بسم الله الرحمن الرحيم
(نبذة يسيرة عن حياة علامة اليمن محمد بن عبد الوهاب الوصابي رحمه الله)
الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أما بعد:
فقد رغب بعض إخواني –حفظهم الله- أن أشارك بكلمة عن شيخنا ووالدنا العلامة المربي المحدث الفقيه محمد بن عبد الوهاب الوصابي –رحمه الله- فأقول مستعينا بالله: لقد أكرم الله هذا العالم الجليل في نشر السنة والتوحيد بعدة مميزات، من أهمها:
أولا: السبق في الدعوة إلى الله ونشر التوحيد والسنة في ربوع اليمن، فقد كان خروجه إلى اليمن للدعوة إلى الله قريبا من خروج شيخه العلامة الوادعي رحمه الله فقد كان خروج الشيخ الوصابي رحمه الله عام (1398هـ) وخروج شيخه الإمام الوادعي –رحمه الله- عام (1399هـ) فقاما سويا بالدعوة إلى الله ومحاربة الشركيات والبدع المتلاطمة التي خيمت على البلاد اليمنية هنا وهناك منذ مئات السنين، فقد كانا يخرجان بمفرديهما سويا –رحمهما الله- للدعوة إلى الله هنا وهناك، يصعدان الجبال ويهبطان الأودية، العلامة الوصابي يقود السيارة والإمام الوادعي راكب بجواره، كما صنعا هذا في رحلتهما إلى (وصاب) حدثنا العلامة الوصابي بذلك.
فالعلامة الوصابي من أول من ناصر الإمام الوادعي وساعده وشد عضده في الدعوة إلى الله ونشر السنة في أرجاء اليمن، في الوقت الذي كان الإمام الوادعي –رحمه الله- فريدا أحوج ما يكون إلى المناصرة والمؤازرة، ثم بسبب تفرغ الإمام الوادعي –رحمه الله- للعلم والتعليم تخرج على يديه المشايخ والعلماء الآخرون.
وقد كان الإمام الوادعي -رحمه الله- يعرف هذا المعروف والمناصرة له من العلامة الوصابي –رحمه الله- فكان يجله إجلالا عظيما وكان بينهما من تبادل الاحترام والتقدير البالغ الشيء العظيم، فإذا وصل العلامة الوصابي إلى (دار الحديث بدماج) ترك له الإمام الوادعي جميع الدروس العامة بعد الظهر وبعد العصر وبين مغرب وعشاء، وربما استمر العلامة الوصابي اليومين والثلاثة والإمام الوادعي جالس بين يديه من جملة الطلاب تقديرا له وإجلالا.
وكان الإمام الوادعي -رحمه الله- في رحلاته الدعوية كثيرا ما يحيل الإجابة عن الأسئلة على العلامة الوصابي –رحمه الله- ويبقى الشيخ من جملة المستمعين،
بل قال ذات مرة في الدرس العام: «لو أنصفت الحكومة اليمنية لجعلته مفتياً لليمن».
ونصح في (أسئلة بريطانيا) بالرجوع إلى كبار العلماء وسمى ابن باز والألباني والعباد والوصابي.
وقال في (تحفة المجيب) (210): «وكما قلنا قبل، مكاتبة كبار العلماء: مثل الشيخ الألباني والشيخ ابن باز، ومن كان على شاكلتهما مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب».
ووصفه بقوله: «محمد بن عبد الوهاب: شيخ التوحيد والحديث والفقه والأخلاق الفاضلة والزهد والورع، وهو المربي الرحيم، وهو الداعي إلى جمع كلمة المسلمين، المحذر من الحزبية المساخة، وهو الصبور على الفقر والشدائد، وهو الحكيم في الدعوة، يحب سلف الأمة، ويبغض المبتدعة كل بقدر بدعته».
ثانيا: اهتمام العلامة الوصابي –رحمه الله- العظيم بالتوحيد ومحاربة الشركيات والبدع، التي كانت قد خيمت على كثير من البلاد اليمنية منذ مئات السنين، فقد كان مهتما غاية الاهتمام بهذا الجانب العظيم من جوانب الإسلام، تأليفا وتعليما ووعظا وإرشادا، فمحاضراته في ذلك بالعشرات إن لم تكن بالمئات، فهو داعية التوحيد حقا.
وبهذا الجهد العظيم المبارك رفع الله به راية التوحيد وقمع به الشركيات والخرافات غاية القمع وبالأخص في بلاد تهامة التي كانت مرتعا خصبا لشتى أنواع الشركيات والخرافات بسبب تمكن الدعوة الصوفية القبورية منها.
كما نفع الله بكتابه العظيم (القول المفيد في أدلة التوحيد) لا سيما في اليمن نفعا عظيما جدا، فهو من الكتب المقررة في (دور الحديث السلفية في اليمن) يدرسه الطلاب البادئون في الطلب ويحفظه الكثير منهم عن ظهر قلب، ويقوم طلبة العلم بتدريسه لعامة الناس حين خروجهم للدعوة إلى الله هنا وهناك. ولو لم يكن للشيخ من الحسنات الجارية بعد موته إلا هذا الكتاب النافع المبارك لكان كافيا، كيف ومؤلفاته القيمة بلغت نحو الثمانين مؤلفا!
ثالثا: بصيرة الشيخ النافذة من أول وهلة في الفتن والأحداث الدخيلة على الدعوة السلفية، وهذا يدل على صفاء سريرته ورسوخ علمه فيما نحسبه والله حسيبه، وقد وصفه الإمام الوادعي-رحمه الله- بأنه (محنك خبير بالحزبية) (تحفة المجيب) (189)
وصدق الإمام الوادعي –رحمه الله- فقد جاءت فتنة السرورية المتمثلة في جمعيتي الحكمة والإحسان وكان العلامة الوصابي من أول من تفطن لهذه الفتنة وحذر منها، حتى شهد له الإمام الوادعي –رحمه الله- بقوله: «قد نفع الله به وهزم به البدع كلها، فدوخ الحزبيين، ودوخ أيضا المبتدعة والصوفيين، والحمد لله، وهكذا أيضا السروريين وأصحاب جمعية الحكمة فضحهم –أسأل الله أن يبارك فيه- داعية حكيم، فهو الذي تنبه لهم قبلي جزاه الله خيرا» شريط ”أسئلة أهل تهامة“.
وقد حصل للعلامة الوصابي –رحمه الله- مع السرورية صولات وجولات، حتى أراد عقيل المقطري محاكمته في المحكمة، ولما علم الإمام الوادعي -رحمه الله- بذلك غضب جدا وأخرج في ذلك شريطا دعا فيه على المقطري ثلاثا بأعلى صوته، بقوله: «قطر الله دمه، قطر الله دمه، قطر الله دمه، أيريد أن يحاكم أبا إبراهيم!!!».
وبعد وفاة الإمام الوادعي –رحمه الله- ظهرت فتن كثيرة ومن أشهرها فتنة أبي الحسن ثم فتنة الحجوري وكان أعظم من تصدى لهما وكشفهما من أول وهلة بكل قوة ومتانة ذاكم الجبل الأشم والصخرة الصماء التي تتحطم عليها زجاج الشبهات، الذي شرق به المبتدعة في اليمن، الوالد العلامة الوصابي –رحمه الله-
رابعا: شجاعته في الصدع بكلمة الحق دون أن يخاف في الله لومة لائم، فقد كان في هذا الباب مقداما شجاعا –رحمه الله- فيأتي إلى (دماج) يوجه وينصح الحاضرين بما فيهم شيخه الإمام الوادعي –رحمه الله- قائلا: أنصح الشيخ الوالد بكذا وكذا. وهكذا دواليك.
ويتكلم في الفتن والنوازل بكل شجاعة وإقدام، بما يقربه إلى الله دون أن يخاف في الله لومة لائم! فرحمه الله ما أقوى جأشه! وما أثبت جنانه! وقد شهد له بذلك شيخه الإمام الوادعي –رحمه الله- حيث قال في صدد ذكر مميزات العلامة الوصابي: إذا ظهر له الحق عض عليه بالنواجذ، ولا يبالي بمن خالفه كائنا من كان.
خامسا: الفهم الدقيق النافذ، فقد كان –رحمه الله- ذا فهم قوي وفقه عجيب وجمع للشوارد وشتات المسائل في مكان واحد! فهو في هذا الباب خريت ماهر –رحمه الله- ومن سمع فتاواه وحضر مجالسه ودروسه واسنباطاته القيمة عرف هذا، وقد شهد له الإمام الوادعي –رحمه الله- بقوله عنه –رحمه الله-: «مؤلفاته ودروسه تدل على فهم دقيق دقيق جداً» ”غارة الأشرطة“ (1/228).
كما أنه كان يتمتع بقوة الذاكرة، فتجده يذكر أحداثا لها عشرات السنين ربما قد نسيها أصحابها، وهو يذكرها –رحمه الله-
سادسا: تواضعه الجم وخلقه الرفيع وبالأخص لطلاب العلم، فالشيخ –رحمه الله- في غاية الانبساط رغم جلالته وهيبته، إلا أنه متواضع جدا لين سهل –رحمه الله- تجده يتحدث مع الزائر ومع عامة الناس بكل بساطة ولين، يسأل الزائر عن كذا وكذا بما يناسب حاله! وعن وفلان وفلان وبالأخص من القائمين بالدعوة، ويسأل عن الدعوة في بلاد الزائر، ويوصيه بالسلام على فلان وفلان وبالأخص من القائمين بالدعوة والمناصرين لها، إلى غير ذلك، والأخبار عنه في هذا كثيرة -رحمه الله-
سابعا: إجلاله البالغ العظيم للعلماء، وتربيته لطلاب العلم على ذلك، فقد كان في غاية من الإجلال للعلماء والتقدير لهم، السابقين منهم والمعاصرين، كعلماء الأمة الأربعة واللجنة الدائمة ومن نحا نحوهم من علماء أهل السنة، مثنيا عليهم كثيرا بالاسم، مغترفا من نصائحهم وفتاواهم، وناصحا بالسير على طريقتهم والالتفاف حولهم، وقبل وفاته بأيام أخرج منشورا أثنى فيه على ثلة من خيار العلماء المعاصرين –حفظهم الله-
كما كان شديدا على الذين يتطاولون على العلماء كثير التقريع والتوبيخ لهم، وأشرطته في هذا الباب كثيرة جدا بحمد الله، بل وعقد بعض الدورات بأكملها حول هذا الأمر، وقد لقي من الأذى وتطاول السفهاء من أجل هذا الأمر ما لقي –رحمه الله-
ثامنا: حرصه الشديد على طلب العلم وتقييد الفوائد، فهو حريص جدا على طلب العلم واقتناص الفوائد، فتجد عنده القلم والدفتر لتقييد الفوائد من المشايخ هنا وهناك عند ذهابه للحج أو العمرة، لا يأنف من ذلك ولو كان المتحدث دونه في العلم! ويوصي طلابه بذلك.
وقد مات هذا العالم الجليل متيمما للتهيؤ للصلاة –رحمه الله-ورئي على وجهه النور والإشراق كأنه مبتسم كما شهد بذلك غير واحد من الثقات.
وختاما: هذه نصيحة أوجهها لطلاب الوالد العلامة الوصابي –رحمه الله- النجباء، أن يقوموا بنشر علمه وبالأخص المكنوز في أشرطته، وذلك بتفريغها ثم ترتيبها كاملة ونشرها بعد ذلك، فهذا أعظم ما نبر به الشيخ–رحمه الله- بعد وفاته، وقد لمسنا في هذه الآونة الأخيرة اهتماما طيبا بنشر فتاوى وعلوم الشيخ –رحمه الله- القيمة عن طريق الواتس اب، ورأينا فيها الدرر القيمة، فليواصلوا في هذا العمل الجليل القيم، محتسبين الأجر من الله تعالى.
والطالب النبيل الذي يخلفه العالم قد يكون نفعه لشيخه أعظم من كثير من أقاربه ممن لم يبلغ هذه المنزلة، فكيف وهناك من أقارب الشيخ وأبنائه من هو أهل للقيام بهذا العمل الجليل! فهم أولى بهذا العمل والبر بالشيخ من غيرهم، قال الإمام ابن جماعة –رحمه الله-: «واعلم أن الطالب الصالح أعود على العالم بخيري الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، وأقرب أهله إليه؛ ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم، ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر».
وعلى كل حال هذه رؤوس أقلام فقط عن حياة والدنا العلامة الوصابي –رحمه الله- وإلا فمناقبه وأخباره الطيبة في هذا الباب كثيرة، وقد بلغنا أن بعض طلابه الأفاضل الملازمين له قام بكتابة ترجمة له، أسأل الله أن ييسر له بإخراجها، حتى يستفيد منها طلاب العلم وتكون نبراسا يسيرون عليه في حياتهم، فأخبار العلماء الربانيين كما قال بعض العلماء: جند من جنود الله يثبت بها قلوب أوليائه، وقد قال الله لنبيه –عليه الصلاة والسلام- (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه/ نورالدين السدعي، (12/ رجب/1436هـ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق