بسم الله الرحمن الرحيم
من أعلام النبوة :
تسلّط المسلمينَ على اليهود الكافرين
من أعلام النبوة :
تسلّط المسلمينَ على اليهود الكافرين
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،وأشهد ألا إله إلا الله وليّ الصالحين، وناصر عباده المؤمنين، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، المنصور بالحجّة والسيف إلى يوم الدين.
أمّا بعد فإنَّ الصِّراع بين المسلمين وبين اليهود مستمرٌّ إلى قيام السَّاعة، وأنَّ اليهود مهما كانت لهم دولة؛ فإنَّما هي جولة، ومهما كانت لهم دائرة فهي سائرة، وعلى الباغي تدور الدَّوائر، وتدول الدَّوائل، ولهذا بشَّر النَّبيُّ صلّى الله عليه و سلم أمَّته أنَّ العاقبة لهم والنَّصر حليفهم، حيث أخبر أنَّه سيقتتل المسلمون مع اليهود في مستقبل الزَّمان؛ فيتسلَّط المسلمون عليهم، ويظهر الله عزّ و جلّ الآيات البيِّنات، ويسخِّر للمسلمين الجمادات، ويُنْطِقُ الحجرَ والشَّجرَ إذا اختفى يهوديٌّ وراءه ليدلَّ عليه، فيقول للمسلم: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهوديٌّ ورائي فاقتله، فجمع بين وصفين: الإسلام والعبوديَّة لله تعالى، ليبيَّن أنَّ الَّذي يستحقُّ هذا الفضل إنّما هو من تحلّى بهذين الوصفين.
فعن أبي هريرة ا أنَّ رسول الله النَّبيُّ صلّى الله عليه و سلم قال:
«لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقْتُلَهُمُ المُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أو الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلاَّ الغَرْقَد فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ».
* * *
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب قتال اليهود (2768) ومسلم ـ واللَّفظ له ـ في الفتن وأشراط السَّاعة، باب: لا تقوم السَّاعة حتَّى يمرَّ الرَّجلُ بقبر الرَّجل (2922)، وله شاهد من حديث ابن عمر ب مرفوعا، ولفظه: «تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ»، أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النُّبوَّة في الإسلام (3398)، ومسلم في الفتن وأشراط السَّاعة، باب لا تقوم السَّاعة حتَّى يمرَّ الرَّجلُ بقبر الرَّجل (2921).
ثانيا :ـ أحكام الحديث:
دلَّ هذا الحديث على حِكَم وأحكام كثيرة، نجملها فيما يلي:
أوّلا:
فيه إثباث قيام السَّاعة ـ وهو أحد الأركان الَّتي لا يستقرُّ إيمان العبد إلاَّ بها ـ وأنَّ لها علامات وأشراطًا، تكون هذه العلامات إيذانًا بقربها، كما قال تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: 18].
ثانيًا:
قوله: «اليهود»، قيل: سمِّيت اليهود اشتقاقًا من هادُوا: أَي تابوا، والهَوْد: التَّوبة، هَادَ يهود هَوْدًا وهيادة، وتهوَّد: تاب ورجع إلى الحقِّ، فهو هائد: أي تائب، قال الشَّاعر:
إنّي امرؤ من حبّه هائد
واليهود جمع يَهُودِيٌّ، فأَدخلوا الألف واللاَّم فيها على إِرادة النَّسب، كما يُقال في المجوس: مَجوسِيٌّ، وفي العَجَم والعَرَب: عَجَمِيٌّ وعَرَبِيٌّ؛ وأَرادوا باليَهُودِ اليَهُودِيِّينَ، ولكنَّهم حَذَفُوا ياءَ الإضافة، كما قالوا: زِنْجِيٌّ وزِنْج.
وقيل: لنسبتهم إلى «يهوذا» أكبر أولاد يعقوب ؛، فقلبت العرب الذَّال دالاً؛ لأنَّ الأعجميَّة إذا عرِّبت غيِّرت عن لفظها.
وبناءً على هذا، لا يصحُّ تسمية اليهود بـ«إسرائيل» أو «إسرائليِّين»، أو تسمية دولتهم المغتصبة: «دولة إسرائيل»، كما هو شائع على ألسنة السِّياسيِّين والباحثين والصُّحفيِّين، بل كثير من المسلمين.
و«إسرائيل» هو لقبُ يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم عليهما السلام، قال تعالى: ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾ [آل عمران : 93]، وسمَّاهم الله تعالى في القرآن الكريم: «بني إسرائيل»؛ وبنو إسرائيل هم ذرِّيَّته، ونسبة لهذا، سمَّى اليهود دولتهم بدولة إسرائيل ـ «علمًا بأنَّهم لا ينتمون بصلة إلى العبرانيِّين الإسرائيليِّين القدماء، بل هم أخلاط من شعوب الأرض المتهوّدين، تسوقهم دوافع استعماريَّة وعنصرية»([1]).
وقد ترتَّب على هذا من المفاسد، أن صار كثير من المسلمين إذا لعنوا اليهود وذمُّوهم وشتموهم، قالوا: «لعن الله إسرائيل» ونحو ذلك، وجهلوا أنَّهم يلعنون نبيَّ الله من حيث لا يعلمون، وهذا من كيد اليهود وتحريفهم الكَلِمِ عن مواضعه، كما هي عادتهم، ولهذا يعجبهم أن يتسمُّوا بهذا الاسم؛ لأنَّهم يدَّعون أنَّ إبراهيم ؛ كان على ملَّتهم ودينهم، فأرادوا أن ينتسبوا إليه وإلى نسله يعقوب ؛، فأكذَّبهم الله، وأدحض حجَّتهم، ونزَّه إبراهيم ؛ من دعاويهم الكاذبة، وبيَّن أنَّه كان على الحنيفيَّة الإسلاميَّة، ولم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا مشركًا، فقال: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]؛ وكذلك يزعمون أنّهم شعب الله المختار، ولهذا سمّاهم الله تعالى بني إسرائيل. بخلاف اسم «اليهود»، فإنَّهم يشمئزُّون من تسميتهم بذلك؛ لأنَّ كلمة «يهودي» تعتبر شتيمة، ولهذا ذكرت كلمة اليهود في القرآن الكريم في موطن الذَّمِّ حين ضلُّوا عن الحقِّ وانحرفوا عن الصِّراط المستقيم، كقوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : 30]، وقوله سبحانه: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة : 64]، وهذا يدلُّ على أنَّهم لقِّبوا بها اللَّقب بعد فساد حالهم؛ وللشَّيخ عبد الله بن زيد آل محمود رسالةٌ باسم: «الإصلاح والتَّعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنَّصارى من التَّبديل»، فيها تحقيق بالغ بأنَّ «يهود» انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم الخليل ؛ عن أبيه آزر([2]).
ثالثًا:
فيه إشارة إلى أنَّ اليهود سيحتلُّون بيت المقدس، ويجتمعون كلُّهم فيه، وأنَّهم يغرسون شجرة الغرقد، ليحتموا بها ويختفوا من ورائها، فيقاتلهم المسلمون، ويتسلّطون عليهم، ؛ ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء:7]، ويشهد له أيضا ما رواه رواه البخاري (3005) عن عوف بن مالك قال: أتيت النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك وهو في قبَّة من أدم فقال: «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ»، وذكر بقيَّة الحديث.
ففيه علم من أعلام النَّبوَّة، حيث إنّه وقع ما أخبر به النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم ، فقد احتلَّ اليهود بيت المقدس، وأكثروا من غرس شجرة الغرقد في الأراضي الفلسطينيَّة المغتصبة، لعلمهم بما أخبر به النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم ؛ وسيقاتلهم المسلمون ويغلبون عليهم، كما أخبر بذلك الصَّادق المصدوق.
رابعًا:
وفيه من أعلام النَّبوَّة أيضًا، حيث أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم عن أمر غيبيٍّ سيقع، وقد وقع الاقتتال مرَّات وكرَّات، وكان القتال سجالاً، وسيقع القتال الحاسم الَّذين ينتصر فيه المسلمون على اليهود الظَّالمين، كما وعدنا به سيِّد المرسلين، وإنَّ غدًا لناظره لقريب.
خامسًا:
وفيه دلالة على أنَّ الصِّراع مع اليهود ليس قصير الأجل، قريب الأمل، بل يمتدّ إلى قيام السَّاعة، مهما تخلّله التطبيع المفضي إلى التمييع.
سادسًا:
وفيه بيان أنَّ اليهود أشدُّ عداوة للمسلمين من غيرهم، لأنّ النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أنّه سياقتلهم المسلمون، ولم يذكر طائفة أخرى، ولا شكّ أنّ عداوتهم قديمة منذ بعثة النبي صلى الله عليه و سلم ، فقد كفروا بالرَّسول صلى الله عليه و سلم ، وهمُّوا بقتله غير مرَّة، وسمّوه وسحروه، ونقضوا عهده، وألبُّوا عليه أعداءه، وتحالفوا مع كفَّار قريش ضدَّه.
وقد استمرَّت عداوتهم للإسلام والمسلمين إلى العصر الحديث، حيث احتلُّوا أرض فلسطين، وعاثوا فيها فسادًا، فشرَّدوا أهلها، وقتلوا أطفالها، واغتصبوا نساءها، ودمَّروا ديارها، وخرَّبوا مساجدها، وجرفوا أراضيها، وقلعوا أشجارها، وانتهكوا حرماتها، وما حدث في «غزَّة» اليوم خيرُ شاهد على ما تكنُّه هذه العصابة المارقة من البغض الشَّديد، والعداء المديد لأهل التَّوحيد، فهذا المدعو: «مناحيم بيجن» يقول في كلمته: «أنتمأيُّها الإسرائيليُّون! لا يجب أن تشعروا بالشَّفقة حتَّى تقضوا على عدوِّكم، ولا عطف ولا رثاءحتَّى تنتهوا من إبادة ما يسمَّى بالحضارة الإسلاميَّة، الَّتي سنبني على أنقاضها حضارتنا»([3]).
وقد كشف الله تعالى هذه الحقيقة فقال: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواﯘ﴾ [المائدة: 82].
سابعًا:
قوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ»، المراد بقتال اليهود وقوع ذلك عند خروج الدَّجَّال، ونزول عيسى ؛، ويشهد لذلك ما رواه ابن عمر مرفوعًا: «يَنْزِلُ الدَّجَّالُ في هَذِهِ السَّبَخَةِ([4]) بمَرِّ قَنَاة فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّطُ اللَّهُ المُسْلِمِينَ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ لَيَخْتَبئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوْ الحَجَرِ فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوْ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ» رواه أحمد (9/255)، وفيه محمَّد بن إسحاق، وهو مدلِّس، وقد عنعنه، وبقية رجاله ثقات؛ وقد وقع صريحًا في حديث أبي أمامة في قصَّة خروج الدَّجَّال ونزول عيسى ؛، وفيه: «قَالَ عِيسَى ؛: افْتَحُوا البَابَ فَيُفْتَحُ وَوَرَاءهُ الدَّجَّالُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْف يَهُودِيٍّ كُلّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلَّى وسَاج([5]) فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللّدّ الشَّرْقِي؛ فَيَقْتُلُهُ فَيَهْزِم اللهُ اليَهُودَ فَلاَ يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللهُ يَتَوَارَى بهِ يَهُودِيٌّ إِلاَّ أَنْطَقَ اللهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ لاَ حَجَر وَلاَ شَجَر وَلاَ حَائِط ولاَ دَابَّة إِلاَّ الغَرْقَدَة فَإِنَّها مِنْ شَجَرِهِمْ لاَ تَنْطِقُ إِلاَّ قَالَ يَا عَبْدَ اللهِ المسلم هَذَا يَهُودِيٌّ، فتعال اقتله».
أخرجه ابن ماجه (4077)، وصحَّحه الشَّيخ الألباني : في «صحيح الجامع» (7875)، وقال الحافظ في «الفتح» (6/610): «وأصله عند أبي داود ونحوه في حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن؛ وأخرجه ابن منده في كتاب الإيمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح».
ولا يفهم من هذا أنَّ المسلمين يبقون مكتوفي الأيدي ينتظرون نزول المسيح ليقتل اليهود، ويطهِّر بيت المقدس من دنسهم، بل هو إخبارٌ عمَّا سيقع في آخر الزَّمان، بل الواجب عليهم أن يعدُّوا العدَّة لاسترجاع البيت المقدس في أيِّ وقت.
ثامنًا:
فيه إشارة إلى أنَّ الصِّراع بين المسلمين واليهود، وتحرير البيت المقدس من الاحتلال لا يكون إلاَّ بالجهاد في سبيل الله تعالى، لا بعقد المؤتمرات، وإجراء المفاوضات، وكثرة القرارات، ورفع الشِّعارات وإقامة المظاهرات، أو اللُّجوء إلى مجلس الأمن (لليهود)! أو الرُّجوع إلى هيئة الأمم المتَّحدة (على المسلمين)! وقد جرّبت هذا الوسائل: بدأً باتِّفاقيَّة «كامب ديفد» (المعاهدة المصريَّة الإسرائليَّة)، ومرورًا باتِّفاقيَّة «أسلوا» (مؤتمر مدريد 1993)، واتِّفاقيَّة وادي عربة (المعاهدة الأردنيَّة الإسرائليَّة)، وكلُّها باءت بالفشل، بل تحدّى هؤلاء اليهود قرارت مجلس الأمن القاضية بانسحاب إسرائيل (الدولة اليهودية) من الأراضي الفلسطينة، بل ما زادهم ذلك إلاَّ تصلُّبًا بمواقفهم، ونقضًا لعهودهم، واستخفافًا بمفوِّضيهم، وقد نقضوا الوعود والعهود مع الله ومع رسوله، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [الرعد: 25]، وقال سبحانه: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء 155]، فكيف لا ينقضون عهدهم مع الناس؟! إنّ هؤلاء اليهود، لا يحاورون إلا بإراقة الدماء، ولا يفاوضون إلا على رؤوس الجماجم والأشلاء. وإنّ الحرب والإبادة الجماعية في الفكر اليهودي لمن المسلّمات والبديهيات، لأنّهم هم الشعب المختار –بزعمهم- ولأنّ الأرض ملك لهم، فوجب طرد الشعوب منها عن طريق الحرب والإبادة.
وإذا كانت هذه لغتهم، فوجب مخاطبتهم باللغة التي يفهمونه، وإنّ اليهود قد اغتصبوا الأرض، فوجب معاملتهم معاملة المغتصب، وإنَّ البيت المقدس أُخِذَ بالقوَّة، ومن الحكمة السَّائرة على ألسنة السَّاسة: «ما أُخِذ بالقوَّة فلا يستردُّ إلاَّ بالقوَّة».
صحيح أنَّ الدَّولة اليهوديَّة متفوِّقة من حيث التَّسلُّح، وتعتبر رابع دولة أقوى في العالم من حيث التّرسانة العسكريَّة، وهي مدعَّمة من أمريكا مباشرةً، ومن الدَّول الأوروبيَّة مباشرة أو غير مباشرة، لكن أمرنا الله تعالى بأن نعدَّ لهم العدَّة فقال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]، ثمَّت سلاح آخر استأثر به المسلمون، لا يملكه اليهود ومن شايعهم، ولا يفقهونه، وهو سلاح الإيمان، والاستعانة بالله، وصدق التوجُّه إليه، والدُّعاء في جوف اللَّيل، ولا شكَّ أنَّه أمضى وأنكى.
إن يكن لليهود آلات قتال *** فلنا في هجعة الليل القنوت
ولقد انتصر المسلمون على المشركين في غزوة بدر بقوَّة الإيمان، رغم أنَّهم كانوا قلَّة وأذلَّة، بينما انهزموا في غزوة أحد ـرغم أنَّ النَّصر كان حليفهم في بداية المعركةـ لمّا خالفوا أمر النَّبيِّ عليه الصلاة و السلام وطمعوا في الغنائم، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران : 152]، والتَّاريخ الإسلامي حافل بالفتوحات الإسلاميَّة والانتصارات الرَّبَّانيَّة حتَّى في العصر الحديث بسبب قوَّة الإيمان، رغم قلَّة العدد، وضعف المدد، وهو شاهد على الهزائم والانتكاسات الَّتي لحقت بالمسلمين بسبب ضعف الإيمان واتِّباع الشَّهوات، كما وقع في الأندلس.
تاسعًا:
فيه دلالة على أنَّ الله تعالى يؤيِّد المؤمنين في قتال اليهود، بإظهار آياته ومعجزاته، وذلك بتسخير كلِّ الجمادات ـ كما في رواية أبي أمامة ـ لتُعين المسلمَ على قتل اليهوديِّ إلاَّ شجرة الغرقد.
عاشرًا:
وفيه ظهور الآيات قرب قيام السَّاعة؛ من كلام الجماد من شجر وحجر، وظاهره أنَّ ذلك ينطق حقيقة، وليس ذلك على الله بعزيز، وقد أنطق الله تعالى نملة سليمان، فقال حكاية عنها: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل 18]، كما ينطق يوم القيامة دابَّة تكلِّم النَّاس، حيث قال: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل 82]، والواجب قبول مثل هذه الأخبار بالرِّضا والإذعان، والتَّسليم والاطمئنان، ولا تردُّ بزبالة الأذهان ونحالة الهذيان، وقد روى البخاري (3284) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «صلّى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصُّبح ثمَّ أقبل على النَّاس، فقال: بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً؛ إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ»، فقال النَّاس: سبحان الله! بقرةٌ تكلّم، فقال: فَإِنِّي أُومِنُ بهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ـ وما هما ثمَّ ـ، وَبَيْنَمَا رَجُلٌ في غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السبع يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟! فقال النَّاس: سبحان الله! ذئب يتكلَّم، قال: فَإِنِّي أُومِنُ بهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وما هما ثمَّ».
حادي عشر:
فيه إشار إلى أنَّ الصِّراع مع اليهود قائمٌ على أساس الإسلام لقوله عليه الصلاة و السلام: «يَا مُسْلِمُ»، ولم يقل: يا فلسطينيُّ، يا مصريُّ، يا عربيُّ...!! وعلى هذا؛ ينبغي أن نعتبر قضيَّة فلسطين قضيَّة إسلاميَّة، بعيدة عن النَّعرات القوميَّة والشِّعارات العروبيَّة؛ لأنَّ فلسطين أرض مقدَّسة ومباركة بنصِّ القرآن، وهي عريقة بإسلامها، فيها مسجد الأقصى الَّذي أُسْرِي إليه نبيُّنا عليه الصلاة و السلام ، ومنه أعرج به إلى سدرة المنتهى، كما قال تعالى ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء : 1]، وكان أولى القبلتين، ومنع من شدّ الرحال إلا إليه والمسجد الحرام والمسجد النبوي؛ وقد اهتمَّ الإسلام به اهتمامًا بليغًا منذ أن سطع فجره، حيث بعث النَّبيُّ عليه الصلاة و السلام جيشًا بقيادة زيد بن حارثة لتخليصه من الرُّوم سنة ثمان من الهجرة، ثمَّ تولَّى الأمر بعده أبو بكر الصِّدِّيق ا، فبعث جيشًا قوامه (24 ألفًا) بقيادة أبي عُبيد بن الجرَّاح ، ثمَّ كتب الله تعالى فتحه وتطهيره من أنجاس الرُّوم على يد عمر بن الخطَّاب ، الفاروق الَّذي فرَّق به بين الحقِّ والباطل والإيمان والكفر سنة (15 هجرية ـ 636 ميلادية)، وظلَّت فلسطين إسلاميَّة منذ ذلك الوقت حتَّى سنة (1366هـ ـ 1948م) باستثناء فترة ما بين (1099م ـ 1187م)، الَّتي استطاع فيها الصَّليبيُّون الاستيلاء عليها، ثمَّ أعادها إلى حضن الإسلام القائد القوَّام صلاح الدِّين الأيُّوبي : في يوم الجمعة 27 رجب 583هـ ـ 1187م.
وممَّا يؤكِّد على أنَّ قضيَّة فلسطين قضيَّة إسلاميَّة بحتة أنَّ من عقيدة اليهود: هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه، وهي عقيدة لا تخصُّ اليهود، بل تعدَّى إلى المسيحيَّة البروتستانتيَّة (المسيحيَّة الصُّهيونيَّة)، ولهذا نرى هذا الدَّعم غير المحدود ودون قيود من أمريكا وأوربا لدولة اليهود؛ لأنَّ هذه العقيدة لها أتباع كثر في تلك البلدان، وقد حاول اليهود مرَّات وكرَّات لهدم المسجد الأقصى، ويقومون حاليًا بحفريَّات كبيرة بعِلْمِ العَالَم، وتحت أنظاره، والله المستعان.
ولهذا يحرص اليهود على إبعاد الإسلام من ساحة المعركة لاعتقادهم الجازم أنَّ العرب دون الإسلام لا يساوون شيئًا، فقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» اليهوديَّة في (11/3/1987م) مقالاً جاء فيه: «إنَّ على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة مهمَّة هي جزء من إستراتيجيَّة إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي: أنَّنا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عامًا، ويجب أن يبقى الإسلام بعيدًا عن تلك المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطَّتنا تلك في استمرار منع استيقاظ الرُّوح الدِّينيَّة بأيِّ شكل، وبأيِّ أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف لإخماد أيِّ بادرة ليقظة الرُّوح الإسلاميَّة في المنطقة المحيطة بنا».
إذًا، فالصراع مع اليهود ليس صراعا سياسيا، بل هو صراع دينيّ عقديّ، فهم يحاربون الإسلام، ولا يعرفون معنى للسلام، فوجب حلّه دينيًّا، ومواجهته عقديًّا.
إنّ هؤلاء العصابة المارقة يقاتلوننا بدينهم الباطل، فلنقاتلهم بديننا الحقّ، لأنّ الحق يدحض الباطل، كما قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).
ثاني عشر:
فيه إشارة إلى أنَّ من أسباب النَّصر الرُّجوع إلى الإسلام الصَّحيح والتَّمسُّك بمبادئه وتعاليمه قلبًا وقالبًا؛ وتحقيق التَّوحيد وإخلاص العبوديَّة لله وحده، لقوله صلى الله عليه و سلم : «يَا مُسْلِمُ! يَا عَبْدَ اللهِ!»، فمن اتَّصف بهذين الوصفين فهو المؤهَّل لحمل الأمانة ولواء النَّصر، ويشهد له ما رواه عبد الله بن عمر مرفوعًا: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بالعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزَعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود (3462) بإسناد صحيح، والإسلام الصَّحيح هو ما كان عليه النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم وأصحابه ومن سار على دربهم من التَّابعين وتابعيهم، ويدلُّ عليه قوله عليه الصلاة و سلام : «ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَة عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ» رواه أحمد (30/355) عن النعمان بن بشير، بإسناد صحيح، وأخبر أنَّ الطَّائفة المنصورة إلى يوم القيامة هي ما كان عليه صلى الله عليه و سلم وأصحابه.
وإنَّ الله تعالى لا ينصر أمَّةً عمَّت فيها الشِّركيَّات، وفشت الخرافات والمحدثات.
ثالث عشر:
فيه إشارة إلى أنَّ اليهود، من خصالهم الجُبْن والخوف من الموت؛ وذلك لشدَّة حرصهم على الحياة، كما قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة 96]، لقوله صلى الله عليه و سلم: «هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي»، وقد بيّن الله تعالى هذه الحقيقة، وكشف عن شخصيَّتهم الضَّعيفة، ونفسيَّتهم الهزيلة، وأنَّهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مبارزة أهل الإيمان إلاَّ وهم مستترون خلف الحيطان، مختفون وراء الجدران كالجرذان، بل يخافون من المسلمين أكثر من خوفهم من الملك الديّان، كما قال سبحانه: ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)﴾ [الحشر ]، ولقد انكشفت هذه الحقيقة في هذا الزَّمان، بشكل واضح للعيان، حيث شهد عدوانهم الأخير على مدينة «غزَّة»، فما كانوا يقاتلون إلاَّ بالطَّائرات والبوارج والدَّبَّابات، ولمّا نزلوا بساحة الوغَى، تحصّنوا بالقرى، وإذا اشتدّت الملحمة، تباكوا وسُمع لهم صياح كالذئب إذا عوى.
رابع عشر:
فيه دليل على بقاء الإسلام وانتصاره وانتشاره إلى قيام السَّاعة، وإلى نزول عيسى؛ الَّذي يحكم بشريعة الإسلام، ويقاتل الدَّجَّال، ويستأصل اليهود الَّذين هم أتباع الدَّجَّال، لقوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ»، وقد وردت أحاديث تؤكِّد وتؤيِّد هذا المعنى، منها ما رواه ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ» رواه مسلم (7440)، وما رواه تميم الدَّاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلامَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بهِ الكُفْرَ» رواه أحمد (28/154)، وصحَّحه الشَّيخ الألباني : على شرط مسلم في «تحذير السَّاجد» (ص112).
خامس عشر:
وفيه أنَّ اليهود والكيان الصُّهيوني، ستنقضي جولتهم، وتنتهي دولتهم، وتنتكس أعلامهم وتنطمس معالمهم، على أيدي المسلمين، مهما طال الليل والنهار، وتعاقبت الأمصار والأعصار، وإنّما الأمور بالخواتيم.
سادس عشر:
فيه دلالة على أنَّ اليهود قومٌ قد انطووا على الخبث كشجرتهم الغرقد، وهي شجرة شوكيَّة، ذات أشواك صلبة، لها تأثير سامٌّ، ولها ثمارٌ لا فائدة فيها، وتنمو في الأراضي الجافَّة المالحة الَّتي لا تصلح للزِّراعة، وهي من الشُّجيرات الَّتي يتشائممنها البدو، ويزعمون أنَّ الجنَّ يسكنها، بسبب ضررها على الإنسان والماشية، قال الإمام النَّووي: في «شرح مسلم» (18/45): «الغرقد نوعٌ من شجر الشَّوك معروف ببيت المقدس».
ولا شكَّ أنَّ للبيئة تأثيرَا عجيبًا في طبائع النَّاس وأخلاقهم، ويظهر هذا جليًّا في اليهود، فقد حرموا كلّ صفات البرّ، وجمعوا كلّ خصال الشَّرِّ: من المكر والغدر، والحسد والبغض، والخيانة ونقض الوعد، والقسوة والغلظة، وقتل الأنبياء، والفحشاء والمنكر، وأكل الرِّبا والسُّحت، والخزي وغير ذلك، ويكفيك أنّهم أتباع الدجّال الذي إذا خرج أفسد في الأرض، وأهل الحرث والنسل؛ ولهذا لَمَّا يقتله المسيح، ويستأصل شأفة اليهود، يعمُّ الخير أرجاء الأرض، فيفيض المال ويحسن الحال، وتكثر الزُّروع والضُّروع، وتدفن الأحقاد والأحساد، وتزول الشحناء والبغضاء، ويتحقق الأمان حتى مع الحيوان، وينزل من السَّماء ماء ليطهِّر الأرض من أرجاسهم وأنجاسهم، فعن أبي هريرة ا مرفوعًا: «وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُم ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِر الصَّلِيبَ، وَيَقْتُل الخِنْزِيرَ، وَيَضَع الجِزْيَةَ، وَيَفِيض المَال حَيْثُ لاَ يَقْبَلُهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ثمَّ يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء 159]».
وفي حديث النَّوَّاس بن سمعان:«ويهبط نبي الله عيسى وأصحابه فلا يجدون موضع شبر إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم فيرغبون إلى الله فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله عليهم مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسله حتى يتركه كالزلقة ثمَّ يُقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردِّي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرُّمَّانة، فتُشْبعهم، ويستظلِّون بقحفها، ويبارك اللهُ في الرّسل حتَّى إنَّ اللُّقحة من الإبل تكفي الفئام من النَّاس، واللُّقحة من العنز تكفي القبيلة، واللُّقحة من الغنم تكفي الفخذ، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله عليهم ريحًا طيِّبة فتأخذ تحت أباطهم، فتقبض روح كلَّ مسلم، ويبقى سائر النَّاس يتهارجون، كما تتهارج الحُمر، فعليهم تقوم السَّاعة»، رواه ابن ماجه (4075) بإسناد صحيح.
وفي حديث أبي أمامة الباهلي أيضا: «فَيَكُونُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ في أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلاً، وَإِمَامًا قِسْطًا، يَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَذْبَحُ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ، وَتُتْرَكُ الصَّدَقَةُ، فَلاَ يسْعَى عَلَى شَاةٍ وَلاَ بَعِيرٍ، وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ، وَتُنْزَعُ حُمة ذَاتِ كلِّ حُمة، حَتَّى يُدْخِلَ الوَلِيدُ يَدَهُ في الحَيَّةِ فَلاَ تَضُرُّهُ، وَتَفْرُكُ الوَلِيدَةُ الأَسَدَ، فَلاَ يَضُرُّهَا، وَيَكُونُ الذِّئْبُ في الغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا، وَيمْلأُ الأَرْض مِنَ السِّلْمِ كَمَا يملأُ الإنَاء مِنَ المَاءِ، وَتَكُونُ الكَلِمَةُ وَاحِدَة، فَلاَ يُعْبَدُ إِلاَّ اللهُ، وَتَضَعُ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا، وَتَكُونُ الأَرْضُ كَفَاثُورِ الفِضَّةِ، تُنْبِتُ نَبَاتَهَا بعَهْدِ آدَمَ، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى القَطْفِ مِنَ العِنَبِ فَيُشْبعَهُمْ، وَيَجْتَمِعُ النَّفَرُ عَلَى الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعَهُمْ، وَيَكُونُ الثَّورُ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ المَالِ، وَتَكُونُ الفَرَسُ بالدُّرَيْهِمَاتِ»رواه ابن ماجه (4077)، وفيه ضعف، لكن هذه الفقرات لها شواهد، كما نبّه إليه الشيخ الألباني رحمه الله في «قصة المسيح الدجال» (49).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء في القطر و يؤذن للأرض في النبات حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت و حتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره و يطأ على الحية فلا تضره و لا تشاح و لا تحاسد و لا تباغض»، وصحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في «صحيح الجامع» (7366).
هذا، والله يقول الحقّ وهو يهدي إلى سواء السبيل، وآخردعوانا أن الحمد لله رب العالمين
_____________
([1]) انظر: «الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة» العقل والقفازي (ص18 ـ 19)، الرِّياض، دار الصميعي/ ط1، 1413هـ ـ 1992م.
([2]) انظر «لسان العرب»: مادة «هود»، «تفسير ابن كثير» (1/285)، «تفسيرالقرطبي» (1/432)، «معجم المناهي اللَّفظيَّة» لشيخنا بكر أبو زيد، «حكم تسمية اليهود بإسرائيل» لشَّيخنا رَّبيع.
([3]) «صراعنا مع اليهود» (59).
([4]) السبخة بالفتح الأرض المالحة، وجمعها سباخ؛ وهي معروفة. وانظر «مشارق الأنوار» (2/399).
([5]) الساج: هوالطيلسان الأخضر، وجمعه السيجان. أنظر «غريب الحديث» لابن الجوزي (1/512)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق