نصائح لحجاج بيت الله الحرام
للشيخ عمر الحاج مسعود
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
فهذه وصايا نقدِّمها لحجَّاج بيت الله الحرام، وهي في الحقيقة يحتاجُ إليها كلُّ مسلمٍ في عبادته وسفَره إلى الدَّار الآخرة.
أوَّلاً: التَّزوُّد بالعلم النَّافع؛ لأنَّه الهُدى والنُّور الذي ينير الطَّريق، فيجب على المسلم أن يعبُد ربَّه بعلمٍ وبصيرةٍ، وهذا يحتاج إليه الحاجُّ لمعرِفة مناسك الحجِّ، ويحتاج إليه المصلِّي والمزكِّي والمتزوِّج، قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ﴾، فبدأ بالعلم قبل القَول والعمل، كما قال الإمامُ البخاري - رحمه الله -، فينبَغي لك أخي الحاج أن تتعلَّم مناسك الحجِّ لتؤدِّي حجَّك كما أمرَك ربُّك - عزَّ وجلَّ -، ولهذا كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول لأصحابِه في حجَّته: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» (رواه أحمد ومسلم)، فكان يعلِّمهم مناسكَ الحجِّ كما يعلِّمهم الصَّلاة: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، أمَّا إذا كان الإنسان يحجُّ ويصلِّي ويزكِّي دون علمٍ فيُمكن أن يفسِد أكثرَ ممَّا يصلِح، فبعض الحجَّاج يقَعون في مخالفاتٍ وبدعٍ، وربَّما يترُكون بعض الأركان بسبَب الجهل وعدَم سؤال أهلِ العلم، واللهُ - عزَّ وجلَّ - أمرَنا أن نسألَ فقال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
ثانيًا: توحيدُ الله - عزَّ وجلَّ -، فكلُّ العِبادات تنبَني على هذا الأساس العظيم، بل إنَّها لم تُشرَع إلاَّ لإقامَة ذِكر الله وتوحيدِه - تبارك وتعالى -، والحج مبنيٌّ على توحيدِ الله، كما قال الله - عزَّ وجلَّ - لخليله إبراهيم - عليه السَّلام -: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾، وثبتَ عن النبيِّ - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنَّه قال: «أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (رواه الطبراني في كتابه الدعاء)، وهي كلمة التوحيد.
والتَّلبِية هي شِعار الحجِّ ومفتاح المناسك، قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - في وَصف حجَّة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ؛ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ» (رواه مسلم).
فلهذا ينبَغي للحاجِّ أن يجتنِب الشِّرك؛ كبيرَه وصغيرَه، علانِيتَه وسرَّه، ظاهرَه وباطنَه، مثل دعاءِ غير الله، والذَّبح والنَّذر لغير الله، والطَّواف بغَير الكَعبة؛ كمَن يطُوف بالقُبور، والكِهانة والسِّحر والشَّعوذة، فالشِّرك مُحبطٌ للأعمال، كما قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فلا يلِيقُ بمَن يقول: (لَبَّيكَ اللَّهم لبَّيكَ، لبَّيكَ لا شَريكَ لكَ لبَّيك، إِنَّ الحَمد والنِّعمة لكَ والمُلكَ، لا شَريك لكَ) وهو يدعُو غير الله، أو يحلِف بغير الله، أو يذبَح لغير الله، فهذا يُنافِي تلك الكلِمة العظيمَة.
ثالثًا: أن يخلِص في حجِّه وسائِر عملِه لله - عزَّ وجلَّ - بأن يكونَ مقصودُه بيتَ الله الحرام، وإِرضاءَ الله ونيلَ مغفِرته ورحمتِه، والدُّخولَ إلى الجنَّة والنَّجاة من النَّار، ولا يُرِيد بذلك سمعةً، ولا رِياءً، ولا مدحًا، ولا ثناءً، ولا أن يحصُل على اسم (الحاج) أو (سيدي الحاج)، وإنما يريد وجه الله - عزَّ وجلَّ -، ويؤدِّي الرُّكن الخامس من أركان الإسلام، قال الله - عزَّ وجلَّ -: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ، وقال: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، وقال: أَلاَ لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ، قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله - في تفسيره: «أي: ما يقبل من العمل إلاَّ ما أخلَص فيه العاملُ لله وحدَه لا شريك له»، أمَّا إذا أراد بحجِّه غرضًا من أغراض الدُّنيا الفانِية فلا حجَّ له؛ لأنَّه يكون قد أشرَك بالله - تبارك وتعالى -، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «قَالَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» (رواه مسلم)، قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ أي: يراؤون النَّاس بصلاتِهم وبأعمالِهم، ولهذا يُشرع أن يقول في التَّلبية: (اللَّهم هذِه حجَّة لا رياءَ فيها ولا سُمعة)، ويدلُّ على هذا التَّلبِيةُ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»، فـ(لبَّيكَ) من اللُّبِّ، ولبُّ الشَّيء خالِصُه وخِيارُه، وهو الإخلاص لله - تبارك وتعالى -.
رابعًا: التَّوبة النَّصوح؛ بأن يجتهِد الحاجُّ في أن يتُوب من ذنوبِه، ومِن ذلك أن يتحلَّل من المظالِم، وأن يؤدِّي المظالِم إلى أصحابها، وأن يؤدِّي الدُّيون، ويُخرِج الزَّكاة إلى مستحقِّيها، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٌ؛ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ» (رواه البخاري)، (مَظلَمة) أو (مَظلِمة) بكسر اللاَّم أو فتحِها والكسرُ أشهَر، من كانت له مظلِمة من أحدٍ؛ من عِرضه أو من مالٍ، ونحو ذلك، قال: «فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ»، والحجُّ مظِنَّة الموت والهَلاك؛ لأنَّه جهادٌ وسَفرٌ، ممكِن أن لا تعُود إلى هذه الدُّنيا وإلى وطَنِك، فعَليك بقضاء الدُّيون، وبعضُ النَّاس يحجُّون وعليهم دُيون، ويكثِرون من الحجِّ والعُمرة وعليهم دُيونٌ! والواجِب قضاءُ الدُّيون أوَّلاً، والتَّحلُّل من المظالِم.
خامسًا: الخُلق الحسَن؛ فعَليك أيُّها الحاجُّ! - وأيُّها المسلِم عمومًا - بحُسن الخلق، فالحجُّ مكانُ الاِزدحام ومخالَطة النَّاس، وطِّن نفسَك على الخُلق الحسن والصَّبر والحِلم وكفِّ الأذى وتحمُّلِه، وعلى إِعانة حجَّاج بيتِ الله الحرام في أداء مناسِكهم، عامِلْهم بالبِرِّ والتَّقوى، إيَّاك أن تُؤذِي أحدًا من المسلِمين، وبخاصَّة في البلدِ الحرام، وفي بلدِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وهذا هو الحجُّ المبرُور؛ أن يكُون خالِصًا لوجه الله، موافِقًا لسنَّة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وأن يكُون فيه الأَخلاقُ الحسَنة والمعامَلة الطيِّبة، قال اللهُ - تبارك وتعالى -: ﴿اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، أي: فليَجتنِب الرَّفث والفُسوق والجِدال، والرَّفث هو الجِماع ومقدِّماته، وربَّما يطلَق على الفُحش، والفسوقُ هي المعاصي والخُروج عن طاعة الله - تبارك وتعالى -، يدخُل في ذلك السبُّ والشَّتم، والضَّرب، والسَّرِقة، والاعتِداء على حُقوق الحجَّاج؛ على أموالهم وأعراضِهم، وعلى أماكِنهم، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (رواه البخاري ومسلم)، (مَنْ حَجَّ للهِ) هذا هو الإخلاص، (فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) أي: مِن ذُنوبه، هذا هو الحجُّ المبرُور.
وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «اَلْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ» (رواه مسلم)، وسُئل: ما بِرُّ الحجِّ؟ فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلاَمِ» (رواه الحاكم)، فالإنسان لا يكونُ بخيلاً، وإنَّما يُنفِق في سبيل الله، يُنفِق على إخوانِه، ينفِق على حجَّاج بيت الله الحرام، ولا يكونُ همُّه أن يأتي بالمَتاع واللِّباس، ونحوِ ذلك من الأُمور التَّافِهة، ويمُدُّ يدَه لإخوانِه.
ويدخُل في حُسن الخلُق الالتِزام بالتَّنظيمات الَّتي تضعُها الجِهات المسؤولة لتنظِيم الحجِّ في مسأَلة الرُّكوب والسَّفر والتنقُّلات، فينبَغي أن يلتَزم بها الحاجُّ، وإيَّاك والفَوضى، وكُن متخَلِّقًا، وسفِيرًا صالحًا لبَلدِك.
سادسًا: ليكُن ما تحجُّ به مالاً حلالاً طيِّبًا، وإيَّاك والسُّحتَ، فلا يلِيق بكَ أن تحج بمال سُحتٍ، أو ربًا، أو رِشوةٍ، أو سرِقةٍ، أو خمرٍ، أو مخدِّراتٍ، أو دُخانٍ، ونحو ذلك من المحرَّمات، وليَكُن مالُك طيِّبًا؛ فقَد قال - عليه الصَّلاة والسَّلام : «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا» (رواه مسلم)، وهذا حتَّى تُستَجاب دعوتُك، ويُقبل عملُك، ولا تردَّ تلبِيتُك، والحجُّ كلُّه عبادةٌ وذِكرٌ ودُعاءٌ، فإذا أردتَ أن يتقبَّل اللهُ منكَ، وأن لا يردُّ دعاءَك فعليكَ بالمال الحلال الطيِّب، وفي آخرِ هذا الحَديث: «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَقَدْ غُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»، و(كَيْفَ) فيها استِبعاد، وهذا توسَّع في الحَرام أكلاً وشربًا وتغذِيةً ولبسًا، فهُو مِن موانِع إجابة الدُّعاء، وقد قِيل:
إذا حجَجتَ بمالٍ أصلُه دنَسٌ *** فمَا حجَجتَ ولكِن حجَّت العِيرُ
سابعًا: أن تأخذَ ما يكفِيك من المال؛ فلا يجُوز لكَ أن تمُدَّ يدَك إلى النَّاس، قال اللهُ - عزَّ وجلَّ -: ﴿وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، ومِن ذلك الاستطاعة المادِّية، وقال اللهُ - عزَّ وجلَّ -: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، أمرَ الحجَّاجَ أن يتزوَّدوا بالمال والمتَاع.
ثامنًا: الصُّحبة الطيِّبة؛ فعَليك بمُصاحَبة أهلِ العلم والصَّلاح، والسُّنة والعِبادة، الَّذين يُرشِدونك، ويعلِّمونك، ويذكِّرونك، وبخاصَّة في سفَر الحجِّ، إيَّاك وأهلَ البِطالة والنَّوم والتَّجوال في الأسواق، وعليكَ بأهل العِلم والذِّكر، صاحِبهم واجتَهد في الحُصول عليهم، قال اللهُ - تبارك وتعالى -: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، هذا في جمِيع الأوقاتِ، فأهلُ العلم والصَّلاح والسُّنة والعِبادة يذكِّرونك ويعلِّمونك، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «اَلْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» (رواه الترمذي وغيره)، أي مَن يُصاحِب ويخالِط ويعاشِر فلينظُر إلى مَن يصاحِب ويخالِط؛ فإنَّ الطِّباع سرَّاقَة، والصُّحبة مؤثِّرة.
ثمَّ أيُّها المسلِم! وأيُّها الحاجُّ! اعلَم بأنَّك في هذه الدُّنيا في سفَرٍ إلى الآخرة؛ فأفضَل زادِك تقوى الله - تبارك وتعالى -، قال اللهُ - تبارك وتعالى : ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، لمَّا ذكَر الزَّاد المادِّي نبَّهَ على ما هو أفضَل وأولى وأبقَى، وهو الزَّاد المعنَوي؛ فإنَّ خير الزَّاد التَّقوى، أفضَل ما يأخُذه المسافِر إلى بيت الله الحرام، ولهذا كانَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقُول في سفَرِه: «اَللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى» (رواه مسلم)، وثبت أنَّ رجلاً جاء إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال له: يا رَسُولَ اللهِ! إنِّي أرِيدُ سفَرًا؛ فزَوِّدني. فقال لهُ رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى»، فقالَ: زِدْني، قال: «وَغَفَرَ ذَنْبَكَ»، فقال: بأَبِي أنتَ وأمِّي؛ زِدْني، فقَال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ أَيْنَمَا كُنْتَ» (رواه الترمذي وغيره)، ولعلَّ الرجلَ سألَ رسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الزَّاد المادِّي مِن المال أو نحوِ ذلك فدلَّه رسولُ الله - عليه الصَّلاة والسَّلام - على ما هو أفضَل وأبقَى، وهو تقوَى الله - عزَّ وجلَّ -.
فنَسألُ الله - جلَّ وعلا - بأسمائِه الحسنى وصفاتِه العُلا أَن يوفِّق حجَّاجَنا إلى البِرِّ والتَّقوى، ومِن العَمل ما يرضَى، وأن ييَسِّر لهم حجَّ بيتِه الحرام، وأن يوفِّقهم للعِلم النَّافع والعَمل الصَّالح، وأن يوفِّقنا أجمعين لحجِّ بيتِه الحرام، إنَّ ربَّنا لسمِيعُ الدُّعاء.
وسبحانَك اللَّهم وبحَمدك، أشهَد أن لا إله إلاَّ أنتَ، أستغفِرك وأتوبُ إليك.
منقول من موقع راية الإصلاح