الفرض، أما النفل لو أن المسلم أصبح غير صائم، ثم لما أمضى شيئا من النهار خطر بباله الصيام فصيامه صحيح، الحال الرابعة: أن ترى الطهر قبل الفجر، فهي في هذه الحال صائمة، و لو لم تغتسل لبعد الفجر، نعم.

قال رحمه الله : الثالث: الحامل و المرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً و إن صامتا أجزأهما.

أولا: ننبه كلّ مسلمة تسمعنا، و من لم تسمعنا فلينبهها وليها وَلِيُّها أو زوجها إلى أن الحمل و الرضاعة ليسا مسوغين للفطر بمجرديهما، يعني ليس للحمال و المرضع أن تفطر بدون مسوغ، فإذا... يجب إن يكون الأمر مسوغ يستدعي ذلك يستدعي الفطر غير الحمل و الرضاعة، كأن يكون مثلا: الحامل أحيانا إذا صامت.. و أحيانا يصيبها صداع شديد و أحيانا يصيبها غثيان و تتقيأ و أحيانا يصيبها دوار -دوخة- فهذه تفطر، أبيح لها الفطر من أجل ماذا؟ ما صاحب الحمل من أضرار، و ليس من مجرد الحمل، و المرضع أحيانا يصيبها جفاف، إذا اجتمع لها الرضاع و الصيام، و أحيانا يصيبها بدنها يجف و بدنها يتضرّر، لأن بعض الأطفال لا يطعم إلا لبن َ أمه، و لا يقبل شيئا آخر،
و الحاصل أن الحامل و المرضع لهما حالتان:
إحداهما: أن تفطرا خوفا على أنفسهما، فعليهما القضاء فقط، و لا إطعام،
و الحال الأخرى: أن يكون الفطر خوفا على الجنين، تجد الحامل شيئا، تحسُّ بشيءٍ، ضعف حركة الجنين، فيفتيها الطبيب المسلم بأن الصوم يخاف منه على الجنين، و المرضع كذلك،
فالمصنف رحمه الله ذكر هنا أن الحامل و المرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد عليها شيئان: القضاء و الكفارة،
و الصواب أنه لا فرق، و أن الحامل و المرضع إذا أفطرتا خوفا على أنفسهما أو خوفا على ولديهما فعليهما القضاء دون الإطعام، نعم.

الرابع: (العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً).

العاجز عن ال
صيام، لا يستطيع لا يُطيق بالكلية، أو يُطيقه بمشقة، لا يمكن إلا بمشقة و جهدٍ جهيد، و هذا العجز لكبر السنِّ، أو لمرض لا يرجى شفاؤه، مرض مزمن لا يرجى شفاؤه،
فالمصنف ذكر أن لهما في هذه الحال الفطر، و عليهما الإطعام عن كل يوم مسكينا، و هذا الإطعام يجوز مفرقا كل يوم بيومه، و يجوز مجموعا بآخر الشهر، أو بعد خروج الشهر، فيطعم عنهما بقدر ما صام المسلمون، فإن صاموا تسعة و عشرين، أطعم تسعة و عشرين مسكينا، و إن صام المسلمون ثلاثين أُطعم ثلاثون مسكينا، و الإطعام ...، من أوسط ما يأكل أهل البلد، وجبة فطور أو غداء أو عشاء، و تقدم إليه نصف صاع يعني حفنتين، بما تيسر معه من ...،
و هذا التفصيل بالنسبة لمن عجزه عن الصيام لكبر السنِّ، هذا الذي كبرت سنه له حالتان:
إحداهما أن يكون عنده إدراك و وَعْيٌ يعرف ما هو فيه، يعرف الأيام و الليالي، يعرف دخول الشهر و خروجه، لكن عجزه بدني، فهذا هو الذي يطعم،
الحال الثانية: حالٌ خاص، يصبح لا يدرك، و قد يصوم ساعة و يطلب الطعام، و قد لا يعرف ما هو فيه من حال، و أحيانا لا يعرف حتى أولاده و بناته و زوجه، فهذا ليس عليه شيء، لأنه سقط عنه التكليف، و الله أعلم.

-----------------------------

تفريغ الدرس الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله نبينا و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام العلامة أبو عبد الله المقدسي رحمه الله تعالى، المعروف بابن قدامة في كتابه عمدة الفقه، في كتاب الصيام، في باب أحكام المفطرين في رمضان،

قال رحمه الله : وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير، إلا من أفطر بجماع في الفرج فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت عنه.

الحمد لله، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، قوله رحمه الله: و على سائر من أفطر القضاءُ فقط، هذا إشارة إلى ما أسلفه رحمه الله و مرَّ بنا في الجمعة الماضية، فإنه ذكر حكم المرضع و الحامل إذا أفطرتا خوفا على أنفسهما أو ولديهما، و كذلك ذكر حكم الشيخ و الشيخة إذا كبرت سنهما و شقَّ عليهما الصوم، فإن هؤلاء يطعمون، فالشيخ و الشيخة اللذان شق عليهما الصوم لكبر سنهما يفطران و يطعمان عن كل يوم مسكينا، و كذلك الحاملو المرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما، يفطرنان و يقضيان و يطعمان عن كل يوم مسكينا، هكذا ذكر رحمه الله، و قد فصلنا القول في هذه المسائل،
ذكر هنا على بقية المفطرين في رمضان يعني لعذر عليهم القضاء فقط، يعني: المسافر، و المريض الذي يتضرر في الصيام، فهؤلاء عليهم القضاء فقط،
ثم استثنى رحمه الله، من جامع في نهار رمضان عامدا، فإنه ذكر فيه:
أولا: أنه يقضي فيه يوما مكان ذلك اليوم الذي جامع فيه،
و ثانيا: عليه الكفارة،
و كفارة المجامع في نهار رمضان، و يعبر العلماء أحيانا عنه بقولهم: من أفطر بالجماع،
كفارته مرتبة: عتق رقبة: يعني مؤمنة، فإن لم يجد: صام شهرين متتابعين، فإن لم يجد: أطعم ستين مسكينا، هكذا مرتبة، لا خيار فيها، فمن كان واجدا للرقبة فلا يجزأه صيام الشهرين، من كان قادرا على صيام الشهرين عاجزا للرقبة فإنه يصوم شهرين و لا يجزأه صيام ستين مسكينا، و من عجز عن الأمرين معاً فإنه: يطعم ستين مسكينا، و ها هنا مسألة تتعلق بهذه المسألة و تتفرع عنها، و هي: تكرار الجماع، تكرار الفطر بالجماع، ذكر المصنف - و لا أدري سيذكر هنا أم لا - أن من أفطر بالجماع و كرر، يعني من كرر الجماع، من كرر الفطر بالجماع، ذكر في الزاد و في غيره أنه له حالتان:
إحداهما: أن يكرر قبل أن يكفِّر، فكفارته واحدة،
و الحال الثانية: أن يكرِّر بعد ماذا؟ أن يكرِّر بعد أن يكفِّر، ذكر أنه يكفر مرة أخرى، و هذا الإجمال ليس .. في الحقيقة، إجمال يحتاج إلى تفصيل،
و ذلكم أن يقال: إن من كرَّر الجماع في نهار رمضان له حالتان:
إحداهما: أن يكون التكرار في يوم واحد، سواء كفر أم لم يكفر، فالكفارة واحدة، نفترض أنه جامع بعد طلوع الشمس - ما شاء الله، بعد الفجر بساعتين - ثم كفر و جامع بعد الظهر، ثم جامع بعد العصر، - وهذا ما عنده وقت، يقال: لا عبرة به- فالكفارة واحدة، لماذا؟ لأن التكرير وقع في يوم واحد،
الحال الثانية: أن يكرر هذا أياما، يعني يكرر الجماع أياما، فالصواب: أنه عليه لكل يوم كفارة، لأن كل يوم عبادة مستقلة، فهمتم المسألة؟ طيب،
ثم ذكر أخيرا في شأن المجامع أو المفطر بالجماع نهارا أنه إذا عجز عن الكفارة سقط، و هذا و إن خولف فيه لكنه له وجه من النظر، ...، و ذلكم أن القاعدة في ديون الله سقوطها بالعجز، فمن كان عليه دين لله سقط، إذا عجز سقط عنه هذا الدين،
و ها هنا أمران لا بدَّ من بلاغهما:
الأمر الأول: أنما ذكره المصنف هنا من حكم المفطر بالجماع في نهار رمضان و كفارته، أصله قصة صخر بن سلمة البياضي رحمه الله، كما أخرجه الشيخان من جديث أبي هريرة رضي الله عنه:" أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينتف شعره، و يضرب صدره، و يصيح بأعلى صوته: يا رسول الله هلكت و أهلكت، قال: و ما أهلكك، قال: وقعت على امرأتي و أنا صائم، -فدخل الحديث- قال: هل تجد ما تعتق به رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم ستين مسكينا؟ قال: لا، فجلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بطبق من تمر، و قيل عرق، وهو المكتل،- قالوا: سمعته: خمسة عشر صاعا من تمر- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه فتصدق به، قال: أو على أفقر منا يا رسول الله؟! و الله ما بين لابتيها أهل دار أو قال: أهل بيت أحوج له منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:خذه كله، و في رواية: خذه فأطعمه أهلك،" فهذا الحديث دليل أولا على الكفارة في هذه المسألة كما ترجم، و فيه دليل من وجه آخر على أنها تسقط عنه حال العجر عنها، و إن قال قائل: ما وجه الدلالة؟ قلنا: في سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقل له: و كفر إذا استطعت، و من المتقرر في علم الأصول و عليه الأئمة: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة و العمل، فلو كانت الكفارة واجبة حال اليسر، لقال: و كفر إذ استطعت، فدلّ أنها تسقط عنه،
و ها هنا مسألة أخرى، و هي: شروط ال...، يعني ما الأمور التي إذا حدثت للمسلم كان مفطرا في نهار رمضان، هذه صورة المسألة، متى يكون المسلم مفطرا في نهار رمضان، ثمت شروط أرجو التنبه إليها و التفطن لها،
الشرط الأول: أن تكون هذه المفطرات - أو التي يحصل بها التفطير- هي: من الطعام و الشراب أو ما هو في حكمهما كالجماع،
الثاني: أن تكون نهارا، ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس،
الشرط الثالث: العمد،
الشرط الرابع: ذكر الصيام،
الشرط الخامس: الاختيار، أن يفعل ذلك مختارا،
فالاختيار يخرج الإكراه، و التذكر يخرج النسيان، و العمد يخرج الخطأ، قال صلى الله عليه وسلم: " من نسي فأكل أو شرب و هو صائم فليتم صومه، فإنما أطعمه الله و سقاه"،
هناك شرط، وهو الدخول في الجوف،فيتحصل عندنا كم شرط؟ ستة،
أن تكون من الطعام أو الشراب أو ما هو في حكمه،و أن تكون في النهار، عن اختيار أي عمد، ذكر الصيام، و وصولها إلى ماذا؟ الجوف،
و ها هنا يطرق أهل العلم في مسألة، و هي مسألة العلاج بالإبر، -ضرب الإبر-، قالوا: إن كانت من الحقن المغذية، يعني التي تصل إلى الجوف عن طريق العروق فهذه مفطرة، و إن كانت لا تصل، يعني ليست مغذية، يعني تضرب في العضلات: فهذه ليست مفطرة، و الذي نوصي به: أن من قدر على تحمل المرض اليسير كي يحقن هذه الحقن في الليل، يتجنب حقنها نهارا،
و ثمت مسألة أخرى، و هي: ما الذي يترتب على الفطر في نهار رمضان عمدا، لأن الفطر في نهار رمضان له حالتان:
إحداهما: أن يكون له مسوِّغٌ، كما مرَّ في الجمعة الماضية، مثل السفر، المرض الذي يتضرر به الصائم، نعم،
الحال الثانية: أن يفطر اعتباطا، هكذا دون مسوِّغ، فهذا دون مسوِّغ يترتب عليه أمور:
أحدها: الإثم، فإنه بالإفطار عمدا دون مسوِّغ -و توفر الشروط التي ذكرناها كاملة -أثِم، فعليه التوبة و الاستغفار،
الثاني: فساد صيام ذلك اليوم،
الثالث: عليه الإمساك بقية اليوم، قد يقول: أفطرنا! كم فيها يمشي الحال! ما في مشكلة أفطرنا! لا، يجب عليه الإمساك،
الرابع: قضاء يوم مكانه، و يزيد الفطر بالجماع ما سمعتم، و هي الكفارة المرتبة،
و ها هنا سؤال: كيف قلتم: من أفطر بالجماع عليه القضاء، فما دليل ذلكم؟ و الجواب أنه جاء من غير وجه، فهو حسن بمجموع طرقه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر ذلكم الرجل أن يقضي يوما مكانه"،
و ها هنا سؤال: قلتم في من أفطر عمدا بغير مسوِّغ يقضي، فكيف تصنعون بحديث: " من أفطر يوما من رمضان لغير عذر أو رخصة رخَّصها الله، فإنه لن يقضيَ عنه صيام الدهر و إن صامه"، و الجواب: أن هذا الحديث ضعيف، و يرجع إلى الأصل: و هو أن من أفسد عبادة كانت واجبة عليه فعليه قضاؤها، و الله أعلم.

قال رحمه الله : فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية فكفارة واحدة، فإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية، وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة.

ها هنا مسألتان:
إحداهما: مرت و هي ما يتعلق بالفطر بالجماع نهار رمضان عمدا، فهذه المسألة تتضمن فرعين:
أحدَهما: و هو الذي ذكره المصنف الآن، و قد مرَّ،
و الآخر: من أفطر بالجماع فإنه قد نُصَّ في مذهب أحمد و غيره - حسب علمي - أنه عليه الكفارة، سواء كان عامدا أو مخطئا أو ناسيا، قالوا: لأن هذا أمر لا ينسى في الغالب، يعني الجماع أمر لا ينسى في الغالب، لأنه يكون بدعوة الرجل امرأة، و استجابتها له، أو تمنعا بسبب من الأسباب، قالوا: فهو لا ينسى غالبا، و الصواب: أنه كغيره من المفطرات بالشروط المتقدمة، فقد يتجامع الزوجان خطأً، ظنا منهما أنهما في الليل و هما في النهار، و قد ينسى كلٌ منهما، و في صحيح مسلم، قال: "" رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا " قال: نعم، و في رواية: قد فعلت "،
المسألة الثانية هنا: في حكم من لزمه الإمساك في النهار، من لزمه الإمساك يعني: نهارا، و المعنى: أن هذا له حالتان:
إحداهما: أن يعلم الصيام كغيره من الناس، و هذه الحال لا إشكال فيها، فإن من لزمه الإمساك في نهار رمضان و قد علم ذلك ليلا كما علمه سائر الناس، ثم قام فجامع فعليه الكفارة،
الحال الثانية: ألا يعلم الصيام إلا في النهار، فالجمهور على أنه يمسك عن الطعام و الشراب و كلِّ شيء، و على هذا القول ما قال المصنف: لو جامع لزمته الكفارة، و ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا إثم عليه لأنه مأذون له في الأكل و الشرب و غير ذلك حتى يعلم، و هذا له وجه من النظر،
و تحرير ذلكم أن يقال: العالمون بالإمساك نهارا، يعني العالمون بالصيام نهارا، صنفان:
صنفٌ أمسكوا و عزموا على الصيام، فهذا لو جامع عليه كفارة، لأنه قد ... الأمرلله بالصيام،
و صنف لم يمسك، كان قد أكل و شرب، ثم علم بعد أن أكل و شرب، فهذا مفطر، و على هذا فإنه لا شيء عليه إذا جامع أهله بعد ذلك لأنه مفطر، و الله أعلم.

قال رحمه الله : ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر فليس عليه غير القضاء، وإن فَرَّط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكيناً.

هذه المسألة في من يأخر قضائه، قضاء ما أفطر من رمضان حتى يدركه رمضان آخر، فما حكمه؟ و الجواب: أنه له حالتان:
إحداهما: أن يكون تأخيره لعذر، كتتابع أمراض، أم أنه لم يستقرَّ عن أهله، هو في أسفار دائمة، أو امرأة حملت، كانت عازمة على القضاء ثم حملت فأجهدها الحمل بما يصاحبه من قيءٍ أو غثيان أو صداع أو هزال أو غير ذلك، يعني صاحب حملها من أمراض ما جعلها تخاف على نفسها أو على جنينها، فهؤلاء لا شيء عليهم، لأنهم ليسوا مفرطين،
الحال الثانية: أن يؤخِّر هذا القضاء تفريطا منه و تسويفاً منه و كسلاً حتى دخل عليه رمضان آخر، فقال المصنف هنا و أظن في المغني: أنه عليه شيئان: القضاء و الإطعام، يعني يقضي و يطعم عن كل يوم مسكينا، بقدر ما أفطر، و هذا هو مذهب الجمهور، و استدل الجمهور لهذا المذهب يعني بالسنبة للمفرِّط بحديث عائشة رضي الله عنها، قال: كان يكون عليَّ القضاء، أو كان يكون عليَّ الصيام، فلا أقضي إلا في شعبان" جاء في رواية أخرى: " لكثرة ما يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "، قالوا: لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم منها، فهو يخصها بالجلوس عندها و غير ذلك أكثر مما يناله منه بعض نسائه رضي الله عنهن أجمعين، و إن رغمت أُنوف الرافضة، قالوا: فهي لم تأخر القضاء إلا إلى شعبان، فلو أمكنها تأخير القضاء لكان، كما استدلوا بفتوى عن أبي هريرة و غيره، و لم يُعرف لهما مخالف من الصحابة، و الجواب عن حديث عائشة: بأن الحديث تضمن أمرا صراحا، و هو إقرار النبي صلى الله عليه وسلم القضاءَ إلى شعبان، و ما عدا ذلك فمسكوت عنه، فلم ينقل أنها أخرت فنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، و لم ينقل أنها أخرت فأقرها، فإذن هذا أمر مسكوت عنه في السنة، أعني تأخير القضاء إلى ما رمضان الآخر، و أما ما استدلوا به من فتوى أبي هريرة و غيره، فهذا اجتهاد منهما، فرجع الأمر إلى قوله تعالى:" وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" ، فنصُّ الآية الكريمة صراحةً أمرُ المفطرين لمرض أو سفر بقضائه في أيام أخر مطلقاً، غير مقيَّد، و الأصل أن ما قيده السارع هو بقاؤه على إطلاقه حتى يقيده الشارع نفسه، نعم.
فبان لكم بهذا أن الراجح عندنا القضاء فقط، و ليس عليه إطعام، نعم، من قال: إنه يأثم، أعني المفرط المتكاسل له حظٌّ من النظر، لأن القضاء، قضاء رمضان من الديون الواجبة، و دين الله أحق بالقضاء، فنحن ندعوا من أفطر أياما من رمضان أو كلَّه أن يسارع في القضاء،

قال رحمه الله : وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيءَ عليه، وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكيناً إلا أن يكون الصوم منذوراً فإنه يصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة.

و حاصل هذا ما يأتي:
أن من أخر القضاء لعذر فمات، فلا شيء عليه، ما دام معذورا فهو لم يجب عليه شيء.
------------------------------------------------

تفريغ الدرس الثالث 

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في كتابه عمدة الفقه :
باب ما يفسد الصوم
من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء فقاء، أو استمنى، أو قبل أو لمس فأمذى أو أمنى، أو كرر النظر حتى أنزل، أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد.

الحمد لله رب العالمين، و صلى الله
و سلم على نبينا محمد، و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد:
فيتلخص هذا العرض في أمور، أو هي شروط التفطير، و إن شئت فقل: متى يفسد الصيام؟ أو متى يكون الصائم مفطرا إفطاراً يأثم عليه؟
وقد ذكرنا في ما مضى أن لذلك شروطا، و المؤلف كر بعضها، فمما ذكره: أن يصل إلى الجوف طعام أو شراب أو ما هو في حكمه، هذا هو أحد الشروط، إذن المفطرات هي الطعام و الشراب، و ما في حكمه كالجماع، ثم ذكر هنا لفتة،قال: وصل إلى جوفه من أيّ موضع غير إحليله، الإحليل: الذّكر، و المعنى: أنه إذا وصل إلى جوف الصائم شيء من المفطرات فإنه يفسد صومه، فكأنه يذكر، كأنه يبين أن الذكر ليس منفدا إلى الجوف،
شيخ هو لم يذكر الإحليل هنا.
ما قال الإحليل؟
لا.
طيب، أقول: هذه في زاد المستقنع و غيرها، الإحليل يذكرون الإحليل، و قد ذكرنا أحمد أن المؤلف لم يذكر إلا الوصول إلى الجوف، ففي بعض كتب ابن قدامة و كتب غيره، يذكرون الإحليل، و هم ينبهون إلى أن الإحليل ليس منفدا إلى الجوف، فإذن من منافد الجوف: هذا اللسان هذا معروف، و الأنف، و هذا يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم:" و بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما"، و هاهنا سؤال: لو قطرت المرأة شيئا من الفرج، هل يفطِّر أو لا؟ نقول: إن كان ممن منفد الرحم، فإنها تفطر بذلك، لأن منفد الرحم طريق إلى الجوف، و إن كان من مجرى البول، فلا يضرّها إن شاء الله، لأن هذا منتهاه المثانة، و الله أعلم،
ذكر الشيخ هنا أمورا من مفسدات الصوم غير ما يصل إلى الجوف،
من هذه المفسدات: الاستعاط، بأن يقطر الإنسان شيئا في أنفه، و الأنف كما قدمنا منفد إلى الجوف،
و منها أنه إذا استقاء، يعين تسبب في إخراج القيء، إما بإدخال أصبعه في فمه، أو بأن تعمد شم رائحة كريهة عفنة، فإن بعض الأشياء، تصل بها العفونة إلى أن من شمها يتقيّأ، أو مثلا صار يمضغ شيئا له طعم كريه، أو راحة كريهة، الخلاصة إذا تسبب، فهذا يفسد صومه، و مفهوم هذا أنه إذا ذرعه القيء، خرج القيء بدون سبب منه، فلا شيء عليه، صيامه صحيح،
و منها: الإنزال، و الإنزال إنزال المني له أسباب،
أحدها: القبلة، حين يقبل زوجته،
ثانيها: الملامسة و المباشرة،
ثالثها: كثرة التفكير في أهله، أنه يفعل و يفعل،
و منها: تكرار النظر، إلى الزوجة أو امرأة أجنبية، كرر نظر المتعة،
و منها: الاستمناء باليد أو بغيره،
فإذا تسبب عن واحد من هذه الأمور إنزال المني فسد صومه، و هذا هو قول الجمهور، و هو الراجح إن شاء الله تعالى،
و منها: من ...، إخراج المذي يعني إذا خرج المذي عن طريق الاستمناء، أحيانا يستمني بأن يعبث الإنسان بفرجه، و لكن لا يخرج مني، يخرج مذي، في هذه الحال أيضا كذلك صومه،
بقي ماذا؟ الحجامة؟
إي نعم، لو احتجم عامدا.
أو احتجم عامدا، قوله: عامدا، هذه شرط في جميع المفطرات، فأنتم تذكرون أنا ذكرنا المفطرات، يعني: شروط التفطير:
أن يكون طعام أو شراب أو ما هو في حكمه كالجماع،
وصولها إلى الجوف،
أن تكون في نهار رمضان،
أن يعمد، العمد،
الاختيار،
ذكر الصيام،
و الإنسان أحيانا يتعمد الأكل، لكن ينسى أحيانا أنه صائم، يأتي أحيانا من العمل فيرى من هو مفطر في البيت يأكل، فيقول: بسم الله، و يمد يده يأكل و يشرب، فهذا هو عامد الطعام، لاشك أنه قاصد، لكن هل تذكر صومه؟ نقول: إن كان تذكر صومه فقد أفطر، و يترتب الذي ذكرناه في الجمعة الماضية أو قبلها، و إن كان ناسيا صومه، فليم صومه فإن صيامه صحيح،
و هاهنا مسألة أو سؤال: هل يُذكّر؟ يعني إذا رأيت إنسانا يأكل أو يشرب و هو صائم، أو غلب على ظنك أنه صائم، فإنك تذكره، لأن هذا من النصيحة الواجبة للمسلم،
الحجامة، الحجامة معروفة، و هي: إخراج الدم من الجسم بالطريقة المعروفة، سواءً ما يسمى حجامة بالنار أو ما يسمى حجامة بالمصّ، الحجامة معروفة، و ظاهر كلام الشيخ، و هو المعتمد في المذهب، و عليه أظن جمهور الفقهاء من الحنابلة، أن الحجامة في نهار رمضان مفطرة، من احتجم عامدا كالذي يشرب عامدا أو يأكل عامدا أو يجامع عامدا ذاكرا صومه يفطر، و عليه القضاء،
و هذه المسألة: الإنصاف و الأمانة العلمية، تقتضي أن نعرضها عرضا مفصلا، فنقول: ذهبت طائفة من أهل العلم إلى هذا الذي ذكره المصنف رحمه الله، و من حججهم و أدلتهم قوله صلى الله عليه وسلم: " أفطر الحاجم و المحجوم "، صحّ من حديث شدّاد بن أوس و غيره، هذا نصٌّ في الحكم، و هو قاضٍ بأن كُلاًّ من الحاجم و المحجوم يفطر،
الطائفة الثانية: ذهبت إلى أن الحجامة في نهار رمضان ليست مفطرة، و من أدلتهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما، و هو في صحيح البخاري: " احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو صائم، و احتجم و هو محرم"، فانظروا احجتم و هو صائم، و احتجم وهو محرم، فإن هذا الخبر يحكي حالتين من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فيهما، إحداهما: حال إحرام، و الأخرى حال صيام، فالحالان منفصلان عن بعضهما، لأنه لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعني صام في السفر إلا قليل، هو صام في الأسفار، لكن قليل، .... صلى الله عليه وسلم حينما يرى، لكن لم ينقل أنه جمع بين إحرام و صيام، لم ينقل أنه جمع بين إحرام و صيام، يعني لو جمع بين إحرام و صيام، هذه حالة واحدة، و ربما عللت بتعليلات، لكن لم ينقل أبدا أنه جمع بين إحرام و صيام،
الطائفة الثالثة: قالوا: إن الحجامة نهي عنها أول الأمر خشية الضعف، ثم رُخّص فيها، فبان بهذا أن قوله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم و المحجوم منسوخ، و هذا من شواهده ما أخرجه الدارقطني و صحّحه بعض أهل العلم عن ثابت البُناني رحمه الله، قال: قلت لأنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: إنما من أجل الضّعف، ثم رُخّص بعدُ فيها، قال: إنما من أجل الضعف، إبقاءً على أصحابه، و هذا له شواهد، فقد كان أنس رضي الله عنه يحتجم نهارا، و كان ابن عمر رضي الله عنه كما رُوي ذلك عن نافع مولاه رحمه الله، قال: كان يحتجم ثم ترك ذلك خوفا من الضعف،
فيتلخّص من هذا قول - لعله رابع - في الحجامة، و هو: أن من كان يخشى على نفسه الضعف فلا يحتجم نهارا، و ليحتجم ليلا، و إن كان لا يخشى على نفسه الضعف، فهي جائزة و مباحة في حقّه،
و ثمّت مسألة أخرى حدثت في عصرنا أو قبلنا بقليل، و هي سحب الدمّ من المرء نهاراً، فسحب الدمّ الباعث له شيئان، أو أحد شيئين:
إما التبرع من أجل مريض أو مرضى، أو استجابة إلى الجهة المختصة في الدولة، تدعوا الناس إلى أن يتبرعوا بالدم من حينٍ بآخر،
و الحال الأخرى أو الأمر الآخر: التحليل، فالذي يترجح عندنا بناء على ما سبق، أن تحليل الدم، أو سحب الدم، نقول: سحب الدم، -قد يكون عاما- أن سحب الدم له حكم الحجامة، فمن كان قويا قادرا، و لا يخشى الضعف، فلا مانع أن يسحب منه الدم نهارا لأيّ الغرضين، و من كان يخشى على نفسه الضعف، فلا يفعل هذا، نعم.

قال رحمه الله : و إن فعله ناسيا أو مكرها لم يفسد صومه.

هذا احتراز جيد، و هو تأكيد لما سبق، فإن من يفعل هذه الأمور له أحوال:
إما أن يكون عامدا مختارا ذاكرا، فهذا يفسد صومه،
و إما الحالة الثانية أن يكون مكرها،
و الحال الثالثة أن يكون ناسيا، فهذا لا يفسد صومه، لأنه صحّ أن الله سبحانه و تعالى عفا لهذه الأمة عن الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه، نعم.

قال رحمه الله : و إن طار إلى حلقه ذباب أو غبار{1} أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء{2}،أو فكر فأنزل، أو قَطّر في إحليله، أو احتلم، أو ذرعه قيء، لم يفسد صومه.{3}

اكتبوا عندكم أصحابَ الكتب: ما لا يَفسد به الصوم،
{1} لحظة، طار إلى حلقه ماذا؟ ذباب أو غبار، هذا رقم واحد،
{2} هذا الثاني.
{3} هذه كلها لا يفسد بها الصيام ما عدى التفكير، فإن في النفس منه شيء، و قد أسلفت لكم أنه من أسباب الإنزال، نعم.

قال رحمه الله : و من أكل يظنه ليلا فبان له نهارا أفطر.

هذه القضية، قضية الخطأ، هي قضية خطأ، يأكل يظنه في الليل فبان نهارا، -هكذا قال؟- من أكل يظنه في الليل فبان نهارا، يقول: أفطر، و الصواب: أنه لا يفطر، هو يظنه في الليل، لكن بان نهارا، فالصواب: أنه لا يفطر، لماذا؟ لأن الله سبحانه و تعالى أذن بعباده بالأكل و الشرب حتى يتبين ماذا؟ الخيط الأبيض من الخيط الأسْوَد من الليل، فهذا مأذون له، و هذا له أسباب، الذي يأكل يظنه في الليل فيكون نهارا، إما أنه يخطأ في الساعة، فتكون الساعة مثلا يرى الساعة الرابعة و النصف، ثم بعدُ ينظر إليها ويجدها الخامسة و النصف، أو أنه بعيد لا يسمع الأذان، أو أنه حجب الرؤية حاجب، فهذا معذور، لكن الاحتياط أولى، كون المسلم يمسك بقدرٍ لا يجهد به على نفسه و بحيث أنه يتأكد أنه لم يقع في خطر، فمثلا إذا كان الصبح يأذن الخامسة، لو أمسك في الخامسة إلا خمس أو قبل ذلك بقليل أو بعد ذلك بقليل، لكان ذلك من الاحتياط المحمود إن شاء الله تعالى، لأن رؤية الفجر، أظنها متعسرة في المدن، و كثير من المدن يعني المسجد المشهور الذي اعتاده الناس يحصل عارض، إما ينام المؤذن أو يتعطل المكبر أو تأتي رياح تنقل عنه صوم المؤذن، فالاحتياط مناسب إن شاء الله تعالى، نعم،

قال رحمه الله : و إن أكل شاكاًّ في غروب الشمس فسد صومه.

في الأولى قال: أفطر، أليس كذا؟ هذا قال: فسد صومه، أفطر و فسد صومه بمعنى واحد، لكن هذه قضية أخرى، هو أكل شاكاًّ في غروب الشمس، يظن أن الشمس قد غربت لسبب من الأسباب، فهذا قرر المصنف كما سمعتم أن صومه يفسد، و الصواب خلاف ذلك، صيامه صحيح، لكنه بين حالين: إما أن يستبين له عدم غروب الشمس من بعيد، فهذا يمسك عن الطعام و الشراب، و إما ألا يتبين له، فهذا معذور، و صيامه في الحالين صحيح،
و هذا يدل له حديث أسماء رضي الله عنها، قالت: " أصاب الناس غيمٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطروا ثم بانت الشمس "، و كذلك حدث هذا في عهد عمر، فروى هذا الخبر عنها ابنه عروة، فجاء فيه: "لم يُأمروا بالقضاء"، و في رواية هشام عنها قال هشام: " لا بدّ من القضاء "، و مرة قال: " لا أدري "، فالعمل على رواية الجزم، التي هي رواية عروة، عروة هو ابنها، لأن هشام تردد قوله، مرة قال: لا بد من القضاء، فكأنه اجتهاد منه، و مرة قال: لا أدري، فإذن، من ظن الشمس قد غربت فأكل و شرب ثم تبين له أن الشمس لم تغرب يمسك و لا شيء عليه، و بهذا نكتفي.
---------------------------------------------

تفريغ الدرس الرابع  

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام العلامة أبو محمد المعروف بابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه عمدة الفقه في كتاب في باب ما يفسد الصوم، قال:
وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو تمضمض، أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء.

الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، هذه الجملة إلى آخرها قد أتينا عليها بما فتح الله به علينا من شرح، وإنما أرى التنبيه إلى قوله: "أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى جوفه ماء" هنا يضاف: ما لم يبالغ، لأن كلام المصنف عام، فظاهره أن من تمضمض واستنشق فوصل الماء إلى حلقه لا يفسد صومه، وهذا فيه تفصيل، فإنه إن بالغ في المضمضة والاستنشاق فتَحَدَّر الماء إلى حلقه أفطر، وهذا هو ما يشير إليه حديث لطيف بن سبرة رضي الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وبادر بالاستنشاق إلا أن تكون صائما" فهو يتضمن النهي عن المبالغة في الاستنشاق للصائم، هذا دليل على الأنف منفد من منافد الجوف، والباقي واضح إن شاء الله تعالى، نعم.

ثم قال رحمه الله تعالى :
باب صوم التطوع
أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما.


صيام التطوع، التطوع والنافلة والمسنون والمندوب بمعنى واحد، وهو كلّ عبادة أمر بها الشارع أمرا غير جازم، يعني أن الشارع أمر بها وحضّ عليها ولم يوجبها، وقد عُني علماء الإسلام بالنوافل كما عُنوا بالفرائض، وذلكم أن الاستكثار من النوافل مع المحافظة على الفرائض أمر عظيم جدا وهو مطلب رابح، ومن فوائد هذا يعني الإكثار من النوافل مع المحافظة على الفرائض أن العبد يوم القيامة يجبر نقص فرضه من نافلته، ومنها أن الله سبحانه وتعالى يحفظ هذا العبد الذي استكثر من النوافل مع الفرائض، يحفظه في سمعه وبصره وجوارحه فيكون كله لله في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته، وهذا الذي حفظه الله به لأنه حين استكثر من الفرائض وحافظ على النوافل نال محبة الله، إذن أعظم مطلب وأعظم ثواب وأعظم جزاء، يناله المستكثرون من النوافل مع المحافظة على الفرائض أن الله سبحانه وتعالى يحبهم، هذا سبب من أسباب محبة الله لك أيها العبد، ومن أحبه الله فلا تسأل عن حكم حاله ومآله، فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"، وهذا مقصد عظيم وربح جليل، لا يفرط فيه من آتاه الله العزيمة والرغبة القوية التي تحفزه على المسارعة في الخيرات والتنافس في الصالحات، صيام التطوع، فكأن الصيام له نوافل كذلك الصلوات الخمس والزكاة إذا كانت الزكاة مالك عشرين ألف ريال فزدتها ما يسّر الله وما أقدرك الله عليه، زدها خمسة عشرة صدقة، هذه نافلة، نعم، والباب واسع، والبحث هنا في صيام التطوع، فإن صيام التطوع معاشر المسلمين والمسلمات يتفاوت، يتفاوت في الفضيلة، المسلم مأجور على صيام الفضيلة، لكن صيام التطوّع مأجور على الفضيلة، وأفضلها ما بدأ به المصنف رحمه الله: أفضل الصيام صيام داود عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوما ويفطر يوما، نعم.

قال رحمه الله :
وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي يدعونه محرما.

هذه مرتبة أخرى من فضائل صيام التطوع، أو صنف آخر، شهر المحرم يصوم المسلم فيه ما ييسره له، لأنه هو أفضل الشهور بعد رمضان، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستكثر من شعبان، فقد صحّ عن عائشة رضي الله عنها: "أنه كان يصوم كله"، وفي رواية: "كان يصومه كله إلا قليلا"، فهذا استثناء بيان بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهرا كاملا إلا شهر رمضان، شعبان كان يستكثر منه، نعم

قال رحمه الله :
وما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجّة.

عشر ذي الحجة معلومة، والمصنف أتى بهذه المسألة ليبين سنية صيام التسع، لأن العاشر لا يصام يوم النحر، وهذا العموم يفيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله منه في هذه العشر" قالوا: "ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"، فهذا النصّ يفيد العموم، شامل لكلّ ما يتقرب به المسلم إلى الله في عشر ذي الحجة من صيام من صلاة كركعتي الضحى وأربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع حين يسمع النداء لصلاة العصر وقيام الليل وقراءة القرآن والصدقة وعيادة المريض وغير ذلك من أوجه الخير من الأعمال الصالحة التي شرعها الله سبحانه وتعالى، نعم.

قال رحمه الله :
و من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله.

الأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه ستّا من شوّال فكأنما صام الدهر كلّه"، وكيف ذلك؟ لأن رمضان شهر والستة تكمل الستة والثلاثين يوما والحسنة بعشر أمثالها، فيصبح بقيام ستة وثلاثين يوما أو صيام ستّ من شوّال مع الشهر -لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين- ولكنه لا ينقص عند الله عزّ وجلّ يصبح كأنه صام سنة،لأن الحسنة بعشر أمثالها،
وهاهنا تنبيهات: التنبيه الأول: مراعاة جمل الحديث، فإن الحديث نصّ: أولا على أنها ستة، فمن صام أربعة أيام أو خمسة أو ثلاثة لا يناله هذا الأجر، الثاني: أن تكون في شوال، الثالث: أن تكون بعد صيام رمضان، يعني استكمل صيام رمضان، فلا بدّ من هذه الأمور،
وصيام الستّ يبدأ من اليوم الثاني، لأن يوم عيد الفطر هو يوم واحد، وما بعده من أيام يسميها المسلمون عيدا، هذه أعياد عرفية وليست شرعية، أعياد عرفية تعارف الناس فيها على إظهار الفرح والسرور من التهنئة وتبادل الزيارات وقد يسافر المرء بالصلة أقارب له أو ذوي رحمه من بلاد إلى بلاد، ولم يستنكر ذلك العلماء، فهي تبدأ من اليوم الثاني، ومن أراد أن يؤخرها لما هو مرتبط به من علاقات أخوية وأسرية يكون فيها تبادل الزيارات فأخرها أياما حتى ينتهي هذا العرف الذي تعارف الناس عليه فلا بأس بذلك إن شاء الله، وسواء صامها متفرقة أو متتابعة الأمر فيه سعة، المهم أن يكون ستة من شوال،
التنبيه الثاني: فيمن أفطر أياما من رمضان، ماذا يصنع؟
وتحرير الجواب في هذه المسألة أن هذا الصنف من الناس الذين يفطرون أياما من رمضان لهم حالتان، وإن شئت فقل: هم صنفان:
صنف عنده قدرة في نفسه وجسمه ووقته، فيتمكن من الجمع بين القضاء وصيام الستّ، فهذا يؤمر بأن يبدأ بالقضاء ويُثَنِّي بصيام السنة، لأنه بهذا العمل يستكمل صيام رمضان ثم يتبع صيام شوّال،
الصنف الثاني: من ليست له قدرة، قد يكون قويّا في جسمه وعنده عزم في نفسه لكن ليس عنده سعة وقت فيحبّ أن يغتنم صيام الستّ ويقضي دينه وهو ما أفطره من رمضان فيما بعد لأن القضاء واسع، فلا مانع إن شاء الله من أن يصوم الست ويرجئ القضاء، لكن ليس له من الأجر مثل ما للأول، هذا هو قيد الحديث "من صام رمضان ثم أتبعه ستّا من شوّال فكأنما صام الدهر كلّه"، فالذي أخّر القضاء له أجر النفل المطلق، لكن ليس له أجر صيام سنة، نعم.

قال رحمه الله : وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة.

صيام عاشوراء، هو اليوم العاشر من شهر المحرّم، وهذا اليوم كانت تصومه قريش في الجاهلية، فمن مات على الشرك لم يتقبله الله منه، لأن الله لا يقبل عبادة من مشرك، وكذلك كانت تصومه اليهود بالمدينة ففي الصحيحين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة رأى اليهود يصومون هذا اليوم، فسألهم، فقالوا: هذا يوم صالح، يوم نجّا الله فيه موسى وقومه وأهلك فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا لله، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منهم، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه"، وكان صيام هذا اليوم قبل رمضان واجبا، فلما فرض صيام رمضان تُرك الأمر به، يعني تُرك الوجوب فأصبح سنة، فمن شاء صام ومن شاء أفطر،
وهاهنا مسألتان أو ثلاث: تتفرع عن مسألة صيام عاشوراء،
المسألة الأولى: أظنكم سمعتم من بعض الخطباء يبجلون هذا اليوم ويعظّمونه ويستدلون بأحاديث تأمر فيه بالتوسعة على العيال والصدقة وغير ذلك، فهذا خطأ، هذه الأحاديث ضعيفة، فلم يصحّ في هذا اليوم سوى ما قدمت لكم الصيام فقط، ولم يصحّ فيه غير ذلك،
الفرع الثاني في هذه المسألة: أن يكتفى بصيام عاشوراء أو يصام معه يوم قبله أو بعده، هاهنا البحث في أمرين:
الأمر الأول: من اكتفى بصوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرّم أصاب السنة ولا يُثرّب عليه أبدا، لأن هذا هو المعتمد أول الإسلام، ثم بعد ذلك نُسخ وجوبه وبقية سنيته،
الأمر الثاني: في صيام اليوم قبله وهو اليوم التاسع، صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لئن عشت لأَصُومَنّ التاسع"، قال أهل العلم: هذا يحتمل وجهين، أحدهما: ضمّ التاسع إلى العاشر في الصيام مخالفة لليهود، والآخر: نقل الصيام من عاشوراء إلى تاسوعاء، ...مخالفة لليهود، ثم مات صلى الله عليه وسلم ولم يصم التاسع، لأنه قال ذلك آخر حياته صلى الله عليه وسلم، في صيام اليوم الذي بعده هذا فيه حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده، فاليوم الذي قبله ما هو؟ التاسع، واليوم الذي بعده؟ الحادي عشر، هذا ضعيف، صيام الحادي عشر ضعيف، في إسناد هذا الحديث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ...، فالحاصل أن المسلم مخيّر بين أمرين: إما أن يكتفي بصيام يوم العاشر أو وإن رغب في مخالفة اليهود فليصم التاسع والعاشر، والله أعلم، نعم.

قال رحمه الله : وصيام يوم عرفة كفارة سنتين، ولا يستحب لمن بعرفة أن يصومه

هاهنا أمران أو ثلاثة:
الأول في قول المصنف هذا إشارة إلى حديث أبي قتادة في صحيح مسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عرفة، قال: يكفر السنتين الماضية والمقبلة، أو قال: أحتسب على الله فيه كفارة سنتين" "وسئل عن صيام عاشوراء فقال: كفارة سنة" وهذا الحديث في الصحيح، وقد اعترض بعض المنتسبين إلى العلم على هذا الحديث فضعفه محتجا بأن بين أبي قتادة رضي الله عنه والراوي عنه -نسيت اسمه الآن- انقطاع، وهذا الحجة حجّة ميّتة واعتراض عليل، فإن صيام يوم عرفة صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بمجموع طرقه فهو سنّة وليست بدعة كما ذهب إليه ذلكم الزاعم، وذلكم أنه قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة من أصحابه، يشدّ حديثه بعضه بعضا،
الأمر الثاني: في قول المصنف: ولا يستحب لمن بعرفة أن يصوم، يعني الحاجّ ، هذه الجملة هي أولا هي إشارة إلى ما في صحيح البخاريّ عن أم الفضل رضي الله عنها: " أن أُناسا تمارَوا عندها، -يعني في حجة الوداع- هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما أو لا، تمارَوا في هذا، فبحثت إليه بلبن فشربه، والناس ينظرون"، وفي معناه وهو في صحيح البخاريّ حديث ميمونة رضي الله عنها: "أن الناس شكّوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أكان صائما أم لا،عني بعرفة- وذلكم أيضا في حجة الوداع، فبعثت إليه بحلاب فيه شيء شراب فشربه" فكلا الحديث دليل أولا على أن القوم متقرّر عندهم سنيّة صيام عرفة، وفي هذا ردّ على من ذهب إلى أنه بدعة،كما أسلفنا، فلو كان صيام عرفة غير مسنون ما حدث منهم هذه المجادلة وهذه الممارات، فهم يعلمون أنه سنة، ولكن يشكون هل كان نبيهم صلى الله عليه وسلم في ذلكم الموقف صائما أو لا، فتبيّن أنه غير صائم، وثانيا: ما قرّره المصنف أنه لا يُستحبّ لمن بعرفة أن يصوم يعني الحجّ، لماذا؟ لأن الصيام في ذلكم اليوم يشغل الحاج عن عبادات هي أفضل من الصيام، الوقوف بعرفة يضعفه عنه، والواقف بعرفة قد يكون راكبا وقد يتجوّل وقد يقف قليلا في عرفة على قدميه وقد يكون في خيمته يذكر الله ويدعو، فالصيام يضعفه عن هذا كلّه فلا يصوم، لكن قال بعض أهل العلم: من كان عليه هدي فلم يتمه فإنه يصوم ثلاثة في الحجّ ولا مانع أن يكون آخرها يوم عرفة، هذا اجتهاد منهم وفيه نظر عندي، والله أعلم، نعم.

سؤال : أحسن الله إليكم، تكفير يوم عرفة ويوم عاشوراء هل يشمل الصغائر والكبائر؟

الذي يظهر لي أنه في الصغائر، فلم أعلم ذنبا نُصّ على أنه يكفر حتى الكبائر سوى الحجّ، قال صلى الله عليه وسلم: " من حجّ فلم يرفث ولم يفسق" -فالصغائر لا تسمى فسقا،- "رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه" فالصلوات وصيام عرفة بل حتى صيام رمضان والجمعة، هذه تكفر صغائر الذنوب، إذا اجتنبت الكبائر، نعم

قال رحمه الله تعالى : ويستحب صيام الأيام البيض والاثنين والخميس.

هذه جاءت فيها أحاديث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر جاءت مقيّدة وجاءت مطلقة، جاءت مقيّدة في حديث مقيّدة بالأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وجاءت مطلقة ي حديث أبي هريرة أو ما هو في معناه، قال: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أمورا، ومنها قال: صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر" فالجمع بين الأحاديث أن النصّ على صيام البيض لا يعارض صيام ثلاثة أيّام غيرها، فالنصّ لأفضليّتها، وليس للمنع من صيام غيرا، ثم كذلك في هذا أمر آخر وهو التوسعة على الأمة، فإن المرأ قد يعزم على صيام ثلاثة أيّام على صيام البيض لما علم من أفضليتها لكن يحول بينه وبين ذلك حائل، فإنه يصوم ثلاثة أيام مكانها ويكون أصاب سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: "أنه لا يبالي من أيّ الشهر يصوم"، فالأمر فيه سعة عليكم أيها المسلمون فذلك صدقة من الله عليكم فاقبلوا صدقة الله، فمن استطاع أن يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر إن قدر على البيض قدر على المواظبة عليها فحسن، وإلا فليصم ثلاثة أيام من سائر الشهر،
وأما الاثنين فمما صحّ فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ذلك يوم ولدت فيه وأنزل عليه فيه" هذا، وصحّ أنه: "يوم تعرض فيه الأعمال على الله"، قال صلى الله عليه وسلم: "فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"، نعم.

قال رحمه الله : والصائم المتطوّع أمير نفسه إن صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه.

التطوع نافلة، ومن هنا كان أمير نفسه، فإذا بدأ في صيام تطوّع بدأه عزم على أن تسع يصوم من ذي الحجة، فإنه له الخيار وإن شاء قطعه، وقد يستحبّ القطع إذا كان هناك أمر لو لم يفعله لفات عليه أجره، فمن ذلكم لو أنه صام صيام التطوع ثم بعد ذلك بلغه أن ذوي رحم له تحتاجه مريضة وعليك السفر فإنه هنا يفطر، الفطر أولى له لأن هذا سفر، والفطر فيه أفضل في هذه الحالة، كذلك لو أنه أتاه قريب له وحبيب إلى نفسه ضيف فلو صام أحرج الضيف، لأن الضيف ليس عنده من يواكله ويشاربه إلا صاحب هذا البيت، فإنه يفطر في هذه الحالة، المقصود أن صائم التطوّع أمير نفسه، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه أتى أهله يوما فقال: هل عندكم شيء، فقالوا: عندنا حيس، -الظاهر أنه تمر وسمن أو دقيق وسمن أو غير ذلك يعني كلّ ما يخلط ما أمكن خلطه مثل: الأَقْل والسمن، التمر والأَقْل، التمر والسويق تسمى حيسة، لأنه حاس مع بعضه يخلط- فقال: أَرِنِيهِ، فإني أصبحت صائما فأكل"، هذا دليل على هذه القاعدة، المتطوّع أمير نفسه، حتى في الصلاة، أنت أمير نفسك، صلاة التطوع أمير نفسك، فمثلا عزمت على أن تقوم من الليل عشرا مع الوتر ثلاثة عشر، ثم عنى لك أمر فأنت أمير نفسك صلّ أربعا ستا .. اقطع هذه الصلاة.. أنت أمير نفسك، لا حرج عليك ولا قضاء، أنت أمير نفسك، نعم.

قال رحمه الله : وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما، وقضاء ما أفسد منهما.

سائر التطوع، كما قدمنا جميع التطوّعات، هنا استثناء، تعلمون أن من حجة فريضة هذا لا يقطع، هذا واضح عند الجميع، لكن من كانت حجته نافلة هل هو أمير نفسه؟ الجواب:لا، ليس أميرا لنفسه، فمن أرحم بالعمرة أو الحجّ تطوّعا فيجب عليه الإتمام لقوله تعالى: "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ"،نعم.
أقول هنا مسألة كنت أظن المصنف سيعرض لها، نحن علمنا الآن القاعدة العامة في التطوعات أن المتطوّع أمير نفسه إن شاء فعل وإن شاء ترك، الصيام الصلاة، كل هو أمير نفسه، حتى الصدقة لو أنك أخرجت ألف ريال لتتصدق بها على أناس في حجّك ثم بدا لك بعد ذلك أنك تحتفظ بمائة أو مائتين لعيالك ما عليك بأس، ما دامت ما خرجت من يدك فما عليك من بأس، وعرفنا الاستثناء إلا الحجّ والعمرة، هذا ليس أمير نفسه، لكن هنا مسألة تضاف لها وهي أن من اعتمر تطوعا أو حج تطوعا: أولا: يجب عليه الإتمام، ثانيا: إذا أفسده يجب عليه المضي في فاسده، ما يقول فسدت نمشي، ثالثا: عليه القضاء، رابعا: عليه الفدية، وهذه التفاصيل تأتي في مناسك الحجّ إن شاء الله تعالى، نعم.

قال رحمه الله تعالى : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى.

هذه لفتة جيدة، وسياسة جميلة، وتربية حسنة، فإن علماء الإسلام حينما يقرّرون الواجبات يتبعونهها بتقرير المندوبات ثم يثلثون بالمنهيات، وهذا كله من حسن التربية تربية المسلم على التديّن الذي يجتمع فيه تجريد الإخلاص لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا ما سمعتم من صنيع ابن قدامة رحمه الله، فإنَّا عشنا مع كتابه أياما في الصيام وما يطرأ عليه من مفسداته أو غير مفسداته، ثم اليوم نعيش مع صيام التطوّع، فلما أنهى ما يَسّرَ الله له من مسائل التطوّع أتى بالمنهيات، حتّى لا يقع المسلم في المنهيات، فإن المسلم كما أن عليه الجدّ في فعل ما هو طاعة لله عزّ وجلّ، كذلك عليه الحرص في البعد عن ما هو منهيّ حتى لا يعرّض عبادته للفساد، لأن المسلم لا يعبد الله إلا تقربا، هذا التقرب وهذه النية الصادقة ينضمّ إليها ماذا؟ تجريد المتبعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تجريد المتابعة أن يعلم المسلم ما نهى الله فلا يعبد الله به، هنا ذكر في أوّل المنهيات ذكر صيام العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى، صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم النهي عن صيامه، قال أهل العلم: الحكمة في ذلك أن صيام هذين اليومين هو إعراض عن ضيافة الله سبحانه وتعالى، فالصائم رمضان يفرح فرحا يوميا بغروب الشمس أن الله منّ عليه بإتمام هذا اليوم ويفرح بالعيد أن الله منّ عليه بإتمام الشهر، فالذي يصوم يُعرض هذا عن هذه النعمة، وهذا في الحقيقة مسلك الرافضة، هم الذين يصومون يوم العيد، ومنهم من يأكل ويشرب تقيّة خوفا من الناس خوفا على سمعته، ولكن لا يظهرون الفرح والسرور إلا في اليوم الثاني، مخالفة للمسلمين في كلّ شيء، في كلّ طاعة هم مخالفون للمسلمين في الأصول والفروع والحلال.. مخالفون للمسلمين في كلّ شيء، نعم، قبّح الله صنيعهم، كذلك يوم النحر هذا يوم يفرح المسلمون فيه بما يمنّ الله عليهم من صلاة العيد والفرح والتكبير والتهليل، فهو مشارك لعيد الفطر في أشياء ولكن يزيد بشيء وهو الأضحية، نعم.

قال رحمه الله : ونهى عن صيام أيام التشريق إلا أنه رُخّص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي.

المنهيّ عنه الثاني: صيام أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجّة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامه، قال: "هي أيام أكل وشرب وذكر لله" لكنه رخّص في صيامه للقارن والمتمتّع إذا لم يجد هديا فله أن يصومها، وبعض الناس من حرصه على الخير يصوم اليوم الثالث عشر، لأنه من الأيام البيض، وهذا صحيح من الأيام البيض، لكنه لا يعلم النهي، فإذا علم النهي أفطر ولو في منتصف اليوم ولو قبل غروب الشمس، ومن لم يعلم النهي نرجو إن شاء الله أنه يثاب على هذه العمل الذي وقع فيه حسن نيّة، نعم.

قال رحمه الله : وليلة القدر في العشر من الأواخر من رمضان.

أنا لا أدري لماذا جعل المصنف رحمه الله هذه الجملة خاتمة الباب! فحبّذا رحمه الله وجزاه عنّا خيرا، ونسأل الله أن يثقل موازين أعماله بما خلّفه للمسلمين من تراث علميّ جيّد، ومنه المغني كتاب مرجع جيد في الفقه المقارن وغير ذلك من الكتب، لكن حبذا لو أنه جعلها قبل المنهيات، ولكن هذا اصطلاح رآه رحمه الله، ولا مُشاحة في الاصطلاح كما يقولون، الأمور الاصطلاحية التي يصطلح فيها الأفراد أو الجماعات إذا لم تخالف الشرع الأمر فيها واسع، فبعض علماء الإسلام يجعلون الأضاحي والعقيقة قبل الحجّ بعد الصيام، وبعضهم من يؤخرها، هذه اصطلاحات، هناك جماعة من الجماعات -طبعا نحن ما .. الجماعات الدعوية، لا، الجماعات الدعوية الحديثة كلها ضالة مضلة- جماعة مثلا: قبيلة أو أهل بلد اصطلحوا على أن المعيّن من حيث ... أو اصطلحوا على أن يجمعوا إعانات شهرية لمواساة الفقير والضعيف، ليس بذلك بأس إن شاء الله تعالى، أو مثلا اصطلحت قرية أو اتفقت على مثلا: أنهم يستيقظون مبكرين وينامون مبكرين هكذا اتفقوا صغيرهم وكبيرهم وشيوخهم.. اتفقوا على هذا ما في ذلك من بأس إن شاء الله تعالى، هذه لها أصل في الشرع؛
والشيخ رحمه الله فيما قرره له، من أن ليلية القدر في الوتر من العشر الأواخر، هذا تشهد له السنة، صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، وأنه أمر من كان مُتَحَرّيهَا أن يتحرّاها ومن كان ملتمسها أن يلتمسها في الأوتار من العشر الأواخر، وهي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين، هذه الأوتار، نعم. الحمد لله.
 
- منقول -  

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لـ © المدونة السلفية القحطانية