كلمة فضيلة الشيخ الفقيه
عبد الرحمن بن مرعي العدني
حفظه الله
حفظه الله
في مدينة يافع
والتي كانت بين يدي
فضيلة الشيخ الوالد العلامة الفقيه المحدث
فضيلة الشيخ الوالد العلامة الفقيه المحدث
محمد بن عبد الوهاب الوصابي
حفظه الله
حفظه الله
ألقيت في شهر شعبان عام 1430هـ
وهي بعنوان :
( دعوة الجاهلية ودعوة أهل السنة )
وهي بعنوان :
( دعوة الجاهلية ودعوة أهل السنة )
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فنحمد الله عز وجل الذي يسر بهذا اللقاء وهذا الاجتماع الذي نسأل الله عز وجل أن يجعله مباركاً وأن يجعله خالصاً لوجهه نافعاً لعباده .
نعمة عظيمة إخواني في الله أن يجتمع أهل السنة ، وأن يلتقي أهل السنة في سبيل تعلم العلم النافع والتناصح والتذاكر فيما بينهم في الوقت الذي انصرف كثير من الناس إلى الدنيا وحطامها والتنافس في زهرتها وجمعها يوفق الله عز وجل من يشاء من عباده لتعلم العلم ، ولتذاكر العلم ، ولذكر الله سبحانه وتعالى .
نعمة عظيمة أنعم الله عز وجل بها علينا أيها الإخوة في الله لا سيما إذا كان في هذه المجالس علماء الأمة الذين هم نقاوة المجتمع والذين هم خلاصة المجتمع .
هؤلاء العلماء الذين جعلهم الله عز وجل مصابيح .
مصابيح يهتدي بهم في ظلمات البدع ، والخرافات ، والضلالات ، والجهالات ، والزندقة ، والإلحاد ، وعموم الباطل . نعمة عظيمة ، نعمة عظيمة إخواني في الله أن يوجد بين أظهرنا هؤلاء العلماء الذين يقودون الأمة إلى بر آمن ، الذين يقودون الأمة إلى الله سبحانه وتعالى فان طريق العلم هو الذي يقود إلى الله ، وهو الذي يدل على عظمة الله ، وهو الذي يفضي إلى أعظم أمنية ، وأغلى سلعة . ألا وهي جنة الله.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
( ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة )
نعمة عظيمة إخواني في الله . نعمة َاجتماع الإسلام والسنة ، ونعمة اجتماع العلم النافع .
فالله تبارك وتعالى أكرم علينا بهذه النعم الكثيرة وهذه النعم الجليلة التي تحتاج منا إلى شكر ، والتي تحتاج منا إلى خضوع ، واعتراف ، التي تحتاج منا أن نسأل الله تبارك وتعالى المزيد من فضله ، والمزيد من خيره ، والثبات على دينه ، وعلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم .
أيها الإخوة في الله : هذه كلمات يسيرة إن شاء الله بين يدي المحاضرة لفضيلة الشيخ العلامة الوالد : محمد بن عبد الوهاب الوصابي حفظه الله تعالى ومن اختاره من الكلام في هذه الليلة .
ينبغي علينا معشر أهل السنة دائماً وأبدا أن نتذكر هذا الخير الذي نتقلب فيه وهذه النعمة التي نعيش فيها نعمة الإسلام والسنة ، ونعمة السلامة من البدع والأهواء ، ونعمة العلم النافع ، نعمة عظيمة وجليلة .
دعوة أهل السنة والجماعة دعوة عظيمة ، ودعوة مباركة ، ودعوة نفع الله عز وجل بها البلاد والعباد ، نفع بها الأمة ، ونفع بها الأسرة ، ونفع بها الفرد ، لأنها قائمة على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لأنها دعوة من الكتاب والسنة إلى الكتاب والسنة فربنا تبارك وتعالى يذكرنا في كتابه الكريم بهذا الخير وبهذا الفضل .
فيقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (103) آل عمران
قال قتادة رحمه الله تعالى :
( كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً ، وأشقاه عيشاً ، وأجوعه بطوناً ، وأعراه جلوداً ، وأبينه ضلالاً ، من عاش منهم عاش شقياً ، ومن مات منهم ردى في النار ، حتى جاء الله بالإسلام فمكن فيه في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس )
ويقول الله عز جل في كتابه الكريم :
( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (26) الأنفال
حجب الله عز وجل هذه النعمة عن كثير من الناس ، وعن ملايين من البشر ، فلم يوفقهم إليها ، ولم يهدهم سبلها ،ثم أصطفاك واجتباك حتى كنت من عباد الله الصالحين ، ثم أصطفاك واجتباك حتى كنت من أتباع محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، ثم أصطفاك واجتباك إلى هذه الدعوة المباركة ، دعوة أهل السنة والجماعة ، دعوة أهل الحديث .
هذه الدعوة السلفية التي ليس لها انتماء وليس لها انتساب إلاَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوقت الذي ينتسب أهل الطوائف إلى بدعهم ، والى رؤسائهم ، والى زعمائهم ، والى طرائقهم ، ونحلهم ، فأهل السنة ينتسبون إلى رسول الله إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام التي قال فيها عليه الصلاة والسلام :
( فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )
هذه السنة التي أمرنا ربنا عز وجل بلزومها ، هذه السنة التي أمرنا ربنا تبارك وتعالى بالسير عليها ، وعدم الاعوجاج ،وعدم السير ذات اليمين وذات الشمال .
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (153 ) الأنعام
نعم عباد الله هكذا بارك الله عز وجل في هذه الدعوة لأنها دعوة اعتصام ، لأنها دعوة تمسك بالقرآن والسنة ، لأنها دعوة تحذير ونبذ للبدع ، والخرافات ، والباطل ، والحزبيات ، والأهواء،والاستحسانات ، هي دعوة اعتصام ، ودعوة إتباع ، ودعوة تعظيم للقرآن والسنة .
أهل السنة جعلوا إمامهم وقدوتهم وأسوتهم ومربيهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فهم يصدرون عن رأيه ، وهم يأخذون بسنته ، وهم يسيرون على ما سار عليه ، وهم يعضون على هديه ، وهم يرغبون الناس في هذه السنة ، وينشرونها في الآفاق.
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) (21) الأحزاب
لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله برأي ، ولا بهوى ، ولا بفكرة ، ولا بشهوة ، بل يستسلمون للنصوص كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (36) الأحزاب
ليس لك خيار مع حكم الله وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام فالله هو الذي يقضي والله عز وجل هو الذي يحكم والله تبارك وتعالى هو الذي يختار :
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (68) القصص
نعم عباد الله : هذه دعوة أهل السنة والجماعة ، دعوة في التمسك بالحق ، والتعاون على البر والتقوى ، والتآخي ، والتآلف ، والتوادد في الله ، ومن أجل الله عز وجل .
لا حــزبية ، ولا جمعـية ، ولا طائفــية ، ولا عصـبية ، هــذه الأمــور تحــت الأقـدام.
كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية )
وحينما أختصم رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة )
إن دعوى الجاهلية : هي دعوة الحزبية ، وهكذا دعوى الجاهلية : دعوة العصبيات القبلية ، دعوة العصبيات المذهبية ، دعوة العصبيات المناطقية ، فأهل الإسلام وأهل السنة جمعهم هذا الدين وجمعتهم هذه الدعوة المباركة هكذا عباد الله.
دعوة أهل السنة والجماعة دعوة إلى جمع الكلمة ، دعوة إلى توحيد الصف ، دعوة إلى التحذير من التفرق ، والتنازع ، والاختلاف ، والتدابر.
لأن الله تبارك وتعالى أمرنا بذلك في كتابه الكريم ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حال سفره وحضره وهو يشيد بهذا الأصل الأصيل الذي هو من أعظم أصول الأصول والذي هو من أعظم أصول أهل السنة والجماعة التآلف والتحابب والتآخي والترابط في الله ومن أجل الله عز وجل .
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (92) الأنبياء
( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) (52) المؤمنون
( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (159 ) الأنعام
والله عز وجل حذرنا أن نكون كالمشركين الذين تفرقوا بعد ما جاءهم العلم والهدى قال الله سبحانه وتعالى محذراً إيانا :
( وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (32) الروم
ويقول الله عز وجل :
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (105) آل عمران
لا تكونوا كالذين تفرقوا وتنازعوا من بعد ما جاءهم الهدى ، من بعد ما جاءهم العلم ، من بعد ما وصلتهم البينات ينبغي توظيف العلم وتوظيف الهدى والمعرفة في جمع القلوب وفي التآلف وفي التعاون على البر والتقوى لا أننا نسخر هذا العلم في سبيل البغي فيما بيننا كما حصل في بني إسرائيل بسبب البغي والظلم والتنازع والتآثر على الدنيا تفرقوا وتنازعوا وضاق فسيحهم واختلفت كلمتهم
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) (14) المائدة
أما أهل الإسلام ، وأما أهل السنة والجماعة ، فهم يحرصون على تحقيق هذا الأصل العظيم التآلف ، والتوادد ، واجتماع الكلمة ، والحذر من الفرقة ، والتنازع ، والتدابر، لان هذا من ثماره الفشل والخسارة.
والله عز وجل يقول :
( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (46) الأنفال
هكذا دعوة أهل السنة عباد الله دعوة إلى الاهتمام بالعلم النافع ، ودعوة إلى معرفة قدر العلماء في هذه الدعوة .
فربنا تبارك وتعالى يحفظ علينا دعوتنا ويحفظ علينا ديننا ويؤمن المسلمين من الشرور والفتن والبلايا والمحن وأنواع الزيغ والضلالات والانحرافات ما وجد فيهم العلم وما وجد فيهم العلماء .
العلماء الذين جعلهم ربنا تبارك وتعالى صمام أمان لهذه الأمة .
العلماء أهل الزهد والورع ، أهل التقوى والتجربة ، أهل التمييز بين المصالح والمفاسد ، بين المنافع والمضار ، بين الصواب والخطأ ، بين الحق والباطل ، بين النافع والضار ، هؤلاء العلماء الذين جندوا أنفسهم لخدمة دين الله تبارك وتعالى ، ونصرة دعوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، هؤلاء العلماء الذين جعلهم الله عز وجل أُمنآء لأهل الأرض .
ولهذا فربنا تبارك وتعالى أحال عليهم وأشاد بهم ورفع من قدرهم ومن منزلتهم وأمر الأمة بلزوم غرزهم والاٍلتفاف حولهم .
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْرَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (83) النساء
هؤلاء العلماء الذين قال الله عز وجل فيهم :
( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )
هؤلاء العلماء الذين يقول الله فيهم :
( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَأَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (19) الرعد
هؤلاء العلماء الذين جعلهم الله عز وجل بمنزلة البصير والجاهل بمنزلة الأعمى .
فقال سبحانه وتعالى :
( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) (22 ) فاطر
هؤلاء العلماء الذي لا تزال الأمة بخير ما لزموا غرزهم ، والتفوا حولهم ، وساروا بسيرهم ، فإنهم ينجون بإذن الله تبارك وتعالى .
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )
هذه دعوة أهل السنة والجماعة ولهذا عباد الله بارك الله عز وجل في هذه الدعوة ، وجعلها محل ثقة عند المجتمع ، ألتف الناس حولها ، وسارعوا إليها ، وهرولوا إليها ، هذا الفضل فيه لله تبارك وتعالى .
فلهذا إخواني في الله في هذه الكلمات اليسيرة ننصح أنفسنا وإخواننا بالثبات والقناعة على هذه الدعوة المباركة ، والحذر من التغيير ، والحذر من التبديل ، الحذر أن نبغي عنها حولاً ، أو أن نبغي عنها بدلاً ، إذا أردنا العزة ، والشرف ، والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة ، فعلينا بلزوم طريق رسول الله عليه الصلاة والسلام كما أمرنا بذلك ربنا عز وجل :
( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )
إذا أردت الهداية والسعادة فعليك بلزوم السنة والعظ عليها فإنك تأمن على نفسك وتأمن على أسرتك وتأمن على أهل قريتك وتأمن على عموم المسلمين .
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا )
وقال سبحانه :
( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (158) الأعراف
ووالله عباد الله من عظ على القران والسنة واهتدى بهدي القرآن والسنة واستنار بنور القرآن والسنة فانه لا يضل ولا يشقى ولا ينحرف بإذن الله الكريم سبحانه وتعالى لأنه عز وجل وعد بذلك فقال :
( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلايَشْقَى ) (123) طه
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :
( تكفل الله لمن قراء القران وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة )
وعد من رب العالمين سبحانه وتعالى أن من عظ على القران والسنة أنه يهتدي وأنه يأمن من الخوف والهزل وأنه يأمن من أنواع الضلال والانحراف.
نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر الله عز وجل أن ثباته على الحق ببركة هذا الوحي .
قال الله عز وجل آمراً نبيه عليه الصلاة والسلام :
( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) (50) سبأ
فعلينا عباد الله أن نجعل رسولنا عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا في جميع أمورنا ننظر على ما كان عليه من عقيدة ، وعبادة ، ومعاملة ، وأخلاق ، ودعوة ، وسلوك ، ومنهاج ، وتربية ، فنعظ على ذلك بالنواجذ ونثني على ذلك بالخناصر نسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة فالله عز وجل مدحهم وأثنى عليهم .
قال سبحانه وتعالى :
( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّلَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (100) التوبة
ويقول الله عز وجل :
( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (137) البقرة
نعم عباد الله منهج سلف الأمة هو الذي يأمن هذه الأمة من الضلال والزيغ والإنحرف فلا صلاح لهذه الأمة إلا بأن تسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة .
كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى :
( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها )
ما الذي أصلح أولها ؟إنه العقيدة الصحيحة ، إنه التمسك الصحيح بالقران والسنة ، إنه السير على ما سار عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام .
والذي يريد أن يفصل هذه الأمة عن ماضيها والذي يريد أن يعزل هذه الأمة عن طريق سلف هذه الأمة فإنه يريد لها الشر ويريد لها الهلاك.
نعم عباد الله الذي يرى أن طريق السلف الصالح لا يعد صالحاً لهذا الزمان هذا يعتبر ضالاً وهذا يعتبر مضللاً بل هذه الدعوة سائرة على القرآن والسنة على فهم سلف هذه الأمة .
فهذه دعوة أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان إذا سألت عن أهل السنة والجماعة لرأيت هذه صفاتهم وهذه ايضاً خصائصهم أنهم يتمسكون بالقرآن والسنة ويلزمون طريق سلف هذه الأمة فلهذا جعل الله عز وجل فيها الخير والبركة وجعل فيها الانتشار وجعل لها القبول .
فنسأل الله تبارك وتعالى الكريم سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يثبتنا وإياكم على الحق حتى نلقاه إنه خير مسئول وأكرم مجيب .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد : فنحمد الله عز وجل الذي يسر بهذا اللقاء وهذا الاجتماع الذي نسأل الله عز وجل أن يجعله مباركاً وأن يجعله خالصاً لوجهه نافعاً لعباده .
نعمة عظيمة إخواني في الله أن يجتمع أهل السنة ، وأن يلتقي أهل السنة في سبيل تعلم العلم النافع والتناصح والتذاكر فيما بينهم في الوقت الذي انصرف كثير من الناس إلى الدنيا وحطامها والتنافس في زهرتها وجمعها يوفق الله عز وجل من يشاء من عباده لتعلم العلم ، ولتذاكر العلم ، ولذكر الله سبحانه وتعالى .
نعمة عظيمة أنعم الله عز وجل بها علينا أيها الإخوة في الله لا سيما إذا كان في هذه المجالس علماء الأمة الذين هم نقاوة المجتمع والذين هم خلاصة المجتمع .
هؤلاء العلماء الذين جعلهم الله عز وجل مصابيح .
مصابيح يهتدي بهم في ظلمات البدع ، والخرافات ، والضلالات ، والجهالات ، والزندقة ، والإلحاد ، وعموم الباطل . نعمة عظيمة ، نعمة عظيمة إخواني في الله أن يوجد بين أظهرنا هؤلاء العلماء الذين يقودون الأمة إلى بر آمن ، الذين يقودون الأمة إلى الله سبحانه وتعالى فان طريق العلم هو الذي يقود إلى الله ، وهو الذي يدل على عظمة الله ، وهو الذي يفضي إلى أعظم أمنية ، وأغلى سلعة . ألا وهي جنة الله.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
( ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة )
نعمة عظيمة إخواني في الله . نعمة َاجتماع الإسلام والسنة ، ونعمة اجتماع العلم النافع .
فالله تبارك وتعالى أكرم علينا بهذه النعم الكثيرة وهذه النعم الجليلة التي تحتاج منا إلى شكر ، والتي تحتاج منا إلى خضوع ، واعتراف ، التي تحتاج منا أن نسأل الله تبارك وتعالى المزيد من فضله ، والمزيد من خيره ، والثبات على دينه ، وعلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم .
أيها الإخوة في الله : هذه كلمات يسيرة إن شاء الله بين يدي المحاضرة لفضيلة الشيخ العلامة الوالد : محمد بن عبد الوهاب الوصابي حفظه الله تعالى ومن اختاره من الكلام في هذه الليلة .
ينبغي علينا معشر أهل السنة دائماً وأبدا أن نتذكر هذا الخير الذي نتقلب فيه وهذه النعمة التي نعيش فيها نعمة الإسلام والسنة ، ونعمة السلامة من البدع والأهواء ، ونعمة العلم النافع ، نعمة عظيمة وجليلة .
دعوة أهل السنة والجماعة دعوة عظيمة ، ودعوة مباركة ، ودعوة نفع الله عز وجل بها البلاد والعباد ، نفع بها الأمة ، ونفع بها الأسرة ، ونفع بها الفرد ، لأنها قائمة على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لأنها دعوة من الكتاب والسنة إلى الكتاب والسنة فربنا تبارك وتعالى يذكرنا في كتابه الكريم بهذا الخير وبهذا الفضل .
فيقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (103) آل عمران
قال قتادة رحمه الله تعالى :
( كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً ، وأشقاه عيشاً ، وأجوعه بطوناً ، وأعراه جلوداً ، وأبينه ضلالاً ، من عاش منهم عاش شقياً ، ومن مات منهم ردى في النار ، حتى جاء الله بالإسلام فمكن فيه في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس )
ويقول الله عز جل في كتابه الكريم :
( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (26) الأنفال
حجب الله عز وجل هذه النعمة عن كثير من الناس ، وعن ملايين من البشر ، فلم يوفقهم إليها ، ولم يهدهم سبلها ،ثم أصطفاك واجتباك حتى كنت من عباد الله الصالحين ، ثم أصطفاك واجتباك حتى كنت من أتباع محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، ثم أصطفاك واجتباك إلى هذه الدعوة المباركة ، دعوة أهل السنة والجماعة ، دعوة أهل الحديث .
هذه الدعوة السلفية التي ليس لها انتماء وليس لها انتساب إلاَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوقت الذي ينتسب أهل الطوائف إلى بدعهم ، والى رؤسائهم ، والى زعمائهم ، والى طرائقهم ، ونحلهم ، فأهل السنة ينتسبون إلى رسول الله إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام التي قال فيها عليه الصلاة والسلام :
( فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )
هذه السنة التي أمرنا ربنا عز وجل بلزومها ، هذه السنة التي أمرنا ربنا تبارك وتعالى بالسير عليها ، وعدم الاعوجاج ،وعدم السير ذات اليمين وذات الشمال .
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (153 ) الأنعام
نعم عباد الله هكذا بارك الله عز وجل في هذه الدعوة لأنها دعوة اعتصام ، لأنها دعوة تمسك بالقرآن والسنة ، لأنها دعوة تحذير ونبذ للبدع ، والخرافات ، والباطل ، والحزبيات ، والأهواء،والاستحسانات ، هي دعوة اعتصام ، ودعوة إتباع ، ودعوة تعظيم للقرآن والسنة .
أهل السنة جعلوا إمامهم وقدوتهم وأسوتهم ومربيهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فهم يصدرون عن رأيه ، وهم يأخذون بسنته ، وهم يسيرون على ما سار عليه ، وهم يعضون على هديه ، وهم يرغبون الناس في هذه السنة ، وينشرونها في الآفاق.
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) (21) الأحزاب
لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله برأي ، ولا بهوى ، ولا بفكرة ، ولا بشهوة ، بل يستسلمون للنصوص كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (36) الأحزاب
ليس لك خيار مع حكم الله وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام فالله هو الذي يقضي والله عز وجل هو الذي يحكم والله تبارك وتعالى هو الذي يختار :
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (68) القصص
نعم عباد الله : هذه دعوة أهل السنة والجماعة ، دعوة في التمسك بالحق ، والتعاون على البر والتقوى ، والتآخي ، والتآلف ، والتوادد في الله ، ومن أجل الله عز وجل .
لا حــزبية ، ولا جمعـية ، ولا طائفــية ، ولا عصـبية ، هــذه الأمــور تحــت الأقـدام.
كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية )
وحينما أختصم رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة )
إن دعوى الجاهلية : هي دعوة الحزبية ، وهكذا دعوى الجاهلية : دعوة العصبيات القبلية ، دعوة العصبيات المذهبية ، دعوة العصبيات المناطقية ، فأهل الإسلام وأهل السنة جمعهم هذا الدين وجمعتهم هذه الدعوة المباركة هكذا عباد الله.
دعوة أهل السنة والجماعة دعوة إلى جمع الكلمة ، دعوة إلى توحيد الصف ، دعوة إلى التحذير من التفرق ، والتنازع ، والاختلاف ، والتدابر.
لأن الله تبارك وتعالى أمرنا بذلك في كتابه الكريم ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حال سفره وحضره وهو يشيد بهذا الأصل الأصيل الذي هو من أعظم أصول الأصول والذي هو من أعظم أصول أهل السنة والجماعة التآلف والتحابب والتآخي والترابط في الله ومن أجل الله عز وجل .
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (92) الأنبياء
( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) (52) المؤمنون
( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (159 ) الأنعام
والله عز وجل حذرنا أن نكون كالمشركين الذين تفرقوا بعد ما جاءهم العلم والهدى قال الله سبحانه وتعالى محذراً إيانا :
( وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (32) الروم
ويقول الله عز وجل :
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (105) آل عمران
لا تكونوا كالذين تفرقوا وتنازعوا من بعد ما جاءهم الهدى ، من بعد ما جاءهم العلم ، من بعد ما وصلتهم البينات ينبغي توظيف العلم وتوظيف الهدى والمعرفة في جمع القلوب وفي التآلف وفي التعاون على البر والتقوى لا أننا نسخر هذا العلم في سبيل البغي فيما بيننا كما حصل في بني إسرائيل بسبب البغي والظلم والتنازع والتآثر على الدنيا تفرقوا وتنازعوا وضاق فسيحهم واختلفت كلمتهم
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) (14) المائدة
أما أهل الإسلام ، وأما أهل السنة والجماعة ، فهم يحرصون على تحقيق هذا الأصل العظيم التآلف ، والتوادد ، واجتماع الكلمة ، والحذر من الفرقة ، والتنازع ، والتدابر، لان هذا من ثماره الفشل والخسارة.
والله عز وجل يقول :
( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (46) الأنفال
هكذا دعوة أهل السنة عباد الله دعوة إلى الاهتمام بالعلم النافع ، ودعوة إلى معرفة قدر العلماء في هذه الدعوة .
فربنا تبارك وتعالى يحفظ علينا دعوتنا ويحفظ علينا ديننا ويؤمن المسلمين من الشرور والفتن والبلايا والمحن وأنواع الزيغ والضلالات والانحرافات ما وجد فيهم العلم وما وجد فيهم العلماء .
العلماء الذين جعلهم ربنا تبارك وتعالى صمام أمان لهذه الأمة .
العلماء أهل الزهد والورع ، أهل التقوى والتجربة ، أهل التمييز بين المصالح والمفاسد ، بين المنافع والمضار ، بين الصواب والخطأ ، بين الحق والباطل ، بين النافع والضار ، هؤلاء العلماء الذين جندوا أنفسهم لخدمة دين الله تبارك وتعالى ، ونصرة دعوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، هؤلاء العلماء الذين جعلهم الله عز وجل أُمنآء لأهل الأرض .
ولهذا فربنا تبارك وتعالى أحال عليهم وأشاد بهم ورفع من قدرهم ومن منزلتهم وأمر الأمة بلزوم غرزهم والاٍلتفاف حولهم .
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْرَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (83) النساء
هؤلاء العلماء الذين قال الله عز وجل فيهم :
( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )
هؤلاء العلماء الذين يقول الله فيهم :
( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَأَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (19) الرعد
هؤلاء العلماء الذين جعلهم الله عز وجل بمنزلة البصير والجاهل بمنزلة الأعمى .
فقال سبحانه وتعالى :
( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) (22 ) فاطر
هؤلاء العلماء الذي لا تزال الأمة بخير ما لزموا غرزهم ، والتفوا حولهم ، وساروا بسيرهم ، فإنهم ينجون بإذن الله تبارك وتعالى .
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )
هذه دعوة أهل السنة والجماعة ولهذا عباد الله بارك الله عز وجل في هذه الدعوة ، وجعلها محل ثقة عند المجتمع ، ألتف الناس حولها ، وسارعوا إليها ، وهرولوا إليها ، هذا الفضل فيه لله تبارك وتعالى .
فلهذا إخواني في الله في هذه الكلمات اليسيرة ننصح أنفسنا وإخواننا بالثبات والقناعة على هذه الدعوة المباركة ، والحذر من التغيير ، والحذر من التبديل ، الحذر أن نبغي عنها حولاً ، أو أن نبغي عنها بدلاً ، إذا أردنا العزة ، والشرف ، والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة ، فعلينا بلزوم طريق رسول الله عليه الصلاة والسلام كما أمرنا بذلك ربنا عز وجل :
( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )
إذا أردت الهداية والسعادة فعليك بلزوم السنة والعظ عليها فإنك تأمن على نفسك وتأمن على أسرتك وتأمن على أهل قريتك وتأمن على عموم المسلمين .
قال الله عز وجل في كتابه الكريم :
( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا )
وقال سبحانه :
( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (158) الأعراف
ووالله عباد الله من عظ على القران والسنة واهتدى بهدي القرآن والسنة واستنار بنور القرآن والسنة فانه لا يضل ولا يشقى ولا ينحرف بإذن الله الكريم سبحانه وتعالى لأنه عز وجل وعد بذلك فقال :
( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلايَشْقَى ) (123) طه
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :
( تكفل الله لمن قراء القران وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة )
وعد من رب العالمين سبحانه وتعالى أن من عظ على القران والسنة أنه يهتدي وأنه يأمن من الخوف والهزل وأنه يأمن من أنواع الضلال والانحراف.
نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر الله عز وجل أن ثباته على الحق ببركة هذا الوحي .
قال الله عز وجل آمراً نبيه عليه الصلاة والسلام :
( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) (50) سبأ
فعلينا عباد الله أن نجعل رسولنا عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا في جميع أمورنا ننظر على ما كان عليه من عقيدة ، وعبادة ، ومعاملة ، وأخلاق ، ودعوة ، وسلوك ، ومنهاج ، وتربية ، فنعظ على ذلك بالنواجذ ونثني على ذلك بالخناصر نسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة فالله عز وجل مدحهم وأثنى عليهم .
قال سبحانه وتعالى :
( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّلَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (100) التوبة
ويقول الله عز وجل :
( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (137) البقرة
نعم عباد الله منهج سلف الأمة هو الذي يأمن هذه الأمة من الضلال والزيغ والإنحرف فلا صلاح لهذه الأمة إلا بأن تسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة .
كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى :
( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها )
ما الذي أصلح أولها ؟إنه العقيدة الصحيحة ، إنه التمسك الصحيح بالقران والسنة ، إنه السير على ما سار عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام .
والذي يريد أن يفصل هذه الأمة عن ماضيها والذي يريد أن يعزل هذه الأمة عن طريق سلف هذه الأمة فإنه يريد لها الشر ويريد لها الهلاك.
نعم عباد الله الذي يرى أن طريق السلف الصالح لا يعد صالحاً لهذا الزمان هذا يعتبر ضالاً وهذا يعتبر مضللاً بل هذه الدعوة سائرة على القرآن والسنة على فهم سلف هذه الأمة .
فهذه دعوة أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان إذا سألت عن أهل السنة والجماعة لرأيت هذه صفاتهم وهذه ايضاً خصائصهم أنهم يتمسكون بالقرآن والسنة ويلزمون طريق سلف هذه الأمة فلهذا جعل الله عز وجل فيها الخير والبركة وجعل فيها الانتشار وجعل لها القبول .
فنسأل الله تبارك وتعالى الكريم سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يثبتنا وإياكم على الحق حتى نلقاه إنه خير مسئول وأكرم مجيب .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فرَّغَ نص هذه المادة :
الأخ الفاضل :
محب الصحابة
أبو حسان صالح بن أحمد السليماني
حفظه الله
منقول من موقع علماء الدعوة السلفية في اليمن
بتصرف