تبرئة المنهج السلفي من مغالطات وأراجيف أبي الحسن المصري الخلفي
الحلقة الأولى
ردٌّ على مقالة :
(حقًّا الذي يثير الفتن هو الشيخ ربيع الحلقة الثالثة)
(حقًّا الذي يثير الفتن هو الشيخ ربيع الحلقة الثالثة)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه؛
أما بعد؛ فقد وقفت على مقال كتبه أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل المصري وطنًا المأربي منزلاً، بعنوان: "حقًّا الذي يثير الفتن هو الشيخ ربيع" (الحلقة الثالثة)، وقد استعرضته فوقفت فيه على مغالطات وأراجيف تحتاج إلى نقد وبيان حتى لا يغتر بها الجهال وضِعاف العلم والإيمان الذين لا يميزون الحق عن الباطل في هذه المسائل.
ومَن يقرأ هذا المقال وحده دون أن تكون له خلفية سابقة بحال أبي الحسن، وبأقواله ومواقفه المناهضة للمنهج السلفي، وبردود العلماء عليه يخاله مفترىً عليه، وقد يتعاطف معه، فما أشبه حاله بحال ابن صيَّاد وصنيعه مع أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، حيث أخرج مسلم في صحيحه (2927) عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا حجاجًا أو عُمارًا، ومعنا ابن صائد قال فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي، فقلت: إن الحرَّ شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة، قال: ففعل، قال: فرفعت لنا غنم فانطلق فجاء بعس فقال: اشرب أبا سعيد، فقلت: إن الحر شديد واللبن حار، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده، أو قال آخذ عن يده، فقال: أبا سعيد لقد هممت أن آخذ حبلاً، فأعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس يا أبا سعيد، من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كافر وأنا مسلم؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عقيم لا يولد له، وقد تركت ولدي بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل المدينة ولا مكة، وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟ قال أبو سعيد الخدري: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: أما والله إني لأعرفه، وأعرف مولده وأين هو الآن! قال: قلت له: تبًّا لك سائر اليوم.
وفي رواية عند أحمد في مسنده (18/412/ط الرسالة): قال أبو سعيد: حَتَّى رَقَقْتُ لَهُ.
وصدق ابن رجب حين قال في جامع العلوم والحكم (ص432): "فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة -سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا-، على أن ينتصر للباطل، ويُـخيِّل للسامع أنه حقٌّ، ويوهن الـحق، ويـخرجه في صورة الباطل، كان ذلك من أقبح المحرمات، وأخبث خصال النفاق".
واعلم –رحمك الله- أن من أبرز علامات الضلال: اللَّدد في الخصومة، والجدل بالباطل، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ".
قال القرطبي في "المفهم تلخيص مسلم" (6/690): "وهذا الخصم المبغوض عند الله هو الذي يقصد بمخاصمته: مدافعة الحقّ, وردّه بالأوجه الفاسدة, والشّبه الموهمة, وأشدّ ذلك الخصومة في أصول الدّين".اهـ
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ"، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}( ).
قال المناوي في شرح هذا الحديث كما في فيض القدير (5/453): "أي ما ضلَّ قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل، يعني من ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة، والمراد لم يمش حاله إلا بالجدل أي الخصومة بالباطل، وقال القاضي: الـمراد التعصُّب لترويج الـمذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة لا الـمناظرة لإظهار الـحق واستكشاف الحال، واستعلام ما ليس معلومًا عنده أو تعليم غيره ما عنده ..".اهـ
قلت: وسأقوم –مستمدًا العون من الله عز وجل- على تبرئة منهج السلف الصالح من أراجيف وترهات أبي الحسن، مبينًا كذبه وتدليسه على أئمة السلف من السابقين والحاضرين.
قال أبو الحسن: "وقد سمعته مرة –أي الشيخ ربيعًا- وهو مرة يعلق على قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد نقل الإجماع عن أهل السنة على أن الرجل يُحَب ويُبْغض، ويُوصل ويُهْجَر، على حسب ما فيه من خير وشر، وسنة وبدعة، فقال الشيخ ربيع معلقًا غير راضٍ بهذا الإجماع: "غفر الله لابن تيمية، فتح الباب أمام الإخوان المسلمين"، فقلتُ له: كلام شيخ الإسلام حق، ولا يجوز دفعه، وهل الإخوان المسلمون أسْعد بابن تيمية مِنَّا؟! ومعلوم أن المؤمن تجتمع فيه طاعة ومعصية، وهذا مذهب أهل السنة بخلاف الخوارج، والطاعة توجب المحبة، والمعصية توجب البغض، فقد يجتمع في الرجل الواحد موجِب هذا، وموجِب ذاك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن أُتي به للحد على شرب الخمر، وقد لعنه رجل: "لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله"، فاجتمع فيه حب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحب شرب الخمر، ولم يُذْهِب شُرب الخمر أصْلَ محبة الله ورسوله، وإن أذهب كمالها الواجب، فتأمل، ولا تنخدع بأعاصير ربيع المدخلي!!".اهـ
قلت: كذا أبو الحسن يتبع ما تشابه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ونسي أن الراسخين في العلم سخَّرهم الله لكشف عوار أمثاله من أهل الأهواء.
وأبو الحسن لم يعز الكلام إلى موضعه من كتب شيخ الإسلام، ولعلَّه يشير إلى ما قاله شيخ الإسلام –رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (26/209): "وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ تَجِبُ مُوَالَاتُهُ وَإِنْ ظَلَمَك وَاعْتَدَى عَلَيْك وَالْكَافِرُ تَجِبُ مُعَادَاتُهُ وَإِنْ أَعْطَاك وَأَحْسَنَ إلَيْك؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَيَكُونُ الْحَبُّ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْبُغْضُ لِأَعْدَائِهِ وَالْإِكْرَامُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْإِهَانَةُ لِأَعْدَائِهِ وَالثَّوَابُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْعِقَابُ لِأَعْدَائِهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الرَّجُلِ الْوَاحِدِ خَيْرٌ وَشَرٌّ وَفُجُورٌ وَطَاعَةٌ وَمَعْصِيَةٌ وَسُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: اسْتَحَقَّ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَالثَّوَابِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَاسْتَحَقَّ مِنْ الْمُعَادَاتِ وَالْعِقَابِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الشَّرِّ فَيَجْتَمِعُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُوجِبَاتُ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ مِنْ هَذَا، وَهَذَا كَاللِّصِّ الْفَقِيرِ تُقْطَعُ يَدُهُ لِسَرِقَتِهِ وَيُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ لِحَاجَتِهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَخَالَفَهُمْ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجْعَلُوا النَّاسَ لَا مُسْتَحِقًّا لِلثَّوَابِ فَقَطْ، وَلَا مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ فَقَطْ".
قلت: فكما هو ظاهر أن شيخ الإسلام –رحمه الله- يؤصل لمسألتين:
الأولى: أن الحب يجب أن يكون في الله، كما أن البغض يجب أن يكون في الله.
والثانية: أن الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة يكون بحسب الخير أو الشر الذي اقترفه العبد.
واتفاق أهل السنة الذي نقله في مقابل الخوارج والمعتزلة إنما هو في مسألة انتفاء الإيمان من عدمه في حق العاصي والمبتدع، ليس في مسألة محبة المبتدع وبغضه على حسب ما فيه من سنة وبدعة، ولذا عقَّب بقوله: "وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مَنْ يُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ مَنْ يَأْذَنُ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ كَمَا اسْتَفَاضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وقال أبو الحسن: "ومعلوم أن المؤمن تجتمع فيه طاعة ومعصية، وهذا مذهب أهل السنة بخلاف الخوارج".
قلت: هذا خلط منه قبيح –يجري على سننه في الخيانة والتدليس- بين مسألة بغض وهجر أهل البدع وبين تكفيرهم، فهجر أهل البدع –الغير مكفِّرة- وبغضهم، والذي أجمع عليه السلف –كما سيأتي بيانه إن شاء الله-، لا يلزم منه نفي الإيمان عنهم بالكلية –أي تكفيرهم-.
فهذا تشويه منه متعمَّد للسلف الصالح ولمن سلك سبيلهم، واتهامهم بأنهم خوارج.
فأبو الحسن –كفى الله المسلمين شرَّه- يدَّعي إجماعًا على خلاف ما كان عليه السلف في مسألة بغض المبتدع؛ ليلبِّس على الناس أمر دينهم، كحال أهل الكتاب الذين كانوا يلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق وهم يعلمون، كما قال شيخ الإسلام –رحمه الله- في "النبوات" (1/479): "ولأهل الكلام والرأي من دعوى الإجماعات التي ليست صحيحة، بل قد يكون فيها نزاع معروف، وقد يكون إجماع السلف على خلاف ما ادَّعوا فيه الإجماع ما يطول ذكره ...".
قلت: أئمة الجرح والتعديل قاطبة يحكمون على من وقع في البدعة الظاهرة التي لا تخفى بأنه مبتدع، وإن كان هذا الشخص موافقًا للسنة في مسائل أخرى، وشيخ الإسلام موافق لهذا المنهج الرباني في كل مؤلَّفاته وردوده على أهل البدع، وينقل عنهم عشرات المواضع من أحكامهم على هؤلاء المبتدعة مقرًّا لهم على هذه الطريقة.
وقد نقل غير ما واحد من أهل العلم إجماع السلف على بغض المبتدع وهجره والتحذير منه، دون النظر إلى ما قد يوافق فيه السنة، وإليك نصُّ كلامهم؛ لتدرك تحريف وتدليس أبي الحسن:
نقل القاضي أبو يعلى في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص189-200) إجماع الصحابة على هجر أهل البدع.
وقال ابن بطة -رحمه الله¬- في الإبانة الكبرى (2/532): حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد ( ت: 174 هـ ) قال: "أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أوليّة الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب والأخذ بالرأي أشد العيب، وينهوننا عن لقائهم، ومجالستهم، وحذرونا مقاربتهم أشد التحذير، ويخبرونا أنهم على ضلال، وتحريف لكتاب الله وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم".
وقال الآجري في الشريعة (5/2540/ط دار الوطن): تحت باب "ذكر هجرة أهل البدع والأهواء": "ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا -وهو كتاب الشريعة- أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس ولا يصلى خلفه، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله، بل يذله بالهوان له".
وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني - رحمه الله – مبيِّنًا عقيدة السلف أصحاب أهل الحديث: "واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم."
وقال أيضاً: "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}".
وقال البغوي في شرح السنة (1/227): "وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنن مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم".
وقال الشاطبي في "الاعتصام" (1/120): "إن فرقة النجاة –وهم أهل السنة- مأمورون بعداوة أهل البدع والتشريد بهم والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم بالقتل فما دونه، وقد حذَّر العلماء من مصاحبتهم ومجالستهم".
ويقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ –رحمهم الله جميعًا- كما في الدرر السنية (4/274-275): "ومن السنن المأثورة، عن سلف الأمة وأئمتها، وعن إمام السنة: أبي عبدالله، أحمد بن محمد بن حنبل، قدس الله روحه: التشديد في هجرهم، وإهمالهم، وترك جدالهم، وإطراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم، وذمِّهم، وعيبهم".
قلت: فهذه نقولات واضحة في إجماع السلف على بغض أهل البدع وإهانتهم وإذلالهم، وعيبهم، دون عقد هذه الموازنة التي يريدها أبو الحسن لإنصاف أهل البدع، في محاولته للتقارب معهم، بل إن السلف الصالح ومن اتبعهم بإحسان يرون أن تعظيم صاحب البدعة يكون معولاً في هدم الإسلام، كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "من عظّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام".
وللفضيل بن عياض أقوال أخرى في هذا الباب تهدم أراجيف أبي الحسن هدمًا، وتبين لك مَن المنتحل لمنهج السلف زورًا وبُهتانًا، وقد ختم بها أبو محمد الحسن بن علي البربهاري –رحمه الله- كتابه "شرح السنة"، وكذا ذكرها ابن بطة في الشرح والإبانة (185-189)، (197)، وإليك نصُّها:
"مَن جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة".
"لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة".
"مَن أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه".
"مَن جلس مع أصحاب بدعة في طريق، فَخُذْ في طريقٍ غيره".
"آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد".
واستفاض عن عدد من السلف قولهم: "مَن وَقَّر صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام"، نحو: إبراهيم بن مسيرة، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن مسلم، أخرجها جميعًا: أبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام وأهله" (5/136-138).
وأخرجه أيضًا أبو طاهر السِّلَفي فيما انتخبه من أصول المبارك بن عبدالجبار الطُّيوري –المسمّى بالطيوريات- (4/7) بسند صحيح عن الأوزاعي.
وقد رُوي هذا المعنى مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح، كما في "الموضوعات" لابن الجوزي (1/270-271).
وقال الشاطبي - رحمه الله -: "فإن توقير صاحب البدعة مظنّة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنّه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنّة على سنّتهم.
والثانية: أنّه إذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرِّض له على إنشاء الابتداع في كل شيء.
وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه".اهـ
ونقل البغوي في شرح السنة (1/224)، وشمس الحق العظيم آبادي في "عون المعبود" (13/255) (ط الكتبي-المكتبة السلفية بالمدينة)، (13/174) (ط دار الكتب العلمية) أن هجرة أهل الأهواء والبدع واجبة دائمة على مر الأوقات ليست مقيَّدة بثلاثة أيام، ما لم تظهر منه التوبة والرجوع.
فما هو ردُّك على هذه النقولات البيِّنة في بيان منهج السلف في التعامل مع أهل البدع؟!
والجواب: هم على منهجك غلاة منفِّرون ليس في قلوبهم رحمة لأهل البدع، كالرحمة التي ملأت قلبك حتى صنَّفت لهم كتابك "الدفاع عن أهل الاتباع"؛ لترفع عنهم أحكام علماء السنة الذين طبَّقوا إجماع السلف في التحذير منهم والتنفير عنهم وبغضهم وإذلالهم، والحكم على بعض أقوالهم وأفعالهم التي بلغت الكفر أنها كفرٌ وضلال، وأن فاعل هذا كافر، وأمَّا عند التعيين، فيكون بتوفر الشروط المعروفة في هذا الباب، وانتفاء الموانع.
فصدق عليك قولك: "فرقٌ بين السلف، وبين بعض من ينتحل مذهبهم اليوم، كالفرق بين السماء والأرض".
وبهذه الخيانة من أبي الحسن في كذبه على السلف الصالح وتحريفه لمنهجهم، ندرك مشابهته لصنيع أهل الكتاب في كلام الله؛ حيث قال الله سبحانه فيهم: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يخبر تعالى عن اليهود، عَليهم لعائن الله، أن منهم فريقًا يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه ويُبَدِّلون كلام الله، ويزيلونه عن المراد به، ليُوهِموا الجهلة أنه في كتاب الله كذلك، وينسبونه إلى الله، وهو كذب على الله، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله؛ ولهذا قال: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }".
وعلَّق البخاري في صحيحه بصيغة الجزم عن ابن عباس أنه قال: "{يُحَرِّفُونَ} يُزِيلُونَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ".
وقال الله سبحانه أيضًا في إثبات صفة التحريف والخيانة لأهل الكتاب، والتي شابههم فيها أهل الأهواء من هذه الأمة: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}.
ذكر العلامة عبدالرحمن ناصر السعدي –رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية خمس عقوبات عاقب الله بها أهل الكتاب لما نقضوا ميثاقه سبحانه المذكور في الآية (12) من سورة المائدة:
العقوبة الأولى: اللعن: أي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، والثانية: قسوة القلوب فلا تجدي فيها موعظة، ثم قال: "الثالثة: أنهم { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ } أي: ابتلوا بالتغيير والتبديل، فيجعلون للكلم الذي أراد الله معنى غير ما أراده الله ولا رسوله، الرابعة: أنهم {نسوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} فإنهم ذُكِّروا بالتوراة، وبما أنزل الله على موسى، فنسوا حظًّا منه، وهذا شامل لنسيان علمه، وأنهم نسوه وضاع عنهم، ولم يوجد كثير مما أنساهم الله إياه عقوبة منه لهم.
وشامل لنسيان العمل الذي هو الترك، فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به، ويستدل بهذا على أهل الكتاب بإنكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم، أو وقع في زمانهم، أنه مما نسوه.
الخامسة: الخيانة المستمرة التي {لا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ} أي: خيانة لله ولعباده المؤمنين، ومن أعظم الخيانة منهم، كتمهم عمَّن يعظهم ويحسن فيهم الظن: الحق، وإبقاؤهم على كفرهم، فهذه خيانة عظيمة، وهذه الخصال الذميمة، حاصلة لكل من اتصف بصفاتِهم.
فكلُّ من لم يقم بما أمر الله به، وأخذ به عليه الالتزام، كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب، والابتلاء بتحريف الكلم، وأنه لا يوفق للصواب، ونسيان حظ مما ذُكِّر به، وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة، نسأل الله العافية".اهـ
قلت: ألا فليحذر أبو الحسن من هذه العقوبات، ولا يأمن مكر الله، وقد حرَّف بعض أصول منهاج السلف الصالح –الذي هو منهاج النبوة-، وخان الأمانة بكتمه النصوص السلفية القاضية ببغض أهل البدع والتنفير عنهم، فحرَّف الكلم عن مواضعه، وأعطى صكوك الأمان للأحزاب المنحرفة ورءوس الضلال، بأنهم في مأمن من التبديع، وأن بدعهم من جنس الأخطاء الاجتهادية، بل في مأمن من التكفير، وإن أتوا بالكفر البواح، فعوقب بالازدياد في الانحراف وعدم قبول الحق رغم وضوحه، مصداق للسنة الربانية المذكورة في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.
فإن قال أبو الحسن: إنما هم أهل بدع عندكم، أما نحن –أهل الوسطية- فلا تظهر لنا بدعهم التي تقتضي إهانتهم وإذلالهم وبغضهم!!
قلنا: صدقت في إظهار التطبيق العملي الواضح لمنهجك الواسع الأفيح، النابع من قلبك الرحيم، الذي يتسع لقبول ضلالات سيد قطب وحسن البنا وحزب الإخوان المسلمين، وهذا ما قررته في قولك: "وذكرتُ أن منهج أهل السنة ليس بهذا القدْر من الضيق الذي يقيم الولاء والبراء على المسائل الاجتهادية، ومنها الحكم على الأفراد والجماعات؟".
قلت: وهل كان السلف يقرون تفرق الأمة إلى شيع وأحزاب وجماعات تحمل البدع الكبرى والضلالات؟!
وقولك: "إظهار أن المخالف لربيع في فهم بعض كلمات سيد قطب؛ هو مخالف لعقيدة السلف، وأنه يؤصل أصولاً لهدم العقيدة؛ كلام لا يُقْبل إلا في الميزان الخاسئ المقلوب لربيع وأمثاله.
ج- أُشهد الله على إنكار كل ما خالف فيه سيد قطب وغيره الحق".
قلت: فهذا كلام واضح صريح من أبي الحسن –بجانب ما سطره من قبل في كتابه "الدفاع"- في تأكيد تطبيقه للمنهج الواسع، والذي بناه على التدليس القبيح والخيانة الواضحة للقارئ الذي لا يدرك حقيقة الأشياء التي أبهمها وأجمل القول عنها في كلامه، فمن هذا:
أولاً: إبهامه هذه الجماعات –التي يعتبر الحكم عليها محل اجتهاد، لا ينكر فيه على المخالف-.
ثانيًا: إبهامه ذكر الكلمات التي أنكرها الشيخ ربيع على سيد قطب، وكتمه موافقة عدد من كبار العلماء للشيخ ربيع على إنكاره هذا.
ثالثًا: إظهاره سيد قطب بصورة المجتهد الذي تُنكَر بعض أقواله المخالفة للحق، دون الحكم عليه بالبدعة والضلال، إمعانًا منه في تشويه صورة الشيخ ربيع بإظهاره بصورة المغالي الذي افترى على سيد قطب، حينما وصفه بالضلال والانحراف، وأنه جمع البدع الكبرى.
ويكفيني الآن أن أحيلك –وأحيل كلَّ منصف- إلى ما سطره بنان سيد قطب في "العدالة الاجتماعية"، وفي "كتب وشخصيات" من سبٍّ مقذع لخيار خلق الله بعد الأنبياء والرسل: وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى مقاله في مجلة الرسالة (عدد 951 الاثنين 24 ذو الحجة 1370ه) بعنوان: "إذا جاء نصر الله والفتح" (مهداة إلى آية الله الكاشاني –الرافضي-)، وإلى قيام الدولة الخمينية الرافضية الفارسية الباطنية الإيرانية بطباعة صورة سيد قطب على طابع بريد تمجيدًا لذكراه؛ لتدرك حقيقة هوية سيد قطب، الذي تتورع عن تبديعه حتى الآن متلفحًا رداء الوسطية تدليسًا وتلبيسًا وتشبعًا بما لم تعط!!
واسمع –إن كنت سامعًا- إلى ما قاله "مصطفى ملص" في كتابه "الجمهورية الإسلامية –ليست إسلامية بل هي فارسية باطنية - الإيرانية في الوحدة الإسلامية" (الفصل الثالث: قائد الثورة الإسلامية –بل الرافضية-، والوحدة الإسلامية –يعني إذابة السنة في الروافض-): "..ولهذا نجد أن الإمام الخامنئي وفي مطلع شبابه قد قام بترجمة كتاب سيد قطب «المستقبل لهذا الدين» وذلك في العام 1387 هجري قمري، ترجمه إلى اللغة الفارسية باعتباره أحد الكتب المبشرة بأن المستقبل إنما هو لهذا الدين في وقت كان عقل العالم وفكره يتجه إما إلى الشيوعية التي كانت تعيش أيام عزها ومجدها، وإما إلى الرأسمالية التي كانت قد خرجت منتصرة من حرب عالمية وتمد شبكة سيطرتها فوق بقاع واسعة من الأرض".
وانظر أيضًا: مجلة رسالة التقريب، الصادرة عن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، العدد الثاني عشر، الدورة الثالثة، صفحة 15، المقال: من وثائق التقريب، مقدم ترجمة الإمام الخامنئي لكتاب المستقبل لهذا الدين للأستاذ سيد قطب.
فتأمل هذا التقية الفاجرة التي يستخدمها الخامنئي –عليه لعنة الله- بتظاهره العمل على نصرة الإسلام، في مقابل الشيوعية والرأسمالية، وإنما يعني بالإسلام: دين الإمامية الروافض الذي أوحت به إليهم الشياطين، ومن ثَمَّ حدث هذا التوافق بينه وبين سيد قطب؛ لأن منهجهما مشترك في حرب أصول الإسلام الصحيح !
وقد صرَّح أبو الحسن في مواطن أخرى متعددة بما أبهمه في هذا المقال من أسماء الجماعات، ومنها: جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ والدعوة، وذب عنهما، وشهد لهما بأنهما يدخلان في جملة أهل السنة، ومن هذه المواضع ما يلي:
أولاً: في لقاء له مع صحيفة إيلاف معه في 2 يوليو 2009: سئل:
"..غير أن هناك نقاطًا خلافية يشترك فيها الإخوان غالباً هنا وهناك وهنالك، ومع ذلك فأنا أعدهم من عموم أهل السنة في الجملة وإن خالفتهم في مسائل جوهرية، وهم إخواننا وإن بغوا علينا، ولا نجيز لأحد أن يظلمهم أو يتجاوز الحد معهم، كما لا يجوز لأحد أن يتعصب لهم ويوالي ويعادي في حزبهم، وأنصح بالتعاون معهم ومع غيرهم في كل ما يخدم الدين بالنظرة الشرعية لا الحزبية".اهـ
قلت: هذه عقيدتك ليس عقيدة أهل السنة والجماعة، فلا تحشر نفسك فيهم، وأنت تخالف أصولهم وأئمتهم، بل تخالف المعلوم من الدين بالضرورة باعتبارك النقاط الخلافية بين السلفيين والإخوان، لا تخرج حزب الإخوان من أهل السنة؛ رغم اعترافك أنها مسائل جوهرية، فإن كانت هذه المسائل الجوهرية التي تمس التوحيد وأصول الاعتقاد لا تخرج مخالفها من أهل السنة، فلا وجود إذن لفرق أهل البدع، وبهذا يصير كل المسلمين على اختلاف مناهجهم البدعية أهل سنة في نظرك، وهذا غلو شنيع منك يؤكد أنك إخواني قطبي؛ فاخلع القناع المزيف وانزع عنك جبة السلفية التي لا حقيقة لها في مقالاتك.
ثانيًا: في لقائه مع مجلة البلاغ:
"س: كل الحركات الإسلامية على الساحة في نظر التيار الوهابي مخالفة ومبتدعة ومارقة، ما هذه الرؤية التي تحملونها على الآخرين؟ ولما ذا ترون في أنفسكم لوحدكم سفينة نوح؟
فكان موضع الشاهد من إجابته: "ألسْنا نقول: إن جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ التي نعرفها جماعات من أهل السنة والجماعة، ومن خالف ذلك من أفرادهم، فيُحكم عليه بما يستحق؟ ألسنا نحكم على الصوفية بأنها فرقة مُصَنَّفة عند أئمة السنة بأنها من فرق السنة بالمعنى العام، وإنما تُنْكَر أفعالهم أو أفعال بعضهم المخالفة للدين، ولا يُحْكم على المعين إلا بالقيود السابقة؟ ألسْنا نتكلم على ضرر العلمانية والليبرالية، دون الطعن في إسلام أحد الدعاة إلى ذلك – فضلا عن الأتباع-؟ بل من هو الاشتراكي أو البعثي الذي كفَّرناه بعينه، وإن كنا نفنِّد المقالات ونحذَّر منها؟"، إلى أن قال: "ونعلم أن أهل السنة فِرَقٌ متعددة، فمنهجهم معصوم، وأفرادهم غير معصومين، والحق لا يفوت إجماعهم، وما فيهم من شر أو جهل أو ظلم فهو في غيرهم أكثر، وما عند غيرهم من خير، أو علم، أو عدل، أو فضل؛ فهو فيهم أكثر".
قلت: قال الشيخ ربيع بن هادي –حفظه الله- في مقاله: "تنبيه المغرور إلى ما في مقال أبي الحسن من الضلال والشرور" (الحلقة الثانية): "أبو الحسن وحده هو الذي يحكم للإخوان المسلمين وجماعة التبليغ بأنهم من أهل السنة، مراغمًا ومخالفًا لكبار أهل السنة الذين يحكمون بالحق، ولا يتلاعبون في أحكامهم مثل أبي الحسن فيجعلون أصلهم أهل سنة، وبعض أفرادهم يحكم عليه بما يستحق، ثم يتوعد من يخالفهم بأنه سيحكم عليه بما يستحق، لأنهم هم أهل الحق عنده، فيا لها من مهازل.
ويخالف أهل السنة الذين يحكمون على الصوفية التي تتجاوز عشرات الطرق في العالم بأنهم أهل ضلال؛ لأن في عقائدهم ومناهجهم الحلول ووحدة الوجود والشركيات، ومن رؤوس طرقهم التيجانية والمرغنية والشاذلية والقادرية والبرهامية وغيرها، وهم يمثلون السواد الأعظم في مصر والسودان ودول المغرب العربي ودول إفريقيا، ولا تنس الطرق الصوفية في بلاد الشام، ولا تنس أن في مصر قرابة ألفين قبر معبود، ولها صناديق نذور تجبى فيها الأموال الطائلة لزعماء الصوفية، ولا تنس الطرق البليروية في الهند وباكستان وبنجلاديش، الذين يمثلون ثمانين في المائة من المسلمين ذلك الإسلام المظلوم، ولا تنس الطرق النقشبندية والسهروردية والقادرية والجشتية التي تنتشر أيضاً في الهند وباكستان وبنجلاديش، وهذه الطرق الضالة هي التي تنشر عبادة القبور وتشيد المباني عليها، حتى تجاوزت القباب والبنايات على القبور الألوف في العالم الإسلامي، وهم يستغيثون بالموتى، ويعتقدون في الأولياء أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، إلى غير ذلك من الضلالات ومنها محاربة التوحيد وأهله والطعون الشنيعة فيهم.
فلماذا يعد أبو الحسن هذه الفِرَق من أهل السنة بهذا الأسلوب الخائن الماكر الغادر بالمنهج السلفي، ويسدل الستار على هذه المخازي الكبرى، فيحكم لهم ظلماً وبغياً ومشاقة للحق وأهله بأنهم من أهل السنة، بل السواد الأعظم عنده سلفيون؟".
قلت: ثم فصَّل الشيخ ربيع –حفظه الله- في ذكر مذاهب مذاهب الليبرالية والاشتراكية والبعثية والديمقراطية، والتي أعطى أبو الحسن الدعاة إليها المعتقدين لما فيها من كفر صكَّ الإسلام، ومنه ندرك ضلال أبي الحسن، وانحرافه عن منهج السلف.
وثَمَّ فتاوى أخرى لأبي الحسن تشتمل على التضليل نفسه في جانب حزب الإخوان ورموزه البدعية، لا يتسع المقام لنقلها كلها في هذا الموطن، مع نقدها، ولكن أكتفي هنا بردٍّ عام على تضليله للقرَّاء، وهذا بأن أقوم –بعون الله وتوفيقه- بتلخيص أهم الأصول البدعية التي بُني عليها حزب الإخوان المسلمين، والتي تؤكد بلا أدنى مرية غلو أبي الحسن في حكمه عليه بأنه يدخل في جملة أهل السنة:
* الأصل الأول: حزب الإخوان أُسِّس على حقيقة صوفية، تقر التوسل بالأموات:
وهذا ما صرَّح به حسن البنا في قوله: "حزب الإخوان: حقيقة صوفية.. دعوة سلفية..طريقة سنية"( )، وأبان في “مذكرات الدعوة والداعية” -التي هي مذكراته- بلا تورية عن نشأته الصوفية التي يعتز بها، ويقدمها كنموذج للداعية، فقال كما في(ص24): “نزلت دمنهور مشبعًا بالفكرة الحصافية، ودمنهور مقر ضريح الشيـــــخ السيد حــــسنين الحصافي شيخ الطريقــــة الأولى، وفيها نُخبة صالحـــة من الأتبــــاع الكـــبار للشيخ، فكان طبيعيًّا أن أندمج في هذا الوسط، وأن أستغرق في هذا الاتجاه”.
قلت: هـــكذا البنا يصرح بأنه استغرق في اتجاه الطريقة الحصافية الصوفية، واندمج في وسط أتباعها؛ فكيف مثل هذا يصلح أن يكون مصلحًا مُجدِّدًا، فضلاً عن أن يُنسَب إلى أهل السنة؟!!
وقال في الأصل الخامس عشر من "الأصول العشرين لحزب الإخوان": "والدعاء إذا قُرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد خلقه، خلاف فرعيٌّ في كيفية الدعاء، ليس من مسائل العقيدة".
وقال في "مذكرات الدعوة والداعية" مؤكدًا معتقده في جواز شد الرحال للقبور والتوسل بالأموات، مما يبين لماذا أراد التهوين من هذا الشرك الأكبر في أصول الحزب العشرين: “وكنا كثير من أيام الجمع التي يتصادف أن نقضيها في دمنهور، نقترح رحلة لزيارة أحـــد الأولــــياء القريبين من دمنهور، فكنا أحـــيانًا نزور دســـوق فنمشي على أقدامنا..."، إلى أن قال: "كنا أحيانًا نزور عزبة النوام حيث دفن في مقبرتها الشيخ سيد سنجر من خواص رجال الطريقة الحصافية المعروفين بصلاحهم وتقواهم، ونقضي هناك يومًا كاملاً ثم نعود”.
وقال في بيان خروجه في الموالد كما في (ص25-26): “وأذكر أنه كان من عادتنا أن نخرج في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمواكب بعد الحضرة كل ليلة من أول ربيع الأول إلى ثاني عشر منه ... وخرجنا بالموكب ونحن ننشد القصائد المعتادة في سرور كامل وفرح تام”.
وكان من هذه القصائد التي ينشدها حسن البنا في المولد ما نقله أخوه عبد الرحمن البنا كما في كتاب (حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه ص71-72):
هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا
وسامح الكل فيما قد مضى وجرى
لقد أدار على العشاق خمرته
صرفًا يكاد سناها يذهب البصرا
يا سعد كرر لنا ذكرى الحبيب
لقد بلبلت أسماعنا يا مطرب الفقرا
وما لركب الحمى مالت معاطفه
لا شك أن حبيب القوم قد حضرا
قلت: كذا يزعم حسن البنا حضور النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحضرة الصوفية، وأنه سامح -أي غفر- لجميع الحاضرين ما مضى وما جرى؟!! ودعوى حضور النبي صلى الله عليه وسلم هذا المولد خرافة صوفية، تؤكد أن البنا تسنم درجة من أعلى درجات الغلو في التصوف الشركي، ويؤكد هذا دعوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سامحهم، فهذا ضلال شركي؛ لأن غفران الذنوب ليس إلا لله، كما قال تعالى: {ومَن يغفر الذنوب إلا الله}.
ومن ثَمَّ بنى حسن البنا المرحلة الثانية من مراحل الدعوة الثلاث على التصوف، كما في رسالته "التعاليم= حيث قال: “في المرحلة الثانية التي هي من مراحل التكوين ونظام الدعوة في هذه المرحلة صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحـــية العملية، وشعــــار هــــاتين الناحيتين دائمًا: أمر وطــــاعة من غــــير تردد ولا شك ولا حــــرج”. اهـ
قلت: وإمعانًا في تأكيد الحقيقة الصوفية لحزب الإخوان، وأن حسن البنا –لم يكن يعقد الولاء والبراء على مسائل التوحيد التي خالف الصوفية أغلبها خاصة الغلاة منهم-: قام حسن البنا باستضافة محمد عثمان الميرغني –صاحب الطريقة الميرغنية- في المركز العام للإخوان في غرة شعبان 1367 الموافق 9 يونيو 1948، وعقد حفلاً للاحتفاء به، ألقى فيه كلمة مجَّد فيها هذا الرجل وأهل طريقته الشركية قائلاً: "أعلام الجهاد، وأبطال العروبة وأقطاب قادة السلام"، بل بيَّن أن هذه الطريقة الشركية الخبيثة كانت من أول أنصار دعوة حزب الإخوان في بداية نشأتها، ثم قال: "وقد حضرت في سنة 1937 حفلاً للإسراء والمعراج في زاوية وخلوة السيد عثمان الميرغني الكبير بالإسماعيلية ..فالقلب الختمي والتأييد الختمي يسير مع الدعوة منذ فجرها، وسماحة السيد عثمان الميرغني الكبير وورَّاثه السيد محمد عثمان هو أول من حمل هذا اللواء وبشَّر به" [قافلة الإخوان للسيسي 1/208-209].
قلت: ومن أقوال هذا الميرغني:
وكنت عين وجود القدس في أزل يسبح الكون تسبيحًا لإجلالي
فالعرش والفرش والأكوان أجمعها الكلُّ في سعة مستهلَكٌ بالي
وكلُّ فضل سما للكون مرتفعًا فإنما هو من منّـِي وإفضـالـي
قال العلامة ربيع –سلمه الله- في كتابه "أبو الحسن يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان ودعاة حرية ووحدة الأديان" (ص90): "فهذا الميرغني الضال يدَّعي أنه هو الله في الأزل وأن الكون يسبح لإجلاله وتعظيمه، وأن كل فضل يوجد في الكون فإنما هو من منِّه وإفضاله !!!
فهذا أطغى من فرعون؛ ففرعون يدَّعي أنه إله مصر ! وهذا الضال الملحد يدَّعي أنه هو الله ...!! تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا".
قلت: فحسن البنا يمالئ صراحة –وبدون تورية- هذا الميرغني الضال –المدَّعي للألوهية-، ويعتبره أول من حمل لواء دعوة حزب الإخوان، وبشَّر به !!
فهل حسن البنا –بهذا الفجور الذي أمات به الولاء والبراء على التوحيد إماتة- يدخل في حيز الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، ولو بقيد أنملة؟! أم أنه بينه وبين هذا المنهج الرباني بعد المشرقين والمغربين ؟!
يا أبا الحسن –يا مدَّعي نصرة المظلومين وإنصاف المقهورين من حثالة أهل البدع والأهواء-: إن كنت تتبرأ حقًّا من هذا البلاء؛ فلينطق لسانك بما تعتقده –إن كنت صادقًا-، في تبديع وتضليل حسن البنا الذي لم يستح من الله في تمجيد الميرغني مدعي الألوهية !!
ولو كان حسن البنا حيًّا، ووصلت بلاياه هذه إلى مَن له الولاية والسلطان؛ لوجب عليه أن يستتيبه من هذه الطوام –المذكورة آنفًا والتي نذكر أخريات منها إن شاء الله لاحقًا-، فإن تاب وإلا قُتِل مرتدًا.
* وهذه التربية الصوفية الوثنية الخبيثة للبنا امتدت إلى تلاميذه وأتباعه، وإليك أمثلة على هذا:
الْمثال الأول: قال المرشد الثالث عمر التلمساني داعيًا إلى جواز التوسل البدعي والشرك الأكبر المتمثل في دعاء الأموات المقبورين، حيث قال في كتابه “شهيد الـمحراب” (ص225-226): “فلا داعي إذن للتشدد في النكير على من يعتقد كرامة الأولياء واللجوء إليهم في قبورهم الطاهرة والدعاء فيها عند الشدائد”، ثم قال كما في (ص231): “فما لنا وللحملة على أولياء الله وزوارهم والداعين عند قبورهم”.
الْمثال الثاني: نظم مصطفى السباعي -مرشد الإخوان في سوريا- قصيدة صوفية شركية يناجي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كما يُناجى الله سبحانه، قال فيها:
سيدي يا حبيب الله جئت إلى
أعتاب بابك أشكو البرح من سقمي
يا سيدي تمادى السقم في جسدي
من شدة السقم لم أغفل ولم أنم
يا سيدي طال شوقي للجهاد فهل
تدعو لي الله عودًا عالي العلم
الْمثال الثالث: ألَّف سعيد حوى كتابه “تربيتنا الروحية”، والذي قال في مقدِّمته (ص5): “أزمعت أن أخرج هذه الرسالة تحت عنوان: "تصوف الـحركة الإسلامية الـمعاصرة"، ثم فكرت أن أخرجها تحت عنوان: "الـحياة الروحية لـجنــــد الله=، ولكن لملابسات متعددة جعلتها تحت عنوان: (تربيتنا الروحية)”. اهـ
وهذا التأصيل الصوفي القائم على الخرافة والوثنية بلا شك لا يلتقي مع الدعوة إلى التوحيد، لذا لم يظهر لهم أي نشاط في الدعوة إلى التوحيد الذي بعث به الأنبياء والرسل كافة، وكذلك الصوفية لا تلتقي مع السنة، حيث إن التصوف هو آتون البدع في الاعتقاد والعبادات، وهذا ما بيَّنه سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في قوله: “حركة الإخوان المسلمين ينتقدها خواص أهل العلم؛ لأنه ليس عندهم نشاط في الدعوة إلى توحيد الله وإنكار الشرك وإنكار البدع"، ثم قال: "وكذلك ينتقدون عليهم عدم العناية بالسنة: تتبع السنة، والعناية بالحديث الشريف، ومــــا كان علــــيه ســلف الأمـــة في أحكامهم الشرعية ...إلخ”. اهـ
قلت: والشيخ -رحمه الله- كان لطيف العبارة في الجرح في هذه الفتوى، وسلفه في هذا البخاري عندما كان يقول في الراوي المتروك: فيه نظر، ورغم هذا فإن الشيخ ذكر مخالفتين لهذا الحزب، إحداهما تكفي لإخراجه من دائرة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أصحاب الحديث والأثر، وهما:
أولاً: عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد الله وإنكار الشرك والبدع.
ثانيًا: عدم العناية بالسنة، وما كان عليه سلف الأمة في الأحكام الشرعية.
قلت: فما بقي من الدين إذا أهمل التوحيد والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، وهذه هي ركائز الدعوة السلفية دعوة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
وقد اعترض معترض على فتوى الشيخ -رحمه الله-، فأكَّد له الشيخ صحة فتواه بقوله -رحـمه الله -: "نعم، كثير من الإخوان نقل عنهم ذلك، نحن حكينا نقل جماعة من المشايخ والإخوان، أن “الإخوان الـمسلمين” ليس عندهم نشاط كلي وقوي في التحذير فيمـا يتعلق بالشرك ودعوة أصحاب القبور، وهذا على كل حال يراه في كتبهم وسيرتهم فإذا روجعت كتبهم يرى منها ذلك”. اهـ [من شريط مسجل من دروس الشيخ بالطائف صيف عام 1416هـ شهر صفر].
وقد قال الشيخ -رحمه الله- هذا الكلام رغم عدم اطلاعه الكامل على واقع هؤلاء وعـــلى كـــتب رموز حـــزبِهم: حسن البنا، سيد قطب، والتلمساني، والسباعي، والغزالي، والقرضاوي...إلخ، كما هو ظاهر من فتواه -رحمه الله-، فلم تكن كتب هؤلاء ومقالاتُهم مِمَّا يعتني به العلماء، فكيف لو قرأ الشيخ الدعوة السافرة في كتب هؤلاء إلى وحدة وأخوة الأديان، ووحدة الوجود، والتصوف، والموالــــد، والــــديمقراطية، والاشتراكية، والمظاهرات، والانقلابات .. إلــــى آخــــر البــــدع والضلالات المبثوثة في كــــتبهم، والملموسة في منهجهم الواقــــعي، لكان الشيخ أشد وطأة عليهم، وهــــذا مــا حدث، فلما علم الشيخ -رحمه الله- طرفًا زائدًا من حقيقة حالهم، خاصة عند ظهور آثارهم السيئة في فتنة الخليج، كان تصريحه الواضح الذي لا مرية فيه، ولا لين، أن هذا الحزب الضال من الثنتين والسبعين فرقة الضالة، كما في أحد دروسه –رحمه الله- في شرح المنتقى في الطائف، وكانت قبل وفاته -رحمه الله- بسنتين أو أقل.
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب البنا –رحمه الله- في تقديمه على كتابي “التفجيرات والأعمال الإرهابية والمظاهرات هي من منهج الخوارج والبغاة”: “وذلك أنه كان أحد أصدقائي، واسمه: سيد سعد في الإسماعيلية، وكان البنا يُجالس مَنْ يستغيث بغير الله، ومَنْ يقول إن الرسول خُلِق من نور، ومَنْ يُعلِّق التمائم والأحجبة، وكان سيد سعد يقول له: أليس هذا من الشرك؟! ألا تنهاهم عنه؟! فكان البنا يجيبه: بعدين، ليس هذا وقته؛ فقال له: كيف إذا مِتَّ قبل أن تُعلِّمهم، كيف يكون موقفك بين يدي الله؟ فأجاب: أنا أعرف كيف أجيب!! وعندها نفض سيد سعد يديه من البنا وتركه.
وهذا من مفارقات حسن البنا أنه يعلم التوحيد والشرك، ولا يتكلم فيهما أبدًا”. اهـ
• الأصل الثاني: الدعوة إلى وحدة وأخوة الأديان، والأخوة الإنسانية العالمية، وعقد المؤتمرات لهذا الشأن، وبذل الأموال فيه:
جاء على الموقع الرسمي لحزب الإخوان المسلمين ما يلي: "إننا نقدم "السلام في الإسلام"؛ وهو موضوع كتبه الإمام الشهيد –كذا- "حسن البنَّا" في عام 1948م بمجلة (الشهاب) الغرَّاء، التي كانت تصدر شهريًّا، وكان يرأس تحريرها بنفسه"، ثم قالوا: "والإمام- رحمه الله- يوضح- فيما ستقرأه أيها القارئ العزيز- كيف أن الإسلام دين المحبة والسلام والأخوة الإنسانية الحقَّة، التي تتطلع إليها الدنيا قاطبة، الدنيا المعذَّبة بسعير الإنسان الشرقي والغربي غير المسلم على السواء".
وهذه بعض كلمات حسن البنا في هذه الرسالة، والتي قرَّر فيها بكلِّ جلاء مبادئ وأصول الدعوة إلى وحدة وأخوة الأديان، والأخوة الإنسانية: "إعلان الأخوة الإنسانية والتبشير بالفكرة العالمية:
1-تقرير وحدة الجنس والنسب.
2- تقرير وحدة الدين.
3-تقرير وحدة الرسالة.
4-وحدة الشعائر.
5-تقرير معاني الرحمة والحب والإيثار والإحسان.
6-عالم اليوم.
جاء الإسلام الحنيف يعلن الأخوة الإنسانية، ويبشر بالدعوة إلى العالمية، ويبطل كل عصبية ويسلك إلى تحقيق هذه الدعوة الكريمة السامية كل السبل النظرية والعملية.
1- تقرير وحدة الجنس والنسب:
فقد قرر وحدة الجنس والنسب للبشر جميعًا؛ فالنَّاسُ لآدمَ، ولا فَضلَ لِعَرَبيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ولاَ لأسوَدَ عَلَى أحمَرَ إلاَّ بِالتَّقوَى؛ وحكمة التقسيم إلى شعوب وقبائل إنَّما هي التعارف لا التخالف، والتعاون لا التخاذل، والتفاضل بالتقوى والأعمال الصالحة التي تعود بالخير على المجموع والأفراد، والله ربُّ الجميع يرقب هذه الأخوة ويرعاها ويطالب عباده جميعًا بتقريرها ورعايتها والشعور بحقوقها والسير في حدودها".
وقال أيضًا: "وقد كان الإسلام (عمليًّا) كعادته فلم يقف عند حد تقرير الأصول النظرية لهذه الوحدة الإنسانية؛ ولكنه رسم وسائل التطبيق، وقرر الشعائر والشرائع التي يتأكد بها هذا المعنى في النفوس، وثبت دعائمه في المجتمعات..."، إلى أن قال: "وعلى هذا الأساس قرَّر الشعائر والشرائع التي يتحقق بالعمل بها ما دعا إليه من إنسانية عالمية وأخوة حقيقية بين البشر على اختلاف أوطانهم وأجناسهم وألوانهم.
ومن ذلك: القبلة: فعلى المؤمنين أن يصرفوا وجوههم وقلوبهم وأفئدتهم كل يوم خمس مرات على الأقل إلى (الكعبة) التي بناها إبراهيم أبو الأنبياء- عليه الصلاة والسلام-، وأن يشعر كل منهم بما يحيط بهذا الرمز الكريم من معاني الأخوة، وبالوحدة بين الناس جميعًا، كما أن طواف الطائفين بهذه الكعبة المشرفة إن هو إلاَّ توكيد لهذا الشعور..."، إلى أن قال: "فالمسلم الذي يطوف بالكعبة أو يستلم الحجر يعتقد اعتقادًا جازمًا أنها جميعًا أحجار لا تضر ولا تنفع؛ ولكنه إنما يقدس فيها هذا المعنى الرمزي البديع: معنى الأخوة الإنسانية الشاملة، والوحدة العالمية الجامعة، ويذكر في ذلك قول الله العلي الكبير: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ ..."، ثم قال: "والكعبة المشرفة على الله المركوز في أرضه ليمثل به للناس أوضح معاني أخوتهم وليرمز به إلى أقدس مظاهر وحدتهم.... إن الكعبة المشرفة رمز قائم خالد، ركز الإسلام من حوله أخلد وأقدس وأسمى معاني الإنسانية العالمية والأخوة بين بني البشر جميعًا..."، إلى أن قال: "عالم اليوم: ولقد بشَّر زعماء العالم إبَّان محنتهم في الحرب الماضية بهذه الإنسانية العالمية، وهتفوا بالعالم الواحد السعيد الذي تسوده الطمأنينة والعدالة والحرية والوئام، فهل وصلوا إلى شيء من ذلك، أو حاولوا أن يصلوا إليه فيما قرروا من مؤتمرات وعقدوا من اجتماعات؟ وهل استطاعت هيئة الأمم المتحدة أن تسوي في الحقوق بين أبناء الوطن الواحد في أفريقيا الجنوبية، أو أن تحمل الأمريكان على ترك التفاضل بالألوان؟ لا شيء من هذا، ولن يكون إلا إذا تطهرت النفوس بماء الوحي العذب الطهور، وسقيت من معين الإيمان، وأخلصت للإسلام دين الأخوة والوحدة الإنسانية والسلام:﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء:106) ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:107".اهـ
وقال في رسالة "دعوتنا": "وأحب أن أنبهك إلى سقوط ذلك الزعم القائل: إن الجري عن هذا المبدأ يمزق وحدة الأمة التي تتألف من عناصر دينية مختلفة، فإن الإسلام- وهو دين الوحدة والمساواة- كفل هذه الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين على الخير: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8)؛ فمن أين يأتي التفريق إذن".
وقال في الرسالة نفسها تحت بند: "دعامتان:
1- التعاون والسلام مع الأمم كلها.
2- التفاضل يكون بالأعمال، فعليهم أن يجتهدوا كل من ناحيته؛ حتى ترقى الإنسانية".اهـ
وقد سار قادة ورموز حزب الإخوان على خُطا حسن البنا في تقرير هذا الأصل الأصيل عند حزب الإخوان، وإليك نُبذة من أقوالهم التي تثبت هذا:
قال محمد الغزالي في كتابه “من هنا نعلم” (ص112): “وما دام الإسلام يعطي أبناء الديانات الأخرى ما لأبنائه من حقوق، ويفرض عليهم ما على أبنائه من واجبات، ولا يتعرض لعقائدهم التي آثروها بردٍّ ولا نقد، فإن ما يسمى "مشكلة الأقليات"، ليس إلا مكرًا استعماريًّا خبيثًا يراد به الكيد للمسلمين خاصة، وتسويغ الجور عليهم واحتلال بلادهم!!”.اهـ
وصار حزب الإخوان ينظم المؤتمرات للدعوة إلى وحدة وأخوة الأديان، وقدمت دولة السودان الإخوانية نموذجًا عمليًّا في هذا الباب الخطير، فنظموا على أرض السودان –ولأول مرة- عدة مؤتمرات لتقرير هذه العقيدة الخبيثة، مِمَّا يؤكد اعتناق حزب الإخوان هذا الأصل الكفري في حال الاستضعاف والتمكين.
وإليك بعض وثائق هذه المؤتمرات:
الوثيقة الأولى: وقد انعقد المؤتمر مرة أخرى بموجب الوثيقة رقم (1) في صحيفة “السودان الحديث” بالعدد رقم (1202) في (29/4/1993م) العناوين البارزة: “الترابي يحاضر الوفود المشاركة في مؤتمر الأديان”، وكان في المقال: “عوَّل الترابي كثيرًا على علماء الدين المسيحي والإسلامي، ودعاهم إلى دور فـــاعل ومتعاظم، من أجـــــل إنقاذ البشرية وإرساء دعائم الســـــلام وتوفير الطـــمأنينة للشعوب، مؤكدًا أن العالم الحالي يتجه نحو التوحــيد الديني بمختلف أشكاله، وهي رسالة ينبغي أداؤها على الوجه الأكمل، وأوضح الدكتور الترابي أن هذا المؤتمر يمكن أن يلعب دورًا فاعلاً ومؤثرًا في توحيد الأفكار، ومن ثَمَّ التوحيد على أساس إنساني بين الديانات كافة من أجل إسعاد البشرية.
الوثيقة الثانية: اسم الصحيفة “السودان الحديث” العدد (1127) بتاريخ الأربعاء (18 شعبان 1413هـ - الموافق 10 فبراير 1993م) العناوين البارزة: “على شرف زيارة بابا الفاتيكان للسودان دعوة من أجل السلام والمحبة والعدل” قال: “يصل سماحة البابا يوحنا بولس الثاني للبلاد صباح اليوم في زيارة للسودان هي الأولى من نوعها في التاريخ السوداني، ويعتبر السودان ثاني دولة إسلامية يزورها البابا في إفريقيا بعد المغرب، ومن المؤمل أن يكون البابا هو الحكم الفصل والحاكم العدل بين المجتمع الدولي والسودان....
إلَى أن قال: ويتجـــــه السودان الآن لعقـــد مؤتمر حـــــوار الأديان في 26 مـــــــن أبـــريل المقبل وهـــو حدث لَم يشهده أي بلد من بلدان العالم، ويؤكد الوعي الرفيع الذي تتمتع به القيادة السياسية في البلاد”. أي السودان. اهـ
الوثيقة الثالثة: اسم الصحيفة "الإنقاذ الوطني" العدد (1050) التاريخ (2 رجب 1413هـ)، العنوان البارز: “وزير الإرشاد يفتتح الأوقاف الإسلامية بجوبا ويتبرع للكنيسة الأسقفية بمائة ألف جنيه”.
الوثيقة الرابعة: اسم الصحيفة "السودان الحديث" تاريخ الأحد (11 ذو القعدة 1413هـ - الموافق 2 مايو 1993م)، عمود حديث الأحد، الكاتب: الأب القمص فليوثاوس مقرر مؤتمر الأديان، عنوان المقال: “التعايش الديني في السودان” يقول: اسمحوا لي أن أقدم لكم ملاحظات على طريق التعايش الديني في السودان، لقد قدم عدة ملاحظات تبلغ إلى سبع عشرة ملاحظة، نذكر منها:
الفقرة رقم (8): “البطاقة الشخصية في السودان تؤكد المــواطنة السودانية، وليس فيها ما يشير إلى دين المواطن”.
الفقرة رقم (10): "تبنى الكنــــائس بجــــوار الجوامع كنمــوذج للتعايش والتآخي والوحدة الوطنية".اهـ
قلت: وقد ناقش الشيخ ربيع –حفظه الله- هذا الأصل مع أبي الحسن مناقشة واسعة من خلال كتابه الماتع: "أبو الحسن يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان ودعاة حرية ووحدة الأديان"؛ لكنه للأسف ما انتفع به، رُغم ما ساقه له العلامة ربيع من نقولات واضحة تدين القوم، وظل سادرًا في غيِّه في اتهام الشيخ ربيع بالغلو في حكمه على هذا الحزب المنحرف.
* الأصل الثالث: التجميع القائم على جـمع شتات الفرق البدعية من جهمية وروافض وخوارج وصوفية ومعتزلة وأشاعرة، بل النصارى تـحت راية الـحزب، ويدخل في هذا الأصل تـمييع عقيدة الولاء والبراء:
وتقرير هذا الأصل مستفيض عن أِئمتهم من أول حسن البنا وحتى المرشد الحالي.
وكان من أوائل العلماء الذين انتقدوا حسن البنا وكشفوا عوار هذا الأصل الخبيث: الشيخ محمد حامد الفقي -رحمه الله-، حيث كتب مقالاً في مجلة الهدي النبوي( ) (العدد الخامس-جمادى الأولى سنة 1365) بعنوان "الإخوان المسلمون أو الإخوان المصريين بين أمس واليوم" (ص163-166)، وإليك نصُّه: "الله غايتنا -الرسول زعيمنا- القرآن دستورنا: تلك مبادئهم التي كانوا بالأمس يملأون بها الدنيا صياحًا، غدوًا ورواحًا ظاهرها حق لا شبهة فيه، والله أعلم بالقلوب وما تخفيه، فانظر كيف استحالت هذه المبادئ اليوم إلى تطورات ثلاث تناهض هذه المبادئ تمامًا: أولاها: تصريح المرشد العام لمجلة المصور ونشر في عددها الصادر يوم الجمعة 5 إبريل 1946 نثبته بنصه ليكون مصداقًا لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون﴾: مريت بك غالي والشيخ لويس فانوس و... أعضاء عاملون في جماعة الإخوان المسلمين!: كنا قد علمنا أن الإخوان المسلمين يساعدون الأستاذ لويس فانوس في ترشيحه لمجلس الشيوخ باعتباره عضوًا في الجماعة! فرجعنا في ذلك إلى فضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان فكتب يقول: لهيئة الإخوان المسلمين أصدقاء كثيرون من غير المسلمين، والإخوان يعتبرون هؤلاء الأصدقاء: -أعضاء عاملين- معهم في كل الشؤون الاجتماعية التي تتفق مع مؤهلاتهم ويفسحون لهم المجال للإفادة بآرائهم وأفكارهم، وقد اشترك (الأخ) الأستاذ نصيف ميخائيل في التحضير لمؤتمر الإخوان بالغربية اشتراكًا فعليًّا بل لن أكون مبالغًا إذا قلت أنه هو الذي أعد المؤتمر، ولا أنس ما (للأخ) الشيخ الـمحترم لويس فانوس بك الجــــولات في مؤتمرات الإخوان المسلمين، وما يقوم به من دعاية للجمعية في أنحاء مصر، كما أن (الأخ) مريت بك غالي يساهم في أعمال الإخوان، ولا تنس تبرعه في شراء الدار، ومساعداته الأدبية بتبادل الآراء والأفكار حول الإصلاحات الاجتماعية فضلاً عن أنه عضو في لجنتنا الاقتصادية كما يتعاون معنا في المشروعات الاجتماعية النافعة، ولقد ذكرت هذه الأسماء على سبيل الـمثال لا الـحصر، فإننا لا نجد أبدًا ما يحول بيننا وبين التعاون مع الوطنيين العاملين -مسيحيين كانوا أو مسلمين- ويتجلى هذا في جوالة الإخوان أكثر من ثلاثين جوالاً من إخواننا الـمسيحيين، أما في الانتخابات فالقاعدة العامة عندنا مساعدة مرشحي الإخوان أولاً وهم لا يرشحون إلا الأكفاء من المصريين، ويوم ينشر الإخوان قوائمهم للانتخابات سيجد الجميع أننا لا نعرف إلا المصلحة العامة، وسيجدون ضمن هذه القوائم أسماء إخواننا الـمسيحيين الذين يشتركون معنا في الجمعية.
وبعد مرشحي الإخوان نساعد أصلح المرشحين وأقدرهم على خدمة المصلحة العامة بغير نظر إلى اعتبار آخر ديني أو حزبي إلا مصلحة مصر والمصريين...”. اهـ
وثاني هذه التطورات ما نشرته مجلة آخر ساعة في عددها الصادر كذلك يوم الجمعة “5 إبريل 1946” وهو اقتراح قبطي على الأستاذ حسن البنا -المرشد العام للإخوان المسلمين- أن يسمى الإخوان المسلمين (الإخوان المصريين) حتى يتمكن كثير من الأقباط من الانضمام إليهم، وهذا الاقتراح هو وليد التطور الأول، ولا شك، وما الوقت الذي نفذ فيه اسمًا بعد أن تنفذ فعلاً ببعيد.
وأي صبغة بقيت للإخوان المسلمين بعد أن أصبح في ميسور كل إنسان -أيا كان دينه- أن يكون أخًا لهم فإذا اعترضهم قوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون أخوة﴾، أوَّلوا الـمؤمنين بالـمؤمنين بفكرتهم!!
وأما النصوص المحكمة التي وردت في التحذير من اتخاذ غير المؤمنين أولياء كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51]. فلعلَّ الأستاذ المرشد لا يعدم لها تأويلاً يستخدمها به لصالحه بما أوتيه من سعة الحيلة وقوة العارضة، وفوق كل ذي علم عليم.
أمـــا التطور الثالث فهـــو ذلك الإعــــلان الــذي نشرته مجلة الإخوان عن تمثيل رواية باسم المعز لدين الله الفاطمي منشئ القاهرة، وباني الجامع الأزهر، تأليف الأستاذ عبد الرحمن الساعــاتي -شقيق المرشد العام- المسرحية الـــتي تصور الفكرة، وتجمع إلى روعة الفن جلال الدين تمثل على مسرح الأوبرا يوم الأربعاء أول مايو سنة 1946م، إخراج منير، وألحان أحمد عبد القادر.
سهمان في صميم العقـــيدة ندع تصور تأثيرهما لـــذهن القارئ، وآخر في صميم العقيدة والأخلاق كليهما، ذلك هو التمثيل الذي جارت فيه بعض الجماعات الإسلامية أولئك المرتزقة الغاوين الـــذين امتهنوا هذه الصناعة -صناعة التمثيل الماجنـــة العابثــة بالفضيلة القاضية عـــلى الآداب والتي لا تستمد حياتها إلا من الروايات المكذوبة والقصص الخياليـة المختلفة-، ومهما نحل المبطلون هذا التمثيل من فوائد فلن ينهض ببعض ما يخلفه من مفاسد.
ولقد كنا ننتظر أن يكون الإخوان المسلمين معنا حربًا على هذه البدعة الضارة أو يقفوا منها مــــوقف الحياد على الأقل لا أن يكونوا من الداعين إليها قولاً وعملاً، ولتفنيد حجـــج القائلين بفـــوائد التمثيل مقـــام غــير هـــذا توليناه مبسطًا في عدة مناسبات، ولا زلـــنا نلاحـــق هـــذه الحجج بالتفنيد، وننحى باللائمــة على كل داع إلى التمثيل وإن كره الأكثرون.
فإذا تجاوزنا التمثيل بصفة عامة إلى اختيار الرواية نفسها نرى اختيار الإخوان المسلمين لموضوعها يدعو إلَى أشــــدِّ العــــجب، إذ كـــيف يجعـــلون روعــة الدين تتجلى بإعادة سيرة هذا العُبَيدي الخـــبيث مـــع علمهم بما جـــناه عـــلى الدين، وما أحدثه فيه من طوام بالتغيير والتبــديل بمحض الهوى وطغيان الشهوة والنية المبيَّتة على إزالته تنفيذًا لوصية جـــدِّه ابن ســبأ اليهودي الذي جرح الإسلام بتأريث الفتنة بين عليٍّ ومعاوية جرحًا لا زال دمه يسيل إلى اليوم، وما كانت أعمال المزل لدين الله وأعمال خلفائه من بعده سرًّا خـــفيًّا بل تنــــاولها التاريخ فدوَّن علماؤه -فرنجــــة وعرب- من جناياتهم عــلى الــدين مـــا يستحقون ببعضـــه لعـــنة الله والمـــلائكة والناس أجمعين؛ فاخــتيار هــذا الخبيث الباطني موضوعًا لروايتهم إما أن يكون جـــهلاً بسيرته وذلك مـــا نستبعده على جـــماعة الإخـــوان بقطع النظر عمَّا يتـــأثر به العامـــة من إنشاء القاهرة وبناء الأزهر( ).
وإما أن يكون تجاهلاً لغرض ليس للدين به أية صلة.
ويقول التلمساني -من مرشدي الإخوان- في تصريح له : “الإخوان جماعة عالمية للمسلم وغير المسلم، والعلاقة بيني وبين الأب شنودة زعيم الأقباط في منتهى الوُّد”( ).
وسئل مهدي عاكف -المرشد الحالي للإخوان-: موقف الإخوان من أقباط مصر؟ فأجاب: “علاقة طيبة... طول عمري أحبائي الأقباط، وكنت عضوًا في اللواء الـمسيحي زمان أو ما يطلق عليه الآن الشبان الـمسيحيين، وكلهم أصدقائي..وكلمة الفتنة الطائفية مدسوسة على مصر.. نحن نسيج وشعب واحد ..لهم ما لنا وعليهم ما علينا”( ). اهـ
قلت: بل صرَّح مهدي عاكف بأنه عـــلى استـــعداد أن يرسل عشرة آلاف مقاتل إلى الرافضي الخبيث (حسن نصر) -قائد الحزب الشيعي الرافضي في لبنان-، كما تواتر هذا النقل عنه، وأنكر هذا عليه بعض من يتعاطف مع حزب الإخوان( ).
فهذا حال مرشدي الإخوان، ذرية بعضها من بعض؛ قد اتفقوا على موالاة النصارى والرافضة!!
وهــــذا مرجع الإخوان في الفتيا في الآونة الأخيرة: يوسف القرضاوي يقدم العزاء في طـــاغوت الأمـــة النصرانية في هـــذا الــزمان -بابا الفاتيكان-، ويدعـــو له بالــــرحـمة، حــــيث قال( ): "الحبر الأعظم البابا يوحــــنا بولس الثاني بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية، وأعظم رجل يشار إليه بالبنان في الديانة المسيحية، لقد توفي بالأمس وتناقلت الدنيا خبر هذه الوفاة ومن حقنا -أو من واجبنا- أن نقدِّم العزاء إلى الأمة المسيحية وإلى أحبار المسيحية في الفاتيكان، وفي غير الفاتيكان وبعضهم أصدقاء لنا..”.
إلَى أن قال: "لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خـير للإنسانيـــة، ومـــا خـــلف من عـــمل صالح أو أثر طيب، ونقدم عزاءنا للمسيحيين في أنحـــاء العــالم، ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما، ونسأل الله أن يعوِّض الأمة الـمسيحية فيه خيًرا”. اهـ
قلت: وكما قرَّر البنا أخوة النصارى، وضمَّهم لحزبه، قرَّر أيضًا أخوة اليهود إمعانًا منه في تقرير وحدة الأديان السماوية والوحدة الإنسانية.
قال حسن البنا كما في كتاب "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" (1/409-410) أمام لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية: "فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست خصومة دينية؛ لأن القرآن حض على مصافاتهم ومصادقتهم والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقًا". اهـ
قلت: وهذه إحدى كذبات حسن البنا على القرآن وشريعة الإسلام.
وقال القرضاوي في حديث نشر في جريدة الراية القطرية العدد (4696): "إننا لا نقاتل اليهود من أجل العقيدة وإنما نقاتلهم من أجل الأرض ...".
وقال أحمد ياسين -مؤسس حركة حماس-( ): “إحنا بنطلب حقنا ما بنطلب أكثر من حقنا إحنا ما بنكره اليهود، ونقاتل اليهود لأنهم يهود، اليهود أهل دين وإحنا أهل دين، إحنا بنحب كل الأديان ...أنا ما أقاتل أمريكا ولا بريطانيا، ولا كل الناس الأخرى أنا كل الناس معهم في سلام بحب الـخير لكل الناس كمـا أحب الـخير لليهود".اهـ
قلت: هكذا تغلغلت وحدة وأخوة الأديان، والأخوة الإنسانية في المنتمين لحزب الإخوان جيلاً بعد جيل.
وإليك أيضًا النصوص المستفيضة عن حسن البنا وقادة ودعاة حزب الإخوان من بعده المقررة لمبدأ الوحدة مع الرافضة مع غض الطرف عن معتقداتهم الكفرية تحت شبهة أنها صارت من ركام التاريخ الذي يجب أن يُهال عليه التراب، رُغم أن الروافض أبوا إلا إحياء معتقداتهم الكفرية، لكن ما زاد هذا الإخوان إلا إصرارًا على موالاتهم والتعاون معهم، وتلبيس أمرهم وتعميته على المسلمين، حتى تمكنوا من إدخال عدد من أبناء المسلمين في الرفض، وتمكنوا من فرض سيطرتهم على قطاع من بلاد الإسلام، كل هذا تحت شعار: "لا سنة ولا شيعة.. لكن إسلامية إسلامية"، والذي خدع به الإخوان شباب المسلمين –عاملهم الله بما يستحقون-:
قال الأستاذ سالم البهنساوي -أحد مفكري حزب الإخوان المسلمين- في كتابه “السُنَّة المفترى عليها” (ص57): “منذ أن تكوَّنت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، والتي ساهم فيها الإمام البنَّا والإمام القمي والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة، وقد أدَّى ذلك إلى زيارة الإمام نواب صفوي( ) سنة (1954) للقاهرة”، ثم قال: “ولا غرو في ذلك فمناهج الجماعتين تُؤدِّي إلى هذا التعاون”.
قلت: أرأيت -فهمك الله وأرشدك إلى الصواب-، كيف يعترف البهنساوي بكل صراحة ووضوح عن التعاون الحميم بين الرافضة وحزب الإخوان، بل والأدهى والأمر يقول: إن منهج الجماعتين كان سببًا في نجاح هذا التعاون، أي أن منهج الإخوان لا يتعارض مع منهج الشيعة الرافضة، وتأويل ذلك أن يقال: إن منهج حزب الإخوان قام على قاعدة المعذرة والتعاون وسياسة النفاق والمداهنة، ومنهج الرافضة قام على التقية والنفاق بإظهار خلاف ما يبطنون، ومن ثَمَّ التقيَا، وكذلك كلاهما اجتمع على محاربة أنظمة الحكم القائمة في بلاد الإسلام سواء كانت تحكم بالشريعة أم لا، فهم لا يفرقون بين الدولة السعودية: دولة التوحيد والسنة، وغيرها، وذلك لتحقيق سلطانهم( ).
وكتب المرشد السابق لحزب الإخوان “عمر التلمساني” مقالاً في “مجلة الدعوة” العدد (105) يوليو (1985) بعنوان: “شيعة وسنة” قال فيه: “التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن”.
وقال فيه أيضًا: “ولم تفتر علاقة الإخوان بزعماء الشيعة فاتصلوا بآية الله الكاشاني واستضافوا في مصر نواب صفوي، كل هذا فعله الإخوان لا ليحملوا الشيعة على ترك مذهبهم( )، ولكنهم فعلوه لغرض نبيل يدعو إليه إسلامهم وهو محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية إلى أقرب حدٍّ ممكن( )”.
ويقول أيضًا: “وبعيدًا عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين”( ).
ثم قال: “إن فقهاء الطائفتين يعتبرون مقصرين في واجبهم الديني إذا لم يعملوا على تحقيق هذا التقريب الذي يتمناه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها”( ).
ثم أخيرًا قال: “فعلى فقهائنا أن يبذروا فكرة التقريب إعدادًا لمستقبل المسلمين”( ). اهـ
وقال فتحي يكن في “الموسوعة الحركية” (ص289): “الشهيد نواب صفوي، شاب متوقد إيمانًا وحماسة واندفاعًا بلغ من العمر تسعة وعشرين عامًا، درس في النجف في العراق، ثم رجع إلى إيران ليقود حركة الجهاد ضد الخيانة والاستعمار، أسَّس في إيران حركة (فدائيان إسلام) التي تؤمن بأن القوة والإعداد هي سبيل تطهير الأرض المسلمة من الصهيونيين والمستعمرين”( ).
وقال د. عز الدين في كتابه “موقف علماء المسلمين” (34، 35): “وبعد فإذا كان هذا رأي البنا وشلتوت وأبي زهرة والغزالي والتلمساني وفتحي يكن وأنور الجندى وعبدالكريم زيدان والشكعة وخلاَّف والبهنساوي وسعيد حوى( ) ووافي والأعظمي والمودودي، وحسن أيوب ومشايخ الأزهر وغيرهم من أعلام المسلمين وقادتهم، فماذا تعني هذه الأصوات الغريبة التي نسمعها من وقت لآخر تدعو للتكفير وإشعال نار الفتنة، وسكب مزيد من المرارة في الحلوق، ومزيد من الحقد في الصدور...! ماذا يريد رسل البغضاء والوقيعة من أوراقهم ومحاضراتِهم غير أن يتسع الحريق فيما سيف المستكبرين معلَّق فوق رقابنا”. اهـ
قلت: أرأيت تعصُّبًا أعمى يعدل هذا التعصُّب؟!
إن الرجل يَحتَّج بهذه العصابة على تعديل قوم بُهت قد عُلِم مخالفتهم لأصول الإسلام بالضرورة، وبدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، وتناسى أن الحق لا يُعرَف بالرجال، إنما يُعرَف الرجال بالحق!!
ولماذا لم تذكر موقف أئمة هذا الدين عبر القرون السابقة من الرافضة وجرائمها ضد المسلمين؟ وإمام واحد من الأئمة السابقين نحو ابن تيمية يزن كل هؤلاء المذكورين مجتمعين بآلاف الأضعاف، فأين أنت من كتاب شيخ الإسلام “منهاج السنة في الرد على الرافضة الإمامية”، هل كان ابن تيمية -رحمه الله- من رسل البغضاء الداعين للتكفير وإشعال نار الفتنة وسكب مزيد من المرارة في الحلوق ومزيد من الحقد في الصدور؟!!
أم أنه كان -رحمه الله- ناصحًا لهذه الأمة محافظًا على سلامة عقيدتها من مطاعن الرافضة، أما أنت -هداك الله- فإنك بهذا الكلام تعد خائنًا لهذه الأمة متواطئًا مع ألد أعدائها -الذين لا تقل عداوتهم عن عداوة اليهود بل قد تزيد-، فإما أنك رافضي متستر، أو أنك مستأجر من قبلهم لبثِّ الفتنة وإشاعة الشبهات، أيهما فاختر!!
فكيف يكون حكم أبي الحسن –صاحب المنهج المعتدل- على هذا الرجل؟!
أنا في انتظار حكمه بفارغ الصبر، وأرجو أن لا يتهرب كعادته !
وقال محمد الغزالي في كتابه “كيف نفهم الإسلام” (ص142): "ولم تنج العقائد من عقبى الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم وذلك أن شهوات الاستعلاء والاستئثار أقحمت فيها ما ليس منها؛ فإذا المسلمين قسمان كبيران (شيعة وسنة) مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد أحدهما على الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي تصلح بها الدين وتلتمس النجاة".
قلت: الرجل كأنه يعيش في كوكب آخر، أو يحكي واقع أناس آخرين غير الروافض!! فالقوم لا يستحون عن إظهار عقائدهم الكفرية في كتبهم ومنتدياتهم، ورغم هذا يصر هؤلاء المفكرون الإخوانيون الجهال على طمس أو إخفاء هذه الحقائق، كأنه لا وجود لها.
وقال في (ص143): "وكان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة والسنة متصلاً بأصول العقيدة!! ليتمزق الدين الواحد مزقتين، وتتشعب الأمة الواحدة إلى شعبتين كلاهما يتربص بالآخر الدوائر بل يتربص به ريب المنون".
قلت: هذا أمر قدري كوني، لا يُدفع بالاندماج مع الروافض، وبتدليس أمرهم على المسلمين، وإنما يُدفع بدعوتهم إلى الإسلام، فإن أبوا فلا مناص من جهادهم بالقلم واللسان، ثم السيف والسنان عند توقر القدرة.
وقال في (144، 145): "فإنَّ الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله ويتفقان اتفاقًا مطلقًا على الأصول الجامعة في هذا الدين فإذا اشتجرت الآراء بعد ذلك، فإن مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره إن أخطأ أم أصاب".
ثم يواصل قائلاً: "وعندما ندخل مجال الفقه المقارن ونعيش الشُّقة التي يحدثها الخلاف الفقهي بين رأي ورأي أو بين تصحيح حديث وتضعيفه نجد أن المدى بين الشيعة والسنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي..نحن نرى الجميع سواء في نشدان الحقيقة وإن اختلفت الأساليب". اهـ
وقال أيضًا في كتابه "ظلام من الغرب" (ص252): "ولماذا لا توضع أمام الطلاب في الصفوف العليا أو الدنيا صورة صادقة لتفكير الإمامية في الأصول والفروع والسنن المختلفة".
ثم قال في (ص353): "وسمعت في مصر من يرى أن الفرس كفارًا؛ لأنهم يلعنون الشيخين الجليلين: أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-!!
ولو ذهبت استقصي قالة السوء التي يتقاذف الناس بها لأعياني العدُّ".اهـ
قلت: هل الرجل لا يدرك عقائد القوم؟! ولا يُقال: إنه في الوقت الذي كتب فيه الغزالي هذا الكلام كان القوم تحسنوا؛ فإنه لا يقول هذا الكلام إلا مغفَّل جاهل لا يدري شيئًا عن الواقع !!
واعلم أن إذابة مواطن الخلاف مع النحل المختلفة، والدعوة إلى المؤاخاة بينها جميعًا، هو أصل عظيم عند "الماسونية".
وأبو الحسن لا يستحي من هذه المخازي المتواترة عن رموز هذا الحزب، ويعتبرها مواقف فردية لا تمثل الحزب، ولا تدينه، ولا تخرجه عن حيز أهل السنة.
* الأصل الرابع: البيعـــة البــدعية القائمــة عـــلى مـــبدأ الطاعـــة العمياء للإمــــام، وهــــذا الأصل مستقى من غـــلاة الـمتصوفة والشيعة الرافضة الإمامية:
قال حسن البنا في رسالته "التعاليم" (ص274): "وأريد بالطاعة امتثال الأمر وإنفاذه توًّا في العسر واليسر... المنشط والمكره".اهـ
وقد أنكر عليهم هذا الأصل: محمد الغزالي في كتابه "معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث" حيث قال (ص207): “فمن المضحك المبكي أن يخطب الجمعة في مسجد الروضة عقب فصلنا من المركز العام مَن يؤكد أن الولاء للقيادة يكفر السيئات، وأن الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل، وأن الذين نابذوا القيادة عادوا إلى الـجـــاهلية الأولى لأنهم خلعــــوا البيعــــة..".
الأصل الخامس: إجازة الحزبية، والدعوة إلى تعدد الأحزاب، مع اعتبار حزبهم هو جماعة المسلمين التي يجب الانتماء إليها:
قال حسن البنا في رسالته "دعوتنا": "وكل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدًا من أربعة:
-مؤمـن: إما شخص آمن بدعوتنا، وصدق بقولنا، وأُعجب بمبادئنا ...
-متردد: وإما شخص لم يستبين وجه الحق، ولم يتعرف في قولنا معنى الإخلاص والفائدة، فهذا نتركه لتردده، ونوصيه بأن يتصل بنا عن كثب، ويقرأ عنا من قريب أو بعيد، ويطالع كتاباتنا، ويزور أنديتنا، ويتعرف إلى إخواننا، فسيطمئن بعد ذلك لنا إن شاء الله، وكذلك كان شأن المترددين من أتباع الرسل من قبل( ).
-نفعي: وإما شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة، وما يجره هذا البذل له من مغنم، فنقول له: حنانيك، ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت، والجنة إن علم فيك خيرًا...فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه، وأزاح كابوس الطمع عن فؤاده، فسيعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وسينضم إلى كتيبة الله( ) ليجود بما معه من عرض الحياة الدنيا لينال ثواب الله في العقبى...
-متحامـل: وإما شخص أساء فينا ظنه، وأحاطت بنا شكوكه، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى إلا أن يلج في غروره، ويسدر في شكوكه، ويظل مع أوهامه، فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يلهمنا وإياه الرشد...، ولقد أنزل الله على نبيه الكريم في صنف من الناس: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾[القصص: 56]...( )
نحب أن يكون الناس معنا واحدًا من هؤلاء، وقد حان الوقت الذي يجب فيه على المسلم أن يدرك غايته ويحدد وجهته، ويعمل لهذه الوجهة حتى يصل إلى غايته المنشودة، أما تلك الغفلة السادرة والخطرات اللاهية والقلوب الساهية والانصياع الأعمى واتباع كل ناعق، فما هو من سبيل المؤمنين في شيء".اهـ
قلت: هكذا حزَّب البنا المسلمين إلى أربعة طوائف، وجعل الإيمان حليفًا فقط لمن انضم لحزبه وآمن بفكرته، حتى لو كان نصرانيًّا أو رافضيًّا أو ملحدًا.
وجرى على هذا المنهج الخبيث قادة الحركة الإخوانية، فقال علي عشماوي في "التاريخ السري لجماعة الإخوان" (ص94): "في هذه المرحلة ينبغي على الأفراد المنتظمين في الحركة أن ينفصلوا شعوريًّا عن المجتمع، وألاَّ يشاركوا في شيء بينهم وبين أنفسهم، ولا يجهرون بذلك حتى يكتمل نضجهم، وتتم تربيتهم، وتتم توسعة رقعتهم، وزيادة أعدادهم على قدر الإمكان، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة أخرى هي مرحلة "المفاصلة"، وهي أن يقف رجالات هذه الدعوة ويفاصلوا المجتمع، ويقولوا: إن هذه طريقنا، وهذا طريقكم، فمن أراد أن يلحق بنا فهو مسلم، ومن وقف ضدنا فقد حكم على نفسه بالكفر...".اهـ
قلت: وقبل العشماوي وضع سيد قطب معالم طريق الإخوان في كتابه "معالم في الطريق"، وكل من خالف هذه الطريق فقد ضلَّ وكفر عند سيد والإخوان، فهم بهذا كفرق الخوارج الأولى الذين ابتدعوا مناهج منحرفة عن الصراط المستقيم، ويكفِّرون كلّ من خالفهم.
ومن هذا الباب ابتدع القرضاوي ما سماه بـ"الإٍسلام الثقافي الحضاري"، حيث قال في نعيه المخزي لإدوارد سعيد –من أعلام النصارى-: "إن المسيحيين فِي بلادنا هم مسلمون بثقافتهم وحضارتهم، وإن لَم يكونوا مسلمين بالديانة والعقيدة، مسلمون بالثقافة والـحضارة، هذا عبَّر عنه المسيحي المصري المعروف الزعيم مكرم عبيد، قال: أنا نصراني ديناً، مسلم وطنًا، يعني هو وجوده في وطن الإسلام ودار الإسلام جعله مسلمًا.."، إلى أن قال: "إن إدوارد سعيد لَم يكن مسلمًا بعقيدته وديانته، ولكنه كان مسلمًا بثقافته وحضارته وعيشه في قضايا أمته، ونسأل الله أن يعوِّض الأمة عنه خيرًا" ( ).اهـ
قلت: وتقدَّم ما جاء في مقال مجلة الهدي النبوي من مؤاخاة البنا للنصارى، فقال الشيخ محمد حامد: "وأي صبغة بقيت للإخوان المسلمين بعد أن أصبح في ميسور كل إنسان –أيًّا كان دينه- أن يكون أخًا لهم فإذا اعترضهم قوله تعالى {إنما المؤمنون إخوة}، أوَّلوا المؤمنين بالمؤمنين بفكرتهم!!".
ومما استفاض عن حزب الإخوان: أنهم يرفعون شعار الديمقراطية الكفرية، ويقرون تعدد الأحزاب، ومبدأ تداول السلطة عن طريق الانتخابات، وسيأتي المزيد من النقولات في إثبات هذا الأمر.
الأصل السادس: تكفير الحكام، والخروج عليهم بالقوة عن طريق المظاهرات والانقلابات والاغتيالات:
قال العلامة محمد بن عبد الوهاب البنا –حفظه الله- في تقديمه لكتابي "التفجيرات والأعمال الإرهابية والمظاهرات من منهج الخوارج والبغاة وليست من منهج السلف الصالح": "وكان أول من سنَّ بدعة الخروج على الحكَّام في العصر الحديث هو: حسن البنا، وذلك عن طريق المظاهرات والانقلابات، ولقد كنت فتًى في مُقتبل العمر حينما ظهر حسن البنا على الساحة، وأسَّس حزب الإخوان المفلسين، وكنت أصاحب شباب الخوان( ) -وأنا عمري حوالي تسع سنوات- إلى قصر الملك فؤاد -ملك مصر في ذاك الوقت- ونقول:
إلَى أنقرة يا ابن الْمَرَا
وذلك أن الملك فؤاد أصله تركي.
وفي حوالي سنة 1936م التحقت بأنصار السنة، وكان من ضمن أصفيائي ثلاثة شباب: حسن جمالي، ومحمد مُنْجي، ومحمد بشار، وهؤلاء الثلاثة كانوا من التنظيم السري لجماعة الإخوان، رغم أنهم كانوا سلفيي العقيدة، وكان حسن جمالي ومحمد منجي دائمًا يجهران بالعقيدة السلفية، وحسن البنا يجاريهما بذكر كلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب، وهذا من عجيب أمرهم: فقد كانوا يعلمون السلفية ولا يعملون بها كحال بعض الأدعياء في هذه الأيام، وقد استأجروا فيلا في عزبة النخل، كانوا يصنعون فيها القنابل، وكان أجرؤهم حسن جمالي؛ فهو الذي كان يحمل القنابل ويرميها في المحلات التجارية، وفي المجتمعات".اهـ
وقال فتحي العسال في "الإخوان المسلمين بين عهدين" (ص213): "لم يأمن الهضيبي إلى أفراد الجهاز السري الذي كان موجودًا في عهد الشهيد حسن البنا برئاسة الأخ عبد الرحمن السندي، فعمل على تصفيته معلنًا أنه لا يوافق على التنظيمات السرية؛ لأنه لا سرية في الدين!!
وفي الوقت ذاته بدأ تنظيم جهاز سري خاص به يدين له بالولاء والطاعة، بل عمد على التفرقة بين النظام السري القديم، وفي خسة ونذالة، تطالعنا الصحف بنبأ اغتيال السيد فايز بواسطة صندوق حلاوة المولد مملوء ديناميت وصل إلى منزله على أنه هدية من الحلوى بمناسبة المولد النبوي، وقتل معه شقيقه الصغير –9سنوات- وطفلة صغيرة سقطت عليها شرفة المنزل نتيجة الانفجار".اهـ
قلت: لذلك صدق العلامة المحدث أحمد شاكر المصري –رحمه الله- حينما قال واصفًا حال الإخوان في ردِّه على أحد السياسيين في جريدة "المصري": "يريد سعادته حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه المسلمين الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدَّامة ينفق عليها الشيوعيون واليهود، كما نعلم ذلك علم اليقين" [تقرير إلى الملك عبدالعزيز آل سعود –رحمه الله- عن شئون القضاء والتعليم ص (48)].
وأحمد شاكر صادق بار في وصفه، وهو أولى أن يُصَدَّق في حكمه على الإخوان؛ لأنه عاصر نشأتهم وعاين جرائمهم، وعرف مصادرهم التي يعتمدون عليها.
فما رأي أبي الحسن في هذا الحكم الشديد من المحدث أحمد شاكر؟ هل يضمه إلى قائمة الغلاة عنده؟ أم يحشره في أتباع ربيع المدخلي الذين لا يصدرون إلا عن أمره؟!!
ويقول محمد سرور في مجلة السنة (عدد26 سنة 1413) في تكفير الحكَّام: "هذا وللعبودية طبقات هرمية اليوم: فالطبقة الأولى: يتربع على عرشها رئيس الولايات المتحدة "جورج بوش"، وقد يكون غدًا "كلينتون".
والطبقة الثانية: هي طبقة الحكَّام في البلدان العربية، وهؤلاء يعتقدون أن نفعهم وضررهم بيد بوش، ولهذا فهم يحجون إليه، ويقدمون إليه النذور والقرابين".
ثم ذكر طبقة حاشية الحكام من الورزاء وقادة الجيش، ثم طبقة كبار الموظفين عند الوزراء..إلخ".اهـ
قلت: وهذا غلو فوق غلو –ظلمات بعضها فوق بعض-، تثبت لكلِّ منصف أن السروريين –الذين هم فرع عن القطبيين- هم خوارج العصر، الذين فاقوا الخوارج الأوائل في غلوهم وحربهم للسنة وأهلها، وكلا الفرقتين: القطبية والسرورية، هما من إفرازات حزب الإخوان، الذي يريد أبو الحسن أن يقحمه إقحامًا في داخل الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
وفي مقال نادر لآخر محدثي مصر العلامة أحمد شاكر –رحمه الله-، حكم فيه حكمًا شديدًا على منفذي عمليات الاغتيال السياسي من الإخوان، حيث إنه عقب مقتل رئيس الوزراء المصري السابق النقراشي على أيدي حزب الإخوان المسلمين، كتب العلامة أحمد شاكر مقالاً في "الأساس" بتاريخ 2/1/1449 سماه بـ: "الإيمان قيد الفَتْك" [جمهرة مقالات العلامة أحمد شاكر (472-475)]، حكم فيه عليهم أنهم خوارج، بل أنهم مستحلون لهذا القتل، فقال: "فهذا مرتد خارج عن الإسلام، يجب أن يعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع، وفي القانون هم الخوارج كالخوارج القدماء"، ثم قال: " وإنما الإثم والخزي على هؤلاء الخوارج القَتَلة مُستحلي الدماء، وعلى منَ يدافع عنهم ويريد أن تتردى بلادنا في الهوة التي تردت فيها أوربا بإباحة القتل السياسي أو تخفيف عقوبته؛ فإنهم لا يعلمون ما يفعلون ولا أريد أن أتهمهم بأنهم يعرفون ويريدون، والهدى هدى الله".اهـ
قلت: وهذا تكفير من أحمد شاكر لأصحاب عمليات الاغتيال من حزب الإخوان، وعلى منهج أبي الحسن يعتبر هذا الحكم غلوًّا شنيعًا وظلمًا بشعًا في حق حزب الإخوان، لا يطيق أبو الحسن أن يتحمله.
وقد سبق أبا الحسن في الذبِّ عن عرض حزب الإخوان، ودفع هذا الغلو –على حد فهم أبي الحسن- عنهم: محمد الغزالي حيث قال في مقدِّمة كتابه "من هنا نعلم" (ص12)( ) قائلاً: "إننا نعرف أن الشيخ أحمد شاكر القاضي بالمحاكم الشرعية أصدر فتوى بأن الإخوان المسلمين كفَّار!! وأن من قتلهم كان أولى بالله منهم (كذا) ( )، والرجل الذي يصدر هذه الفتوى كان أن ينبغي أن يطرد من زمرة العلماء، ومع ذلك فلا نحسب أحدًا أجرى معه تحقيقًا".اهـ
قلت: كذا حكم الغزالي على العلامة المحدث أحمد شاكر، وهو الأولى بهذا الحكم منه لجنايته الواضحة على السنة وأهلها كما تراه واضحًا في آخر كتبه الذي سماه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث".
والعجيب أن الغزالي نفسه لما بان المكتوم من خطط الإخوان السرية وناله منها شيئًا من الأذى قلب رأس المجن، وكاد بلسان مقاله أن يوافق الشيخ أحمد شاكر في حكمه على هذا الحزب الضال؛ فألَّف الغزالي كتابه "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث"، الذي فضح فيه خبايا الإخوان وأظهر سوأتهم القبيحة التي تفضح خبئ مكرهم السيئ.
الأصل السابع: العصبية الجاهلية لرموز الحزب، والغلو فيهم:
وهذا الأصل وضع بذوره حسن البنا ثم ترعرعت الثمرات المرة على أيدي رموز الحزب من بعده.
واقرأ هذا الغلو الشنيع في البنا من سعيد حوى حيث قال في "المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين" (ص183): "ونقطة البداية في الثقة المطلقة بدعوة الإخوان ترجع إلى الثقة بشخص حسن البنا –رحمه الله- ولقد أخذنا هذه الثقة ورضعناها عمَّن هم أمثال الجبال في الثقة، منهم شيخنا محمد الحامد –رحمه الله- الذي كان يعتبر حسن البنا مجدد القرون السبعة الماضية، وليس مجددًا لقرن واحد، والذي كان يعتبر حسن البنا وقد وصل إلى مرتبة الاجتهاد، وهو الذي لا يسلم أن الأمة قد وجد فيها مجتهد منذ عشرة قرون( )، وكل ذلك عن تجربة شخصية مع حسن البنا –رحمه الله-".اهـ
قلت: حسن البنا -الذي يقرر وحدة وأخوة الأديان، ويدعو إلى أخوة الروافض، وقد بايع على الطريقة الحصافية الصوفية، وكان يخرج في الموالد، ويدعي حضور النبي صلى الله عليه وسلم المولد معهم، والذي سنَّ بدعة الاغتيالات- يصير بهذه الضلالات مُجدِّد القرون السبعة الماضية!!
بلى هو مُجدِّد لكنه مُجدِّد مناهج الفرق الضالة والنِّحَل المنحرفة.
والعجيب أن هذا الرجل قال هذه الكلمة وليس للبنا آثار علمية ترفعه إلى مرتبة طالب علم فضلاً عن أن يكون عالِمًا فضلاً عن أن يكون مُجدِّدًا.
وقال د. جابر الحاج –من الإخوان الذين اعتقلوا- في مجموعة أشعار له سماها بـ"نور على الكون أضاء":
إذا ضاقت سيفرجها الودود فإن الله يفعل ما يريد
أخي في الله لا تحزن لأمر سيمضي الهدم والبنا يعود
قلت: هكذا يعتقد هذا الإخواني برجعة البنا، وهذه من لوثة الاختلاط بالروافض، وسكوت أئمة الإخوان عن بيان حال عقائدهم الخبيثة.
والبعض من الإخوان قد يقولها في لحن القول، وإن لم يصرح بها مثل هذا الرجل.
وأبو الحسن –في هذا المقام- لعله يعتذر عن هذا الرجل أنه ما قصد عقيدة الرجعة، وإنما يقصد تحفيز شباب الإخوان أن يجتهدوا كاجتهاد البنا، فتسري روحه فيهم نشاطًا وعملاً للدعوة الإخوانية، ولا يقصد عودته بذاته ...إلخ، كما اعتذر عن سيد قطب في تصريحه الجلي بعقيدة وحدة الوجود !!
وجراب أبي الحسن لا يعدم مثل هذه الاعتذارات عن إخوانه في حزب الإخوان!!
الأصل الثامن: التنظيم السري المأخوذ عن الرافضة والماسونية:
لقد صوَّر محمد الغزالي –أحد القادة الفكريين في حزب الإخوان- ببراعة وجه التشابه بين الرافضة وحزب الإخوان في مسألة التنظيم السري وما أدى إليه من القول بعصمة الأئمة، كما في (ص210-211) من كتابه "معالم الحق" –هذا الكتاب الذي هزَّ الإخوان هزًّا، فقاموا بجمعه من الأسواق وأحرقوه-، فقال: "وربما كان الضغط الذي صادفه التشيع أول أمره سر انتشار هذه الكلمة –أي عصمة الأئمة- فقد استبد الأمويون والعباسيون بالحكم دهرًا طويلاً، وضيَّقوا الخناق على معارضيهم حتى جعلوهم يحيون في جو من الوجل والتوجس..والأحزاب المناوئة للحاكم عندما تفقد نعمة العلانية في التنفيس عن رغباتها والإبانة عن مقاصدها وغاياتها لا ترى بُدًّا من جمع فلولها في الظلام ونشر تعاليمها في شكل رسائل أو منشورات مقتضبة حاسمة..وقد كان طلاب الخلافة من ذرية على يعيشون في هذا الخفاء المسحور، وينالون من الحب بقدر ما يناله الحاكم من سخط، وربما كان بعضهم أعف نفسًا وأصدق قيلاً من أمراء أمية والعباس فهو يرى في مناوشته الحاكم وإسقاطه خدمة للإسلام قبل أن يكون خدمة لنفسه..والوسيلة الوحيدة المقاومة السرية حيث يتلقى الأتباع الأوامر الصادرة من فوق على أنها نصوص واجبة الطاعة، لا مجال ألبتة لمناقشتها أو التملص منها، لا، إن شيئًا من هذا لا يجول بخاطر واحد من الأتباع! فإن تنفيذ هذه الأوامر دين تقبل عليه النفس بلذة وشغف، ولو كانت عقباه العطوب..!ذلك أن مرور الزمن على هذا الكبت يحور الصلة بين الأتباع المضطهدين وسادتهم المختفين حتى تنتهي إلى هذا المصير؛ وخطورة هذا الضرب من المعارضة المستخفية أنه البيئة الخصبة لنمو الأوهام والأساطير، وأظن أن الفرق الكثيرة التي نهشت جوهر الإسلام –من باطينة وقرامطة وغيرها- لم تتولد إلا في هذه البيئة".
إلى أن قال (ص219): "..فإن التسليم للأوهام بعض طقوس الماسونية في هذا العصر، وبعض طقوس الكنيسة في العصور الوسطى المظلمة، أما الإسلام فبرئ من هذه المسالك المحدثة.
إن قيادة الإخوان الآن حريصة على الأوضاع الغامضة والقرارات المريبة الجائرة".
ثم قال (ص225): "وكان الأستاذ حسن البنا نفسه، وهو يؤلف جماعته في العهد الأول، يعلم أن الأعيان والوجهاء وطلاب التسلية الاجتماعية الذين يكثرون في هذه التشكيلات لا يصلحون أوقات الجد؛ فألَّف ما يسمى بالنظام الخاص، وهو نظام يضم شبابًا مدربين على القتال، كان المفروض من إعدادهم مقاتلة المحتلين الغزاة من إنكليز ويهود..وقد كان هؤلاء الشباب الأخفياء شرًّا وبيلاً على الجماعة فيما بعد، فقد قتل بعضهم بعضًا، وتحولوا إلى أداة تخريب وإرهاب في يد من لا فقه لهم في الإسلام ولا تعويل على إدراكهم للصالح العام، وقد قال حسن البنا فيهم –قبل أن يموت- إنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين".
وقال علي عشماوي في كتابه "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" (ص99) في بيان بعض خطط التنظيم السري: "وكان سيد قطب يرى –بعد أن سألنا عن عدد الأفراد الذين في أيدينا وأخبرناه أنهم حوالي ثلاثمائة- كان يرى أن سبعين منهم –على الأقل- سيكونون قادة مبرزين أو إيجابيين أكثر، وقال: يجب أن نبحث عن هؤلاء السبعين، وأن نعمل على إعطائهم جرعات أكثر من الفكر، وأن نبدأ بتدريب هؤلاء تدريبًا خفيفًا؛ حتى يكون ذلك بداية لتأهيلهم في أن يكون قادة العمل الذي نحن بصدده في المستقبل القريب.
تمت إعادات تشكيل المجموعات، وكانت المجموعة بين ثلاثة إلى خمسة أفراد، واتفق على أن يكون لكل خمسة مجموعات قائد، وكل قائد على علاقة مباشرة برئيس المنطقة التي يقوم بالعمل فيها، وبهذا نتمكن من عزل أيّ مجموعات يتم كشفها أو القبض على أحد أفرادها بتهريب المسؤول عن هذه المجموعات، وبهذا لا يتم كشف التنظيم كلّه...".اهـ
الأصل التاسع: عدم التزامهم بتحكيم الشريعة الإسلامية في أصول الاعتقاد والمنهج، وفي كيفية الدعوة إلى الله عز وجل، وفيما بينهم، وتعظيمهم القوانين الوضعية، اعتناق المذاهب السياسية الكافرة، وتمجيدها، والغلو فيها، نحو: الاشتراكية، والديمقراطية:
وهذا الأصل واضح في قيام حسن البنا بوضع عشرين أصلاً، جعلها أصولاً للدعوة دون أن يعرِّج على أصول الإسلام والإيمان التي جاءت في حديث جبريل –عليه السلام-، بجانب الطوام التي سبق الإشارة إليها، والتي هي من حكم الطاغوت بلا أدنى ريب.
وقال الغزالي في كتابه "معالم الحق" (ص230) ناصحًا الإخوان أن يحكموا بما أنزل الله فيما بينهم قبل أن يطالبوا غيرهم بالحكم بما أنزل الله: "والرجل الذي يأبى الحكم بما أنزل الله في خاصة نفسه وفي حدود إخوانه الأقربين لا يتصور منه أن يحكم بما أنزل الله بين الناس، وسيكذبه العالم كله يوم يزعم ذلك، فاحذروا على كيانكم أيها الإخوان هذا التطاول الذي –إذا كره طارد العلماء المجاهدين- وإذا رضي قرب المداهنين والقاعدين، ثم ادعى بعد ذلك أنه يحكم بما أنزل الله".اهـ
وقال العلامة أحمد النجمي في فتواه السابقة: "ومن اعتقاداتِهم السيئة اتخاذ تشريعاتٍ من قبل رؤسائهم كشروط البيعة العشرة، ومن ذلك اعتقادهم بجواز الخروج على ولاة الأمر المسلمين، ومنازعة السلطان أهله".اهـ
وقال خالد مشعل –المتحدث باسم حماس الإخوانية- في لقاء معه بتاريخ (17/7/2007): " الوطن لا يجزأ لا نريد سلطتين ولا حكومتين، ولا كما نتهم إمارة إسلامية، ومن هذا الكلام الفاضي، أقصد بالكلام الفاضي: هذه الاتهامات التي لا دليل عليها".
وقد أكَّد عزيز الدويك -رئيس المجلس التشريعي بحماس الإخوانية- ما صرَّح به خالد مشعل، حيث قال (المصدر: رويترز 23/2/2006): "إن الـحكومة الفلسطينية الـجديدة تـحت قيادة حـمـاس لن تـجبر الفلسطينيين على تبني الشريعة الإسلامية في حياتهم اليومية، ولن تعمل على إغلاق دور العرض السينمائية والمطاعم التي تقدم مشروبات روحية".
وقال د: ناصر الدين الشاعر -نائب إسماعيل هنية-: “إن القانون يجب أن يطبق على الجميع، ومن لا يريد القانون فليذهب إلى الجحيم”( ).
وقال حامد البيتاوي: النائب عن (حماس) في المجلس التشريعي الفلسطيني في حوار معه في جريدة “الغد الأردنية” (20 / 2 / 2006 م): “أما مخاوف البعض من الرجعية وفرض الحجاب وتقييد الحريات، ومنها حرية المرأة مخاوف غير حقيقية، فنحن لسنا حركة ناشئة ولا حركة غوغائية، بل لنا امتداد تاريخي عبر جماعة الإخوان المسلمين المعروفة بفكرها المعتدل، ....نحن لن نطبق الشريعة الإسلامية، ولكننا سنعمل قدر الإمكان على الالتزام بمبادئ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة”.
قلت: فهذه حماس التي تمثل نموذجًا عمليًّا للدولة الإخوانية التي قدم حزب الإخوان في سبيلها دماء آلاف الشباب المسلم، وخدعوهم بأنهم إنما يبذلون دماءهم في سبيل تطبيق شرع الله عز وجل، وأبو الحسن يمرر الخدعة الإخوانية ويباركها بدفاعه المستميت عن هؤلاء الخونة.
قال العلامة مقبل بن هادي –رحمه الله- في المخرج من الفتنة (ص100): "وقد بقي الشباب المصري متحيرًا زمنًا طويلاً يرى الإخوان المسلمين في وادٍ وشرع الله في وادٍ، ومع هذا فهم يزعمون أنهم من الدعاة إلى الله".
وهم يتلونون في باب السياسة على حسب التيار السائد، فلمَّا كانت الاشتراكية لها صولة وجولة في مصر، بل والعالم، كتب أئمتهم في تمجيدها والإشادة بها، بل اعتبروها هي الإسلام، وكتب في تقرير هذا سيد قطب كتابه "العدالة الاجتماعية"، وتبناه حسن البنا، وأئمة حزب الإخوان من بعده، وأشادوا به، واعتبروه معبرًا عن منهج الحزب، والكتاب يحتوي على طعن في الخليفة الراشد عثمان ذي النورين رضي الله عنه، وفي بني أمية، مع إسقاطه لخلافة عثمان رضي الله عنه.
وقال أحمد ياسين –مؤسس حركة حماس-: "حتى ولو فاز الحزب الشيوعي، فسأحترم رغبة الشعب الفلسطيني".
وقال الغنوشي: "إنه يجب طرح الإسلام مثل غيره، ويجب احترام إرادة الشعوب، ولو طالبت بالإلحاد والشيوعية".
وقال عزيز دويك -رئيس المجلس التشريعي بحماس الإخوانية-: "إن أي تغيير في التشريعات الفلسطينية المعمول بها في البرلمان السابق الذي كانت تهيمن عليه حركة فتح سيخضع لاستفتاء شعبي تجسيدًا لمبادئ الديمقراطية التي فازت بموجبها حماس". (المصدر: إذاعة رام الله، رويترز).
وقال: "لا يجوز أن تكون الديمقراطية لغيرنا".
وقال: “سيكون قرار شعبنا هو الفيصل الذي نرجع إليه، والشعب يقضي ما يشاء أو يرفض ما يشاء، فهو وفق كل الأعراف الدولية ووفق مبادئ الديمقراطية، هو صاحب الحق في هذا المجال!!. اهـ
وقال أيضًا في برنامج بالعربي على قناة العربية الفضائية ردًّا على سؤال: إذا اعترفت إسرائيل بالدولة الفلسطينية هل تعترفون بدولة إسرائيل؟
قال: “إذا حدَّدت الحدود سنكون ديمقراطيين أكثر من الغرب نفسه، سنعرض الأمر على الشعب الفلسطيني، فإن وافق فنحن ديمقراطيون نقبل قراره، وإن رفض فهي أرضه وهو صاحب الحقِّ الوحيد فيها”. اهـ
وعلى السنن نفسه جرى إسماعيل هنية حيث قال في برنامج قضية على بساط البحث الساعة 7:45 مساء يوم الأربعاء 3 ربيع آخر 1426هـ الموافق 10 مايو 2005م:
“إن حركة حماس تهدف من وراء دخول المجلس التشريعي تكريس وحدة الشعب الفلسطيني الوحدة الوطنية، وتكريس التعددية السياسية والحزبية”( ).
وقال: “إن حركة حماس ستحترم إرادة الشعب، فمن سينتخبه الشعب سترضى به حماس فنحن دائمًا وأبدًا نبقى مع إرادة الشعب وسنرضى بما ستفرزه صناديق الاقتراع مهما كانت النتيجة؛ لأن صناديق الاقتراع والديمقراطية هي الطريق الصحيح والسليم”.
وقال الناطق الرسمي باسم حماس: فوزي برهوم في حديث أدلى به للقدس العربية:
"الخشية ليس من نتائج الانتخابات، بل من أن نتخطي القانون والدستور والشرعية ونسجل سابقة خطيرة ... إلى قوله: حركة حماس حريصة علي الدستور والقانون والديمقراطية حسب الأصول، وليس حسب مزاج التيار في حركة فتح أو للمزاج الأمريكي..”. اهـ [شبكة الأخبار الفلسطينية: مدار].
قلت: القوم غارقون في الديمقراطية متشبعون بأفكارها، لا يرضون لها بديلاً؛ فبادر أبا الحسن بالتوبة من فتواك بإدخال هذا الحزب في أهل السنة؛ وإلا ..{فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}.
ويدخل في هذا الأصل أيضًا: استحلالهم بعض ما حرَّم الله بشبهات واهية، وتسمية هذه المحرمات بغير أسمائها تضليلاً للمسلمين، وتزيينًا لها في أعين أتباعهم.
ومن هذه المحرمات التي أحلُّوها بشبهات واهية:
1. التصوير بكل أشكاله، حتى المتفق على تحريمه بين العلماء.
2. المعازف والأغاني والرقص، والإنشاد البدعي الصوفي، تحت مسمى الأناشيد الإسلامية.
3. حلق اللحى.
4. اختلاط الرجال بالنساء الأجانب، ومصافحتهن.
5. شرب الدخان، ومن آخر مخازيهم في غزة –كما أخبرني بهذا بعض إخواننا الثقات هناك-، أنهم صاروا يُدخلون الدخان، ويسمونه بالدخان الإسلامي، وتارة يحرمون التأمين الربوي، وتارة يحلونه، {يحلونه عاما ويحرمونه عاما}.
وهذه الأشياء كلها ثابتة عليهم بالأدلة المستفيضة، وأبو الحسن يعلمها يقينًا، ولكن منهجه الواسع الأفيح، اتسع لهذه الفئة الضالة، وضاق على السلفيين، وصار هؤلاء المخذولون مجتهدين مأجورين على اجتهادهم –وإن أحلُّوا المحرمات واستباحوا الحرمات-، والسلفيون غلاة منفرون قواطي صلصلة ...إلخ.
الأصل العاشر: التنفير من العلم النافع، ومن العلماء إلا من والاهم وأقر حزبهم:
قال العلامة مقبل بن هادي –رحمه الله- في المخرج من الفتنة (ص100-101): "وأكبر برهان على انحطاط دعوة الإخوان المسلمين وأنها أصبحت الآن ليست على شيء: نفور العلماء المبرزين منهم؛ فلا تكاد تجد في صفوف الإخوان المسلمين عالِمًا، بل من التحق بهم من متخرجي الجامعات الإسلامية ميَّعوه حتى يصير في منزلة العوام"، إلى أن قال: "وبعض الإخوان المسلمين لا يحبون العلماء، وإن تملقوا لبعض العلماء فمن أجل أن يقضوا بهم مصالح لدعوتهم، فقد أخبرني بعض الإخوة الثقات أنه قال لبعضهم: أريد أن أتعلم العلم عند فلان، قال: هو شيبة، ولكنا نأتي بشاب يعلِّمك، قال: فأتى بشاب جاهل مثلي فبقي معنا أيامًا ثم عرف أننا لا نعبأ به؛ لأنه جاهل فانصرف ولم يأتِ.
وأعظم من هذا أنهم ينهون من التحق بهم من مجالسة العلماء، فقد فصلوا في الأردن من أبى إلا أن يدعو الشيخ ناصر الدين الألباني إلى بيته، ويدعو الناس إليه( )".
ثم قال في (ص103): "والإخوان المسلمون يعلمون أنهم على جهل، من أجل هذا إذا قلت لهم: هذا حلال وهذا حرام وأقمت الأدلة عليه؛ يتملصون من الجواب ويقولون: قال يوسف القرضاوي في الحلال والحرام، قال السيد سابق في "فقه السنة"، قال حسن البنا في "الرسائل"، قال السيد قطب في "ظلال القرآن"، فهل يجوز أن تعارض الأدلة بأقوال هؤلاء؟!".اهـ
فهذه عشرة أصول بدعية –واحدة منها- تكفي في إلحاق حزب الإخوان من بالفرق الهالكة –ولا كرامة-، وذلك ما أفتى به كبار العلماء، وإن رغمت أنف أبي الحسن، وعلى رأس هؤلاء العلماء:
- الإمام ابن باز –رحمه الله-: في إحدى دروسه –رحمه الله- في شرح المنتقى في الطائف، وكانت قبل وفاته -رحمه الله- بسنتين أو أقل.
- الإمام الألباني –رحمه الله-؛ حيث قال عنهم: "ليس صوابًا أن يُقال إن الإخوان المسلمين هم من أهل السنة؛ لأنهم يحاربون السنة"( ).اهـ، وقال –رحمه الله-: " لا يمكن أبدًا التوفيق بين الدعوة السلفية والدعوة الإخوانية، لا بد أن يميل بحقّ إلى أحدهما من الأخرى". (الشريط 600-سلسلة الهدى والنور)، و سُئِل الإمام العلاّمة المُحدّث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-: هل صحيح مقولة إنّ خطر الاخوان المسلمين أشد على الأمة من خطر اليهود والنصارى ؟ فأجابَ -رحمه الله-:"نعم قد يكون ضررهم أكبر، ولكن لا نعاملهم معاملة اليهود والنصارى"، [سلسلة الهدى والنور، شريط 752، دقيقة 33:10].
- العلامة صالح اللحيدان؛ حيث قال – حفظه الله-: "الإخوان وجماعة التبليغ ليسوا من أهل المناهج الصحيحة؛ فإن جميع الجماعات، والتسميات ليس لها أصل في سلف هذه الأمة". ( ).اهـ
- العلامة صالح الفوزان؛ حيث قال –حفظه الله- كما في كتاب "الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة": "أما جماعة الإخوان المسلمين والتبليغ، وجماعة كذا وكذا فنحن ندعوهم جميعًا إلى أن يردوا مناهجهم إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى هدي وفهم السلف الصالح"( ).
ومن هنا نعلم أن حكم بعض العلماء على حسن البنا بالبدعة ليس حكمًا جائرًا، فإن البنا جمع بين عدة أصول بدعية كما بيَّنا، ومن أعظم البدع التي وقع فيها:
أولاً: إهماله للتوحيد واعترافه بأنه لا يهتم به ولا يهتم بإنكار الشرك الأكبر الذي حذَّر منه كل الرسل، وظهر هذا جليًّا في لقاء الشيخ محمد حامد الفقي به، وفي القصة التي نقلها الشيخ محمد عبد الوهاب، وأنه لم يجعله من أصول دعوته في أصوله العشرين، وفي الوصايا العشر.
وثانيًا: تمييعه لعقيدة الولاء والبراء إلى أقصى درجة، بدعوته إلى وحدة الأديان، والأخوة الإنسانية العالمية، وأخوة النصارى والروافض على وجه الخصوص، وظهر هذا جليًّا في كتابه: "السلام في الإسلام"، وفي مقال الشيخ محمد حامد الفقي.
وهو بهذا يقتفي آثار الأب الروحي لحزب الإخوان: جمال الدين الأفغاني الذي يعد –على حدِّ بحثي- أولَّ من سنَّ مبدأ وحدة الأديان، ومبدأ التقريب بين السنة والرافضة، مقتفيًّا في هذا خطط الماسونية الماكرة الهادفة إلى زلزلة الإسلام الحق من جذوره على يد أبنائه.
وهذا ظاهر في ثناء حسن البنا على الأفغاني، وإخوانه من رموز المحافل الماسونية في الشرق؛ حيث قال حسن البنا في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية" (ص182): "بنى مصطفى كامل وفريد ومن قبلهما جمال الدين ومحمد عبده نهضة مصر (!)، ولو سارت في طريقها هذا ولم تنحرف عنه؛ لوصلت إلى بغيتها، أو على الأقل لتقدَّمت ولم تتقهقر، وكسبت ولم تخسر".
وسجَّل هذا أيضًا: محمد ضياء الدين الريس في مجلة “الدعوة” الإخوانية” (عدد 13) (رجب 1397هـ - ص22) حيث قال: “فإنها كانت الوطن (يعني: مصر) الذي اختاره جمال الدين لنشر رسالته لإعادة قوة الإسلام، فتلاه محمد عبده الذي أوجد النهضة في دراسة العلوم الإسلامية، وواصل جهوده محمد رشيد رضا وطنطاوي جوهري، وفريد وجدي وغيرهم. . . ثم ظهرت جماعة الإخوان المسلمين، لتسير على نهج المصلحين السابقين”.
وجاء في مجلة “الدعوة” الإخوانية (عدد 21 ربيع أول 1398هـ - ص23) مقالة لصالح عشماوي تحت عنوان: “حسن البنا مرحلة في تاريخ الكفاح الإسلامي”:
قال العشماوي: “حسن البنا في حربه للاستعمار وثورته للحرية ودعوته للوحدة الإسلامية، إنَّما كان يضع حلقة جديدة في الكفاح الإسلامي بجانب الحلقة التي وضعها جمال الدين الأفغاني.
ولقد جمع حسن البنا بين طريقة السيد جمال الدين الثائر للحرية. . . وبين طريقة محمد عبده... !“.
ومن أعجب ما قرأته في مدح جمال الدين الرافضي الماسوني ما كتبه المدعو محمود عبد الحليم الصوفي أحد قادة حزب الإخوان في كتابه “الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ” (3/574) قال: “وتاريخ جمال الدين يشهد أن من تلاميذه النجباء وأصدقائه المخلصين كثيرًا من غير المسلمين، مثل: أديب إسحاق المسيحي الدمشقي، ويعقوب صنوع اليهودي، وقد شجَّع الأول على إنشاء جريدتي مصر والتجارة، وكان جمال الدين يكتب فيهما بنفسه، وشجَّع الثاني على إنشاء مجلته الهزلية “أبو النظارة الزرقاء”...”.
قلت: وهل هذا مما يمدح به الرجل أم يذم عند المؤمنين الصادقين ؟! فهلاَّ دعا الأفغاني هؤلاء –إن كان داعية إسلامي- إلى الإسلام، بدلاً من هذه المجلات التجارية والهزلية المؤسسة على الفجور والنظريات الغربية الكافرة، ولكن الرجل كان مستميتًا في تقرير وحدة الأديان، ومنافحًا عن إذابة المسلمين مع غيرهم من أصحاب الملل الكافرة.
والسياسة لا دين لها !!
ثم قال: “باختصار كانت حياة الأفغاني مصداقًا للحديث النبوي الشريف: “إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لأمتي من يُـجدِّد لـها أمر دينها (!)”( ).
قلت: وهل صنيع الأفغاني هذا يُعدُّ من التجديد، أم من الإفساد؟! إن التجديد المقصود في الحديث هو قيام المجدِّد بإحياء السُّنن التي اندرست في واقع المسلمين، ويدخل في هذا بالدرجة الأولى تصحيح العقيدة وتصفيتها مِمَّا عَلق بها من شوائب الفِرَق والأحزاب، حتى تعود سلفية نقية موافقة لِمَ كان عليه سلفنا الصالح.
والأفغاني فعل عكس هذا حيث ذكى نار الحزبية والنعرات الجاهلية عن طريق الجمعيات الماسونية، وأذاب عقيدة الولاء والبراء بابتداعه قاعدة التجميع والتمييع، تحت مسمَّى"الوحدة بين الأديان"، و"الوحدة بين السُّنة والشيعة".
أرأيت كيف كان تأثير الأفغاني على حسن البنا، وعلى أتباعه من بعده؛ مِمَّا يؤكد قول من قال: “إن جمال الدين الأفغاني يُعَدُّ المؤسس الأول -أي لأفكار الحزب ومنهجه- والأب الروحي لحزب الإخوان المسلمين”.
ثالثًا: سنُّه الخروج على الحاكم الجائر، وذلك من خلال المظاهرات والاعتصامات والاغتيالات.
رابعًا: اتباعه سنن الماسونية والروافض بإنشاء التنظيم السري.
خامسًا: سنُّه تلك البيعة البدعية القائمة على الطاعة العمياء لمرشد الإخوان.
سادسًا: تحزيبه للمسلمين، وتشكيكه في إيمان كل من لم ينتم إلى حزب الإخوان، ويوافق أهدافه البدعية.
سابعًا: بيعته على الطريقة الحصافية الصوفية البدعية، والتزامه أورادها البدعية، وخروجه في الموالد، وشدُّه الرحال إلى أضرحة الأولياء المقبورين، وتهوينه من شأن توحيد العبادة، بقوله في الأصول العشرين: إن التوسل إلى الله في الدعاء بأحد من خلقه مسألة فرعية ليست من مسائل العقيدة.
ثامنًا: أخذه بمذهب المفوضة في صفات الله سبحانه، وعدم إنكاره على المعطلة والمؤولة، بل يعتبر الحديث في إثبات صفات الله على الوجه اللائق به وما يتعلق بهذا من مباحث في الرد على أهل التعطيل والتأويل من الأمور التي تفرق المسلمين بغير داعٍ، ومن هنا اشتهرت كلمة أحد أعضاء الجماعة الإسلامية الخارجة من عباءة الإخوان: نثبت لله يدًا أو لا نثبت؛ المهم قيام الدولة الإسلامية.
فلا جرم أن يُحكم عليه بالبدعة، ويُحذَّر من حزبه ومن كتاباته.
وكل من كان له ثناء قديم على حسن البنا وسيد قطب وحزبهما من العلماء كان بسبب ما كان يظهر لهم أتباعهم من المحاسن والفضائل المدلسة.
ومن هؤلاء العلماء: العلامة مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله-، فقد قال في كتابه "المخرج من الفتنة" (حاشية ص99): "وكذا حسن البنا ما كنت ملِّمًا بأحواله، وبعد قراءة ما كُتب في بيان أحواله؛ فإذا الرجل مبتدع زائغ".
وإني ما زلت أعجب من حكم أبي الحسن على هؤلاء بأنهم أهل سنة، رغم درايته بلا شك بالشروط التي اشترطها العلماء فيمن يقال فيه: "صاحب سنة".
قال أبو محمد البربهاري –رحمه الله- في شرح السنة (160) (ط خالد الردَّادي): "ولا يحل لرجل مسلم أن يقول: فلان صاحب سنة؛ حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له: صاحب سنة؛ حتى تجتمع فيه السنة كلُّها".
وعقد أبو نصر السِّجزي -رحمه الله- في رسالته إلى أهل زَبيد في "الرد على من أنكر الحرف والصوت" (ص99) فصلاً بعنوان: "بيان ما هي السنة؟ وبم يصير المرء من أهلها؟"، قال تحته: "اعلموا -رحمكم الله- أن السنة في لسان العرب هي: الطريقة فقولنا: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: طريقته وما دعا إلى التمسك به، ولا خلاف بين العقلاء في أن سنة الرسول -عليه السلام- لا تعلم بالعقل وإنما تعلم بالنقل.
فأهل السنة: هم الثابتون على اعتقاد ما نقله إليهم السلف الصالح -رحمهم الله- عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه -رضي الله عنهم-، فيما لم يثبت فيه نصٌّ في الكتاب، ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم -رضي الله عنهم- أئمة وقد أمرنا باقتداء آثارهم واتباع سنتهم، وهذا أظهر من أن يحتاج فيه إلى إقامة برهان والأخذ بالسنة واعتقادها مِمَّا لا مرية في وجوبه..."، إلى أن قال: "وإذا كان الأمر كذلك فكل مدعٍّ للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك عُلِم صدقه وقُبِل قوله، وإنْ لَمْ يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف عُلِم أنه مُحدِث زائغ، وأنه لا يستحل أن يُصغى إليه أو يُناظر في قوله".
وقال الشوكاني في "أدب الطلب" (ص72/ط ابن حزم): "فإن أهل البدع لم ينكروا جميع السنة، ولا عادوا كتبها الموضوعة لجمعها، بل حقّ عليهم اسم البدعة عند سائر المسلمين بمخالفة بعض مسائل الشرع".
قلت: فكيف بهؤلاء الذين قرَّر بعضهم أغلب أصول أهل الضلال من الفرق المبتدعة، أو أقر بعضها، ووالى أصحابها، وهوَّن من ضلالهم، واعتبره مسائل اجتهادية يسع المسلمون الاختلاف فيها ؟! كيف يكون حاله؟!
وأما ما نقله أبو الحسن عن شيخ الإسلام فإن طريقة شيخ الإسلام في معاملة أهل البدع في عشرات المواضع تأبى فهمه السقيم، فلم يكن شيخ الإسلام يصنع صنيعه في إظهار المودة والمحاماة عن طوائف من أهل البدع الكبرى، نحو ما أظهره لحزب الإخوان وجماعة التبليغ، بحجة أنه قد اجتمعت فيهم سنة وبدعة، وطاعة ومعصية، دون الحكم عليهم بالبدعة، وإظهار النكير الواضح على بدعهم وضلالاتهم، والتنديد بها؛ لتنفير الناس عنها وبيان خطورتها على أديانهم.
فلو عاصر شيخ الإسلام ضلالات سيد قطب وحسن البنا وحزب الإخوان وجماعة التبليغ، كيف يكون حكمه عليهم، وتعامله معهم؟
أيحكم عليهم أنهم: أهل سنة، أتمتري أنه –رحمه الله- يحكم عليهم –كما حكم على أمثالهم- بالبدعة والضلالة والانحراف البعيد؟!!
وكذا كيف يكون حكم أئمة الجرح والتعديل الذين سبقوا ابن تيمية؟!!
والله أنا لا أمتري لحظة أن يعاملوا حسن البنا، وسيد قطب، والغزالي، والقرضاوي كما عاملوا رءوس أهل البدع وأئمة الضلال !!
أبا الحسن اتقِ الله في نفسك وفي منهج السلف وفي هذه الأمة، وتذكر أنك موقوف بين يدي ربّ العالمين {وقفوهم أنهم مسئولون}.
أبا الحسن لن تنفعك –كما أنه لن تنفع هؤلاء- مجادلتك عنهم بحجة إنصافهم من حكم أئمة الهدى عليهم بما يستحقون، {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}.
وللحديث بقية إن شاء الله ....
وكتب
أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري
19 ذو القعدة 1432ه
ونقحته في 16 ذو الحجة 1432ه
ملحوظة: الحواشي موجودة كاملة في الملف المرفق.
الملف المرفق من هنا
منقول من شبكة سحاب السلفية من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق