نصيحة إلى عبد الحميد العربيالحمد لله عالم السر والعلن، الهادي إلى أقوم السنن، المبتلِي عبادَه بالفتن والمحن، والصلاة والسلام على نبيّنا المبعوث بالأخلاق والمنزّه عن الصنن([1])، فكان هديه والاقتداء به من أفضل المنن.
أمّا بعد، فإنّ النصيحة عمود الدين وقوامه، لقوله صلى الله عليه وسلم: « الدين النصيحة. قيل لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم » رواه مسلم.
وهي إرادة الخير للمنصوح له، مأخوذة من نصحت العسل إذا صفّيته من الشمع، وقد « بايع جرير بن عبد الله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم » متفق عليه.
وبناء على ما يمليه واجب التناصح، فإنّي أتقدّم بهذ النصيحة إلى أبي عبد الباري عبد الحميد العربي فأقول وبالله التوفيق:
أخا الإسلام أبا عبد الباري
بلغني ما ذكرته في موقعك جملة من المجازفات والمثالب والتي تريد من خلالها إضفاء العوار لشخصيتي ومسيرتي التربوية والدعوية، وأنت تعلم ويشهد الله وطلبة الجامعة يشهدون أنّ ما ذكرته لا أساس له من الصحّة، حسبك أنّك حكيت إجماع أهل قسنطينة على أنّني أمتّ السنّة بها، وهل هذا إلا رجم بالغيب، فهل طفت الولاية كلّها واستقرأت آراء أهلها، أم أنّك حاكيت ابن عبد البر وابن حزم وابن المنذر والنووي وابن قدامة وغيرهم ممن يحكي الإجماعات، والواقع يكذب ما ادعيت. ويكفيك أنّك قلت مرة أخرى: يتبعه سبعة نفر؛ فهل هؤلاء السبعة ينخرق إجماعك بمخالفتهم، أم أنّهم شواذ لا يعتدّ بهم.
ثم أجيب بالحقّ ثم بالواقع:
أمّا الحق فهو أنّي لست جمهوريا أسعى لكسب الأصوات، وصرف الوجوه إليّ، حسبي أن أدعو إلى الله تعالى على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى نهج السلف، ثم النتيجة على الله تعالى، وليس ميزان صحّة الدعوة الكثرة والجمهور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد » متفق عليه. وقال تعالى عن نبيّه نوح عليه السلام الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعوهم إلى توحيد الله، قال: ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ ﴾.
أمّا الواقع فأسألك، هل قاعة المحاضرات التي تتّسع لأكثر من ستّمائة طالب، تضيق بسبعة نفر؟! ولعل بعض أتباعك يشهدون بذلك إن كانوا منصفين -والإنصاف عزيز-، ولم يعمهم تعصّبهم لشيخهم -وحبّك للشيئ يعمي ويصمّ-.
أخا الإسلام
قد نبهتك فيما سبق أنّي لا أرد عليك، وليس ذلك عجزًا منّي، فالحمد لله يدي ليست مشلولة وقلمي ليس بمكسور، ولساني ليس بمقطوع، حسبك وقتئذ أنّك عنونت لمقالك الذي خصّصته في الرد على كتابي « القواعد الفقهية المستخرجة من إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية » وقلتَ: يا دكتور! أالقواعد أم القواعد الفقهية؟!
وأنت تعلم أنّي من أبعد الناس على هذه الألقاب الغربية، ولم أفتخر بها يوماً ما، ومقدمة رسائلي شاهدة على ذلك، بل محاضراتي خير شاهد على ذلك، فكان إذا قدم المقدّم ووصف المحاضر بالدكتور، لم أتوان في الإنكار عليه أمام الملأ.
ثم ليكن في علمك أنّ الدكتوراه والتي في كلّ مرة تغمزني بها، لم تُعط لي منحة، ولم أنلها بالغش، ولم تكن وسام شرف كالمتشبّع بما لم يعط، بل بفضل الله تعالى كتبت في ذلك كتابا بعنوان: « اختيارات ابن القيم الأصولية »، وهو أُخَي كتاب « القواعد الفقهية »، واللذان لقيا القبول والإعجاب من أهل العلم وكبار طلبته. يكفيك أنّ الكتاب الثاني الذي انبريتَ للردّ عليه، قد طبع مرات ومرات، وفي كل مرة تنفد جميع نسخه، وقد حمل من المكتبة الوقفية الرقمية أكثر من عشرة آلاف مرة.
وقولك: أالقواعد أم القواعد الفقهية؟! وكأنّ إنكارك للعنوان يستشف منه إنكار لاصطلاح « القواعد الفقهية »، وهذا من الغرائب، فإنّ هذا الاصطلاح تركيب وصفي للتمييز عن القواعد الأصولية، والقواعد المنطقية، والقواعد النحوية...إلخ. ثم لا يزال العلماء يستعملونه قديماً وحديثاً، بل أفردوا مصنفات بهذا العنوان، ولك أن ترجع إلى «كشف الظنون» أو «إيضاح المكنون» أو «هدية العارفين» و«معجم المؤلفين» وغيرها من كتب التراجم، ولكن حسبي أن أنقل لك عن شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي نتفق جميعاً على أنّه مجدد الدعوة السلفية، وكلّنا ننهل من مورده. قال رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (20/155): وقد كتبت في قاعدة: «العهود والعقود»: القاعدة في العهود الدينية في القواعد المطلقة والقاعدة في العقود الدنيوية في « القواعد الفقهية ». وقال في موضع آخر (30/234): وقد بسطت الكلام في هذه المسألة في « القواعد الفقهية ». وهو يشير إلى كتابه المطبوع بعنوان «القواعد النورانية».
وهذا تلميذه البار ابن القيم رحمه الله، يقول في كتابه «بدائع الفوائد» (4/904): ومعلوم أنّ العقد إذا وقع على جهة الشرط فليس بكذب، وليس في الأدلّة الشرعية ولا القواعد الفقهية ما يمنع تعليق البيع بالشرط، والحقّ جوازه.
وتلميذ تلميذه الحافظ ابن رجب رحمه الله، ألّف كتابا بعنوان « القواعد الفقهية »، وهو مطبوع ومتداول، وقد سمّاه بهذا تلميذه المارداوي الحنبلي في مقدمة كتابه «التحبير شرح التحرير» (1/18)، وأشار إلى أنّه من جملة الكتب التي اعتمد عليها.
أو لعلي أشمّ من عبارتك رائحة العداء أو الإنكار لفني أصول الفقه وقواعده، والتي تلوك بها ألسنة الحدادية وأضرابها، والتي أنت من خصومها، وهذا من محاسنك ومواقفك المشرفة. ولا شك أنّ إنكار هذين الفنّين، هو إنكار لأهم العلوم الموصلة لفهم الكتاب والسنة فهماً سليماً، والمعينة على تيسير الاجتهاد وبلوغ رتبته، وضبط مسالكه، وهو إنكار لما علم من علوم الشريعة بالضرورة. وليس هذا موضع ذكر أهمّية هذين العلمين.
أخا الإسلام أبا عبد الباري
إنّ أسلوب السبّ والشتم والقذف والفحش الذي سلكته في مقالاتك، لهو من أسهل الأساليب على الألسن، لا سيما نحن الجزائريين، لكن ما هكذا أدّبنا الإسلام، وما هكذا كان نبيّنا صلى الله عليه وسلم، لا سيما وأنت تدّعي أنّك من أهل الحديث، فقد قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: « لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحّشا ». وكان يقول:« إنّ من خياركم أحسنكم أخلاقًا »، وفي لفظ: « إنّ من أحبّكم إليّ ». متفق عليه.
أخي أبا عبد الباري! :
إنّك تعلم علم اليقين أنّي أعلم عنك أشياء وأشياء، بل غيري من المشايخ والدعاة أيضا يعلمون ذلك، والله يعلم أنّك تعلم ويعلم أنّي أعلم وغيري، ولم أنتصر لنفسي أو أنتقم لها فأبوح بما أعلم، وامتثلت لقوله صلى الله عليه وسلم: « من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة »، ولم أرد أن أحرجك فأدعوك إلى المباهلة، فربما تجرُؤ وتتجاسر فتباهل، فأزيد خطأ على خطأ وجرما على جرمٍٍ، كل ما في الأمر أني أذكرك بمقامك بين يدي الله عز وجل الذي يعلم السر وأخفى، و﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
فأنصحك بالمبادرة إلى التوبة النصوح قبل أن تخرمك المنية، فإن ما تقوم به لا ترضاه ..... فلا ترضاه ......
أخي أبا عبد الباري! :
الله يعلم ما تقوم به، فلا ينفع أسلوب المراوغة وذرّ الرماد في الأعين، ولا سياسة: أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع » [رواه أبو داود بإسناد صحيح].
وما الفائدة من تبرئة ساحتك في الدنيا بالتهييج والتهريج ....؟!
فما بال اليوم الذي نقف فيه جميعاً بين الله الواحد الديان، يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، ويدعو الظالم بالويل والثبور. يوم تبلى السرائر ويكشف عمّا في الضمائر.
أخي في الله! :
والله لا ينفعك إرضاء أتباعك بمقالاتك، ولا رضا أتباعك عنه بالكلمات البراقة والعبارات الرقراقة، فلا تَنفعُ النَّعْلُ في رَقْراقِه الحافي. وإنما الذي ينفعك وينجيك هو صدقك؛ فابتغ رضا الله تعالى، وكنْ مخلصا له، صادقا معه.
ومسك الختام، إنّ الله تعالى يعلم أنّي لك ناصح أمين ومشفق كريم، وليس لي وراء هذا مطامع دنيوية فانية، أو رتب عالية زائلة، ولستُ حاملك على كاهلي فأجهدتني حتى أريد إسقاطك، فإنّ الذي يرفع ويضع هو الله، ولكن أنت تعلم جيّدا ما أصبو إليه من خلال نصيحتي، ولا أريد التمادي في المد والجزر، والدوران في حلقة مفرغة، ولا المستهترات الكلامية، والمجادلة بالباطل، فكفاني الله شرّ الخصام، وكلّنا معرّضون للخطأ، ولكن خير الخطّائين التوّابون، وعلى الباغي تدور الدوائر، والحمد لله رب العالمين.
وكتب : عبد المجيد جمعة
عشية يوم الجمعة 21 من جمادى الآخرة سنة 1431 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
بالجزائر المحروسة.
ــــــــــ
([1]) من أصنّ الرجل، أي صار له صنان. وأصنّ، إذا شمخ بأنفه تكبّرًا.
_______________________________________________________________________________________________________
تنبيه :
هذا الرد العلمي قد تم حذفه من منتديات التصفية والتربية من قِبَل الشيخ عبد المجيد جمعة - حفظه الله - وكنت قد حفظته في حاسوبي وحيث أنَّ السفيه الفاجر عبد الحميد العربي قد عاود طعوناته الفاجرة الباغية في فضيلة الشيخ عبد المجيد جمعة - سدده الله - بالكذب والبهتان والافتراء فقد رأيت من المصلحة أن أنشر هذا الرد من جديد وإن لم أستأذن من فضيلة الشيخ عبد المجيد جمعة - حفظه الله - لأنَّ عبد الحميد العربي هو الذي خالف نصيحة شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله - وعلى الباغي تدور الدوائر ولا عدوان إلا الظالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
التنبيه من أبي واقد القحطاني
غفر الله له ولوالديه