أهلاً وسهلاً و مرحباً بزوار المدونة السلفية القحطانية :: و نسأل الله أن ينفعنا و إياكم بما يُنشر في هذه المدونة من العلم النافع المستمد من الكتاب و السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في أسفل هذه الصورة تجدون جديد المدونة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في أسفل هذه الصورة تجدون جديد المدونة
صفحة الإعلانات الدعوية : سنوافيكم بما يستجد - بإذن الله -

الجمعة، 28 أكتوبر 2011

:: أفضل أيام الدنيا :: خطبة مفرغة للشيخ الفاضل محمد سعيد رسلان - حفظه الله - ألقاها بتاريخ 30 ذي القعدة 1429 هـ



الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف المرسلين

فهذا شريط عنوانه أفضل أيام الدنيا مفرغ للشيخ محمد رسلان حفظه الله فيه أشياء تحث على العمل في هذه الأيام التي هي على الأبواب وهي العشر الأول من شهر ذي الحجة فنسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يبارك في كل من فرغها أو ساعد في تفريغها أو نشرها وكذلك لا ننسى أن ندعو لشيخنا الشيخ محمد رسلان بالتوفيق والسداد في الأقوال والأعمال وهذه الخطبة ألقاها الشيخ حفظه الله في الجمعة 30 من ذي القعدة 1429 هـ الموافق
28-11-2008 م


بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات اعمالنا
من يهده الله فلا مظل له ومن يظلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (71) سورة الأحزاب (70)
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير والهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد :
فقد أخرج البزار من رواية جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال : أفضل أيام الدنيا أيام العشر وأخرج الحديث إبن حبان وصححه الألباني وفي الحديث أن أيام العشر هي أفضل أيام الدنيا بلا استثناء وأن البخاري في صحيحه من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني : أيام العشر قيل ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله
قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيئ وفي هذا الحديث أيضا ذلك المعنى الذي هو في حديث جابر رضي الله عنه لأنه إذا كانت الأعمال في الأيام العشر أحب إلى الله تبارك وتعالى و أفضل في ميزان الشريعة من نظائرها في غير أيام العشر فلا شك أن هذا الزمان محبوب عند الله تبارك وتعالى مفضل والله جلت قدرته فاضل بين الأزمان فجعل ليلة القدر خير الليالي وجعل يوم النحر أفضل الأيام عند الله جل وعلى وقيل هو يوم عرفة لأنه مارؤيا الشيطان أذل ولا أدحر منه في ذلك اليوم وإن الله جل وعلى ليدنو عشية عرفة يباهي بأهل الموقف الملائكة يقول ما أراد هؤلاء.
ولكن الذي إليه المصير عند أهل العلم أن يوم النحر أفضل أيام العام لأن الحديث الذي ورد فيه سالم من المعارضة وفضل الله رب العاملين العشر الأول من شهر ذي الحجة على سائر أيام العام وفضل الله رب العالمين بعض الأمكنة على بعض فجعل الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة فضلا وأجرا وجعل الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف صلاة .
فاضل الله رب العالمين بين الأماكن , وفاضل الله رب العالمين بين الأزمان وفاضل الله رب العالمين بين الملائكة فجبريل فهو مقدم الملائكة وهو الأمين صاحب الوحي إلى الأنبياء والمرسلين من لدن رب العاملين وفاضل الله رب العالمين بين الأنبياء والمرسلين فجعل أشرفهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو خير الرسل وأفضلهم وهو الذي صلى بهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ليلة المعراج فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم إمامهم ومقدمهم وهو صاحب الشفاعة العظمى صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وفاضل الله رب العالمين بين الناس فجعل أكرمهم عنده اتقاهم وميزهم بالتقوى والطاعة والإنابة لوجهه الكريم بعضهم على بعض وفضل الله رب العالمين الكتب المنزلة من لدنه سبحانه بعضها على بعض فالقرآن العظيم هو أشرف ما أنزل الله رب العالمين من الكتب لأن الله رب العالمين أوحى بهذا القرآن العظيم إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لخير أمة أخرجت للناس فقد فاضل الله رب العالمين بين الأمم فجعل أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخر الأمم زمانا وأولها وأعلاها مقاما فالحمد لله الذي جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث المسند وغيره وهو ثابت صحيح قال: ( والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ) فلو كان من امة محمد صلى الله عليه وسلم زمانا ووجودا ما وسعه إلا أن يتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ففضل الله رب العالمين هذه الأيام العشر على سائر أيام العام ,النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ( أفضل أيام الدنيا أيام العشر) ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام يعني العشر الأول من شهر ذي الحجة ) فقال الصحابة رضي الله عنهم وقد استشكلوا ذلك بعض الاستشكال فأرادوا أن يعلموا مقصد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله يعني لو ان عمل دون الجهاد وقع في هذه الأيام هو خير من الجهاد في غير هذه الأيام يا رسول الله فهذا وجه عند شراح الحديث ووجه آخر وهو أن الجهاد في هذه الأيام يفوت الحج والجهاد في غيرها لا يفوته فضن الصحابة رضوان الله عليهم أن الجهاد في غير هذه الأيام يكون أفضل من الجهاد في هذه الأيام إذ يفوت الحج على المجاهد فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ولا الجهاد في سبيل الله ) ثم بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حالة هي خارج المقارنة قال : ( إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيئ ) و في رواية( إلا من عقر جواده وأهريق دمه) وهي بمعنى في الرواية الأولى( ثم لم يرجع من ذلك بشيئ ) فبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عظم العمل الصالح في الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها لا يضارعها أمثالها تقع في غيرها بحال , والعلماء قد وقعوا في مسألة المقارنة بين العشر الأول من شهر ذي الحجة والعشر الأواخر من شهر رمضان لوقوع ليلة القدر فيهن وتوسط العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فقال : إن أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من شهر رمضان وليالي العشر الأواخر من شهر رمضان خير من ليالي العشر الأول من شهر ذي الحجة والمحققون من العلماء على غير ذلك لأنهم يقولون أن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام ) فأطلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فدخلت الليالي تبعا وموطن المقارنة, أن العشر الأول من ذي الحجة فيها يوم التروية, وهو اليوم الثامن من هذا الشهر, حيث يتروى الحجيج قبل ذهابهم إلى منى أو كما قال بعض أهل العلم إنما سمي بيوم التروية لأنهم كانوا يأتون فيه بالماء على ظهور الروايا جمع راوية وهي النوق يؤتى بالماء على ظهورها محمولا في القرب من الأبار وحيث هو, فكانوا يتزودون بالماء قبل أن يذهبوا إلى منى في هذا اليوم وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة فسمي بيوم التروية ويذهب فيه الحجيج إلى منى يصلون الظهر والعصر قصرا من غير جمع ويصلون المغرب والعشاء قصرا للعشاء من غير جمع ثم يبيتون بمنى ثم إذا ما طلعت الشمس وقد صلوا الفجر توجهوا إلى عرفات في اليوم التاسع وهو يوم عظيم فضله كبير أجر من صامه لله جل وعلى حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما في حديث أبي قتادة الذي أخرجه مسلم في صحيحه و أخرجه غيره أن النبي صلى الله عليه وعلى آله مسلم أخبر (أن صيام يوم عرفة يكفر سنة ماضية وسنة باقية) و أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الأخرى( يحتسب على الله تبارك وتعالى أن من صام يوم عرفة كفر الله رب العالمين عنه ذنوب سنة مضت وذنوب سنة بقيت) وفي هذا اليوم كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وروت ذلك عنه عائشة رضي الله عنها وأخرجه مسلم في صحيحه قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( ما في يوم أكثر من أن يعتق فيه الله عبدا من النار من يوم عرفة) فهذا هو أكبر موسم يعتق الله رب العالمين فيه اهل الطاعة وهؤلاء الذين هم مذكورون في هذا الحديث من أولئك الذين تركوا ديارهم وخلفوا اهليهم و أحبابهم وراءهم وخرجوا لله رب العالمين ملبين وتجمعوا في صعيد عرفات يدعون الله تبارك وتعالى مخلصين .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإنه سبحانه ليدنو عشية عرفة يباهي بهم الملائكة يقول ما اراد هؤلاء) , وصفة الدنو حق على حقيقتها على الكيفية التي تليق بالله جل وعلى وإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا اليوم العظيم من خلقه المؤمنين الموحدين المسلمين المنيبين المخبتين ما لا يقع مثله في أيام العام كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ففي العشر الأول من شهر ذي الحجة يوم التروية وفيها يوم عرفة فهم يوم عظيم جليل القدر جدا وفيها يوم النحر وهو اليوم العاشر وفيه ينحر الحجيج بعد ان يدفعوا من المشعر الحرام إلى منى بعد أن تسفر الشمس يضلون في الدعاء لله رب العلمين حتى إذا ما دنى الإسفار جدا دفعوا إلى منى لرمي الجمرة جمرة العقبة الكبرى وعندها تنقطع التلبية, وفي هذا اليوم العظيم اعمال للحج هي معظم ما في الحج من أعمال, فالذين نظروا إلى الأيام قالوا إن ذلك إنما يقع في الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة وأما في العشر الأواخر من شهر رمضان ففيها ليلة لا تقاوم في فضلها هي خير من الف شهر لمن قامها لله رب العالمين إمانا واحتسابا متبتلا منيبا خاشعا وقد نص على فضلها القرآن العظيم ,((ليلة القدر خير من ألف شهر )), ولذلك وقع التفاضل بين العشر الأول من شهر ذي الحجة والعشر الاواخر من شهر رمضان والذي في الحديث , النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق لا تقييد فيه, فدخلت الليالي في الأيام تبعا, فهذا موسم عظيم جدا بل هو أكبر مواسم الطاعات في العام, وهو العشر الأول من شهر ذي الحجة, وسعيد بن جبير الذي روى عن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا دخل العشر, اجتهد في العبادة بما لا يستطيع أن يزيد عليه, وهذا من فقهه للحديث الذي رواه وتلقاه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعمل الصالح يدخل فيه الصلاة والصدقة والصيام والدعاء والذر وتلاوة القرآن والعطف على المساكين والايتام وصلة الأرحام ومذاكرت العلم وبثه ...إلى غير ذلك وكل ذلك يدخل في العمل الصالح فكل ما هو محبوب عند الله تبارك وتعالى مشروع إذا أتى به العبد وقد توفر فيه شرطا قبول العمل عند الله تبارك وتعالى إذا ما وقع ذلك على هذه الصفة وهو أحب العمل إلى الله تبارك وتعالى كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل لا يتقبل عند الله جل وعلى إلا إذا كان لله خالصا فلم تخالطه سمعة ولا شهوة بإراءة الناس العمل واطلاعهم عليه وهو الرياء وكذلك التسميع حيث يسمع من يسمع بما أتى من عمل صالح فالتسميع للسمع والرياء للرؤيا فإذا جاء العمل خالصا لله رب العالمين ليس لغير الله فيه شيئ وتوفر فيه الشرط الثاني وهو متابعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان مقبولا عند الله رب العالمين فهذه الفرصة اللائحة إذا مرت قد لا تعود لأن الإنسان لا يدري ما يكون في غد ولا يعلم أحد عمره الذي قدره الله رب العالمين له مضروبا عليه بالأجل الحتم اللازم الذي لا بد منه فإذا آتى الله رب العالمين مسلما هذه الفرصة فعليه أن يجتهد في اقتناصها واهتبالها وعليه أن يكون حثيث السعي لتحصيلها وعدم تفويتها فعليه أن يقبل على رب العالمين بالتوبة والإنابة وينخلع وينسلخ من المعاصي والذنوب و أن يرد المظالم إلى أربابها وأن يسترضي الخصوم وأن يجتهد في أن يكون مخلصا لله رب العالمين متبعا لنبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دلنا على أمر من الأمور التي يغفل عنها كثير من الناس من المسلمين الطيبين, فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد رغب في الأضحية وحث عليها بقوله وفعله وإقراره صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأظهر عند أهل العلم انها واجبة على القادر عليها أن الأضحية واجبة وهذا مذهب الثوري والأوزاعي وهو مذهب أبي حنيفة وإليه مال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن الأضحية و الإضحية وكذلك الضحية والأضحات ففيها أربع لغات أن الأضحية واجبة على القادر والجمهور على أنها سنة مأكدة لمن كان قادرا والصواب أنها واجبة على القادر عليها ورغب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها وأتى بها فعلا وحث عليها قولا وأقرها إقرارا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فثبتت مشروعيتها في الكتاب والسنة وثبتت مشرعيتها في بالسنة بجميع صورها قولا وفعلا وإقرارا بإجماع الأمة وحض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أمر يغفل عنه الناس يتعلق بهذه الشعيرة الظاهرة من شعائر الإسلام العظيم (( ذلك ومن يعظم شعائر الله )) ومن شعائر الله الظاهرة ومن سنن الله رب العالمين التي سنها لنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم سنة شرعية في دين الله جل وعلى تتبع وهي واجبة هذه الأضحية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر كما في حديث أم سلمة الذي أخرجه مسلم في صحيحه أنه إذا أهل هلال الحجة وكان لأحدكم ذبح فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئ حتى يضحي والأظهر أن هذا النهي للتحريم وان الإنسان إذا كان مضحيا فعليه ان يجتنب الأخذ إذا أهل هلال الحجة ودخل الشهر ان لا يأخذ من ظفره ولا من شعره شيْء ما دام مضحيا حتى يضحي فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الامر وأظهر الاقوال عند أهل العلم أن النهي للتحريم واختلفوا هل يلزم ذلك من كان مضحيا ومن كان مضحا عنه ام أن ذلك يلزم المضحية وحده قولان وعند كثير من أهل العلم أن من كان مضحيا وأن من يضحى عنه عليهم جميعا أن يمسكوا عن الاخذ من الأشعار والأبشار والأظفار حتى يضحي المضحي والأضحية إنما تبدأ من بعد صلاة العيد في الأمصار عند صلاة العيد أو بمرور زمن يوازي ذلك في الأماكن التي لا يصلى فيها العيد كأهل البوادي وغيرهم فلا بد من مراعات الوقت لأن الذي يذبح قبل الوقت إنما قدم لأهله لحما كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما انصرف أمر من كان قد ذبح قبل الصلاة أن يعيد غيرها مكانها فبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الزمن الذي تقع فيها هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الله رب العالمين وأن ذلك يبدأ بعد صلاة العيد والخطبة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا ما فرغ قدم أضحيته صلى الله عليه وسلم و كان يأتي بها مذبوحة هنالك عند المصلى ويبدأ الناس في الذبح بعد فالعلماء على أن الأفضل أن ينتظر إلى ما بعد الخطبة إلى بعد ذبح الإمام إن كان ذابحا مضحيا عند المصلى ثم يضحي الناس بعد ويمتد أوان الذبح إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع فإن اليوم الأول هو الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر وقبل ذلك اليوم العاشر وهو يوم العيد فزمان النحر أربعة أيام من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق وهو رابع أيام العيد في عرف المعاصرين وهو اليوم الثالث من أيام التشريق كانت تذبح ضحى وهذا هو الأفضل وأن يقع الذبح في يوم النحر ضحى ومنه اشتق اسمها فهي الأضحية وهي الأضحات والضحية والإضحية وكل ذلك إنما اشتق من وقت الضحى وأن الملابسات كان العرب يأخذون منها تسمية كما سمو الدفع إلى المزدلفة وما يكون هنالك من الجمع سموها جمعا لأن الحجيج عندما يفيضون من عرفات إلى المشعر الحرام يجتمعون هنالك في المزدلفة فسميت جمعا وهي المزدلفة والمشعر الحرام, فإذن هذه تذبح ضحى.
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دلنا على ان من كان مضحيا وأهل هلال الحجة ودخل الشهر أن يمسك عن أظفاره وشعره حتى يضحي فإذا وقعت أضحيته فإنه حين إذ يأخذ ما شاء من أظفاره ويأخذ ما شاء من شعره على حسب ما سنه له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, العمل الصالح في الأيام العشر الأول من ذي الحجة كثير ومتنوع وأعلى ذلك وأجلاه أن يطهر المرء اعتقاده لله من درن الشرك والكفران وأن يحصل التوحيد الحق مقبلا على الله رب العالمين بإخلاص وأن يعلم ان الله رب العالمين أسس الملة على هذا الأصل العظيم وهو توحيد رب العالمين فلا يصح عمل ولا يقبل عند الله تبارك وتعالى لم يكن مؤسسا على هذا الأصل الأصيل الذي لأجله خلق الله رب العالمين الخلق فإن الله رب العالمين خلق الخلق لتوحيده بعبادته وصرف العبادة له وحده جل وعلى, فأعظم ما يأتي به العبد في كل حين وحال ويتأكد ذلك في هذه الأيام إذ هي أفضل أيام الدنيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأفضل ذلك أن الإنسان يجتهد في تحرير إعتقاده لله رب العالمين وحده وأن يجتهد في تعلم التوحيد, يقبل عليه ويحصله وفي معرفة الشرك ليبتعد عنه وليجتنبه وليحذر وينفر منه لان الإنسان إذا أقبل على الله رب العالمين بالعمل الصالح من غير توحيد فهذا بنا على غير أساس وهذا كالذي يقيم بناءه على شفى جرف هار أو كالذي يبني لا على متحرك الرمال بل إنه يبني على الماء وهذا لايمكن أن يأتي من عمله خير لأن العمل لا يكون صالحا متقبلا عند الله رب العالمين إلا إذا توفر فيه الشرطان أن يكون خالصا مبنيا على التوحيد لله رب العالمين وحده بريئا من الشرك ومن الرياء ومن السمعة ومن ملاحظة الخلق بعين البصيرة وإنما يكون خالصا لله رب العالمين ويكون العبد فيه متبعا فيه لنبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلى الإنسان أن يحرر هذا بدأ لكي يبني على أساس متين لأنه إن بنا على غير هذا الأساس فلا قيمة لعمله بالمرة بل إنه ربما كان معاقبا عليه مؤاخذا به والله رب العاملين إنما خلقنا لتحقيق هذا الأصل الكبير وهو إفراد الله رب العالمين بالعبادة وإخلاص العبادة لله رب العالمين وحده وتوحيد الله رب العالمين فالملة مؤسسة على هذين الأصلين : ألا يعبد إلا الله وألا يعبد الله إلا بما شرع ، ألا يعبد إلا الله: أشهد أن لا إله إلا الله ـ وأن لا يعبد إلا بما شرع : أشهد أن محمداً رسول الله، فهذا هو دين الإسلام العظيم يقوم على هذين الأصلين ؛ على التوحيد و الإتباع وعلى العبد أن يجتهد في تحقيق هذا الأصل ثم فلْيبْن بعد ذلك عليه ما شاء من عملٍ صالح على قانون محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم متبعاً فيه هدي نبيه ،غير مبتدعٍ في شيء من أموره ،وإنما يسير خلف الرسول صلى الله عليه وسلم يقتفي أثره ، ولا يمكن أن يكون العمل خالصا لله رب العالمين وقد خالطه الرياء وداخلته السمعة ، ولا يمكن أن يكون العمل صالحاً وقد مازجته البدعة ، ومن أجل أن يكون العمل على قانون الاتباع ؛ ينبغي أن تتوفر فيه ستة شروط : وهي أن يكون خالصا في سببه وجنسه وزمانه ومكانه وكمه وكيفه ؛ فلا بد أن يكون في جنسه مشروعاً فلا يتعبد عبد بالرهبانية ويقول إني أتقرب بها إلى الله فجنس العمل لا بد أن يكون مشروعاً ، ولابد أن يكون مما شرعه الله رب العالمين على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لو أن إنسانا أراد أن يضحي بفرس نقول له ابتدعت وما أحسنت ولا يجزئ عنك ، والجنس الذي حدده الله رب العالمين هو بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم من المعز والضأن على حسب السن والخلوّ من العيوب التي لا تجزئ الأضحية إذا ما تلبست بها أو بأحدها فلابد أن يأتي بالجنس الذي شرعه الله رب العالمين ، فإذا تجاز ما شرعه الله رب العالمين إلى غير ما شرعه الله فقد ابتدع في دين الله رب العالمين وعمله مردود عليه لأنه لم يحقق فيه شرط الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا بد أن يكون السبب الدافع للعمل الشرعي مشروعاً في أصله ،مشروعاً في فصله ، وأن يكون مشروعا في جنسه وكمه وكيفه وزمانه ومكانه ، فإذا اختل واحد من هذه الستة لا يكون العبد الذي يأتي بالعمل متبعاً لرسول الله بل يكون متبعاً لهواه ويكن مبتدعاً في دين الله ، فلو أن إنسانا دعاه شيطانه إلى أن يتعبد لله رب العالمين في مناسبة يقول هذه مناسبة فاضلة : سأصوم يوم التحرير سأقوم ليلة عيد النصر أو يقول في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سوف أقوم وأذكر وأتلو وأركع وأسجد ؛ هذا سبب غير شرعي فلابد أن يكون السببُ مشروعاً كما الجنسُ سواءً بسواءٍ فيكون مشروعاً في جنسه مشروعاُ في سببه مشروعاُ في كمّه : فلو صلى الظهر ستَّ ركعاتٍ لم يصحّ ، ولو صلى الظهر ركعةً لم تصحّ ، وكذلك في سائر الأعمال التي نُصَّ فيها على المقدار لا يجوز أن يقع المرء دونه ولا أن يتجاوزه بحال ، وكذلك ما يتعلق بالكيف فلو قدم في الصلاة السجود على الركوع أو أتى بالتشهد قائما أو أتى بالفاتحة في موطن التشهد إذا ما أخل بأمثال هذه المسائل كمَّا وكيفاً كان مبتدعاً لا متبعاً لا متبعا ، وكذلك إذا لم يراع الزمان فذهب إلى عرفات في اليوم الثامن فوقف بعرفات قبل الزحام فهذا كما ترى قد أخل ـ وإن أخذ بشرط المكان ـ أخل بشرط الزمان وكذلك إذا ما وقف بالمزدلفة في اليوم التاسع في يوم عرفة أو وقف خارج حدود عرفات فخالف في المكان وخالف في الزمان فإنه حينئذ يكون مبتدعا لا متبعاً فمن أجل أن تكون متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي عليك حينئذ أن تراعي هذه الشروط وهي الجنس والسبب والكم والكيف والزمان والمكان وفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه .
الإنسان ينبغي عليه أن ينتهز هذه الفرصة و هي هذه الأيام التي هي أفضل أيام الدنيا كما قال رسول الله ، وهي الأيام التي لا يضارعها أيام في وقوع العمل الصالح فيها ، فالعمل الصالح فيها أحب إلى الله رب العالمين فيها من سائر أيام العام ولياليه وعلى الإنسان أن يجتهد في تحصيل هذا الأمر لأنه حياته الباقية (وإن الدار الخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) فعليه أن يقدم لنفسه وعليه أن يقبل على شأنه وعليه أن يفتش ضميره وأن يراجع قلبه وأن ينظر في أطواء فؤاده وأن يتأمل في أخلاقه وأن يفحص في حقيقة عقيدته وتوحيده وأن ينظر في أصل اتباعه وأن يتأمل في مسيرة حياته وأن يتلبث قليلاً متروياًّ من أجل أن ينظر ما فات كيف فات وهذه السنون المتطاولات لا يحصل منها المرء اليوم إلا خيالاً عابراً أو طيفاً حائلاً أو برقاً خُلًّباً فقد مضت ، فإن قست ما بقى وهو قليل بالنسبة إلى ما مضى والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أعمار أمتي بين الستين والسبعين وقليل من يجاوز " فإذا تأمل المرء ما مضى وقد مضى بما فيه من لذةٍ وعذاب ، وسرورٍ واكتئاب ، مرَّ بما فيه من معاناة وتمتع ، مرّ بما فيه مما يؤلم القلب ويضني الفؤاد ، ويلذع الكبد ويأتي بالسهاد ، مرّ هذا كله ثم صار إلى ماذا؟ إلى المساءلة والمحاسبة ، لأن الله رب العالمين أمر الحفظة بكتابة كل شيء فذلك مقيد(( أحصاه الله ونسوه)) ، فعلى المرء أن يقف وقفة متأنية وأن يتأمل في مكسبه ماهو؟ وكيف هو؟ أمن حلالٍ هو ؟يحصِّل من طريق صحيح هذا المال أم من طريق فيه شبهة؟ لا أقول من طريق حرام فهذا معلوم يتورع عنه ما كان لله رب العالمين متقيا ومن عذاب النار متقيا ومن لهيبها خائفا ، وإنما يتوقف ناظرا: هذا الذي أحصله من كسب هذه الحياة ما فيه؟ أفيه شبهة؟ فضلا عن أن يكون من حرام ، فعليه أن يتحرى مطعمه وعليه أن يتحرى إنفاق لحظات حياته وثوانيها وأن يتأمل في أطوائها وخفاياها وأن ينظر في دوافعه وبواعثه وعليه أن يجتهد في أن يركز في قلبه وضميره وخاطره ونفسه حقيقة اللائحة لا يعشُ عن سناها إلا من طمس الله على بصيرته ولا يعمى عن حقيقتها إلا من كان خائباً خاسرًا فاشلا ًهذه الحقيقة هي أن أغمض ما تعالجه وأصعب ما تزاوله وأعتى وأعنف وأقسى ما تعالجه في الحياة نيّتُك كما قال الصالحون : ما عالجت شيئا هو أشق عليّ من نيتي ، وكان الواحد منهم إذا ما أراد أن يخرج إلى عمل من الأعمال الصالحة يتلبث حتى يحرر النية يسأل نفسه لم تذهب؟ كما يسأل نفسه لم لا تذهب؟ ويسأل نفسه لم تتكلم؟ كما يسأل نفسه لم لا تتكلم؟ وفتش في ضميره وينقب عن حقيقة دوافعه فإن الدوافع معقدة ولأن الأحداث متراكبة ولأن خطى الحياة متسارعة ولأن الوقائع في الحياة متداخلة متشابكة ولأن الناس في أمر مريج والله رب العالمين بعد محاسب كل أحد على ما قدم وأخر ؛ على ما قدمه أمامه من عمل وما أخره وراءه مما يتبعه الناس فيه من بدعة ابتدعها أو أصل منحرف أصّله فما تزال أوزار القوم وآثامهم منصبة عليه حتى ينقطع ذلك لا ينقص ذلك من أوزارهم شيء كما قال رسول الله ، ما قدم وما أخر ، فهذه فرصة قد لا تعود إن مضت قد لا تعود والعبد دائما على وجلٍ من غده لا يدري أتشرق عليه شمسه أو تأتي وهو في ظلام رمسه ، والله عز وجل أسأل أن يرحمنا برحمته وأن يتغمدنا برحمته التي وسعت كل شيء وهو على شيء قدير وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

الخطبة الثانية :

 
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين أما بعد: فلا شك أن الصيام من العمل الصالح والرسول صلى الله عليه وسلم رغّب في العمل الصالح في العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة والصيام من أعلى العبادات ومن أجلها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" عليك بالصوم فإنه لا عِدْل له " وبمعنى ذلك في الحديث الآخر "عليك بالصوم فإنه لا مِثل له " لا مِثل له : لا عِدل له ، فالصيام لله تبارك وتعالى وحده يجزي عليه بلا حساب ويؤتي ربنا تبارك وتعالى الصائمين أجورهم موفورة لا يُقادَر قدرها ولا تحصى عدتها وهو ذو الفضل والمنة وهو على كل شيء قدير ، فالصيام في العشر الأول تغليباً إذا ورد لأن اليوم العاشر يحرم صيامه بإجماع فإنه يحرم صوم يوم العيد أضحى وفِطراً فهذا لا خلاف عليه والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دل على فضيلة العمل الصالح في العشر الأُول يدخل فيه الصلاة والذكر تهليلاً وتحميداً وتسبيحاً وتكبيراً ويدخل فيه تلاوة القرآن ويدخل فيه طلب العلم وبثه وإذاعته بين الناس ، ويدخل فيه الصيام والزكاة والصدقة وبر الوالدين والعطف على الأيتام والمساكين وصلة الرحم وحسن الجوار وما أشبه من الأعمال الصالحات فيدخل الصيام ، غير أن مسلماً رحمه الله تعالى أخرج في صحيحه من رواية عائشة رضي الله عنها قالت " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط" وفي رواية " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط" فأخبرت رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأته هي " ما رأيت النبي" فالمنفيُّ رؤيتُها " ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط " أو " العشرَ قط" ، تمسك بعض الناس بهذا الحديث وقالوا : صيام العشر وهو تغليب كما هو في اللغة الشريفة التي أنزل الله بها كتابه ونطق بها النبي صلى الله عليه وسلم بيانه وهو تغليب للتِّسع منحّاةً مع إظهار العشر وإنما ينصب ذلك على التسع لأن العاشر لا يصام بيقين فمحرمٌ صيامه إجماعاً ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرت عائشة عن عدم رؤيتها له صائما في هذه الأيام التسع الأول من شهر ذي الحجة فتمسك بعض الناس بذلك وقالوا صيام هذه الأيام مكروه ، وكثير من الناس عندما ينظرون إلى الحقيقة ينظرون إليها من قفاها فلا يبصرون منها شيئا ذا طائل وإنما ما هنالك من قفا الحقيقة وأما وجهُها فبمَبعَدة وكثير ممن تطفل على هذا العلم الشريف الذي خط لنا ربنا تبارك وتعالى سبيله ووضّح لنا منهاجه كثيرٌ ممن تطفل على هذا العلم لم يدخله من بابه ولم يتسور عليه محرابه وإنما بعضهم يتلصص مسترقاً للسمع يوشك أن يلحقه شهاب راسد ، وبعضهم يحفر تحت الأرض خندقاً ليفاجئ أهل البيت إلى غير ذلك من وسائل لا تُرضي ولاتُرضَى , وأما أهل العلم الذين ينظرون في حقائق الشرع فإنهم يجمعون الأدلة في المسألة الواحدة وينظرون فيها نظر المحققين إن كانوا بتلك المثابة وإلا فيكل المرء الأمرَ إلى أهله ويسأل عنه عالماً لكي يخرج من التَّبِعة ،أما أن يتهجم على ما لا يحسنه ! والعلم يا صاحبي في هذا العصر يتيم يلطمه كل من آتاه الله قدرة على تحريك كفه ، صار لطيمة في هذا العصر يتكلم فيه كل من ملك لساناً فصار كلأً مستباحاً ، ولم يفرق المسلمون بين الثقافة الدينية يحصّلها الرجل والعلم على أسسه وأصوله وقواعده ، فظل كل من عرف شيئا في دين الله عالماً ومفتياً فوقع الناس في أمر عظيم ، إلى الله المشتكى ، ناسُ يوعظون فيظنون الوعظَ العلمَ ! هذا خطأ مبين ، والوعاظ طائفة معروفة يرققون القلوب ويسيلون المدامع ويقربون الناس إلى الجادة وللعلماء عملهم ، أما أن يصير الواعظ عالما يؤخذ منه ويحصل ما عنده ويُستفتى فهذا فتق في ثوب الشرع لا يُرتق ،هذه عظيمة من العظائم التي فُتقت في الديانة ، كما جلس بعض سلفنا الصالحين من الأئمة الكبار ناحيةً يبكي فقيل ما يبكيك ، قال : استُفتي اليوم من لا علم عنده ووقع في دين الله أمر عظيم . الذين يجمعون الأدلة ويحصّلون أقول أهل العلم وينظرون نظر المحققين والرجل قد يكون ناطقا بالعربية وهو أعجمي القلب والفهم ولا يدري سر العربية ولا ينفذ إلى حقيقة ألفاظها وعباراتها وتراكيبها فتجد الواحد منهم أضل من حمار أهله عندما يتكلم في مسائل الشرع يخبِط ههنا وهناك لا يدري من أمر نفسه شيئا وكأنما مسّته من الجِنة ما يجعله متلذذا على أحر من الجمر والعاطفة الدينية بالحماسة الشرعية وحدها لا تكفي بل هي تكون أحيانا أضرّ على دين الله وأضلّ لأهلها من غيرها ,,لو وقعت منضبطة بقواعد الشريعة المكينة المتينة . على كل حال تمسك من تمسك بحديث مسلم من رواية عائشة ، عند أحمد وأصحاب السنن بلفظ وقع فيه اختلاف: عن حفصة رضي الله عنها" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم العشر" ووقع التعارض ظاهراً ، وعند النسائي عن أم سلمة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم العشر الأُوَل " تعني من شهر ذي الحجة ، وفي رواية لها في ذات الموضع "أنه كان يصوم التسع" وقد صحح الروايتين الشيخ ناصر رحمه الله تعالى وغيره ، فلما نظر الأئمة لهذا التعارض كانت لهم مسالك : منها أن الإمام أحمد قال: إن حديث عائشة قد ورد متصلاً ومرسلاً فكأنما طعن فيه ،قد يقول قائل من الظرفاء : الإمام أحمد ضعف حديثا رواه مسلم يعني أن الإمام أحمد رحمه الله أخذ صحيح مسلم فنظر فيه فضعّف الحديث ! هل كان هنالك مسلم بصحيحه عند أحمد ؟! لا بأس هذا يقع ، هذا يقع بلا خلاف ومنه كثير ، على كل حال الإمام أحمد لما نظر في هذا الحديث قال إن هذا الحديث فيه شيء وقد ورد موصولا مرفوعا وورد مرسلا ولكنّه ثابت صحيح ، هو ثابتُ صحيح .
هنالك مسلك آخر قالوا: إن المثبِت مقدم على النافي ، ومن عنده مزيد علم مقدم على من لا علم عنده ، وحديث حفصة وحديثا أم سلمة فيهما مزيد علم على ما ذكرته عائشة رضي الله عنها من نفي علمها ورؤيتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر ، فلعلها لم تر ذلك منه صلى الله عليه وسلم لعارض عرض له فأفطر أو لسفر كان فيه أو لأنها لم تعلم ذلك ، وعلى كل حال فالمثبت مقدم على النافي ولذلك لما بوّب بعض أهل العلم لهذا الحديث جعلوه تحت فضل صيام العشر الأول من شهر ذي الحجة وقالوا تحت هذا العنوان فيما بوّبوه" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام فجعلوا فجعلوا هذا الحديث كما صنع النووي رحمه الله وقال :هي مستحبة استحباباً شديداً وكان لاحظاً ملاحظاً للخلاف فقال : ولا كراهة فيها فهو يعلم أن هناك من يقول بالكراهة وهو شارح لصحيح مسلم وحديث عائشة فيه وفي الموضع نفسه عند شرحه ينص على أنه لا كراهة فيها وغيره من أهل العلم الكبار الأفذاذ .
إذا توقفت عند حديث عائشة رضي الله عنها فما تعديت ولكن لا تجبر الناس على ما اخترت وما وقف عنده علمك ، تماما كما ستسمع أن صوم يوم السبت في غير الفرض حرام حرام حرام! وحديث عبد الله بن بُسر عن أخته الصماء وقع فيه اضطراب كما هو معلوم بل إن المتن نفسه مراجع فيه لان فيه : لو لم يجد أحدكم إلا لحاء كرمة ـ أي عنبة ـ في معنى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فليفطر عليه : فليمضغه ، والصائم إذا أراد الإفطار لا يحتاج إلى هذا ، فنظروا في المتن فتكلموا فيه ، قالوا يكفي أن يفسخ ذلك عقداً ونيةً ليصير مفطراً وهذا معلوم لا ينازع فيه أحد من أهل العلم يكفي لفسخ الصوم أن تذهب نيتك بالصوم فإذا أنت مفطر وإن لم تأكل ولم تشرب ، فنظروا في المتن فلحظوا هذا وأما الإسناد فوقع فيه الاضطراب فمرةً يروي عبد الله بن بسر عن أخته الصماء ومرة عن أبيه أوعن عمه ، وقع اضطراب في الرواية ، في هذه الرواية اضطراب كبير حتى أن أبا داوود قال: هذا منسوخ وقال مالك : هذا كذب، وليس كذلك في الحقيقة بل الحديث ثابت ولكن أهل العلم يجمعون الأدلة ، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما مر على إحدى أمهات المؤمنين وجدها صائمة في يوم الجمعة فقال لها " أصمتِ الأمس ؟" قالت : لا ، قال :"تصومين غدا ؟" قالت: لا ، قال :"إذن فأفطري" . والغد هو السبت أم تراه غيره ، لا شك أنه السبت قال " أتصومين غدا" قالت:لا ، قال: "فأفطري" . قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أحب الصيام إلى الله صيام داوود يصوم يوما ويفطر يوما" ولم يرد مطلقا أنه : إلا في يوم السبت ، فإذا جاء، فأنت تصوم يوما وتفطر يوم فإذا جاء يوم سبت إياك أن تفطر لم يرد هذا قط . فجمع الأئمة رحمة الله عليهم الأحاديث ونظروا وقالوا إنما الكراهة منصبة على من أفرد السبت بالصيام من غير أن يصوم يوماَ قبله ولا يوماً بعده ؛ أن يفرده وحده ثم قالوا إن المرء إذا فعل ذلك فقد كان هذا الفعل تعظيما لهذا اليوم وهو يوم تعظّمه اليهود ولا بد من مخالفتهم فيه فلا يجوز أن يصوم أحد السبت في غير فرض كما قالوا، وأما أهل العلم لما جمعوا قالوا : إنما المكروه هو التخصيص والإفراد فإذا وقع في صيام أحدكم كأن يصوم يوماً ويفطر يوماً فلا حرج عليه ، وكذلك لو أنه صام قبله يوما كما قال رسول الله لأم المؤمنين " أتصومين غدا " وكانت قد أنشأت الصوم في يوم الجمعة فلما قالت لا قال :" إذن أفطري " ولا تفردي الجمعة بصيام كما النهي عن إفراد ليلها بقيام ، العلماء لما نظروا والحديث لم نجده نحن ولم يقع في أيدي أسلافنا من المحدثين وإلا فكيف جاء لقد مر على قوافل المحدثين منذ الصحابة إلى يوم الناس هذا وتكلموا في الحديث بما تكلموا فيه وأعلم أن الحبر الكبير والعلامة الخطير الشيخ الألباني رحمة الله عليه صححه كما في الإرواء وجمع طرقه وقال بحرمة صيامه في غير الفرض أعلم ، ولكن ما الحرج من أن يصير المرء إلى الصواب لا شيء، أعلم أنه فعل ذلك وهو من هو رحمة الله عليه وتابعه بعض إخواننا من تلامذته وصنف في ذلك مصنفاً وهو محسن في ما جمع غير مسيء فقد أحسن من توقف عند حدود ما علم ، وعليه فإذا ترجح عندك ما قاله العلامة الشيخ ناصر فلا حرج عليك أن تتبعه فقد قال يحرم صومه في غير الفرض ولو وافق بقدر الله يوم عرفة فعليك أن تفطر في يوم عرفة إذا كان موافقا ليوم السبت وأجرك محفوظ لاتباعك لرسول الله ؛ كلامه رحمه الله تعالى . فمن صح عنده الحديث فلا حرج ، أما تُحمل الأمة في غير ما فرض الله عليها على قول واحد فلم يكن ولن يكون ، إنما أدى إلى الاختلاف بين الشبيبة المسلمة وطلاب العلم التحجر على بعض الأمور من غير نظر ومعلوم أن من تتبع رخص أهل العلم احتمع فيه الشر كله ، ولكن لا بد من النظر في كلام أهل العلم سلفاً وخلفاً ، هذا مالك يقول : حديث كذب ، وليس كذلك رحمه الله تعالى ، أفيسعنا أن نخالف مالكاً في رميه للحديث بالتكذيب ولا يسعنا أن نخالف الشيخ الألباني رحمه الله في قوله بحرمة صيامه في غير الفرض ! هذا أمر كبير ، ومقامه رحمة الله عليه محفظ فهو المحدث الجليل والعلامة الخطير ، ومن بعث الله على يديه السنة في هذا العصر أسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة . ولكن اخرجوا من المضائق رحمكم الله وكفوا عن التهريج والتهويش وأقبلوا على العلم الصحيح ولا يتحجرن أحد على شيء فقد خالف ما ذهب إليه الشيخ عبد العزيز من القبض على الصدر بعد الرفع من الركوع وقال بدعةٌ ضلالةٌ أو بدعةُ ضلالةٍ على الإضافة ، لا حرج وأما الشيخ عبد العزيز فيقول : وأخونا الشيخ ناصر رحمه الله لا نعلم تحت أديم السماء أحدا هو أعلم بحديث رسول الله منه ولكنه أخطأ في هذا القول ، فكان ماذا؟ لا شيء ، ثم قال: لا ينبغي أن يقع عقد الولاء والبراء على أمثال هذه الأمور فمن ترجح عنده القبض فليقبض ، ومن ترجح عنده الإرسال بعد الرفع من الركوع فليرسل وأما التثريب والتبديع في مثل هذه الأمور فشيء كبير إدٌّ لا يقع فيه إلا المغفلون الذين يحاربون الدين ويعاندون مسيرة المسلمين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، والشافعي رحمه الله أخبر أن الأمة لن تجتمع في الفروع على قول واحد أبداً ، ومالكٌ قال لمن أراد أن يحمل الناس على الموطأ حملاً : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا في الأمصار وعند كلٍٍّ علم ،فنحّى حب النفس جانبا ولم يقبل حمل الناس بحدّ السيف ووقع السوط على الموطأ الذي قال فيه الشافعي قبل البخاري ومسلم: ما تحت أديم السماء كتاب هو أصح بعد كتاب الله من موطأ مالك ، فالأمر يسير ما دمت لا تتبع الهوى وإنما على قواعد العلم الصحيح تسير والله المستعان وعليه التكلان وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

رابط المادة :
 
http://www.rslan.com/vad/items_details.php?id=1960


منقول من منتديات البيضاء العلمية


جميع الحقوق محفوظة لـ © المدونة السلفية القحطانية