بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام الأضحية
للشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله
نبذة مختصرة عن المحاضرة : تكلم الشيخ - حفظه الله تعالى - عن الأضحية وتعريفها في اللغة , وهل هي واجبة أم سنة ؟ , وكيفية تقسيمها , وبيان وقتها وشروطها وما يُجزأ فيها , وما يُكره منها , وبيان النهي عن إزالة شيء من الظفر أو الشعر في أيام العشر لمن أراد أن يضحي , والحكمة من ذلك , وهل يشمل ذلك المضحي وأهل بيته ؟ , وهل هناك علاقة بين قبول الأضحية والأخذ من الظفر والشعر ؟ ... ومسائل أخرى كثيرة .
عناصر المحاضرة :
* النهي عن إزالة شيء من الظفر أو الشعر في أيام العشر لمن أراد أن يضحي.
* حكم من أخذ من ظفره وشعره وكان قد أراد الأضحية في الأيام العشر.
* الحكمة من هذا النهي.
* بيان أنه لا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ من الظفر والشعر.
* من يشمله النهي.
* تقسيم الأضحية.
* هل يجوز لك أن تشتري ما أهديت أو تصدقت به ؟
* الأضحية وتعريفها في اللغة.
* مشروعية الأضحية.
* هل الأضحية واجبة أم سنة ؟
* هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها ؟
* هل هناك أضحية عن الأموات ؟
* ما هو وقت الأضحية ؟
* هل الأفضل أن تُذبح الأضحية بالنهار أم بالليل ؟وهل يُكره الذبح ليلاً ؟
* بيان لجنس ما يُضحى به.
* الاشتراك في الأضحية.
* الشروط الواجب توافرها في الأضحية.
* ما لا يُجزأ في الأضحية.
* ما يُكره أن يُضحى به.
عناصر المحاضرة :
* النهي عن إزالة شيء من الظفر أو الشعر في أيام العشر لمن أراد أن يضحي.
* حكم من أخذ من ظفره وشعره وكان قد أراد الأضحية في الأيام العشر.
* الحكمة من هذا النهي.
* بيان أنه لا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ من الظفر والشعر.
* من يشمله النهي.
* تقسيم الأضحية.
* هل يجوز لك أن تشتري ما أهديت أو تصدقت به ؟
* الأضحية وتعريفها في اللغة.
* مشروعية الأضحية.
* هل الأضحية واجبة أم سنة ؟
* هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها ؟
* هل هناك أضحية عن الأموات ؟
* ما هو وقت الأضحية ؟
* هل الأفضل أن تُذبح الأضحية بالنهار أم بالليل ؟وهل يُكره الذبح ليلاً ؟
* بيان لجنس ما يُضحى به.
* الاشتراك في الأضحية.
* الشروط الواجب توافرها في الأضحية.
* ما لا يُجزأ في الأضحية.
* ما يُكره أن يُضحى به.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد :
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه بإسناده عن أم المؤمنين أمنا أم سلمة رضوان الله عليها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي '' ''من كان له ذبح '' يعني من كان له حيوان يريد ذبحه فذبح فعل بمعنى - مفعول -أي مذبوح ومنه قوله تعالى ( وفديناه بذبح عظيم ) وعن أم سلمة في ما رواه احمد ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' إذا رأيتم هلال ذي الحجة '' وفي لفظ '' إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره '' وفي رواية لمسلم وأبي داوود والنسائي: '' فلا يأخذن من شعره وأظفاره شيئا حتى يضحي '' ولمسلم والنسائي أيضا وابن ماجه : '' فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا '' في هذا الحديث بهذه الروايات المختلفة النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره ،وفيه المنع من إزالة الشعر والشعر لغتان بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو بمزيل للشعر أو غير ذلك فسواء في ذلك شعر الإبط والشارب والعانة والرأس وغير ذلك من شعور بدنه
نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كان مريدا للأضحية يقدمها لله تبارك وتعالى ودخل عليه العشر وأهل عليه هلال ذي الحجة أن يأخذ من شعره أو من أظفاره شيئا فإن دخل العشر وهو لا يريد الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك عن أخذ ذلك منذ إرادته ولا يضره ما أخذ قبل إرادته فإذا دخل عليه العشر من ذي الحجة ولم يكن مريدا للأضحية ثم أراد وكان قد أخذ قبل ذلك فلا بأس عليه وإنما يمسك عن أخذ شيئ من شعره أو من ظفره منذ إرادته الأضحية ولا يضره ما أخذ قبل إرادته وحكم ذلك في ما هو ظاهر إختلف فيه العلماء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علق الأمر على الإرادة ''فمن أراد أن يضحي'' يقول العلماء : والواجب لا يعلق على الإرادة ولكن ظاهر الحديث يدل على أن الأمر للوجوب لأنه لا يصرفه عن الوجوب صارف اختلف العلماء هل هذا النهي للكراهة أو للتحريم الأصح أنه للتحريم الأصح أن من دخل عليه العشر وأهل عليه هلال ذي الحجة وهو مريد للأضحية فأخذ شيئا من شعره أو من ظفره وهو عالم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد وقع في الإثم و الحرام لأن التحريم هو الأصل في النهي ولا دليل هاهنا يصرفه عن التحريم ولكن لو انه وقع في ذلك فهل عليه شيئ من فدية أو ما أشبه، الصواب والحق أنه لا فدية عليه إذا أخذه لعدم الدليل على ذلك ، ولكن النهي هاهنا للتحريم ، وأما الحكمة في هذا النهي الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد اختلفت فيه أنظار العلماء فبعضهم يقول : إن المضحي مشارك للمحرم في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تبارك وتعالى بذبح القربان فلما كان المضحي مشارك للمحرم الذي يتقرب بالهدي وهو يتقرب بذبح أضحيته تقربا لله رب العالمين فاشتركا في شيئ من هذا النسك الظاهر بالتقرب إلى الله بذبح القربان ، كان من الحكمة أن يعطى بعض أحكام المحرم فقد قال الله تبارك وتعالى في المحرمين ( ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) فنهى الله تبارك وتعالى المحرم أن يأخذ شيئ من ظفره أم شيئ من شعره، والمضحي مشابه للمحرم في هذا النسك وفي شيئ منه قربان يتقرب به كل منهما لله تبارك وتعالى فناسب هذا هذا ، وقيل الحكمة أن يبقى المضحي ، أن يبقى المضحي كامل الإجزاء للعتق من النار ، ولعل قائل ذلك استند لما ورد أن الله تبارك وتعالى يعتق من النار لكل عضو من الأضحية عضوا من المضحي ولكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت قال فيه ابن الصلاح : غير معروف ولم نجد له سندا يثبت به ، ثم هو منقوض بما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :'' أيما امرء مسلم أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار '' استنقذ الله تبارك وتعالى بكل عضو من المعتق بكل عضو من المعتق عضوا من المعتق من النار '' والاستنقاذ التخليص من الشر ، هذا منقوض بهذا الحديث لأن الله تبارك وتعالى لم يكلفنا على لسان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا ما أردنا العتق أن نكف عن أخذ شيئ من الشعر والظفر والبشرة حتى نعتق ، ليكون هذا كفاء هذا ، وعليه فهذه الحكمة كما ترى ليست في موقعها وقيل الحكمة التشبه بالمحرم وفيه نظر فإن المضحي لا يحرم عليه الطيب ولا النكاح فإن المضحي لا يحرم عليه الطيب ولا النكاح ولا الصيد ولا اللباس المحرم على المحرم فهم مخالف للمحرم في أكثر الأحكام فكل هذه أنظار للعلماء في نهي النبي صلى الله عليه وسلم من أراد أن يضحي فهل عليه هلال ذي الحجة فلا يأخذ شيئا من ظفره أو من شعره وأشار ابن القيم عليه الرحمة إلى ان الحكمة توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله وكمال تعبد بذلك لله تبارك وتعالى، هذه نظرة بحكمة للحكمة من نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صار إليها الإمام ابن القيم عليه الرحمة إذن من كانت له أضحية وكان له ذبح يذبحه وأهل هلال ذي الحجة فعليه أن يمسك عن شعره وظفره، فإذا أخذ شيئ من ذلك فقد وقع في الحرمة والإثم ولكن لا شيئ عليه من فدية ولا سوى ذلك ولكنه مخالف للنبي صلى الله عليه وسلم وبعض العامة يتوهم أن من أراد الأضحة ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا في الأيام العشر لم تقبل أضحيته وهذا خطأ بين ،فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أبا القاسم صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإمساك ووقع الآخذ فيما نهى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه وأما أضحيته فلا يمنعه قبولها أخذه من ذلك.
وأما من احتاج أخذ شيئ من الشعر أو الظفر والبشرة فأخذ من ذلك فلا حرج عليه- من احتاج - مثل أن يكون به جرح فيحتاج لقص الشعر عنه أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به أو تتدلى قشرة من جلده فتأذيه فيقصها فلا حرج عليه في ذلك كله والأمر يدور كما رأيت أو كما سمعت على هذه الضرورة الملجئة ، وظاهر الحديث، وكلام أهل العلم أن نهي المضحي أن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل ما إذا نوى الأضحية عن نفسه أو تبرع بها عن غيره، وهو كذلك، وذكر بعض المحدثين أن من تبرع بالأضحية عن غيره لا يشمله النهي ، يعني هذا النهي عند بعض المحدثين لا يشمل إلا من كان عن نفسه و أهل بيته أما من تبرع بالأضحية عن غيره فلا يشمله النهي ولكن ما ذكر من هذا العموم وهذا الشمول أولى وأحوط وأما من ضحى عن غيره لوكالة أو وصية فلا يشمله النهي بلا ريب يعني إذا وكلك غيرك لكي تضحي عنه ، أو وصى إنسان إنسانا أن يضحي عنه في حال حياته أو من بعد مماته فليس على الموكل ولا على الموصى إليه هذا النهي من شيئ .
وأما من يضحى عنه لأن الإنسان يمكن أن يضحي عن الجملة الغفيرة من أهل بيته أو من المسلمين فهل النهي يلزم أيضا كل من يضحى عنه أم هو واقع فقط على من يضحي؟ ظاهر الحديث و كلام كثير من أهل العلم أن النهي لا يشمل المضحى عنه من كان له ذبح '' من أراد أن يضحي '' فلا يشمل ظاهر الحديث المضحى عنه فيجوز للمضحى عنه من أهل بيتك إن أردت أن تضحي عنهم يجوز لهم حينئذ الأخذ من أشعارهم وأظفارهم وأبشارهم ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي عن آل محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن الأخذ من أشعارهم أو من أبشارهم أو من أظفارهم وذكر بعض المتأخرين من الحنابلة أن النهي يشمل المضحى عنه أيضا فلا يأخذ المضحى عنه من أهل البيت الذي يضحي - ربه - أي رب البيت عنه يشمل المضحى عنهم عدم الأخذ من الشعر ولا من الظفر ولا من البشرة من دخول شهر ذي الحجة أو من حين يعلم أنه سيضحى عنه إن كان لم يعلم حتى تذبح الأضحية وذلك لأنه مشارك للمضحي في الثواب فشاركه في الحكم .
كثير من الناس تأخذهم الآفة لأن الواحد من المسلمين اليوم إذا ما سمع حكما لم يسمعه قبل رده لأنه يظن أنه قد علم العلم كله فإذا أتاه أمر لم يعلمه قبل فإنه لا محالة لا ينظر في صحة الحديث ولا في ثبوته ولا في الدلالة الظاهرة من كلام أهل العلم بدلالة الحديث على مدلوله وإنما يرد الحديث عند جملة وفيرة من المسلمين من جماهيرهم وما ذلك إلا لكبر في النفوس لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من رد حديثه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يعلم أنه حديثه بأمره ونهيه فذلك لكبر في نفسه عندما مر على رجل يشرب بشماله قال : ''اشرب بيمينك ''قال : لا أستطيع ، والنبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن التشبه بالشيطان لأن الشيطان يشرب بشماله ويأكل بشماله فقال لا أستطيع فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ''لا استطعت ''، ولا هاهنا دعائية ، كما تقول لازلت مؤيدا فهنا دعاء باستمرارية التأييد لك من الله تبارك وتعالى فكثير من الناس من خواصهم بل من أهل اللغة منهم يخلط بين مازال ولازال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأما المسلم الصحيح فإنه لا يتكبر على أمر الرسول صلى الله عليه سلم وعلى نهيه وإنما يقول سمعنا وأطعنا، قال ''لا استطعت ''فما استطاع بعد أن يرفعها إلى فيه شلت يمينه بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ،
الأضحية عندما تذبح قربانا إلى الله تبارك وتعالى ما الذي يؤكل منها وما الذي يفرق ، يقول ربنا جلت قدرته : (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : '' كلوا وادخروا وتصدقوا '' رواه مسلم من حديث عائشة أمنا رضوان الله عليها وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري الذي رواه سلمة بن الأكوع : '' كلوا وأطعموا وادخروا '' وهنا قسمة ثلاثية '' كلوا وأطعموا وادخروا'' كلوا وادخروا وتصدقوا فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير '' كلوا وأطعموا وادخروا '' قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم '' أطعمــوا '' أعم من قول النبي صلى الله عليه وسلم '' كلوا وادخروا وتصدقوا '' لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أطعمــوا '' يشمل الصدقة على الفقراء والهدية للأغنياء ' أطعمـوا '' ولم يحدد المطعم فيقع هاهنا الإطعام على الفقير بالصدقة وعلى الغني بالهدية وقال أبو بردة للنبي صلى الله عليه وسلم : إني عجلت نسيكتي ، يعني أضحيته لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري أي أهل محلتي ، ليس في الآية ولا في الأحاديث التي مرت وهي أحاديث صحيحة نص في مقدار ما يأكل ويتصدق به ويهدى ، ليس هاهنا نص ، ولذالك اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك في الذي يأكل وفي الذي يتصدق به ، قال الإمام أحمد : نحن نذهب لحديث عبد الله ، وسيأت حديث عبد الله رضوان الله عليه ، يذهب إلى أن يأكل الثلث ويطعم من أراد الثلث ويتصدق بالثلث على المساكين ، وقال الشافعي : أحب أن لا يتجاور بالأكل والادخار الثلث وأن يهدي الثلث و يتصدق بالثلث ، وحديث عبد الله الذي ذكره الإمام أحمد عليه الرحمة ،و الذي يذهب هو إليه رحمة الله عليه هو الذي ذكره علقمة رحمه الله قال : بعث معي عبد الله يعني - ابن مسعود - وعند المحدثين عندما يذكرون عبد الله هكذا مطلقا بغير قيد فهو في الغالب -إبن مسعود - رضوان الله عليه وعلى الصحابة أجمعين، يقول علقمة بعث معي عبد الله يعني - ابن مسعود - بهديهي فأمرني أن آكل الثلث وأن أرسل لأهل أخيه عتبة بثلث وأن أتصدق بثلث ، فما يرسله لأخيه كأنه هدية ، وعن ابن عمر رضي الله عنهماقال: الضحايا والهدايا يعني ما يهدى عند الكعبة من الحاج ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين ، والمراد بالأهل الأقارب الذين لا تعولهم ، نقل هاذين الأثرين في المغني ثم قال : ولنا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم، قال :ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤآل بالثلث ، وهذا الحديث رواه الحافظ أبو موسى الأصبهاني في الوظائف وقال : حديث حسن ،ولأنه يعني هذا الذي ذهب إليه صاحب المغني استنادا إلى حديث وقول ابن عباس رضي الله عنهما وأيضا قول ابن مسعود كما مر وقول ابن عمر يقول ولم نعرف لهما مخالفا ، يعني ابن مسعود وابن عمر وقد وافقهما ابن عباس رضوان الله عليهم جميعا لا نعرف لهما مخالفا في الصحابة ، فكان إجمــاعـا ، فكأنه يقول ،هذا اجماع من الأصحاب من أهل العلم رضوان الله عليهم جميعا وأنها قسمة ثلاثية فتستبقي لأهلك ولنفسك الثلث وتهدي الثلث وتتصدقوا على الفقراء بالثلث وأما القول القديم للشافعي رحمة الله عليه فهو أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف من أين أتى به رحمه الله من قوله تعالى : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) فجعلها بين اثنين فدل على أنها بينهما نصفين يقول الله جلت قدرته : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) فجعلها قسمة ثنائية وهذا هو القول القديم للشافعي رحمة الله عليه قبل أن ينزل مصر رحمه الله تبارك وتعالى وحفظها الله بحفظه الجليل ،ولكن يقول في المغني إبن قدامة عليه الرحمة الأمر في ذلك يعني في التقسيم تقسيم الأضحية واسع الأمر واسع فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز لو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز وإن اكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز وقال أصحاب الشافعي يجوز اكلها كلها يعني لا يخرج منها شيئ ،وما ذكر من الأكل والإهداء هل هو على سبيل الاستحباب او على سبيل الوجوب ، الحق أنه على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب ، وذهب بعض العلماء على وجوب الأكل منها ومنع الصدقة بجميعها يعني منع أن يتصدق بالأضحية جملة وإنما يستبق منها شيئا يأكله وأهل بيته ، لما ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حجة الوداع من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر والبضعة هي القطعة من اللحم فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من هديه من كل بدنة وكان قرب مئة صلى الله عليه سلم نحر منها ثلاثة وستين فقال العلماء كأنما كان ذلك علامة على سنه صلى الله عليه وسلم وعمره لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات علن ثلاثة وستين عاما وكذا أبو بكر رضوان الله عليه وكذا عمر رضوان الله عليه ، النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه ماتوا جميعا عن ثلاثة وستين عاما، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة من اللحم ببضعة فجلعت قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، هذا حديث صحيح رواه مسلم من حديث جابر رضوان الله عليه .
*هل يجوز الادخار أو لا يجوز؟ وهل إذا جاز الادخار من لحوم الأضحية فهو باطلاق أم أنه يعرض له عارض يجعله محرما ؟
يجوز الادخار ما يجوز أكله منه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نهى عن الادخار منها فوق ثلاث نسخ ذلك في العام الذي تلاه فالادخار فوق ثلاث النهي عنه منسوخ على قول الجمهور ، ولكن شيخ الاسلام رحمة الله عليه له نظر آخر وهو نظر صحيح ، يقول : حكمه يعني حكم النهي عن الادخار فوق ثلاث باق عند وجود السبب وهو المجاعة لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثلاث وفي بيته منه شيئ يعني من ما ضحى به '' من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثلاثة وفي بيته منه شيئ '' فلما كان العام المقدم قالوا يا رسول الله نفعلوا كما فعلنا في العام الماضي قال صلى الله عليه وسلم':' كلوا وأطعموا وادخروا '' فإن ذلك العام يعني الذي مضى فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها ،فأراد المواساة في سنة المجاعة بالنهي عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث وإنما تخرج للمحتاج من بائس وفقير ومحتاج فصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي سماه ربه بالرؤوف الرحيم ، وهذا الحديث حديث متفق عليه وبعض أهل العلم بل جمهور أهل العلم ذهب إلى أن النهي عن الادخار من لحوم الاضاحي فوق ثلاث - منسوخ فهو - وأما شيخ الاسلام فقال : إذا وجد السبب فإن النهي باق على أصله وحكمه هو فإذا كان في الناس مجاعة زمنا أضحى حرم الادخار فوق ثلاث وإلا فلا بأس به .
*ويحرم أن يبيع شيئا منها من لحم أو شحم أو دهن أو جلد أو غيره لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، ولايعطي الجازر شيئا منها في مقابلة أجرته أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع وأما إذا أعطى الجازر شيئا بعد أن يوفيه أجرته من غير الأضحية ثم أعطاه من الأضحية على سبيل الهدية أو على سبيل الصدقة فلا بأس في ذلك وأما أن تكون في مقابلة أجرته أو بعضها فذلك لا يصح لأن ذلك في معنى البيع واما من أهدي له شيئ من أضحية غيره أوتصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره لأنه ملكه ملكا صحيحا تاما فيجوز له حينئذ أن يتصرف فيه كما يشاء وفي الصحيحين عن عائشة رضوان الله عليها" أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعامٍ فأُتي بخبز وأُدم من أُدم البيت" ؛ والأُدُم جمع إدام وهو ما يؤتدم به ما نجعله نحن كما نقول غموسا فما يؤتدم به يكون مع الخبز طعاماً فهذا هو الإدام وجمعه أُدُم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ألم أر البُرْمة فيها لحم؟ " والبُرمة القِدر وكانت على النار تهدِر وفيها لحمٌ ، فلما دعا بطعام جيء بخبز وأُدُم من أُدُم البيت لعله كان شيئا من خل أو بعضاً من ملح جريش فقال: " ألم أر البرمة على النار فيها لحمُ؟ قالوا : بلى ولكن ذلك لحمُ تُصُدِّق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة " صلى الله عليه وسلم " قال : عليها صدقة ولنا هديّة " هو عليها صدقة فلمّا أهدته لنا صار لنا هديّة ولنا أن نأكل منه والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرى ويجد التمرة وهو جائع ؛ يجد التمرة على فراشه مسقوطة بمعنى ساقطة وهو جائع يرفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى فيه ثم يردها مخافة أن تكون من تمر الصدقة ، والصدقة محرّمة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته ، النبي صلى الله عليه وسلم قال :" هو عليها صدقة ولنا هدية" وفي لفط للبخاري : " ولكنه لحم تُصُدِّق به على بريرة فأهدته لنا" ولمسلم " هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية " .
الأضحية عندما تذبح قربانا إلى الله تبارك وتعالى ما الذي يؤكل منها وما الذي يفرق ، يقول ربنا جلت قدرته : (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : '' كلوا وادخروا وتصدقوا '' رواه مسلم من حديث عائشة أمنا رضوان الله عليها وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري الذي رواه سلمة بن الأكوع : '' كلوا وأطعموا وادخروا '' وهنا قسمة ثلاثية '' كلوا وأطعموا وادخروا'' كلوا وادخروا وتصدقوا فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير '' كلوا وأطعموا وادخروا '' قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم '' أطعمــوا '' أعم من قول النبي صلى الله عليه وسلم '' كلوا وادخروا وتصدقوا '' لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أطعمــوا '' يشمل الصدقة على الفقراء والهدية للأغنياء ' أطعمـوا '' ولم يحدد المطعم فيقع هاهنا الإطعام على الفقير بالصدقة وعلى الغني بالهدية وقال أبو بردة للنبي صلى الله عليه وسلم : إني عجلت نسيكتي ، يعني أضحيته لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري أي أهل محلتي ، ليس في الآية ولا في الأحاديث التي مرت وهي أحاديث صحيحة نص في مقدار ما يأكل ويتصدق به ويهدى ، ليس هاهنا نص ، ولذالك اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك في الذي يأكل وفي الذي يتصدق به ، قال الإمام أحمد : نحن نذهب لحديث عبد الله ، وسيأت حديث عبد الله رضوان الله عليه ، يذهب إلى أن يأكل الثلث ويطعم من أراد الثلث ويتصدق بالثلث على المساكين ، وقال الشافعي : أحب أن لا يتجاور بالأكل والادخار الثلث وأن يهدي الثلث و يتصدق بالثلث ، وحديث عبد الله الذي ذكره الإمام أحمد عليه الرحمة ،و الذي يذهب هو إليه رحمة الله عليه هو الذي ذكره علقمة رحمه الله قال : بعث معي عبد الله يعني - ابن مسعود - وعند المحدثين عندما يذكرون عبد الله هكذا مطلقا بغير قيد فهو في الغالب -إبن مسعود - رضوان الله عليه وعلى الصحابة أجمعين، يقول علقمة بعث معي عبد الله يعني - ابن مسعود - بهديهي فأمرني أن آكل الثلث وأن أرسل لأهل أخيه عتبة بثلث وأن أتصدق بثلث ، فما يرسله لأخيه كأنه هدية ، وعن ابن عمر رضي الله عنهماقال: الضحايا والهدايا يعني ما يهدى عند الكعبة من الحاج ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين ، والمراد بالأهل الأقارب الذين لا تعولهم ، نقل هاذين الأثرين في المغني ثم قال : ولنا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم، قال :ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤآل بالثلث ، وهذا الحديث رواه الحافظ أبو موسى الأصبهاني في الوظائف وقال : حديث حسن ،ولأنه يعني هذا الذي ذهب إليه صاحب المغني استنادا إلى حديث وقول ابن عباس رضي الله عنهما وأيضا قول ابن مسعود كما مر وقول ابن عمر يقول ولم نعرف لهما مخالفا ، يعني ابن مسعود وابن عمر وقد وافقهما ابن عباس رضوان الله عليهم جميعا لا نعرف لهما مخالفا في الصحابة ، فكان إجمــاعـا ، فكأنه يقول ،هذا اجماع من الأصحاب من أهل العلم رضوان الله عليهم جميعا وأنها قسمة ثلاثية فتستبقي لأهلك ولنفسك الثلث وتهدي الثلث وتتصدقوا على الفقراء بالثلث وأما القول القديم للشافعي رحمة الله عليه فهو أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف من أين أتى به رحمه الله من قوله تعالى : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) فجعلها بين اثنين فدل على أنها بينهما نصفين يقول الله جلت قدرته : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) فجعلها قسمة ثنائية وهذا هو القول القديم للشافعي رحمة الله عليه قبل أن ينزل مصر رحمه الله تبارك وتعالى وحفظها الله بحفظه الجليل ،ولكن يقول في المغني إبن قدامة عليه الرحمة الأمر في ذلك يعني في التقسيم تقسيم الأضحية واسع الأمر واسع فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز لو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز وإن اكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز وقال أصحاب الشافعي يجوز اكلها كلها يعني لا يخرج منها شيئ ،وما ذكر من الأكل والإهداء هل هو على سبيل الاستحباب او على سبيل الوجوب ، الحق أنه على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب ، وذهب بعض العلماء على وجوب الأكل منها ومنع الصدقة بجميعها يعني منع أن يتصدق بالأضحية جملة وإنما يستبق منها شيئا يأكله وأهل بيته ، لما ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حجة الوداع من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر والبضعة هي القطعة من اللحم فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من هديه من كل بدنة وكان قرب مئة صلى الله عليه سلم نحر منها ثلاثة وستين فقال العلماء كأنما كان ذلك علامة على سنه صلى الله عليه وسلم وعمره لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات علن ثلاثة وستين عاما وكذا أبو بكر رضوان الله عليه وكذا عمر رضوان الله عليه ، النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه ماتوا جميعا عن ثلاثة وستين عاما، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة من اللحم ببضعة فجلعت قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، هذا حديث صحيح رواه مسلم من حديث جابر رضوان الله عليه .
*هل يجوز الادخار أو لا يجوز؟ وهل إذا جاز الادخار من لحوم الأضحية فهو باطلاق أم أنه يعرض له عارض يجعله محرما ؟
يجوز الادخار ما يجوز أكله منه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نهى عن الادخار منها فوق ثلاث نسخ ذلك في العام الذي تلاه فالادخار فوق ثلاث النهي عنه منسوخ على قول الجمهور ، ولكن شيخ الاسلام رحمة الله عليه له نظر آخر وهو نظر صحيح ، يقول : حكمه يعني حكم النهي عن الادخار فوق ثلاث باق عند وجود السبب وهو المجاعة لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثلاث وفي بيته منه شيئ يعني من ما ضحى به '' من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثلاثة وفي بيته منه شيئ '' فلما كان العام المقدم قالوا يا رسول الله نفعلوا كما فعلنا في العام الماضي قال صلى الله عليه وسلم':' كلوا وأطعموا وادخروا '' فإن ذلك العام يعني الذي مضى فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها ،فأراد المواساة في سنة المجاعة بالنهي عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث وإنما تخرج للمحتاج من بائس وفقير ومحتاج فصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي سماه ربه بالرؤوف الرحيم ، وهذا الحديث حديث متفق عليه وبعض أهل العلم بل جمهور أهل العلم ذهب إلى أن النهي عن الادخار من لحوم الاضاحي فوق ثلاث - منسوخ فهو - وأما شيخ الاسلام فقال : إذا وجد السبب فإن النهي باق على أصله وحكمه هو فإذا كان في الناس مجاعة زمنا أضحى حرم الادخار فوق ثلاث وإلا فلا بأس به .
*ويحرم أن يبيع شيئا منها من لحم أو شحم أو دهن أو جلد أو غيره لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، ولايعطي الجازر شيئا منها في مقابلة أجرته أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع وأما إذا أعطى الجازر شيئا بعد أن يوفيه أجرته من غير الأضحية ثم أعطاه من الأضحية على سبيل الهدية أو على سبيل الصدقة فلا بأس في ذلك وأما أن تكون في مقابلة أجرته أو بعضها فذلك لا يصح لأن ذلك في معنى البيع واما من أهدي له شيئ من أضحية غيره أوتصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره لأنه ملكه ملكا صحيحا تاما فيجوز له حينئذ أن يتصرف فيه كما يشاء وفي الصحيحين عن عائشة رضوان الله عليها" أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعامٍ فأُتي بخبز وأُدم من أُدم البيت" ؛ والأُدُم جمع إدام وهو ما يؤتدم به ما نجعله نحن كما نقول غموسا فما يؤتدم به يكون مع الخبز طعاماً فهذا هو الإدام وجمعه أُدُم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ألم أر البُرْمة فيها لحم؟ " والبُرمة القِدر وكانت على النار تهدِر وفيها لحمٌ ، فلما دعا بطعام جيء بخبز وأُدُم من أُدُم البيت لعله كان شيئا من خل أو بعضاً من ملح جريش فقال: " ألم أر البرمة على النار فيها لحمُ؟ قالوا : بلى ولكن ذلك لحمُ تُصُدِّق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة " صلى الله عليه وسلم " قال : عليها صدقة ولنا هديّة " هو عليها صدقة فلمّا أهدته لنا صار لنا هديّة ولنا أن نأكل منه والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرى ويجد التمرة وهو جائع ؛ يجد التمرة على فراشه مسقوطة بمعنى ساقطة وهو جائع يرفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى فيه ثم يردها مخافة أن تكون من تمر الصدقة ، والصدقة محرّمة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته ، النبي صلى الله عليه وسلم قال :" هو عليها صدقة ولنا هدية" وفي لفط للبخاري : " ولكنه لحم تُصُدِّق به على بريرة فأهدته لنا" ولمسلم " هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية " .
*إذا ما أهديته فهل يجوز لك أن تشتريه بعدما أهديته ؟ وإذا ما تصدقت به فهل لك أن ترده إلى حوزتك مشترىً تشتريه مرة أخرى ممن تصدقت به عليه ؟ لا يجوز لأنه نوع من الرجوع في الهبة والصدقة وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتره منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " العائد في الصدقة وكذا العائد في الهبة بعد أن يتصدق بها وبعد أن يهبها ؛ العائد في الصدقة والعائد في الهبة كالكلب يقيء ثم يلغ بلسانه بعدُ في قيئه يرجه به إلى جوفه ، فنسأل الله أن يعصمنا من هذا كلّه بمنّه وجوده وهو أكرم الأكرمين ، ولكن مالنا أخذنا في هذا الأمر من قفاه ! والأصل أن نستقبل الأمور من وجهها وأن نأتي البيوت من أبوابها .
**أضحية لها أحكام ويدخل بها زمان يتعلق بذلك زمان نهي من النبي الهمام صلى الله عليه وسلم ولكن ما الأضحية ؟ ما تعريفها ؟
الأضحية في اللغة دائرة على أمر يتفرّع**على أربعة أنحاء ففيها أربع لغات :**الاُضحيَّة فيها أربع لغات والإِضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أَضاحيُّ وأَضاحِي بتشديد الياء وتخفيفها ، أُضحيَّة وإِضحيّة وتجمع فتقول: أضاحيُّ وأضاحِي ، فتشدد الياء أضاحيُّ وتخففها أضاحِي ، فهاتان لغتان، وأما الثالثة ف: ضَحِيـَّة والجمع أضاحيُّ بالتشديد لا غير ، من غير تخفيف ، وأما اللغة الرابعة ف: أَضْحَاةٌ بفتح الهمزة والجمع : أضحى ، كأرطاةُ وأرطى ، أضحاةٌ وجمعها هي بفتح الهمزة : أضحى ، ف"أضحى" هذا الذي تقوله**ليس مفرداً وإنما الأضحى هو جمع أضحاة كالأرطى جمع أرطاة وبه سمي يوم الأضحى ، فيوم الأضحى سمّي بهذا الاسم من هذا الجمع لأنها تُذبح فيه . ولم سميت هي أضحاة وضحية وإضحيّة وأُضحيّة بأربع اللغات ، لِمَ سمّيت**لأنها تذبح ضحى بعد**صلاة العيد عند ارتفاع الضحى والعرب تسمي الشيء أحيانا بزمانه أو بمكانه أو بجزئه أو بكله أو بسببه أو بنتيجته إلى غير ذلك من تلك الأمور ، إذن : الأضحيّة والإضحية والأضحى والأضحاة وسمي يوم العيد بالأضحى لأنه يضحى فيه لله تبارك وتعالى بتلك القرابين وسميت هي كذلك لذلك الزمان الذي تقدم فيه لله تبارك وتعالى لأنها تذبح ضحى بعد صلاة العيد عند ارتفاع الضحى.
*وأما معنى الأضحية في الشريعة : فهي ما يذبح من بهيمة الأنعام خاصة ؛ ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام النحر بسبب العيد تقربا إلى الله عز وجل
___________________________
مشروعيــة الأضحية :
هي من العبادات المشروعة بالكتاب والسنة ، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبإجماع الأصحاب بل بإجماع المسلمين من سلف وخلف :
*فأما كتاب الله تبارك وتعالى فالدلالة فيه في قوله جلت قدرته : ( فصل لربك وانحر ) وفي قول الله تبارك وتعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) - ونسكي- وهذا النسك وتلك الأضحية ، وقال تعالى : ( ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلاهكم إله واحد فله أسلموا) هذه الآية الأخيرة ( ولكل أمة جعلنا منسكاً) تدل على أن الذبح تقربا إلى الله تبارك وتعالى مشروع في كل ملة لكل أمة ، ذبح القرابين تقربا إلى الله رب العالمين مشروع في كل ملة لكل أمة فكتب الله تعالى ذلك وشرعه على لسان كل رسول أرسله يقول ربنا جلت قدرته: (ولكل أمة جعلنا منسكا) فهذا دلالة على أن الذبح لله تبارك وتعالى قربانا مشروع في كل ملة لكل أمة وهو برهان بيّن على أن الذبح لله تبارك وتعالى قربانا عبادة ومصلحة في كل زمان ومكان وملة ، ومنه تعلم عظم ذنب وجريرة من يذبح لغير الله ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري "ملعون من ذبح لغير الله " بل إنه إن كان يتقرب بذلك الذبح لغير الله تبارك وتعالى تقربا حقيقيا يتأله بذلك له فإنه عند إقامة الحجة عليه مع انتفاء الموانع وتوفر الشروط وإقامة الحجة الإلهية الربانية الرسولية النبوية يكون خارج الإطار خارجا من الملة .
*وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبتت فيها مشروعية الأضحية لقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره فاجتمع فيها أنواع السنة الثلاثة : القول والفعل والتقرير لأنه من المعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قول - وفعل - وتقرير -، عند المحدثين عليهم الرحمة سلفا وخلفا أحياء وأمواتاً ؛ عند المحدثين أن وصف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سنة وحديث أيضا فيدخل في التعريف ما كان متعلقا بخلقه وخُلُقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ففي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين" وفي الصحيحين أيضا عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعةٌ " قسم النبي صلى الله عليه وسلم ذبائح لم تذبح بعد وإنما سميت ذبائح على اعتبار ما تصير وتؤول إليه ، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم الذبائح بين أصحابه فصارت لعقبة جذعة والجذعة من الغنم ماكان عمره أكثر من ستة أشهر ولم يطعن في السنة الثانية فصارت لعقبة جذعة فقال: " يا رسول الله صارت لي جذعة فقال ضحي بها "
وفي الصحيحين أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين " والأملح : الذي بياضه يغلب سواده أو هو النقي البياض فضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين " ذبحهما بيده وسمّى وكبّر ووضع رجله على صِفاحهما " وصفحة كل شيء وجهه وناحيته ـ فوضع قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم على صفاحهما وسمّى وكبّر صلى الله عليه وسلم وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : "أقام النبي صلى الله عليه وسلك بالمدينة عشر سنين يضحّي " صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وفي الصحيحين أيضا عن جندب بن سفيان البجلي : " قال شهدت الأضحى مع الرسول صلى الله عليه وسلم فلمّا قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال : من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله " وهذا لفظ مسلم عليه الرحمة ، وعن عطاء بن يسار قال: "سألت أبا أيوب الأنصاري : كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ، فهذه أحاديث دائرة بين الورود في الصحيحين أو في أحدهما أو في ديوان من دواوين السنة وروداً صحيحاً ثابتاً كلها تدل على مشروعية الأضحية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مواظباً عليها كما مرّ ذكر ذلك .
*وأما إجماع المسلمين على مشروعية الأضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم ، فأجمع المسلمون في أمة المأمون صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مشروعية الأضحية ، قال في المغني : أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية ، وجاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري : ولا خلاف في كونها من شرائع الدين .
* ومع إجماعهم على مشروعية الأضحية اختلفوا أواجبة هي أم سنة ، يعني هذه الأضحية واجبة على القادر عليها بمعنى أنه إذا كان قادرا ولم يضحِّ فهو آثم مذنب واقع في أمر محرّم ينبغي أن لا يتورط فيه من كان مؤمناً بالله واليوم الآخر والنبي صلى الله عليه وسلم أم ذلك على سبيل السنة على قولين :
القول الأول : أنها واجبة وهو قول الأوزاعي والليث وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ؛ قال شيخ الإسلام : وهو أحد القولين في مذهب مالك أو ظاهر مذهب مالك ، واختار شيخ الإسلام هذا القول وقال إن الظاهر وجوبها وأن من قدر عليها فلم يفعل فهو آثم ، هذا هو ما تدل عليه متظاهرةً الأدلةُ التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن من كان قادراً على التضحية ثم لم يضحِّ فهو آثم مذنب .
القول الثاني: وأما القول الثاني فهي سنة مؤكدة عند من يقول بذلك وهو قول جمهور أهل العلم ومذهب الشافعي ومالك وأحمد في المشهور عنهما ، لكن صرّح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يُكره للقادر، يعني مع قولهم بسنيتها فإنهم يقولون إن من كان قادراً على الإتيان بها ثم لم يأت فقد وقع في المكروه ، وذكر في جواهر الإكليل شرح مختصر خليل وهو من كتب الفقه المالكية :أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها لأنها من شعائر الإسلام ، يعني لو أجمع أهل بلد على تركها فإن الإمام يقاتلهم على ترك هذه الشعيرة الظاهرة كما لو تركوا الآذان مثلا فإنه لو أجمع أهل بلدٍ على ترك الآذان فهذه الشعيرة العظيمة لا يأتون بها فإن الإمام يقاتلهم حتى يأتوا بها وكذلك ذكر في هذا الكتاب أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها لأنها من شعائر الإسلام .
ما الأدلة عند القائلين بالوجوب؟:
*الدليل الأول: هو قول الله جلت قدرته : (فصلِّ لربِّك وانحَر) فأمر بالنحر والأصل في الأمر الوجوب .
*والدليل الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : " من وجد سعةً فلم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلانا " هذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة ، وقال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات ، ولكن الحق أن هذا الحديث مختلف في رفعه ووقفه وهذا الحديث أشبه بالموقوف والصواب أنه حسنٌ موقوف ، يعني هذا الحديث الذي استدل به على الوجوب حديث حسنٌ موقوف ولعل أبا هريرة قاله عندما كان أميراً يصلي بالناس ؛ فقال من وجد سعة فلم يضحّ فلا يقربنّ مصلانا ، وأما إذا ما ورد صحيحاً من طريق أخرى رفعُه فهي زيادة ثقة وهي مقبولة حينئذ بلا تثريب عند أهل العلم من أهل الحديث عليهم الرحمة .
*الدليل الثالث: وأما الدليل الثالث فقوله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة :" ياأيها الناس إن على أهل كل بيت أضحية في كل عام أضحية وعتيـرة " قال في الفتح : أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي فهو حديث حسن ، الذي ذكرت فيه العتيرة ، وما العتيرة؟ العتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها رجبية ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : " إن على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة " فهل الرجبية هذه كالأضحية من حيث التسوية ؟ صار بعض أهل العلم إلى النسخ في أمر العتيـرة وفي الفَرَع أيضا كما سيأتي إن شاء الله.
*الدليل الرابع : على وجوب الأضحية و أن من تركها فهو آثم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته :" من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله" فاستدلوا من أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وقع ذبحه قبل الوقت فصارت شاة لحم لا أضحيةً قرباناً إلى الله رب العالمين على قانون الشرع وذبح قبل الإمام صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح بدلها ؛ أمره الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن يذبح بدلها فقالوا هذا دلالة على الوجوب . هذه أدلة القائلين بالوجوب
الذين قالوا بعدم الوجوب أجابوا عن هذه الأدلة دليلاً دليلاً :
*فأجابوا عن الدليل الأول وهو قل الله تبارك وتعالى (فصل لربك وانحر) قالوا لا يتعين أن يكون المراد بقوله جلت قدرته: (وانحر ) نحر القرابين ، فماذا هو المراد إذن؟ قيل إن المراد بها : وضع اليدين تحت النحر ؛ تحت لُبّة النحر وثغرته : ثغرة النحر وهو هذا التجويف الذي يكون في أسفل الرقبة عند اتصالها بعظام الصدر و التقاء الضلوع ، فقال بعض أهل العلم ونسب ذلك إلى علي وهو قول ضعيف بل هو باطل جملةً ، قالوا : وضع اليدين تحت النحر عند القيام في الصلاة وهذا القول وإن كان ضعيفاً لكن مع الاحتمال قد يمتنع الاستدلال لأن الدليل إذا تطرق اليه الاحتمال سقط به الاستدلال ، هذه قاعدة من قواعد الأصول احفظها : الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ، ولكن هل هذا الاحتمال يقوم؟ هو في الحقيقة لا يقوم ولكن الدليل إذا تطرق اليه الاحتمال سقط به الاستدلال وإذا قلت إن المراد هو نحر القرابين كما هو ظاهر القرآن فإنه لا يتعين أن يكون المراد بها فعل النحر فقد قيل إن المراد بها تخصيص النحر لله تبارك وتعالى : فصل لربك :لربك خاصة وانحر له خاصة ولا تنحر لغيره فأن تخصص النحر لله تبارك وتعالى وأن تخلص له ذلك الذبح هذا واجب بلا شك ولا نزاع ، وإذا قلت المراد بها فعل النحر كما هو ظاهر الآية فهو أمر مطلق يحصل امتثاله بفعل ما ينحر تقربا إلى الله تبارك وتعالى '' وانحر '' لم يحدد الأضحية فهذا أمر مطلق : فصل لربك وانحر ؛ لوأن المرا هو النحرخاصة بذبح القرابين لله تبارك وتعالى فهذا يصدق على الأضحية وعلى الهدي وعلى العقيقة ولو مرة واحدة فلا يتعين أن يكون المراد به الأضحية كل عام .
*وأجابوا عن الدليل الثاني بأن الراجح أنه موقوف ؛ الدليل الثاني الذي قلنا أنه اختلف في رفعه ووقفه :" من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" قالوا إنه موقوف ولعل أبا هريرة قاله عندما كان والياً على المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، قال في بلوغ المرام : رجّح الأئمة وقفه والصواب أنه ثابت موقوف ؛ يعني الموقوف هو ما قاله الصحابي ولم يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، والمقطوع ما توقف عند حدود من دون الصحابي وأما المرفوه فهو ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لكن قال في الدراية : إن الذي رفعه ثقة إذن فقد ثبت الرفع من طريق أخرى ، وإذا كان الذي رفعه ثقة فالمشهور عند المحدثين أنه إذا تعارض الوقف والرفع وكان الرفع ثقة فالحكم للرفع لأنه زيادة من ثقة وزيادة الثقة مقبولة كما هو المعروف المعهود عند المحدثين رحمة الله عليهم ، فالظاهر كما ترى ظاهر في الإيجاب ولا يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل صريحاً في الدلالة عليه بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه ؛ يكفي الظاهر إذا لم يعرضه ما هو أقوى منه .
*وأجابوا عن الدليل الثالث بأن أحد رواته أبو رملة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"قال يا أيها الناس إن على أهل كل بيت أضحية كل عام وعتيـرة " وقلنا العتيرة هي الرجبية وهي الذبيحة التي تذبح يتقربون بها إلى الله في العشر الأول من شهر رجب من كل عام ، وقالوا: هذا الدليل أحد رواته هو أبو رملة عامر ، قال في التقريب: لا يعرف ، وقال الخطابي : مجهول الحديث ضعيف المخرج ، وقال المعافري : هذا الحديث ضعيف لا يحتج به . سبق أن صاحب الفتح أي الحافظ عليه الرحمة ابن حجر وصف سنده بالقوة لكنه قال لا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية، فإذا وقع الأمر على شيئين وكان أحدهما غير واجب صراحة فكيف يخص الأول بالوجوب ، وهذا الاستدلال والمسلك إليه هو بعينه ما سلكه العلماء للقول بوجوب العمرة (وأتموا الحج والعمرة لله ) ولمّا كان الحج واجبا بلا نزاع بل هو فرض قالوا إن الله تبارك وتعالى لما عطف على هذا الواجبِ العمرةَ صارت واجبة ووقع الوجوب عليهما معاً فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمّا ذكر العتيرة وعطفها على الأضحية والعتيرة غير واجبة بإجماع دل على أن الأضحية عند هؤلاء غير واجبة أيضاً ، ولكن لا يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل صريحا في الدلالة على الوجوب بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه وأما ذكر العتيرة مع الأضحية في الحديث فمعلوم أنها غير واجبة وورد ما يخرجها عن الوجوب بل عن المشروعية عند كثير من أهل العلم يعني هل مشروع أن يذبح المسلم في العشر الأُول من شهر رجب من كل عام ذبيحة يتقرب بها إلى الله رب العالمين ؟ قال أبو داوود العتيرة منسوخة هذا خبر منسوخ وهو أخرجه في سننه عليه الرحمة ثم عقّب بهذا القول قال : " العتيرة ( أي الرجبية : الذبيحة التي تذبح في العشر الأول من شهر رجب ) قال : هذه العتيرة خبرها منسوخ "و إذن فلا حكم في هذا الخبر يمكن أن يقوم وهي غير واجبة ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث أبي هريرة المتفق على صحته يقول : " لا فَــرَعَ ولا عتيـرة " الفَــرَع : هو أول النِّتاج للإبل كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركـة في الأم وكثرة النسل " لا فــرَعَ" : كانت الناقة في أول النّتاج لا يقربون نتاجها الأول وإنما لا يملكونه و يذبحونه قرباناً لله تبارك وتعالى فلا يتملكونه رجاء البركة وكثرة النسل منها بعـدُ ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا فـرَعَ " هذا هو الفرع ، " ولا عتيـرة" وهي الرجبية الذبيحة التي تذبح في العشر الأول من رجب ، فإذن هذا الدليل فيه جهالة أبي رملة فالحديث حينئذٍ يكون ضعيفاً لا تقوم به الحجـة ، وأيضاً معارض بالمتفق على صحته من قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا فرَع ولا عتيـرة " ولكن يقول العلماء : إن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ''لافرَع ولا عتيـرة'' يعني واجبة فلا فرَع واجبٌ ولا عتيرة واجبة ويبقى الأمر على حاله من المشروعية .
*وأجابوا عن الدليل الرابع : وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم المتفق على صحته: "من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " قالوا الأمر إنما هو بذبح بدلها وهو ظاهر لأنهم لمّا أوجبوها تعيّنت ؛ يعني لمّا عيّنها كأنما وجبَت فالتعيين ههنا هو المراد في مسألة البدل وذبحهم إياها قبل الوقت لا يجزئ فوجب عليهم ضمانها بأن يذبحوا بدلها ولكن مقتضى الحديث أنه لو أوجب أضحية ثم تعدى أو فرط فيها أو ذبحها على وجهٍ لا تجزئ أضحيةً لوجب عليه ذبح بدلها ، الحالات كلها إذا عيّن أضحية فذبحها قبل الوقت أو ذبحها على نحوٍ لا تصلح به أن تكون أضحيةً فقد وجب عليه ـ مادام عيّن ـ أن يذبح بدلها . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " ومن لم يذبح فليذبح باسم الله " فهو أمر بكون الذبح على اسم الله لا بمطلق الذبح فلا يكون فيه دليل على وجوب الأضحية .
كما ترى مسالك العلماء من الناحية العقلية في مسائل الاستدلال كأنما عليها برهان من الله رب العالمين يتغشاها النور من أمام ومن خلف ، من أمام ومن خلف وعن يمين وعن شمال ، مسالك من مسالك أهل العلم يأتون بالدليل ، ويشدفع أهل العلم الدليل بالدليل حتى يصير الأمر إلى ما جاء به البشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
_________________________
الذين قالوا بعدم الوجوب ما أدلتهم ؟
*الدليل الأول: هو حديث " هنَّ عليَّ فرائضُ ولكم تطوع النحرُ والوترُ وركعتا الضحى " أخرجه الحاكم والبزار وابن عدي وروى نحوه أحمد وأبو يعلى والحاكم وذكر في التلخيص له طرقاً كلها ضعيفة ، إذن هذا حديث لا يصلح أن يكون حجة لأنه حديث ضعيف ، والضعيف لا يحتج به في إثبات الأحكام .
ما الدليل الثاني عندهم الذين يقولون بعدم الوجوب ؟
*الدليل الثاني :أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته صلى الله عليه وسلم ، فعن علي بن الحسين عن أبي رافع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين أقرنين سمينين أملحين" يعني يغلب بياضهما على سوادهما أو بياضهما بياض نقي " فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمُدْية " أي بالسكين " ثم يقول اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وآل محمد " صلى الله عليه وسلم " فيطعمهما جميعاً المساكين ويأخذ هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي ، قد كفاه الله المؤونةَ برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرمَ": كفاه الله المؤونة والغرم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخرجه أحمد والبزار . هذا دليل كما ترى ولكن قبل أن يصير الدليل دليلا لابد من ثبوته بدءاً ثم يٌنظر في الاستدلال به من بعد الثبوت ، فلابد من الثبوت أولا ، ولذلك يقولون أثبت العرش أولا ثم انقش ، فلابد من إثبات الدليل أولا ، هذا الدليل ما حاله ؟ أخرجه أحمد والبزّار وقال في مجمع الزوائد : وإسناده حسن وسكت عنه في التلخيص وله شواهد عند أحمد والطبراني وابن ماجه والبيهقي والحافظ.
وجه الدلالة في هذا الحديث ماهي ؟ وجه الدلالة في الحديث ماهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بالواجب عن الأمة فيكون الباقي تطوعاً ، يعني ضحى عنّا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فإذن فالذي يبقى بعدُ إنما هو تطوع لا وجوب فيه ولذلك مكث بنو هاشم سنين لا يضحون على مقتضى هذا الحديث .
*الدليل الثالث : قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره " وهذا رواه الجماعة إلا البخاري ، وفي رواية لمسلم " فلا يمس من شعره وبشره شيئاً" وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوّض الأضحية إلى الإرادة " وأراد أحدكم أن يضحي" ففوض الأمر إلى الإرادة والوجوب لا يكون كذلك في ظاهر الأمر ، فاستدلوا بتفويض الأمر إلى الإرادة عند إرادة الأضحية على أنها ليست بواجبة فهل ذلك كذلك ؟ الحق أن التفويض إلى الإرادة لا ينافي الوجوب إذا قام عليه الدليل ، إذ في التعليق على الإرادة من أن الإنسان لا يكون مع التعليق على الإرادة مخيّرا في المراد على الإطلاق ، أنت مثلا تقول لمن يريد أن يصلي : إذا أردتَ الصلاة فتوضأ ، فهل الوضوء غير واجب؟! أنت تقول : إذا أردت الصلاة فتوضأ؛ والوضوء واجب بإجماع الأمة من فرائض الله تبارك وتعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا صلاة بلا وضوء عند القدرة. فإذن التعليق على الإرادة كما ترى ليس دائماً صارفاً عن الوجوب ، والأضحية لا تجب على المعسر فهو غير مريد ، فصحَّ تقسيم الناس إلى مريد وغير مريد باعتبار اليسار و الإعسار فمن كان قادرا فقد توجه له الخطاب بالإرادة ؛ توجه له الخطاب بالإرادة حينئذ.
*الدليل الرابع: عند الذين يقولون بعدم الوجوب" أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن أن الأضحية واجبة "
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " إني لأدع ـ أي أترك ـ الأضحية وأنا من أيسركم ـ أي من أكثركم يساراً ومالاً ـ كراهةَ أن يعتقد الناس أنها حتْم واجب" وهذا أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح .
ولكن إذا صح الوجوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه صلى الله عليه وسلم ، وكل من دون الرسول صلى الله عليه وسلم يحتج له ولا يحتج به ، كل من دون الرسول صلى الله عليه وسلم يحتج له ولا يحتج به فماكان من فعل أبي بكر وعمر كذلك ماكان من فعل عبد الله من مسعود ؛ إذا صح الوجوب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
*الدليل الخــامس: عندهم هو التمسك بالأصل ، الأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل يدل على الوجوب سالم من المعارضة ، هذا دليل قوي جدا يعني اأصل هو براءة الذمة من الوجوب حتى يقوم الدليل السالم من المعارَض به عليه ؛ حتى يقوم الدليل السالم من المعارِض له ؛ براءة الذمة هذا دليل قوي جدا كما رأيت ولكن قد قام الدليل الواجب السالم من المعارَض كما مر ذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
*والدليل السادس : عندهم أن رجلا قال : يا رسول الله أرأيت إن لم أجد إلا مَنيـحةً أنثى ـ المنيحة هي شاة اللبن يعطيها الرجل المالك لها للفقير لكي يفيد من لبنها ولكي يفيد أيضا من صوفها وما أشبه فيفيد من ذلك بفضل الله تبارك وتعالى ثم يردها عليه بعدُ ، هل هذا واجب ، هذه سنة ، فهذا الرجل يقول:" يا رسول الله أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها ؟ قال :'' لا'' ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل " هذا حديث ضعيف فلا تقوم به حجة ، ولذلك هذه المنيـحة يأخذها الرجل يفيد من لبنها ومن صوفها ثم يردها إلى صاحبها هذه سنة يعني مواساة لفعل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقره و يحبه ، لو كانت الأضحية واجبة لم تُترك من أجل فعل سنة ، هذا مسلك في الاستدلال عند القائلين بعدم الوجوب أخذا بهذا الدليل في جملة الأدلة .
ولكن الحديث ضعيف كما مر فلا تقوم به سنة ، وفي المنتهى يقول شيخ الإسلام تلخيصاً : " الأظهر الوجوب ـ يعني وجوب الأضحية ـ فإنها من أعظم شعائر الإسلام وهي النسك العام في جميع الأمصار ، والنسُك مقرون بالصلاة (فصلِّ لربِّكَ وانحر ) وهي من ملة إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أمرنا الله تبارك وتعالى باتباع ملته ، وبين أن من لم يتبع ملة إبراهيم فهو سفيه العقل خفيفُهُ طيّاش ، وجاءت الأحاديث ـ كما يقول شيخ الإسلام ـ بالأمر بها ، ونفاة الوجوب ليس معهم نصٌ فإن عمدتهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : من أراد أن يضحي ودخل العشرُ فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ، قالوا الواجب لا يعلق بالإرادة ، وهذا كلام مجمل فإن الواجب لا يوكل إلى إرادة العبد فيقال إن شئت فافعله ، لا يكون واجباً حينئذ إذا عُلِّق على إرادة العبد فقيل إن شئت فافعله ومتى شئت فافعله ، لا يكون واجباً بتعليق الإرادة العبد ، ولكن يعلق الواجب بالشرط لبيان حكم من الأحكام ، هذه قاعدة من قواعد الشريعة ؛ أن يُعلًّق الواجب على الشرط لبيان حكم من أحكام هذه الشريعة الغرّاء المطهرة كمثل أن تقول: إذا أردت أن تصلي الظهر فتوضأ ، فصلاة الظهر واجبة ، لكن تعليقها بالإرادة لبين حكم الوضوء لها وهو أنه واجب أيضا.
قال شيخ الإسلام في بقية كلامه عن الأضحية :" فوجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضلا عن حوائجه كصدقة الفطر سواء بسواء عندما تجب"
هذه آراء العلماء وأدلتهم تبين حتى مع الاختلاف أمر من الأمور الشرعية العظيمة وهي من ملة إبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم ، ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها وتُنُوزِعَ في الوجوب كما مر ذكر ذلك في تنازع الأدلة وتكافئها بين القائلين بالوجوب وعدمه ، أمر هذا شأنه يجب على المسلم أن يلتفت إليه التفاتا عظيما وأنه متى كان قادراً عليه فعليه أن يأتي به تقربا الى الله رب العالمين .
الأدلة متكافئة فإن صرت إلى قول القائلين بعدم الوجوب ، جاءتك أدلة القائلين بالوجوب مكافئة للأدلة التي أخذت بها على عدم الوجوب ، وإذن فالاحتياط أن لا تدعها مع القدرة عليها لما في ذلك من تعظيم الله وذكره ، وبراءة الذمة بيقين.
**ويأتي أمر من الأمور التي تقع لكثير من الناس في هذا الزمان وهو: هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها عند الحاجة : حاجة المسلمين إلى التصدق بثمنها ظاهرا، كثير من الناس في هذا الزمان يذهبون إلى أنه من الأفضل أن يتصدَّق بثمنها وأن لا يضحَّى بها ، فهل هذا صحيح ؟ أو غير صحيح ؟
ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله ، قال ابن القيم عليه الرحمة: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد
حتى لو تصدقت بزائد عن ثمن الأضحية فالذبح أفضل في موضعه كالهدايا والضحايا ، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال جل ذكره: ( فصلّ لربّك وانحر) وقال تعالى: ( قل إن صلاتي ونسكي ) فصل لربك وانحر : قرن بين الذبح ـ بين النحر ـ والصلاة ، وكذلك في قوله جلت قدرته: (قل إن صلاتي ونسكي ـ يعني وذبحي ـ ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ) . في كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة ، يعني الذي يحج متمتعا عليه دم والقارن أيضا عليه دم وأما الذي يحج على الإفراد فليس عليه دم ، فهل يتصدق عن دم المتعة والقِران ؟ ولو تصدق بأضعاف أضعاف القيمة هل يجزئ؟ لا يجزئ ، ولا يقوم مقام الدم الذي وجب عليه بتمتعه وبقرانه أيضا في النسك وكذلك الأضحية هذا كلام الإمام ابن القيم رحمة الله عليه .
*والذي يدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها هو أنه عمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعمل المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لأنهم كانوا يضحون ، ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل لعدلوا إليها ، وماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعمل عملا مفضولاً ويستمر عليه منذ أن كان في المدينة إلى أن توفاه الله مع وجود الأفضل وتيسره !
ما الذي كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق ولو مرة واحدة لو كان ذلك جائزاًَ ، ولو مرة واحدة لبيان الجواز ، كما أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يشرب دائما من قعود ، وشرب مرة من قيام لبيان الجواز ، فمن شرب قائما لعذرٍ ، فذلك إن كانت نيته أن يقعد عند الشرب فله أجر، وأما إن شرب قائما بغير عذرٍ فجائز ولكن لا أجر له ، وأما إذا قعد متسننا فله أجره كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب مرة من باب الجواز ، فلَِمَ لم يتصدق بثمن الأضحية ولو مرة واحدة لبيان الجواز ، لم يفعل ذلك أبدا صلى الله عليه وسلم إلى أن توفاه الله تبارك وتعالى مع وجود الأفضل وتيسره ـ لم يفعله ولا مرة واحدة ، ولا بيّن ذلك لأمته بقوله صلى الله عليه وسلم ، بل استمرار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على الأضحية يدل على أن الصدقة بثمن الأضحية لا تساوي ذبح الأضحية فضلاً أن تكون أفضل منها إذ لو كانت تساويه لعملوا به أحيانا لأنها أيسر وأسهل ، يعني لو كانت الصدقة بثمنها تعدل في الأجر ذبحها لتصدقوا لأن التصدق أيسر ، التصدق أيسر بلا خلاف؛ ليس فيه مشقة ، التصدق بثمنها أيسر ، فلو كان مساويا في الأجر للذبح لتصدقوا وأخذوا بالأيسر ، ما كانوا يتبعون الأعنت الأعنت ولا الأشق الأشق وهكذا علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي ، ولم يدعها مرةً صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة بثمنها ، والنبي صلى الله عليه وسلم في كثير من العبادات المتساوية كان يفعل هذا مرة وهذا مرة للدلالة على التساوي بين الأمرين ، ولكن هاهنا لم يجنح ولم يعدل ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يعدل عن الذبح قربانا لله تبارك وتعالى إلى الصدقة بالثمن ولو كان أكثر
فعُلم أن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها ، ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها أن الناس مثلما (كلمة غير مفهومة) أن الناس أصابهم ذات سنةٍ مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الأضحية ، يعني في أيام عيد الأضحى ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بصرف ثمنها إلى المحتاجين بل أقرهم على ذبحها وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن اسلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ضحّى منكم فلا يصبحنَّ بعد ثالثة في بيته شيء" فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الادخار من لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فلما كان العام المقبل قالوا:" يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ " وهذا دليل على شدة اتباعهم وتحريهم لاتباع نبيهم صلى الله عليه وسلم ، عندما خرج الأمر عما كان عليه إلى الأمر بعدم الادخار والنهي عن الادخار ، وجاء عام قابل قالوا يا رسول الله نعود إلى ما كنا عليه سلفاً أم نأخذ بما جد ؟ وقالوا يارسول الله ماذا نفعل ؟ نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " كلوا وأطعموا وادّخروا فإن ذلك العام كان في الناس جَهْد " يعني العام الماضي، في عام المجاعة ، في عام قلت فيه أرزاق العباد بقدَر الكبير الرزاق فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الادخار فوق ثلاث ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كان في الناس جَهد فأردتُ أن تعينوا فيه " ، وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها سئلت :" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأضاحي أن تؤكل فوق ثلاث؟ " يعني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فقالت رضوان الله عليها: " ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير " .
*يدل أيضا على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها أن العلماء اختلفوا في الوجوب وأن القائلين بأنها سنة صرّح أكثرهم أو كثير منهم بأنه يُكره للقادر تركها ، وبعضهم صرح بأنه يُقاتَل أهل بلدٍ تركوها ، ولم نعلم أن مثل ذلك حصل في مجرد الصدقة المسنونة أبدا .
* ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها أن الناس لو عدلوا عنه ـ عن الذبح ـ إلى الصدقة لتعطلت شعيرة عظيمة نوّه الله عليها في كتابه في عدة آيات وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها المسلمون ، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم سنــة المسلمين ، فاللهم وفقنا للإتيان بها يا أرحم الراحمين .
الأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافاً لما يظنه بعض العامة أنها للأموات فقط .
الأضحية للأموات على ثلاثة أقسام . هل هناك أضحية للأموات؟ الأضحية للأموات على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن تكون تبعاً للأحياء ، يعني أن تكون الأضحية للأموات تبعاً للأضحية للأحياء كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي ويقول: " اللهم هذا عن محمد وآل محمد " وفيهم من مات سابقا رضوان الله عليهم ، إذن الأموات يدخلون مع الأحياء تبعا كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم " وآل محمد" وفيهم من مات سابقا ، هذا هو القسم الأول.
القسم الثاني:وأما القسم الثاني أن يضحي عن الأموات استقلالاً تبرعاً ، مثل أن يتبرع لشخص مسلم ميت بأضحية ، فأما فقهاء الحنابلة فقد نصوا على أن ذلك من الخير وأن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياسا على الصدقة عنه ، ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي الميت بذلك قبل موته ، ولكن من الخطأ ما يفعله كثير من الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعاً، يضحون عن الأموات تبرعا ، وأما إذا كان وصى فلا شيء في ذلك ،وأما اذا كان من آل بيت المضحي فهو داخل كما دخل الأموات من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مع الأحياء فكانوا تبعا لهم في أضحية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . لو علم الناس أن السنة هي السعة وهي البراح وهي الرحمة لأراحوا واستراحوا ، يعني الإنسان إذا ضحى عن نفسه وقال : اللهم منك وإليك باسم الله والله أكبر، اللهم منك وإليك، اللهم عن فلان وآل بيته ، لو علم الإنسان أن أمواته يدخلون مع الأحياء تبعا في آل بيته ، لو علم ذلك لعلم مقدار سعة رحمة الله رب العالمين ففضل الله واسع .
القسم الثالث: والقسم الثالث من الأضحية عن الأموات أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته فتنفذ كما أوصى بها بدون زيادة ولا نقص ، فيضحي عمن قد وصى أن يضحى عنه على النحو الذي أوصى به .
ما وقتها؟
الأضحية عبادة مؤقتة كالصلاة جعلها الله تبارك وتعالى عبادة موقوتة بوقت محدود معلوم ، فالأضحية أيضا عبادة مؤقتة لا تجزئ قبل وقتها على أي حال ولا تجزئ بعد إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .
أول وقت الأضحية بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان أو بعد قدر صلاة العيد لمن لا يصلون العيد كالمسافرين وأهل البادية ، لأن أهل البادية والبدو ليس عليهم..
لأن أهل البادية والبدو ليس عليهم جمعة ولا عيد ، فحينئذ ينتظرون بمقدار ما يصلي الإمام العيد ثم بعد ذلك يذبحون فهذا أول وقتها ، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم وليست بأضحية ، ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة كما روى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم :" من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء " وأيضا عند البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكه وأصاب سنة المسلمين " وعن جندب بن سفيان البَجَلي عند البخاري قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى "
إذن أول وقت الذبح ـ ذبح الأضحية ـ هو بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان أو بمقدار صلاة العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية .
**والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبة لأن ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جندب صلى يوم النحر ثم خطب ثم ذبح صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
الأفضل أن لا يذبح المسلم حتى يذبح الإمام إن كان الإمام يذبح في المصلى .
هل الذبح في المصلى على حسب ظاهر النص قائم ؟ يعني يأخذ الناس الأضاحي إلى المصلى فإذا ما فرغ الإمام من الخطبة ذبح هو في المصلى فلوّث المصلى وهو مكان عبادته بالدماء والفرث ، ويأتي كذلك المسلمون فيضحون ويذبحون أيضا ؟
لم يكن ذلك كذلك ، المعنى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذبح في المصلى بعد الخطبة : أنه أبرز الأضحية عند مصلى العيد فيذبحها هناك ولكن ليس في المصلى ، وإنما يبرزها عند المصلى ثم يذبحها بعيدا عن المصلى إظهارا لشعائر الله وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح الأضحية صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وكذلك ليسهل على الفقراء تناول ما يعطيهم من الصدقة منها ، وليس المعنى أنه يذبح في نفس المصلى لأنه مسجد والمسجد لا يلوّث بالدم والفرث ،
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر من نحر قبله صلى الله عليه وسلم أن يعيد مكانها أخرى .
*وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، فإذن أول وقت الأضحية عبادة مؤقتة يعني لها وقت موقتة ، لا تتقدم على أول الوقت ولا تتأخر عنه ، فأما أول الوقت لذبح الأضحية فهو بعد صلاة العيد والأفضل أن يتأخر إلى ما بعد الخطبة وإلى ما بعد فراغ الإمام من الذبح إذا كان يذبح وأما آخر وقت الأضحية فهوغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر ، واليوم الثالث عشر هو عندنا في عرفنا رابع أيام العيد ، يعني يوم العيد اليوم العاشر ثم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، بغروب الشمس من يوم الثالث عشر آخر أيام التشريق ينتهي وقت الأضحية ، فيكون الذبح في أربعة أيام : يوم العيد واليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر واليوم الثالث عشر وثلاث ليالٍ : ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر وليلة الثالث عشر ؛ أربعة أيام وثلاث ليال هذا هو القول الراجح عند أهل العلم وبه قال علي بن أبي طالب في إحدى الروايتين وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح وإمام أهل الشام الأوزاعي وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي واختاره ابن المنذر واختاره الشيخ تقي الدين شيخ الاسلام رحمة الله عليه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى : (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات هي يوم النحر وثلاثة أيام بعده .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يذبح ويبرز ذِبحه في المصلى ويذبح عند المصلى لا في المصلى ، ولكن هل الأفضل أن يذبح الإنسان بالنهار أو يذبح بالليل ؟
الذبح في النهار أفضل ويجوز الذبح في الليل لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي ، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" فإذا أُطلق اليوم دخلت فيه ليلته ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال هي أيام ذكر لله عز وجل " أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" فدخلت الليالي مع الأيام حيث كانت وقتا للذكر كما كان النهار وقتا له ، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .
هل يكره الذبح في الليل؟ لا يكره الذبح في الليل لأنه لا دليل على الكراهية ، والكراهة حكم شرعي يفتقر الى دليل ، أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " نهى عن الذبح ليلاً" فهذا في إسناده رجل متروك هو سليمان بن سلمة الخبائري فهذا رجل متروك ـ لا دليل هاهنا على كراهة الذبح بالليل ، وأما قول بعضهم يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف ، يعني إذا وقع الخلاف في أمر من الأمور تخرج من الخلاف بأن تترك ما قد اختلفوا فيه حينئذ تكون تاركا لكثير من دين الله رب العالمين كما إذا وقع الخلاف فأخذت بالأحوط دائما ، فليس الأخذ بالأحوط دائما يكون دينا وإلا أخذت بالأشقّ الأشقّ وبالأشد الأشدّ وليس هذا من دين الله تبارك وتعالى في شيء.
يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف : هذا خطأ فالتعليل ليس حجة شرعية قال شيخ الإسلام: تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام ، فإن الوصف حادث بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . كثير من المسائل الخلافية لم يراعى فيها جانب الخلاف ولم يؤثر الخلاف فيها شيئا وهاهو الخلاف هنا ثابت في امتداد وقت ذبح الأضحية إلى ما بعد يوم النحر ولم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد مع أن الخلاف واقع فهل قالوا لا نذبح إلا في يوم العيد خروجا من الخلاف ؟ ! فلماذا يؤخذ به تعليلا هنا ولا يؤخذ به تعليلا هناك؟ ؛لم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد لكن إن قوي دليل المخالف بحيث يثير شبهة كانت مراعاته من باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
جنس ما يضحى به :
بهيمة الأنعام فقط ( ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم الله من بهيمة الأنعام ) بهيمة الأنعام : الإبل ، البقر ، الغنم من ضأن ومعز ، فالغنم ضأن ومعز فهذا ما يضحى به لا غير . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" لا تذبحوا إلا مُسنّة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جَذَعة من الضأن " الجذعة : ما له ستة أشهر، والمسنة : الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم .
الأضحية عبادة كالهدي ، فلا يشرع فيها إلا ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ الأفضل الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سُبُع البعير ثم سُبُع البقرة .
الأفضل الإبل : أن يقرب بدنة رأساً من غير مشاركة ، ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع البعير ثم سبع البقرة ، والأفضل من كل جنسٍ أسمنه وأكثره لحماً ، حتى الجنس الواحد يتفاضل فأسمنه وأكثره لحما وأكمله خلقة وأحسنه منظرا ( إنما يتقبل الله من المتقين) وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين " أقرنين: فهو أتم خلقة ، أملحين: وقلنا أن الأملح ماكان سواده شيئا يسيرا في بياضه أو ما كان بيضاه بياضا نقيا ، النبي صلى الله عليه وسلم" ضحى بكبش أقرن فحيل " يعني ليس بخصي فهو تام الخلقة " يأكل في سواد" يعني حول فهمه سواد في بياضه إذ هو أملح ولكن حول فمه سواد خالص فهو يأكل في سواد "وينظر في سواد" وحول عينيه سواد أيضا " ويمشي في سواد " وكذلك حول أظلافه من أسفل وكذلك من تحت في أرجله سواد ، يمشي في سواد وينظر في سواد ويأكل في سواد وهو بعد ذلك أملح أقرن فحيل غير خصي ،ـ فيأتي به على أتم خلقة وهذا شأنه دائما صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا ضحى صلى الله عليه وسلم " اشترى كبشين سمينيْن " وفي لفظ "موجوءيْن" يعني خصيين ، رواه أحمد فهل هنا تعارض؟ هل هاهنا تعارض؟
يقول مرة : موجوءين يعني مخصييْن ، خصيّيْن ، ومرة يقول : الكبش كان كبشا فحيلاً يعني غير خصيّ ، هل هنا تعارض؟ أبداً : الأفضل قد يكون من حيث الخلقة الظاهرة بتمامها فحينئذ يكون الفحيل أفضل ، والخصي يكون أوفر لحما وأطيب لحما أيضا فهو بالنسبة إلى الفقير أفضل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بهذا مرة وبهذا مرة صلى الله عليه وسلم ، الفحل أفضل من الخصي من حيث كمالُ الخلقة لأن جميع أعضائه سالمة لم يفقد منها شيء ، والخصي أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب.
الواحدة من الغنم تجزئ عن الشخص الواحد فلا شركة في الغنم ؛ لا شركة في الضأن ولا في المعز يقول : إنه لا شركة من حيث الدفع المالي ، من حيث المال ، المشاركة المالية ، وأما المشاركة في الثواب فالواحدة تجزئ عن غير عدد ، عن عدد غير محصور كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذبح كبشا وقال : "هذا عمن لم يضحِّ من أمة محمدٍ " صلى الله عليه وسلم : مشاركة في الثواب . فالواحدة من الغنم تجزئ عن الشخص الواحد ، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عمّا تجزئ عنه الواحدة من الغنم لحديث جابر رضي الله عنه قال : "نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدَنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " رواه مسلم وفي رواية " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مُهلّين بالحج فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدَنة" فسبع البعير وسبع البقرة يقوم مقام الواحدة من الغنم ويجزئ عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم لأن الواجب في الإحصار وفي التمتع عند الهدي كذلك كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم.
اشتراك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة على وجهين :
*الاشتراك في الثواب : بأن يكون مالك الأضحية واحدا ويشرك معه غيره من المسلمين في الثواب فهذا جائز مهما كثر عدد الأشخاص ففضل الله واسع .
*وأما أن يكون مشتركا معه في الملك بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها فهذا لا يجوز ولا يصح أضحيةً إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط ؛ تجوز المشاركة بالملك ؛ بالمال إلى سبع في بقرة أو في ناقة أو في جمل ؛ في الإبل وفي البقر ، وأما في الغنم فالأضحية عبادة فلا تصح إلا كما جاء بها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي شعيرة من شعائر الله رب العالمين .
وكل عبادة وقربة من أجل أن تكون مقبولة عند الله تبارك وتعالى فينبغي أن تكون خالصة وأن تكون صوابا ، والخالصة أن تكون لله رب العالمين خاصة من غير شركة ، فلا يشارك الله تبارك وتعالى فيها أحد عند تقديمها قربانا لله رب العالمين .وكذلك أن تكون على ما جاء به النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والشروط التي ينبغي أن تتوفر في الأضحية حتى تكون مقبولة منها ما يعود للوقت وقد مرّ ، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها وقد مرّ ، ومنها ما يعود للمضحى به وهي أربعة :
1ـ أن يكون ما يضحى به ملكاً للمضحِّي وأن يكون غير متعلق به حق غيره : يعني لا يقصد الإنسان ويغتصب الذبيحة ثم يقدمها قرباناً لله تبارك وتعالى ينبغي أن تكون مالكاً خالصاً.
2ـ وأن تكون من الجنس الذي عيّنه الشارع وهي الإبل والبقر والغنم من ضأن ومعز كما سبق بيان ذلك .
3ـ وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً بأن يكون ثنياًّ إذا كان من الإبل أو البقر أو المَعْز وأن يكون جذعا إذا كان من الضأن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاتذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"
بلوغ السن المعتبر ماهو؟ : ما تم له خمس سنين وشرع في السادسة من الإبل ، وما تم له سنتان وشرع في الثالثة من البقر ، وما تـم له سنة وشرع في الثانية من ضأن ومعز ، ولكن يجوز من بعد ستة أشهر في الضأن خاصة وهي الجذع على ما ذهب إليه الجمهور وإن منع من ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فلا بد أن تكون الأضحية قد دخلت في السن ، والثني من كل جنس : من الإبل ما استوفى خمسة أعوام ودخل في السادس وأما من البقر فما استوفى سنتين ودخل في الثالثة وأما بالنسبة للغنم فما تمت له سنة وشرع في الثانية إلا ماكان من الضأن فما تم له ستة أشهر فهو الجذَع من الضأن وقد رخص فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
4ـ الشرط الرابع : السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وقد ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية لا تجزئ ـ العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن ظلعها ، والكسيرة التي لا تُنْقي" يعني أذا ذبحتها لم تجد في عظامها مخًّا فهي حينئذ لا تنقي فهي لا تصلح أن تكون أضحية ،لا تجزئ ، فهذه شروط مانعة من الإجزاء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربع لا تجوز في الأضاحي " وفي رواية "لا تجزئ" ماهي؟ تقول : العوراء البين عورها والمريضة البيّن مرضها والعرجاء البيّن طلعها والكسيرة التي لا تنقي ، أربعٌ منصوص على منع الأضحية بعدمها وعدم إجزائها ، بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لا تجزئ : العوراء البيّن عورها يعني الظاهر عورها ؛ انخسفت عينها أو برزت عينها ، وأما إذا كانت عوراء لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بيّن أجزأت، والسليمة من العور كما هو معروف تكون أولى من ذلك كله. المريضة البيّن مرضها وظهر عليها آثار المرض هي أيضا لا تصلح ولا تجزئ ، والعرجاء البيّن ظلعها وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى يعني إذا سارت مع السليمة فإنها لا تستطيع أن تلحق بها ، لا تستطيع معانقتها يعني أن تكون بحذائها ولا تلحق بها ، الكسيرة أو العجفاء الهزيلة التي لا تنقي ليس فيها مخ هذه منصوص عليها من قول الرسول صلى الله عليه وسلم تستطيع أن تقيس على ذلك : فالعوراء ؛ العمياء من باب أولى ، وكذلك المبشومة حتى تثلط لأنها بها عارض خطير من مرض بيّن مؤثر فيها، فأما إذا ثلطت فإنه إذا لم يؤثر فيها ذلك فإنها تكون مجزئة ، وكذلك ما أخذتها الولادة حتى تنجو من خطر الولادة فهي أيضا كالمريضة البين مرضها ،وكذلك ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البيّن مرضها ،والعرجاء البين ظلعها ؛ والزًّمْنَى وهي العاجزة عن المشي لعاهة لأن هذا لأن هذا ألوى من العرجاء البين ظلعها أو عرجها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن كانت عاجزة عن المشي لسمن ؛ لسمنها واكتناز لحمها وشحمها فصرّح المالكية بأنها تجزئ لأنه لا عاهة فيها ولا نقص يشملها.
وكذلك مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين فإنها أيضا لا تجزئ قياساً .
وعليه فهذه كما ترى عشرة أشياء إذا ما لحق واحد منها بالأضحية فإنها لا تجزئ ، لا تكون أضحية ؛ عوراء بين عورها ، مريضة بين مرضها ، عرجاء بين ظلعها وعرجها ، كسيرة أو عجفاء لا تنقي ، ثم العمياء والمبشومة وما أخذتها الولادة حتى تنجو ، وما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة ، والزمنى التي لا تستطيع السير والحركة ، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين ، وأما العيوب المكروهة؛ يعني يصح أن يضحى به مع الكراهة فهذه العيوب هي :
المقابَلَة : وهي التي شقت أذنها من الأمام طولاً .
المدابَرَة : وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً .
الشرقاء: وهي التي شقت أذنها طولاً ، بطولها .
الخرقاء : التي خُرِقت أذنها .
المُصَفَّرة : التي استئصلت أذنها حتى بدا صِماخها .
وكذلك المستأصلة : وهي التي ذهب قرنها من أصله ، لا التي لا قرن لها على أصل الخلقة ، فإن كانت لا قرن لها على أصل الخلقة فيجوز بلا كراهة وأما إذا استئصل قرنها فيجوز التضحية بها مع الكراهة .
البهقاء: وهي التي بُهِقت عينها يعني أن يذهب البصر وتبقى قائمة .
والمُشَيَّعة والمُشَيِّعة: المشيِّعة : وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً ، تكون وراء الغنم كأنها تشيّع الغنم ، وكذلك المشيَّعة وهي التي لا تسير إلا أن يكون وراءها مسيّر يحرضها و يأُزّها على المسير . هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي عنها في قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، يلحق بها البتراء يعني التي قطع ذنبها ،وأما إذا كان لا ذنب لها خلقة يعني بعض الأغنام تأتي مستوردة من بعض البلاد بلا إلية لها فهذه لا شيء فيها ، ولكن إذا قاسها على مثيلها من جنسها قالوا أنها لا تجزئ وأما إذا نظروا إليها على أصل خلقتها قالوا إنها على أصل الخلقة هكذا وإذن فلا شيء فيها وهما قولان والاحتياط أولى وكذلك الهثماء التي سقط بعض أسنانها تكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن ، وكذلك ما قطع شيء من حلمات ضرعها تكون التضحية بها قياسا على العضباء ، فهذه هي الأمور التي إذا ما لحقت بالأضحية صارت التضحية بها مكروهة ، وأما التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في أنها لا تجزئ فعلينا أن نبتعد عنها أصلا لأن من ذبح ما لا تجزئ أضحية فهو كالعابث بالشرع مع العلم بذلك.
فاسألوا الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه أن يوفقنا لاتباع سنة نبينا والتزام شرع ربنا والسير على صراطه المستقيم ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا وأن يجمعنا جميعا على صعيد عرفات إنه على كل شيء قدير ، إنه على كل شيء قدير ، إنه على كل شيء قدير ، اللهم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين ويا ذا القوة المتين يسّر لنا الحج والعمرة إلى بيتك الحرام وبلدك الحرام ، اللهم يسّر لنا زيارة مسجد نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنك أنت صاحب الحول والقوة ، وأنت صاحب الحول والطول وأنت على كل شيء قدير ، يا من تقول للشيء كن فيكون ، احملنا يا أرحم الراحمين إلى بلدك الحرام ، اللهم احملنا إلى بلدك الحرام ، وإلى بيتك الحرام ، يا من تقول للشيء كن فيكون احملنا يا أرحم الراحمين إلى بلدك الحرام اللهم احملنا الى بلدك الحرام والى بيتك الحرام يا من تقول للشيئ كن فيكون ولا يعجزك شيء احملنا إلى بيتك الحرام معتمرين وحاجين لوجهك الكريم ويسّر ذلك لنا تيسيراً مطلقاً يليق بجمالك وجلالك وحولك وقوتك ومِنَّتك ومُنَّتك إنك على كل شيء قدير ، وصلى وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
*الدليل الأول: هو حديث " هنَّ عليَّ فرائضُ ولكم تطوع النحرُ والوترُ وركعتا الضحى " أخرجه الحاكم والبزار وابن عدي وروى نحوه أحمد وأبو يعلى والحاكم وذكر في التلخيص له طرقاً كلها ضعيفة ، إذن هذا حديث لا يصلح أن يكون حجة لأنه حديث ضعيف ، والضعيف لا يحتج به في إثبات الأحكام .
ما الدليل الثاني عندهم الذين يقولون بعدم الوجوب ؟
*الدليل الثاني :أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته صلى الله عليه وسلم ، فعن علي بن الحسين عن أبي رافع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين أقرنين سمينين أملحين" يعني يغلب بياضهما على سوادهما أو بياضهما بياض نقي " فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمُدْية " أي بالسكين " ثم يقول اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وآل محمد " صلى الله عليه وسلم " فيطعمهما جميعاً المساكين ويأخذ هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي ، قد كفاه الله المؤونةَ برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرمَ": كفاه الله المؤونة والغرم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخرجه أحمد والبزار . هذا دليل كما ترى ولكن قبل أن يصير الدليل دليلا لابد من ثبوته بدءاً ثم يٌنظر في الاستدلال به من بعد الثبوت ، فلابد من الثبوت أولا ، ولذلك يقولون أثبت العرش أولا ثم انقش ، فلابد من إثبات الدليل أولا ، هذا الدليل ما حاله ؟ أخرجه أحمد والبزّار وقال في مجمع الزوائد : وإسناده حسن وسكت عنه في التلخيص وله شواهد عند أحمد والطبراني وابن ماجه والبيهقي والحافظ.
وجه الدلالة في هذا الحديث ماهي ؟ وجه الدلالة في الحديث ماهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بالواجب عن الأمة فيكون الباقي تطوعاً ، يعني ضحى عنّا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فإذن فالذي يبقى بعدُ إنما هو تطوع لا وجوب فيه ولذلك مكث بنو هاشم سنين لا يضحون على مقتضى هذا الحديث .
*الدليل الثالث : قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره " وهذا رواه الجماعة إلا البخاري ، وفي رواية لمسلم " فلا يمس من شعره وبشره شيئاً" وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوّض الأضحية إلى الإرادة " وأراد أحدكم أن يضحي" ففوض الأمر إلى الإرادة والوجوب لا يكون كذلك في ظاهر الأمر ، فاستدلوا بتفويض الأمر إلى الإرادة عند إرادة الأضحية على أنها ليست بواجبة فهل ذلك كذلك ؟ الحق أن التفويض إلى الإرادة لا ينافي الوجوب إذا قام عليه الدليل ، إذ في التعليق على الإرادة من أن الإنسان لا يكون مع التعليق على الإرادة مخيّرا في المراد على الإطلاق ، أنت مثلا تقول لمن يريد أن يصلي : إذا أردتَ الصلاة فتوضأ ، فهل الوضوء غير واجب؟! أنت تقول : إذا أردت الصلاة فتوضأ؛ والوضوء واجب بإجماع الأمة من فرائض الله تبارك وتعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا صلاة بلا وضوء عند القدرة. فإذن التعليق على الإرادة كما ترى ليس دائماً صارفاً عن الوجوب ، والأضحية لا تجب على المعسر فهو غير مريد ، فصحَّ تقسيم الناس إلى مريد وغير مريد باعتبار اليسار و الإعسار فمن كان قادرا فقد توجه له الخطاب بالإرادة ؛ توجه له الخطاب بالإرادة حينئذ.
*الدليل الرابع: عند الذين يقولون بعدم الوجوب" أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن أن الأضحية واجبة "
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " إني لأدع ـ أي أترك ـ الأضحية وأنا من أيسركم ـ أي من أكثركم يساراً ومالاً ـ كراهةَ أن يعتقد الناس أنها حتْم واجب" وهذا أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح .
ولكن إذا صح الوجوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه صلى الله عليه وسلم ، وكل من دون الرسول صلى الله عليه وسلم يحتج له ولا يحتج به ، كل من دون الرسول صلى الله عليه وسلم يحتج له ولا يحتج به فماكان من فعل أبي بكر وعمر كذلك ماكان من فعل عبد الله من مسعود ؛ إذا صح الوجوب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
*الدليل الخــامس: عندهم هو التمسك بالأصل ، الأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل يدل على الوجوب سالم من المعارضة ، هذا دليل قوي جدا يعني اأصل هو براءة الذمة من الوجوب حتى يقوم الدليل السالم من المعارَض به عليه ؛ حتى يقوم الدليل السالم من المعارِض له ؛ براءة الذمة هذا دليل قوي جدا كما رأيت ولكن قد قام الدليل الواجب السالم من المعارَض كما مر ذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
*والدليل السادس : عندهم أن رجلا قال : يا رسول الله أرأيت إن لم أجد إلا مَنيـحةً أنثى ـ المنيحة هي شاة اللبن يعطيها الرجل المالك لها للفقير لكي يفيد من لبنها ولكي يفيد أيضا من صوفها وما أشبه فيفيد من ذلك بفضل الله تبارك وتعالى ثم يردها عليه بعدُ ، هل هذا واجب ، هذه سنة ، فهذا الرجل يقول:" يا رسول الله أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها ؟ قال :'' لا'' ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل " هذا حديث ضعيف فلا تقوم به حجة ، ولذلك هذه المنيـحة يأخذها الرجل يفيد من لبنها ومن صوفها ثم يردها إلى صاحبها هذه سنة يعني مواساة لفعل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقره و يحبه ، لو كانت الأضحية واجبة لم تُترك من أجل فعل سنة ، هذا مسلك في الاستدلال عند القائلين بعدم الوجوب أخذا بهذا الدليل في جملة الأدلة .
ولكن الحديث ضعيف كما مر فلا تقوم به سنة ، وفي المنتهى يقول شيخ الإسلام تلخيصاً : " الأظهر الوجوب ـ يعني وجوب الأضحية ـ فإنها من أعظم شعائر الإسلام وهي النسك العام في جميع الأمصار ، والنسُك مقرون بالصلاة (فصلِّ لربِّكَ وانحر ) وهي من ملة إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أمرنا الله تبارك وتعالى باتباع ملته ، وبين أن من لم يتبع ملة إبراهيم فهو سفيه العقل خفيفُهُ طيّاش ، وجاءت الأحاديث ـ كما يقول شيخ الإسلام ـ بالأمر بها ، ونفاة الوجوب ليس معهم نصٌ فإن عمدتهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : من أراد أن يضحي ودخل العشرُ فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ، قالوا الواجب لا يعلق بالإرادة ، وهذا كلام مجمل فإن الواجب لا يوكل إلى إرادة العبد فيقال إن شئت فافعله ، لا يكون واجباً حينئذ إذا عُلِّق على إرادة العبد فقيل إن شئت فافعله ومتى شئت فافعله ، لا يكون واجباً بتعليق الإرادة العبد ، ولكن يعلق الواجب بالشرط لبيان حكم من الأحكام ، هذه قاعدة من قواعد الشريعة ؛ أن يُعلًّق الواجب على الشرط لبيان حكم من أحكام هذه الشريعة الغرّاء المطهرة كمثل أن تقول: إذا أردت أن تصلي الظهر فتوضأ ، فصلاة الظهر واجبة ، لكن تعليقها بالإرادة لبين حكم الوضوء لها وهو أنه واجب أيضا.
قال شيخ الإسلام في بقية كلامه عن الأضحية :" فوجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضلا عن حوائجه كصدقة الفطر سواء بسواء عندما تجب"
هذه آراء العلماء وأدلتهم تبين حتى مع الاختلاف أمر من الأمور الشرعية العظيمة وهي من ملة إبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم ، ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها وتُنُوزِعَ في الوجوب كما مر ذكر ذلك في تنازع الأدلة وتكافئها بين القائلين بالوجوب وعدمه ، أمر هذا شأنه يجب على المسلم أن يلتفت إليه التفاتا عظيما وأنه متى كان قادراً عليه فعليه أن يأتي به تقربا الى الله رب العالمين .
الأدلة متكافئة فإن صرت إلى قول القائلين بعدم الوجوب ، جاءتك أدلة القائلين بالوجوب مكافئة للأدلة التي أخذت بها على عدم الوجوب ، وإذن فالاحتياط أن لا تدعها مع القدرة عليها لما في ذلك من تعظيم الله وذكره ، وبراءة الذمة بيقين.
**ويأتي أمر من الأمور التي تقع لكثير من الناس في هذا الزمان وهو: هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها عند الحاجة : حاجة المسلمين إلى التصدق بثمنها ظاهرا، كثير من الناس في هذا الزمان يذهبون إلى أنه من الأفضل أن يتصدَّق بثمنها وأن لا يضحَّى بها ، فهل هذا صحيح ؟ أو غير صحيح ؟
ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله ، قال ابن القيم عليه الرحمة: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد
حتى لو تصدقت بزائد عن ثمن الأضحية فالذبح أفضل في موضعه كالهدايا والضحايا ، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال جل ذكره: ( فصلّ لربّك وانحر) وقال تعالى: ( قل إن صلاتي ونسكي ) فصل لربك وانحر : قرن بين الذبح ـ بين النحر ـ والصلاة ، وكذلك في قوله جلت قدرته: (قل إن صلاتي ونسكي ـ يعني وذبحي ـ ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ) . في كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة ، يعني الذي يحج متمتعا عليه دم والقارن أيضا عليه دم وأما الذي يحج على الإفراد فليس عليه دم ، فهل يتصدق عن دم المتعة والقِران ؟ ولو تصدق بأضعاف أضعاف القيمة هل يجزئ؟ لا يجزئ ، ولا يقوم مقام الدم الذي وجب عليه بتمتعه وبقرانه أيضا في النسك وكذلك الأضحية هذا كلام الإمام ابن القيم رحمة الله عليه .
*والذي يدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها هو أنه عمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعمل المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لأنهم كانوا يضحون ، ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل لعدلوا إليها ، وماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعمل عملا مفضولاً ويستمر عليه منذ أن كان في المدينة إلى أن توفاه الله مع وجود الأفضل وتيسره !
ما الذي كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق ولو مرة واحدة لو كان ذلك جائزاًَ ، ولو مرة واحدة لبيان الجواز ، كما أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يشرب دائما من قعود ، وشرب مرة من قيام لبيان الجواز ، فمن شرب قائما لعذرٍ ، فذلك إن كانت نيته أن يقعد عند الشرب فله أجر، وأما إن شرب قائما بغير عذرٍ فجائز ولكن لا أجر له ، وأما إذا قعد متسننا فله أجره كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب مرة من باب الجواز ، فلَِمَ لم يتصدق بثمن الأضحية ولو مرة واحدة لبيان الجواز ، لم يفعل ذلك أبدا صلى الله عليه وسلم إلى أن توفاه الله تبارك وتعالى مع وجود الأفضل وتيسره ـ لم يفعله ولا مرة واحدة ، ولا بيّن ذلك لأمته بقوله صلى الله عليه وسلم ، بل استمرار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على الأضحية يدل على أن الصدقة بثمن الأضحية لا تساوي ذبح الأضحية فضلاً أن تكون أفضل منها إذ لو كانت تساويه لعملوا به أحيانا لأنها أيسر وأسهل ، يعني لو كانت الصدقة بثمنها تعدل في الأجر ذبحها لتصدقوا لأن التصدق أيسر ، التصدق أيسر بلا خلاف؛ ليس فيه مشقة ، التصدق بثمنها أيسر ، فلو كان مساويا في الأجر للذبح لتصدقوا وأخذوا بالأيسر ، ما كانوا يتبعون الأعنت الأعنت ولا الأشق الأشق وهكذا علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي ، ولم يدعها مرةً صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة بثمنها ، والنبي صلى الله عليه وسلم في كثير من العبادات المتساوية كان يفعل هذا مرة وهذا مرة للدلالة على التساوي بين الأمرين ، ولكن هاهنا لم يجنح ولم يعدل ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يعدل عن الذبح قربانا لله تبارك وتعالى إلى الصدقة بالثمن ولو كان أكثر
فعُلم أن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها ، ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها أن الناس مثلما (كلمة غير مفهومة) أن الناس أصابهم ذات سنةٍ مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الأضحية ، يعني في أيام عيد الأضحى ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بصرف ثمنها إلى المحتاجين بل أقرهم على ذبحها وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن اسلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ضحّى منكم فلا يصبحنَّ بعد ثالثة في بيته شيء" فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الادخار من لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فلما كان العام المقبل قالوا:" يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ " وهذا دليل على شدة اتباعهم وتحريهم لاتباع نبيهم صلى الله عليه وسلم ، عندما خرج الأمر عما كان عليه إلى الأمر بعدم الادخار والنهي عن الادخار ، وجاء عام قابل قالوا يا رسول الله نعود إلى ما كنا عليه سلفاً أم نأخذ بما جد ؟ وقالوا يارسول الله ماذا نفعل ؟ نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " كلوا وأطعموا وادّخروا فإن ذلك العام كان في الناس جَهْد " يعني العام الماضي، في عام المجاعة ، في عام قلت فيه أرزاق العباد بقدَر الكبير الرزاق فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الادخار فوق ثلاث ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كان في الناس جَهد فأردتُ أن تعينوا فيه " ، وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها سئلت :" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأضاحي أن تؤكل فوق ثلاث؟ " يعني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فقالت رضوان الله عليها: " ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير " .
*يدل أيضا على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها أن العلماء اختلفوا في الوجوب وأن القائلين بأنها سنة صرّح أكثرهم أو كثير منهم بأنه يُكره للقادر تركها ، وبعضهم صرح بأنه يُقاتَل أهل بلدٍ تركوها ، ولم نعلم أن مثل ذلك حصل في مجرد الصدقة المسنونة أبدا .
* ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها أن الناس لو عدلوا عنه ـ عن الذبح ـ إلى الصدقة لتعطلت شعيرة عظيمة نوّه الله عليها في كتابه في عدة آيات وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها المسلمون ، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم سنــة المسلمين ، فاللهم وفقنا للإتيان بها يا أرحم الراحمين .
الأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافاً لما يظنه بعض العامة أنها للأموات فقط .
الأضحية للأموات على ثلاثة أقسام . هل هناك أضحية للأموات؟ الأضحية للأموات على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن تكون تبعاً للأحياء ، يعني أن تكون الأضحية للأموات تبعاً للأضحية للأحياء كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي ويقول: " اللهم هذا عن محمد وآل محمد " وفيهم من مات سابقا رضوان الله عليهم ، إذن الأموات يدخلون مع الأحياء تبعا كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم " وآل محمد" وفيهم من مات سابقا ، هذا هو القسم الأول.
القسم الثاني:وأما القسم الثاني أن يضحي عن الأموات استقلالاً تبرعاً ، مثل أن يتبرع لشخص مسلم ميت بأضحية ، فأما فقهاء الحنابلة فقد نصوا على أن ذلك من الخير وأن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياسا على الصدقة عنه ، ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي الميت بذلك قبل موته ، ولكن من الخطأ ما يفعله كثير من الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعاً، يضحون عن الأموات تبرعا ، وأما إذا كان وصى فلا شيء في ذلك ،وأما اذا كان من آل بيت المضحي فهو داخل كما دخل الأموات من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مع الأحياء فكانوا تبعا لهم في أضحية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . لو علم الناس أن السنة هي السعة وهي البراح وهي الرحمة لأراحوا واستراحوا ، يعني الإنسان إذا ضحى عن نفسه وقال : اللهم منك وإليك باسم الله والله أكبر، اللهم منك وإليك، اللهم عن فلان وآل بيته ، لو علم الإنسان أن أمواته يدخلون مع الأحياء تبعا في آل بيته ، لو علم ذلك لعلم مقدار سعة رحمة الله رب العالمين ففضل الله واسع .
القسم الثالث: والقسم الثالث من الأضحية عن الأموات أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته فتنفذ كما أوصى بها بدون زيادة ولا نقص ، فيضحي عمن قد وصى أن يضحى عنه على النحو الذي أوصى به .
ما وقتها؟
الأضحية عبادة مؤقتة كالصلاة جعلها الله تبارك وتعالى عبادة موقوتة بوقت محدود معلوم ، فالأضحية أيضا عبادة مؤقتة لا تجزئ قبل وقتها على أي حال ولا تجزئ بعد إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .
أول وقت الأضحية بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان أو بعد قدر صلاة العيد لمن لا يصلون العيد كالمسافرين وأهل البادية ، لأن أهل البادية والبدو ليس عليهم..
لأن أهل البادية والبدو ليس عليهم جمعة ولا عيد ، فحينئذ ينتظرون بمقدار ما يصلي الإمام العيد ثم بعد ذلك يذبحون فهذا أول وقتها ، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم وليست بأضحية ، ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة كما روى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم :" من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء " وأيضا عند البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكه وأصاب سنة المسلمين " وعن جندب بن سفيان البَجَلي عند البخاري قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى "
إذن أول وقت الذبح ـ ذبح الأضحية ـ هو بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان أو بمقدار صلاة العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية .
**والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبة لأن ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جندب صلى يوم النحر ثم خطب ثم ذبح صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
الأفضل أن لا يذبح المسلم حتى يذبح الإمام إن كان الإمام يذبح في المصلى .
هل الذبح في المصلى على حسب ظاهر النص قائم ؟ يعني يأخذ الناس الأضاحي إلى المصلى فإذا ما فرغ الإمام من الخطبة ذبح هو في المصلى فلوّث المصلى وهو مكان عبادته بالدماء والفرث ، ويأتي كذلك المسلمون فيضحون ويذبحون أيضا ؟
لم يكن ذلك كذلك ، المعنى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذبح في المصلى بعد الخطبة : أنه أبرز الأضحية عند مصلى العيد فيذبحها هناك ولكن ليس في المصلى ، وإنما يبرزها عند المصلى ثم يذبحها بعيدا عن المصلى إظهارا لشعائر الله وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح الأضحية صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وكذلك ليسهل على الفقراء تناول ما يعطيهم من الصدقة منها ، وليس المعنى أنه يذبح في نفس المصلى لأنه مسجد والمسجد لا يلوّث بالدم والفرث ،
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر من نحر قبله صلى الله عليه وسلم أن يعيد مكانها أخرى .
*وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، فإذن أول وقت الأضحية عبادة مؤقتة يعني لها وقت موقتة ، لا تتقدم على أول الوقت ولا تتأخر عنه ، فأما أول الوقت لذبح الأضحية فهو بعد صلاة العيد والأفضل أن يتأخر إلى ما بعد الخطبة وإلى ما بعد فراغ الإمام من الذبح إذا كان يذبح وأما آخر وقت الأضحية فهوغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر ، واليوم الثالث عشر هو عندنا في عرفنا رابع أيام العيد ، يعني يوم العيد اليوم العاشر ثم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، بغروب الشمس من يوم الثالث عشر آخر أيام التشريق ينتهي وقت الأضحية ، فيكون الذبح في أربعة أيام : يوم العيد واليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر واليوم الثالث عشر وثلاث ليالٍ : ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر وليلة الثالث عشر ؛ أربعة أيام وثلاث ليال هذا هو القول الراجح عند أهل العلم وبه قال علي بن أبي طالب في إحدى الروايتين وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح وإمام أهل الشام الأوزاعي وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي واختاره ابن المنذر واختاره الشيخ تقي الدين شيخ الاسلام رحمة الله عليه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى : (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات هي يوم النحر وثلاثة أيام بعده .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يذبح ويبرز ذِبحه في المصلى ويذبح عند المصلى لا في المصلى ، ولكن هل الأفضل أن يذبح الإنسان بالنهار أو يذبح بالليل ؟
الذبح في النهار أفضل ويجوز الذبح في الليل لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي ، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" فإذا أُطلق اليوم دخلت فيه ليلته ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال هي أيام ذكر لله عز وجل " أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" فدخلت الليالي مع الأيام حيث كانت وقتا للذكر كما كان النهار وقتا له ، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .
هل يكره الذبح في الليل؟ لا يكره الذبح في الليل لأنه لا دليل على الكراهية ، والكراهة حكم شرعي يفتقر الى دليل ، أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " نهى عن الذبح ليلاً" فهذا في إسناده رجل متروك هو سليمان بن سلمة الخبائري فهذا رجل متروك ـ لا دليل هاهنا على كراهة الذبح بالليل ، وأما قول بعضهم يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف ، يعني إذا وقع الخلاف في أمر من الأمور تخرج من الخلاف بأن تترك ما قد اختلفوا فيه حينئذ تكون تاركا لكثير من دين الله رب العالمين كما إذا وقع الخلاف فأخذت بالأحوط دائما ، فليس الأخذ بالأحوط دائما يكون دينا وإلا أخذت بالأشقّ الأشقّ وبالأشد الأشدّ وليس هذا من دين الله تبارك وتعالى في شيء.
يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف : هذا خطأ فالتعليل ليس حجة شرعية قال شيخ الإسلام: تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام ، فإن الوصف حادث بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . كثير من المسائل الخلافية لم يراعى فيها جانب الخلاف ولم يؤثر الخلاف فيها شيئا وهاهو الخلاف هنا ثابت في امتداد وقت ذبح الأضحية إلى ما بعد يوم النحر ولم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد مع أن الخلاف واقع فهل قالوا لا نذبح إلا في يوم العيد خروجا من الخلاف ؟ ! فلماذا يؤخذ به تعليلا هنا ولا يؤخذ به تعليلا هناك؟ ؛لم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد لكن إن قوي دليل المخالف بحيث يثير شبهة كانت مراعاته من باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
جنس ما يضحى به :
بهيمة الأنعام فقط ( ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم الله من بهيمة الأنعام ) بهيمة الأنعام : الإبل ، البقر ، الغنم من ضأن ومعز ، فالغنم ضأن ومعز فهذا ما يضحى به لا غير . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" لا تذبحوا إلا مُسنّة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جَذَعة من الضأن " الجذعة : ما له ستة أشهر، والمسنة : الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم .
الأضحية عبادة كالهدي ، فلا يشرع فيها إلا ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ الأفضل الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سُبُع البعير ثم سُبُع البقرة .
الأفضل الإبل : أن يقرب بدنة رأساً من غير مشاركة ، ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع البعير ثم سبع البقرة ، والأفضل من كل جنسٍ أسمنه وأكثره لحماً ، حتى الجنس الواحد يتفاضل فأسمنه وأكثره لحما وأكمله خلقة وأحسنه منظرا ( إنما يتقبل الله من المتقين) وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين " أقرنين: فهو أتم خلقة ، أملحين: وقلنا أن الأملح ماكان سواده شيئا يسيرا في بياضه أو ما كان بيضاه بياضا نقيا ، النبي صلى الله عليه وسلم" ضحى بكبش أقرن فحيل " يعني ليس بخصي فهو تام الخلقة " يأكل في سواد" يعني حول فهمه سواد في بياضه إذ هو أملح ولكن حول فمه سواد خالص فهو يأكل في سواد "وينظر في سواد" وحول عينيه سواد أيضا " ويمشي في سواد " وكذلك حول أظلافه من أسفل وكذلك من تحت في أرجله سواد ، يمشي في سواد وينظر في سواد ويأكل في سواد وهو بعد ذلك أملح أقرن فحيل غير خصي ،ـ فيأتي به على أتم خلقة وهذا شأنه دائما صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا ضحى صلى الله عليه وسلم " اشترى كبشين سمينيْن " وفي لفظ "موجوءيْن" يعني خصيين ، رواه أحمد فهل هنا تعارض؟ هل هاهنا تعارض؟
يقول مرة : موجوءين يعني مخصييْن ، خصيّيْن ، ومرة يقول : الكبش كان كبشا فحيلاً يعني غير خصيّ ، هل هنا تعارض؟ أبداً : الأفضل قد يكون من حيث الخلقة الظاهرة بتمامها فحينئذ يكون الفحيل أفضل ، والخصي يكون أوفر لحما وأطيب لحما أيضا فهو بالنسبة إلى الفقير أفضل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بهذا مرة وبهذا مرة صلى الله عليه وسلم ، الفحل أفضل من الخصي من حيث كمالُ الخلقة لأن جميع أعضائه سالمة لم يفقد منها شيء ، والخصي أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب.
الواحدة من الغنم تجزئ عن الشخص الواحد فلا شركة في الغنم ؛ لا شركة في الضأن ولا في المعز يقول : إنه لا شركة من حيث الدفع المالي ، من حيث المال ، المشاركة المالية ، وأما المشاركة في الثواب فالواحدة تجزئ عن غير عدد ، عن عدد غير محصور كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذبح كبشا وقال : "هذا عمن لم يضحِّ من أمة محمدٍ " صلى الله عليه وسلم : مشاركة في الثواب . فالواحدة من الغنم تجزئ عن الشخص الواحد ، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عمّا تجزئ عنه الواحدة من الغنم لحديث جابر رضي الله عنه قال : "نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدَنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " رواه مسلم وفي رواية " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مُهلّين بالحج فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدَنة" فسبع البعير وسبع البقرة يقوم مقام الواحدة من الغنم ويجزئ عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم لأن الواجب في الإحصار وفي التمتع عند الهدي كذلك كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم.
اشتراك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة على وجهين :
*الاشتراك في الثواب : بأن يكون مالك الأضحية واحدا ويشرك معه غيره من المسلمين في الثواب فهذا جائز مهما كثر عدد الأشخاص ففضل الله واسع .
*وأما أن يكون مشتركا معه في الملك بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها فهذا لا يجوز ولا يصح أضحيةً إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط ؛ تجوز المشاركة بالملك ؛ بالمال إلى سبع في بقرة أو في ناقة أو في جمل ؛ في الإبل وفي البقر ، وأما في الغنم فالأضحية عبادة فلا تصح إلا كما جاء بها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي شعيرة من شعائر الله رب العالمين .
وكل عبادة وقربة من أجل أن تكون مقبولة عند الله تبارك وتعالى فينبغي أن تكون خالصة وأن تكون صوابا ، والخالصة أن تكون لله رب العالمين خاصة من غير شركة ، فلا يشارك الله تبارك وتعالى فيها أحد عند تقديمها قربانا لله رب العالمين .وكذلك أن تكون على ما جاء به النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والشروط التي ينبغي أن تتوفر في الأضحية حتى تكون مقبولة منها ما يعود للوقت وقد مرّ ، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها وقد مرّ ، ومنها ما يعود للمضحى به وهي أربعة :
1ـ أن يكون ما يضحى به ملكاً للمضحِّي وأن يكون غير متعلق به حق غيره : يعني لا يقصد الإنسان ويغتصب الذبيحة ثم يقدمها قرباناً لله تبارك وتعالى ينبغي أن تكون مالكاً خالصاً.
2ـ وأن تكون من الجنس الذي عيّنه الشارع وهي الإبل والبقر والغنم من ضأن ومعز كما سبق بيان ذلك .
3ـ وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً بأن يكون ثنياًّ إذا كان من الإبل أو البقر أو المَعْز وأن يكون جذعا إذا كان من الضأن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاتذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"
بلوغ السن المعتبر ماهو؟ : ما تم له خمس سنين وشرع في السادسة من الإبل ، وما تم له سنتان وشرع في الثالثة من البقر ، وما تـم له سنة وشرع في الثانية من ضأن ومعز ، ولكن يجوز من بعد ستة أشهر في الضأن خاصة وهي الجذع على ما ذهب إليه الجمهور وإن منع من ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فلا بد أن تكون الأضحية قد دخلت في السن ، والثني من كل جنس : من الإبل ما استوفى خمسة أعوام ودخل في السادس وأما من البقر فما استوفى سنتين ودخل في الثالثة وأما بالنسبة للغنم فما تمت له سنة وشرع في الثانية إلا ماكان من الضأن فما تم له ستة أشهر فهو الجذَع من الضأن وقد رخص فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
4ـ الشرط الرابع : السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وقد ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية لا تجزئ ـ العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن ظلعها ، والكسيرة التي لا تُنْقي" يعني أذا ذبحتها لم تجد في عظامها مخًّا فهي حينئذ لا تنقي فهي لا تصلح أن تكون أضحية ،لا تجزئ ، فهذه شروط مانعة من الإجزاء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربع لا تجوز في الأضاحي " وفي رواية "لا تجزئ" ماهي؟ تقول : العوراء البين عورها والمريضة البيّن مرضها والعرجاء البيّن طلعها والكسيرة التي لا تنقي ، أربعٌ منصوص على منع الأضحية بعدمها وعدم إجزائها ، بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لا تجزئ : العوراء البيّن عورها يعني الظاهر عورها ؛ انخسفت عينها أو برزت عينها ، وأما إذا كانت عوراء لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بيّن أجزأت، والسليمة من العور كما هو معروف تكون أولى من ذلك كله. المريضة البيّن مرضها وظهر عليها آثار المرض هي أيضا لا تصلح ولا تجزئ ، والعرجاء البيّن ظلعها وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى يعني إذا سارت مع السليمة فإنها لا تستطيع أن تلحق بها ، لا تستطيع معانقتها يعني أن تكون بحذائها ولا تلحق بها ، الكسيرة أو العجفاء الهزيلة التي لا تنقي ليس فيها مخ هذه منصوص عليها من قول الرسول صلى الله عليه وسلم تستطيع أن تقيس على ذلك : فالعوراء ؛ العمياء من باب أولى ، وكذلك المبشومة حتى تثلط لأنها بها عارض خطير من مرض بيّن مؤثر فيها، فأما إذا ثلطت فإنه إذا لم يؤثر فيها ذلك فإنها تكون مجزئة ، وكذلك ما أخذتها الولادة حتى تنجو من خطر الولادة فهي أيضا كالمريضة البين مرضها ،وكذلك ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البيّن مرضها ،والعرجاء البين ظلعها ؛ والزًّمْنَى وهي العاجزة عن المشي لعاهة لأن هذا لأن هذا ألوى من العرجاء البين ظلعها أو عرجها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن كانت عاجزة عن المشي لسمن ؛ لسمنها واكتناز لحمها وشحمها فصرّح المالكية بأنها تجزئ لأنه لا عاهة فيها ولا نقص يشملها.
وكذلك مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين فإنها أيضا لا تجزئ قياساً .
وعليه فهذه كما ترى عشرة أشياء إذا ما لحق واحد منها بالأضحية فإنها لا تجزئ ، لا تكون أضحية ؛ عوراء بين عورها ، مريضة بين مرضها ، عرجاء بين ظلعها وعرجها ، كسيرة أو عجفاء لا تنقي ، ثم العمياء والمبشومة وما أخذتها الولادة حتى تنجو ، وما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة ، والزمنى التي لا تستطيع السير والحركة ، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين ، وأما العيوب المكروهة؛ يعني يصح أن يضحى به مع الكراهة فهذه العيوب هي :
المقابَلَة : وهي التي شقت أذنها من الأمام طولاً .
المدابَرَة : وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً .
الشرقاء: وهي التي شقت أذنها طولاً ، بطولها .
الخرقاء : التي خُرِقت أذنها .
المُصَفَّرة : التي استئصلت أذنها حتى بدا صِماخها .
وكذلك المستأصلة : وهي التي ذهب قرنها من أصله ، لا التي لا قرن لها على أصل الخلقة ، فإن كانت لا قرن لها على أصل الخلقة فيجوز بلا كراهة وأما إذا استئصل قرنها فيجوز التضحية بها مع الكراهة .
البهقاء: وهي التي بُهِقت عينها يعني أن يذهب البصر وتبقى قائمة .
والمُشَيَّعة والمُشَيِّعة: المشيِّعة : وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً ، تكون وراء الغنم كأنها تشيّع الغنم ، وكذلك المشيَّعة وهي التي لا تسير إلا أن يكون وراءها مسيّر يحرضها و يأُزّها على المسير . هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي عنها في قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، يلحق بها البتراء يعني التي قطع ذنبها ،وأما إذا كان لا ذنب لها خلقة يعني بعض الأغنام تأتي مستوردة من بعض البلاد بلا إلية لها فهذه لا شيء فيها ، ولكن إذا قاسها على مثيلها من جنسها قالوا أنها لا تجزئ وأما إذا نظروا إليها على أصل خلقتها قالوا إنها على أصل الخلقة هكذا وإذن فلا شيء فيها وهما قولان والاحتياط أولى وكذلك الهثماء التي سقط بعض أسنانها تكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن ، وكذلك ما قطع شيء من حلمات ضرعها تكون التضحية بها قياسا على العضباء ، فهذه هي الأمور التي إذا ما لحقت بالأضحية صارت التضحية بها مكروهة ، وأما التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في أنها لا تجزئ فعلينا أن نبتعد عنها أصلا لأن من ذبح ما لا تجزئ أضحية فهو كالعابث بالشرع مع العلم بذلك.
فاسألوا الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه أن يوفقنا لاتباع سنة نبينا والتزام شرع ربنا والسير على صراطه المستقيم ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا وأن يجمعنا جميعا على صعيد عرفات إنه على كل شيء قدير ، إنه على كل شيء قدير ، إنه على كل شيء قدير ، اللهم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين ويا ذا القوة المتين يسّر لنا الحج والعمرة إلى بيتك الحرام وبلدك الحرام ، اللهم يسّر لنا زيارة مسجد نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنك أنت صاحب الحول والقوة ، وأنت صاحب الحول والطول وأنت على كل شيء قدير ، يا من تقول للشيء كن فيكون ، احملنا يا أرحم الراحمين إلى بلدك الحرام ، اللهم احملنا إلى بلدك الحرام ، وإلى بيتك الحرام ، يا من تقول للشيء كن فيكون احملنا يا أرحم الراحمين إلى بلدك الحرام اللهم احملنا الى بلدك الحرام والى بيتك الحرام يا من تقول للشيئ كن فيكون ولا يعجزك شيء احملنا إلى بيتك الحرام معتمرين وحاجين لوجهك الكريم ويسّر ذلك لنا تيسيراً مطلقاً يليق بجمالك وجلالك وحولك وقوتك ومِنَّتك ومُنَّتك إنك على كل شيء قدير ، وصلى وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
من هنا مفرغة بصيغة ورد
جــزى الله كل من ساهم في تفريغ هذا الشريط خيراً
منقول من منتديات البيضاء العلمية
من موضوع للأخ حسان أحمد خالد- جزاه الله خيراً -